خسائر اقتصادية بفعل النزاع في اليمن تستدعي تدخل الدول المانحة
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
“لم أعد أشتري كل المواد الغذائية لبقالتي فقدرة الناس الشرائية تراجعت مع بداية الصراع، وبات الخبز والثلج هما ما يقبل أهل الحارة على شرائه مني، وكذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير –خصوصًا- مع تدهور سعر العملة، أصبح الناس يكتفون بلقمة العيش تاركين بقية الاحتياجات تحت مسمى (الكماليات)؛ بسبب الفقر وتراجع دخل الفرد، حتى التجار الكبار الذين يبيعون لنا بالجملة تراجعت تجارتهم إلى الأسوأ حتى أنَّ منهم من ترك التجارة واتجه إلى عمل آخر، نحن نعيش في بلد اقتصاده ينهار يومًا بعد يوم”، بهذه العبارات يبدأ أحمد القباطي حديثه عن تدهور عمله، يملك أحمد بقالة في أحد الأحياء الفقيرة وسط محافظة الحديدة غربي اليمن، يشكو من عدم إقبال المواطنين على الشراء من بقالته سوى الضروريات، ما دفعه للاستغناء عن شراء بعض المواد الغذائية.
تاجر مواد غذائية في مدينة الحديدة -فضَّل عدم ذكر اسمه- بين أنَّ الأضرار والخسائر الاقتصادية ناجمة عن ما خلفه الصراع من تبعات والتي انعكست سلبًا على قطاعات مختلفة منها قطاع التجارة الذي تلقَّى النصيب الوافر من الخسائر الناتجة بفعل النزاع، وساهم في تدهور العملة المحلية وانعدام المشتقات النفطية إلى جانب استبدال طرق بديلة عن الطرق التي أُغلقت وهي طرق مستحدثة ووعرة وخطيرة.
يضيف قائلاً: “كنت قبل الصراع أشتري بضاعة لمخازني بحوالي خمسة ملايين ريال، وكانت بضاعة كبيرة وتملأ المخازن، لكن بعد الصراع صرتُ أشتري بسبعة ملايين وهي قليلة مقارنة ببضاعة الخمسة ملايين قبل النزاع”. ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتضرر جانب التجارة بات يؤرق التجار، ويلقي حملاً ثقيلًا على كاهل المواطن المغلوب على أمره، فارتفاع الأسعار يفوق قدرته الشرائية.
ويشير المصدر في حديثه إلى أنَّ الأضرار والخسائر التي أصابت القطاع التجاري تتضاعف وتكبر في الحجم من فترة إلى أخرى لا سيما مع زيادة حدة المواجهات بين الأطراف في البلاد والتي ساهم بدوره في فرض قيود كبيرة أمام حركة التجارة، وسبب أزمة التجار ورؤوس الأموال؛ وهذا دفع الكثير للخروج من البلاد إلى دول أكثر أمناً.
أضرار وخسائر اقتصادية وفق تقارير رسمية
حسب ناشطين فإنَّ الاقتصاد تدهور بشكل كبير جراء النزاع الذي تعيشه البلاد، والذي يشكل عاملًا مهمًا لأمن البلاد وازدهاره، تقارير اقتصادية تشير إلى أنَّ الاقتصاد اليمني يعتمد بشكل رئيس على الثروة النفطية للبلاد إلى جانب اعتماده على الثروة السمكية والزراعية والسياحية وغيرها من القطاعات التي تضررت بدرجة كبيرة خلال سنوات الصراع.
فحسب آخر تقديرات وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء إنَّ سبعة مليار دولار تكلفة أولية تكبدتها اليمن جراء توقف الإنتاج النفطي في مختلف القطاعات. و5,2 مليارات هي خسائر الإنتاج الزراعي خلال عامين فقط تتمثل هذه الخسائر بواقع: 589.9 ملايين هي خسائر قطاع الفواكه و58 مليون دولار خسائر قطاع البقوليات و3,8 مليارات دولار أضرار المحاصيل النقدية والاقتصادية منها البن والقطن.
القطاع السمكي أكبر القطاعات الاقتصادية المساهمة في الناتج المحلي بعد النفط والغاز وقد تضرر بفعل النزاع، فحسب تقرير نُشر في موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2021م أنَّ أكثر من 1.3مليارات دولار هي خسائر القطاع السمكي، وأنَّ قطاع الأسماك تضرر بواقع 141مليون دولار في الرسوم والعائدات والصناعات والخدمات المصاحبة للنشاط السمكي، بالإضافة إلى أنَّ أكثر من 100 ألف موظف فقدوا أعمالهم في القطاع السمكي، كما توقف نشاط 50 مصنعاً ومعملاً للإنتاج، كل هذه الخسائر ألحقت بالاقتصاد اليمني ضرراً كبيراً ودفعت به إلى انهيار وشيك –لاسيما- مع استمرار الصراع.
قدَّر واعد باذيب (وزير التخطيط في عدن) في مؤتمر افتراضي عقده في عام 2022م، أنَّ 90 مليار دولار تعد خسائر مباشرة للاقتصاد اليمني في سبع سنوات من الصراع، وتحدث الوزير في المؤتمر عن تصاعد معدلات التضخم في الفترة الماضية، وتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وأشار إلى أنَّ ذلك أدى إلى انخفاض الإيرادات وتدهور مستوى معيشة المواطنين، وهو الأمر الذي تسبب بحدوث أزمة إنسانية كبيرة أودت بحياة ومعيشة 80% من السكان.
كما أشار الوزير خلال حديثه في المؤتمر الافتراضي، أنَّ العملة الوطنية خسرت من قيمتها أمام العملات الأجنبية، مما ساهم في صعود حاد للأسعار وتدهور مستوى المعيشة وانخفاض متوسط دخل الفرد بحوالي 60%.
يذكر عبدالله النهاري (الأكاديمي الاقتصادي في جامعة الحديدة) أنَّ حجم الأضرار الاقتصادية كبير في جانب البنية التحتية والقطاع الخاص والقطاع الحكومي والكثير من المنشآت الاقتصادية بشكل عام، وأنَّ حجم الخسارة في الناتج الإجمالي أو الناتج المحلي يتزايد منذ بداية الصراع في العام 2014م إلى الوقت الراهن، وأنَّها في تزايد مستمر طالما فقد الكثير من الأفراد أو العاملين في القطاعين الخاص والحكومي أعمالهم، وأنَّ هناك خسائر أخرى في التكوين الرأسمالي الثابت يمتلكه الاقتصاد اليمني في القطاعين العام والخاص.
يوضح النهاري أنَّ هذه الأضرار تشمل توقف الرواتب، وأنَّ القطاع الخاص بدأ بالبحث عن بيئة خارجية مطمئنة، يستطيع أن يحقق فيها أهدافه الاستثمارية، وهذا ما يُفقد الاقتصاد القدرة على تشغيل رؤوس الأموال والعوائد التي يجنيها من تشغيل العمالة وتدوير عجلة الإنتاج والحصول على وارد دخل لعدد أكبر من الأفراد الذين فقدوا وظائفهم أو توقفت رواتبهم في القطاع الحكومي كل هذا يلقي بعبئه على الاقتصاد والحلول التي يمكن أن توضع مستقبلاً لمعالجة ملف الاقتصاد.
أضرار وخسائر اقتصادية حسب تقييم البنك الدولي
جاء في تقرير للبنك الدولي في العام 2021م أنَّ تراجع سعر الريال مقابل العملات الأجنبية، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية وغلاء المعيشة، وأزمة مشتقات الوقود كل هذا تسبب في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وأنَّ استمرار الاقتتال وتجزّؤ سياسات الاقتصاد، زاد من حجم الضغوطات على الجانب الاقتصادي.
وذكر التقرير أنَّ القطاع النفطي تضرر بفعل انخفاض أسعار النفط العالمية، وأنَّ النشاط الاقتصادي تلقى معاناة كبيرة؛ نظرًا لتراجع النشاط التجاري؛ نتيجة لتفشي جائحة الفيروس المستجد(كوفيد-19)، وجاء في تقرير البنك الدولي أنَّ نقص النقد الأجنبي ازداد عمقاً مع قرب استنفاد التمويلات المتاحة من المملكة العربية السعودية لتغطية استيراد السلع الأساسية، وانخفاض صادرات النفط، وتقليص المساعدات الإنسانية.
وأشار التقرير إلى تضرر البنية التحتية جراء الأمطار التي شهدتها اليمن في الأعوام الماضية، حيث تسببت في حدوث سيول شديدة، أدت إلى تدمير للبنية التحتية وخسائر في الأرواح.
ورد في أحد التقارير المنشورة في العام 2016م في مجموعة البنك الدولي أنَّ إجمالي الناتج المحلي انكمش في عام 2015م بنسبة 28 % تقريباً، وذكر التقرير أنَّ الصراع المتصاعد منذ مارس 2015م أدى إلى تعطُّل الأنشطة الاقتصادية وتدمير البنية التحتية على نطاق واسع، وأشار إلى أنَّ منذ الربع الثاني من عام 2015م، توقفت صادرات النفط والغاز، كما انكمشت الواردات، باستثناء المنتجات الغذائية ومنتجات الطاقة الحيوية، وبلغ معدل التضخم السنوي حوالي 30%عام 2015م ويُتوقع زيادته بصورة أكبر مع استمرار ضعف أداء المالية العامة.
وبالمقارنة مع تقرير صادر عن البنك الدولي في يونيو من العام 2021م، أشار إلى أنَّ حجم الأضرار التي لحقت بـ16 مدينة رئيسة في اليمن نتيجة الصراع تتفاوت ما بين 6.9 و8.5 مليارات دولار أمريكي، وأنَّ العاصمة صنعاء في المرتبة الأولى في قائمة المدن الأشد دماراً، تليها محافظة تعز، إضافة إلى مدن أخرى تضررت بشدة وهما محافظتي عدن والحديدة، فيما أصيبت البنية التحتية بدمار واسع النطاق، شمل الطرق الرئيسة والجسور والطرق الداخلية في معظم المدن.
وفي التقرير ذاته، ورد أنَّ الأضرار التي أصابت المدن الحضرية والتي حالت دون وصول الأشخاص والمركبات إلى مناطقهم داخل البلاد، إضافة لما خلفه ذلك من آثار سلبية على التجارة والحركة والقدرة على الوصول إلى الخدمات المحلية، مثل الأسواق والمرافق الصحية والمدارس.
تانيا ميير (مديرة مكتب البنك الدولي باليمن) ذكرت في سياق التقرير أنَّه قبل احتدام الصراع الحالي عام 2015م، كان نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء في اليمن من أدنى المعدلات، كما أنَّه الأقل قدرة في الحصول على الكهرباء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأضحت المسؤولة في تصريح للوكالة أنَّه منذ ذلك الحين، توقفت إلى حد كبير الإمدادات الكهربائية من الشبكة الموحدة، حيث تشير انبعاثات الضوء المرئية من التصوير بالأقمار الصناعية إلى تراجع استهلاك الكهرباء بنسبة 75%، كما يعاني الاقتصاد اليمني بشدة من الآثار التي خلفتها ندرة وقود الديزل فقد تراجعت بسببه إمدادات الكهرباء.
أهمية تقييم الأضرار والخسائر الاقتصادية
وعن أهمية تقييم الأضرار والخسائر الاقتصادية يذكر عبدالله النهاري (أكاديمي)أنَّ المجتمع الدولي لم يقم بتقييم هذه الخسائر لذلك نجد أنَّ هذه التكاليف والخسائر الناجمة عن الصراع تتعاظم في الفترة التي بدأ فيها وحتى الآن ومرشح أيضًا أن تتزايد بمقدار عشرين ضعفًا نتيجة ما نسميه تراكمات الخسائر على القطاعات الاقتصادية وعلى الاقتصاد بشكل عام، يتأثر نمو الناتج فيؤدي إلى إصابة الاقتصاد بكثير من الاختلالات الهيكلية، والخسائر في القطاع الإنتاجي أيضاً تودي بتكلفة الإنتاج.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…