المجتمع المدني يحيي الفن اليمني بمبادراته الطوعية
صوت الأمل – سماح عملاق
تسهم الجهود المدنية المجتمعية في إحياء الفن بفرقها التطوعية، حيث تُظهِر كل فترة مجموعة من الشباب الواعد كي تمارس ما تهواه، وتبذل لأجل الفن الغالي والنفيس دون أي تشجيع رسمي، وهذه المبادرات عصية على السرد، وكثيرة على عدّها في صفحات مضيئة من تاريخ الفن اليمني المعاصر، لكننا نحاول أن نذكر بعض النماذج المشرقة ليس حصرًا إنما على سبل الأمثلة.
ففي العمل الأول من نوعه بمحافظة مأرب، أقيم أول معرض للفنون التشكيلية للسيدات، متضمنًا المرسم الحر الذي شارك فيه 15 فنانة تشكيلية شابة هاوية، ليستمر المعرض خمسة أيام ما بين تسعة مارس 2020 حتى 14 من نفس الشهر، وضم المعرض 65 لوحة تشكيلية فنية من صنع السيدات المأربيات، معظمها تمثل الصراع والسلم في اليمن لتعكس معاناة الشعب اليمني، وتطلعات المواطنين للسلام المنشود. إضافة لمبادرات فنية مبتكرة في زمن الجائحة بإنشاء ألبومات افتراضية عبر منصة «الزووم» في تجسيد عظيم للمشهد الإبداعي المحلي، وهذا المعرض أو تلك الحفلة الافتراضية ليس سوى غيض من فيض، حيث سبقته، ولحقت به مبادرات كثيرة فنية للمجتمع المدني بمختلف حكاياتها وخططها والتحديات والآمال التي تحملها.
مبادرة «مائة يوم فناً” تحدي السلام
يرى الفنان التشكيلي وليد دله، رائد فكرة تحدي (مائة يوم فناً)، حين أطلقه في الـ31 من أغسطس 2020، يرى مبادرته رسالةً للسلام، وللتعبير عن الواقع اليمني بشكل مختلف، وبلغة مقبولة لدى الجميع، كما يقول.
ونشر في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) عقب إطلاق المبادرة: “ولد تحدي مائة يوم فناً، من رحم المعاناة اليمنية، ليوصل آلامها وآمالها للعالم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الواجب جدًا علينا، أن نجتمع من كل أرجاء البلاد وخارجها؛ لنمثل السلام والحب، ونعزز الهوية والسلم الاجتماعي الذي وجب أن يتجسد بألواننا، وهذه فحوى رسالتنا».
(الفنان التشكيلي، مستشار وزارة الثقافة علي الذرحاني)، أبدى إعجابه الشديد بفكرة «مائة يوم فناً” وشجع الفنانين حينها على خوض غمار التحدي، وقال لمواقع محلية عدة: «يبقى الفن عالمًا قائمًا على الخيال، يطوّعه صاحبه كما يشاء، كذلك الفن التشكيلي بمفهومه الواسع، وبمآربه التي يحددها كل فنان حسب رؤيته، ووفق ما يريد الوصول إليه، وهكذا بدأ تحدي مائة يوم فنًا في تناوله الموضوعي، والتنوع العابر للحدود بما حواه في اللوحات الفنية الغنية جمالًا وإبداعًا».
مضيفًا، «إنّها فكرة مدهشة، ورائعة، ومفيدة للغاية، ووسيلة من وسائل التواصل وتبادل الآراء والخبرات والتجارب والتلاقح الثقافي والعلمي والفني والمعرفي والتراثي بين أصحاب الاختصاص والمهتمين، حيث تركزت اللوحات الفنية والرسومات التشكيلية في إطار جمالي مختلف، ينقل طبيعة الحياة في الشارع اليمني، بصخبها المعتاد، غير الآبه بما يجري حوله، إضافة لتناول درر الهوية الوطنية، والإرث الشعبي المتخم بحلل التاريخ العتيق، وكأنها تحاكي كنه اليمنيين التائقين للعيش في سلام، بعيدًا عن الحرب وكوارثها».
الفنان التشكيلي عدنان جُمّن، كان أحد المشاركين في المبادرة والمتحمسين لها، وقد أشار إليها باعتبارها «قسمٌ، قطعه تشكيليون يمنيون على أنفسهم، وهم يخوضون غمار تحدٍ جديد، لا علاقة له بالظروف الصعبة التي يعيشها بلدهم، إذ ينشدون السلام، بأسلوبهم الخاص، وبرؤى تحلّق عاليًا، تحمل وميض الماضي، ومشاعر الحاضر، وآمال المستقبل».
الفنان التشكيلي ردفان المحمدي تحدث في عدة مواقع أثناء انطلاق تحدي «مائة يوم فناً” من ضمن تصريحاته الكثيرة تحدث عن ماهية المبادرة ودافعها فقال:” تنتشر أخبار الحروب في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتوارى الإبداع ورسائل الحب والجمال والسلام، والمبادرة جاءت لنشر الفن بشكل واسع؛ حتى يتمكن من دحر القبح الذي خلفته الأزمة”.
وبكل إصرار أكد المحمدي أنّ الإنسان بحاجة لمشاهدة قيم جمالية؛ ليشبع ذائقته الفنية وحسه العاطفي، وهذا ما عمل عليه من خلال هذه الحملة، ذات الانتشار الواسع بين الفنانين اليمنيين، حد قوله.
في الـ20 من سبتمبر2020، كان عدد المشاركين في التحدي 80 فنانًا وفنانة من الوطن وخارجه، منذ انطلاقتها في الـ31 من أغسطس نفس العام.
«لتعلموا أننا نمثل الفن، ورسالتنا واضحة، لا نحتاج أن نبررها لأحد، وجب أن يخرس الجميع؛ ليُسمع صوت الفن والسلام وحده» هذه آخر كلمات الفنان دله، التي تركها هنا رسالة للجميع في اليوم العالمي للسلام، رافعًا صوته باسم كل اليمنيين التواقين للسلام.
مبادرة «قُمرة اليمن»
تضامن أربعة من الشباب اليمنيين في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية عن اليمن خلال سنوات الصراع، وعمل الشباب مع مؤسسة دعم اليمن والتي دعمها لاحقًا المجلس الثقافي البريطاني، فلم تقتصر مبادرتهم على إنتاج الأفلام بل تدريب الشباب اليمنيين على صناعة الأفلام. وقرر هؤلاء بأن تكون هناك مؤسسة أفلام مستقلة لإنتاج الأفلام لتوحيد جهودهم بعد العمل بسعر القطعة، وكان (قمرة) الاسم العربي للفظة «كاميرا».
تحاول قمرة تقديم عدة أشياء للفنانين، منها توفير مساحة آمنة لإنجاز أفلامهم ومشاريعهم الخاصة، وتقديم استشارات بشكل طوعي، ومساعدتهم في الحصول على هذه المنح الخاصة بصناع الأفلام المستقلين، كذلك مساعدة أي صانع أفلام لديه مشروع أو فكرة ويريد تطوير فكرته.
المديرة التنفيذية لمؤسسة قمرة للأفلام، المنتجة وصانعة الأفلام، يسرى إسحاق، تحدثت عن بدء الفكرة بقولها:»كان هدف قمرة في البداية هو إنتاج أفلام وثائقية إبداعية، نجحنا في البداية إلا أنّ مغادرة بعض أعضاء فريق قمرة إلى خارج اليمن لظروف خاصة تخصهم أعاق العمل جزئيًا، ولم يكن في اليمن فريق مؤهل ومدرب بشكل كبير».
وتضيف يسرى: “كان هذا يشكل تهديداً للمؤسسة فبدأنا بتدريب الشباب في اليمن على صناعة الأفلام؛ كي يصبح جزءًا من فريق المؤسسة الذي يعمل على إنتاج الأفلام لنا أو لغيرنا خارج قمرة».
وضعت يسرى -في ذلك الحين- معايير خاصة في التدريبات، وبدأت بالفعل في تدريب الشباب والشابات، بما يحقق هدف «قمرة» الأساسي.
تؤمن عباس بأن صناعة الأفلام جزء لايتجزأ عن أساسيات التعبير عن الرأي وأساليب إيصال الرسالة الفنية للناس في أسرع وقت، وأقل تكلفة.
وتعمل مؤسسة أفلام قمرة على إدماج الشباب الهادف لصناعة الأفلام ضمن فريق عمل المؤسسة كجزء من المسؤولية الاجتماعية لهم.
تقول يسرى: “أصبحت أحداث العنف في اليمن جزءًا أصيلاً من حياتنا اليومية، لأننا يمنيون لا يمكن أن نستأصلها أو نتجاهلها ولأنّ قمرة نشأت في زمن الأزمة الطاحنة كان لابد أن تكون الرسالة تعبر عن حال اليمنيين وما ساعدنا في ذلك هو أن رسائلنا كانت إنسانية عبر الوثائقيات أو الدراما القصيرة».
وعن التحديات والصعوبات التي واجهت فريق العمل في مخيم «قمرة» تقول عباس: “لم نكن نستطيع عمل إعلانات التقديم لفرص التدريب التي نقدمها “أونلاين”، لأن هذا سيعمل علامة استفهام عند الناس (من أنتم؟) و(من تتبعون؟). فنحن نعيش ظروفًا وأوضاعًا صعبة، لهذا كنا دائمًا نحاول عدم لفت الأنظار ونحاول جاهدين العمل خلف الأضواء»
وأشارت إلى جملة من العوائق، منها آليات اختيار المشاركين في التدريب لأن مستوياتهم متفاوتة، إضافة إلى مشكلة غياب العنصر النسائي في التقديمات: «اضطررنا إلى تنظيم دورات تدريبية مكثفة خاصة بالنساء المبتدئات اللواتي يردن أن يصبحن صانعات أفلام. كان هناك مشكلة الحصول على التصاريح للتصوير، ورغم وجود جهات متعاونة إلى حد ما، لكن الموضوع يأخذ وقتًا طويلًا، مع ذلك نحرص على التنسيق بطريقة مناسبة حتى لا نتعرض لأي مشاكل.»
وبدأت رسائل أفلام قمرة في الشرق الأوسط وأوروبا بالوصول والشهرة مطلع عام 2021، بسبب أفلام قمرة وعلاقات الفريق الشخصية مع بعض المنظمات، ومن أراد أن يعرف عن اليمن وصناعة الأفلام في اليمن يبدأ من مؤسسة قمرة خصوصًا أن قمرة تكبر شيئًا فشيئًا.
تضيف يسرى عباس أنها مع قمرة كانوا محظوظين بفريق العمل المؤمن برسالة قمرة ما جعلها تفكر بشكل إيجابي وخارج الصندوق في تفاعلية كبيرة، لينطلقوا بعدها نحو الإبداع”.
تنهي يسرى حديثها بالقول: “نرى قمرة بعد عشر سنوات بأنّها أول مجتمع لصناعة الأفلام وثائقية ودرامية، والتي من الممكن أن تصل إلى العالمية وتحاكي الأفلام العالمية مثلها مثل أي صناعة أفلام عالمية لها صدى في الشرق الأوسط ونطمح لأن تكون قمرة أكاديمية في صناعة الأفلام لها حضورها في اليمن والشرق الأوسط”.
من طوعية إلى مؤسسة
انطلقت فرقة «فن» الفنية من أستوديو مصغر في مدينة تعز عام 2017م، وقد أقامت هذه الفرقة المكونة من 15 عضوًا تقريبًا، فيها بإقامة الحفلات، وتسجيل الأعمال الفنية، والغنائية.
وبعد عام واحد وتحديدًا عام 2018 حصلت على تصريح رسمي من مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل كمؤسسة فنية رسمية، لتتوسع أعمال « فن» للعمل داخل الوطن وخارجه، حيث أنشأ مؤسس المؤسسة الفنان أبو بكر نجيب فرقته الخاصة بالمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية أيضًا انطلاقًا من مركز « فن « الرئيس في محافظة تعز.
ويعمل أبو بكر نجيب حاليًا في إنشاء أستوديو خاص بفرع المؤسسة في مصر، يقول (مؤسس مؤسسة فن الفنان أبو بكر نجيب) لـ (صوت الأمل)، إن عمل المؤسسة بشكل مؤسسي يتفرع إلى ثلاثة فروع، الأستوديو في إنتاج الأعمال الفنية، وتنظيم الحفلات والمهرجانات، كذلك محور التدريب والتأهيل كإقامته لدورة المقامات الصوتية، والإلقاء، وأساسيات الموسيقى.
وقد أصدرت مؤسسة فن خلال العامين الأخيرين 2020/2021 عدة أعمال فنية لفنانين محليين كالفنانة هاجر النعمان، والفنان عبدالرحمن المنتظر، ومن صنعاء للفنان أحمد سيف، وللفنان صالح البكري، كما أنتجت «فن» أعمالًا فنية للفنان وليد الجيلاني في المملكة العربية السعودية، وعدة إعلانات تجارية لشركة هائل سعيد أنعم، وبنك التضامن الإسلامي، وشركة يمن موبايل.
كما أحيت فرقة فن في تعز عيد العمال العالمي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 2020م، وتألقت فرقة فن في حفلات التخرج التي أحيتها ونظمتها في المدارس والجامعات، وفي الموسم الأول لحفلة (شباب ستون) كان لفن حضورها الطاغي، حسب حديث الفنان أبو بكر نجيب.
ويضيف نجيب: «مثلنا جامعة تعز في الملتقى الفني للجامعات العربية عام 2020م في مصر في أعمال فنية من إنتاج مؤسسة فن، وجهود فريقها الذي فاز بأفضل عرض فني متكامل، كما أقمنا أيضًا مسابقتي القارئ، والمنشد المتميز لعامين على التوالي؛ لنتمكن خلالها من التنقيب عن المواهب المغمورة في مدينة تعز، وتأهيلها، وتدريبها لتظهر أمام الأضواء بأبهى حلّة، ولدينا برنامج وجوه واعدة التي ننتج فيها أعمالًا مجانية للمواهب التي تستحق الدعم والتشجيع باسم المؤسسة».
ومن خطط «فن» حاليًا الإعداد لتمثيل جامعة تعز في الملتقى الثاني مجددًا خلال شهر مارس 2021م، كذلك تعمل فن حاليًا على الإعداد للموسم الثاني لحفلة «شباب ستون» في تعز، ويأمل نجيب من الجهات الرسمية ممثلة بمكتب الثقافات في المحافظات، ووزارة الثقافة إسهامها الفاعل في دعم الفن والفنانين، ماديًا ومعنويًا وتأهيليًا، ويرجو إنشاء أكاديميات ومدارس ومعاهد تقدم دورات تدريبية للموسيقيين والموهوبين من شتى مجالات الفن، ويؤكد أنّ المواهب في بلادنا كثيرة ومبهرة وبحاجة ماسة لمن يأخذ بيديها إلى النور، وهذه مسؤولية عظيمة نحملها على عاتقنا في «فن» دون تمييز أو إقصاء.
ويؤكد نجيب، بأن عمل الفريق يخطط لعشر سنوات قادمة، ويرى المؤسسة بعد خمس سنوات شركة فنية متكاملة بفروعها داخل اليمن وخارجها، مشيرًا إلى أنّ بعض الصعوبات التي واجهته أن الوجود في اليمن من أعظم التحديات، كدولة لاتدعم الفن وتنظر إليه بقصور، كذلك الدعم الذاتي تحديًا، يعمل نجيب مع فريقه على تذليله بجهودهم التطوعية على الدوام.
ويختم الفنان أبو بكر نجيب بالحديث عن رسالة مؤسسة فن، بقوله: «رسالتنا في فن هي النظر إلى الموهبة بغض النظر عن الموهوب، فإن استحقت الموهبة الدعم لن نقصر فنحن مؤسسة فنية بدأت مبادرة في تشجيعها، وإظهارها للجمهور».
استطلاع.. 67.3% للفن دور في دعم ثقافة السلام في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر فبرا…