حينما تتحدى الصعابَ شابّةٌ بعمر الزهور.. التشكيلية أميمة الحمادي
صوت الأمل – سماح عملاق
قبل تمكن خريجة الفنون أميمة الحمادي من الرسم كانت رسامة عصامية وموهوبة بالفطرة، حيث قضت معظم أوقاتها في الرسم، وطورت من مهاراتها باستمرار، وقد استمرت لمدة عام كامل في ممارسة هوايتها -حينذاك- كانت البلد تغرق بأحداث العنف والصراع عام 2016م، ولعدم استقرار الأوضاع واجهت أميمة فراغها عقب إغلاق المعاهد والجامعات، لكنها تصالحت مع وقتها بعد تخرجها من الثانوية العامة لتقدم لوحاتٍ بملامح مدينتها تعز.
تقول أميمة عن تلك الفترة: “سمعت عن دورات لتعليم واحتراف الرسم -عن بعد- كانت تتبع المنتدى العربي للفنون ومقره في صنعاء، وكان مديرهم التشكيلي المبدع ردفان المحمدي، حينها قررت أن أتعلم القواعد الأساسية للفن التشكيلي».
لم يستمر الإغلاق بسبب الصراع كثيراً، فبعد تحسن الأوضاع نسبياً، فتحت الجامعات أبوابها من جديد لتقرر الحمادي تخصصها، والتحقت فعلياً بقسم الفنون الجميلة في جامعة تعز، عللت ذلك بقولها :» من أجل اكتساب المزيد من الخبرات الفنية النظرية، كتاريخ الفن اليمني وعصر النهضة، وطبعاً الفنون لها شعبتان هما الفنون التطبيقية (جرافكس) والفنون التشكيلية فاخترت شعبة الفن التشكيلي، ورأيت أن مستوائي في الرسم الزيتي ليس جيداً حينها، فسجلت في دبلوم الألوان الزيتية لمدة سنة في معهد إبداع شباب ومدربهم التشكيلي علي المربادي».
أميمة مثل جيلٍ بأكمله، تأثرت كثيراً بالصراع وأحداثه التي أثقلت كاهل المجتمع اليمني، تحكي عن هذا الجانب بعد تنهدات عميقة أرجعتها سنوات للخلف: «صحيح أنّ الأزمات والصراعات أثرت على المجتمع من جميع النواحي _خاصة_ الفنانين التشكيليين، حيث نلاحظ أن أكثر لوحاتهم تجسد المعاني والقيم الدموية”.
لكن أميمة كانت عكس ذلك، فهي تفكر أنه من بعد ما خلفه الصراع، تريد أن تظهر رسالتها الفنية؛ لأن المتلقي حين يرى لوحة من لوحاتها ينهض بداخله الشعور بالأمل والحياة، حسب توصيف أحد معجبيها أحمد الكمالي.
ويضيف الكمالي، إنّ لمسات أميمة دوماً مختلفة على الألوان، فهي تريك التعب الذي مرت به، وعاصره هذا الوطن، لكنها لاتخلو من بصيصٍ للضوء الذي يبعث الأمل بانتهاء الأزمة، وعودة الحياة لمجاريها كما كانت وأفضل.
آمال العديني زميلة أميمة بقسم الفنون، ترى أميمة قصةً للعزيمة والإصرار بعد أن تأثرت كثيراً جراء النزاع المتواصل الذي على إثره تضررت حارتها.
وتضيف العديني عن أميمة، بأنّها أيقونة للإبداع، تشعر حين تقف جوارها بأنّها من نسل «دافنشي» الرسام العظيم صاحب الموناليزا التي نسبت إليه، وهكذا هي أميمة، لاتقاوم أن تنسب لوحاتها إلى الحمادي لقبها المنتسب لمنطقة بني حماد إحدى عزل مديرية جبل حبشي في تعز.
وكجمال أميمة الأخاذ بتواضعه وبساطته كانت لوحاتها، التي تحمل بكاء الأطفال، وصراخ الثكالى، ونظرة الحزن لأطلال المدينة من وجه المسنين.
تتجاوز أميمة الظروف التي ألقت بها الأزمة في طريقها بقوة الإرادة وإيمانها العميق بالله، فقد تجاوزت محناً كثيرة كمعاناتها جراء أحداث الصراع، وتضرر منازل المدنيين التي كانت وعائلتها أحدهم، فهي دوماً بابتسامة أمل تقول «إنّ الله قادر على كل شيء وسيتوقف هذا الوضع لنعيش في سلام، فلا شيء مستحيل ومستعصٍ”.
تحكي أميمة عن أصعب مواقف حياتها إضافة لما سبق، لحظة وفاة والدها الداعم الأكبر لها في أزماتها الصحية، والنفسية، ورحلتها التعليمية، فرحيله سبب لأميمة صدمة قوية حاولت تجاوزها مع الأيام، بينما تسرد أسعد لحظاتها، كانت بتاريخ 12/12/2021 حين ارتدت قبعة التخرج، وكللت اجتهاد أربع سنوات زادتها الأحداث عاماً، كانت لحظات تخرجها بوجود عائلتها المحبة والملتفة حولها لتواري دموع فرحتها.
وعن الطقوس الخاصة بالحمادي نلحظ أنّ كل هذا الإبداع يتجلى بعد أن تنعزل في غرفتها مع لوحاتها بعيداً عن الضجيج ومصدر التشتيت، مع قطعةٍ من «الشيكولاه «طبعاً أو كوب من القهوة، وعلى إيقاع موسيقاها المنتقاة بعناية تبدأ بوضع اللمسة الأولى على اللوحة.
وحين سئلت أميمة سؤالاً مفاده «أين تقع تعز من لوحاتها»؟ أجابت بقولها: “الأحرى أن نقول أين تقع لوحاتي من تعز، فسعة المدينة تحتضن إبداع أبنائها، ولوحاتي باختصار هي تعز، مدينتي الحالمة الفخورة الجريحة المنكسرة المقاومة المصرّة العنيدة القوية التي تعرضت للخذلان».
وقد أسهم فن أميمة في تدعيم قيم السلام بتجنبه لليأس، وزراعته للأمل عن طريق الانتقاء المتميز للألوان والخطوط والخرابيش _حسب وصفها_، فهي ترى أنّ اللوحة مهما كانت سوداوية تشفّ الواقع الحالك لابد أن تحمل بصيصاً للضوء والتفاؤل بالغد المشرق.
وعن تحدٍ واجهته الحمادي تقول: «في مسابقة للرسم بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» كان المتنافسين فيها تقريباً 30 فناناً من مختلف المحافظات، وسيختارون حينها فائزاً واحداً فقط».
وفي تلك المسابقة لم تتردد أميمة بالتقدم للمنافسة واعتبرت الأمر تحدياً مفروضاً، فأنجزت لوحة بألوان الغواش المائية ومن وحي خيالها، ثم أرسلتها إلى مجموعة المسابقة فكان اختيارهم صعباً، وحين وقع الاختيار على لوحة أميمة شعرت حينها بإنجازٍ عظيم؛ وأرجعت السبب إلى إيمانها بأنّ لا شيء مستحيل.
تتحدث -أيضاً -عمن شجعها لتكون أميمة الحمادي اليوم بقولها: “والدي _رحمة الله عليه_ كان أول داعم لي في حياتي وهو الذي زرع حب الرسم في داخلي منذ الصغر؛ فقد كان يمدح كل رسمة أرسمها مما زاد شغفي بالاستمرارية، ووالدتي لم تقصر يوماً بمؤازرتي، وكانت دوماً نعم الصديقة».
مرت أميمة بمواقف شتى أيام الجامعة، فما بين الضغوط وكثرة المشاريع والاختبارات كانت دوماً تنجز مشاريعها قبل موعد التقييم بأربعة أيام، وفي بحث ومشروع تخرجها بذلت جهداً وصفته «بفوق الاحتمال والطاقة» لأنّ البحث والمشروع لم يكن ضمن مجموعة إنّما قدموها فرادى، مع ذلك تجازوت الحمادي التجربة لتكون ضمن أوائل دفعتها.
وتقدم أميمة نصيحة خاصة توجهها لجيلها من هواة الفنون بقولها:» أحب أن أقول لكم، لا تتوقفوا عن الرسم، استمروا حتى تصلوا لمبتغاكم سواء بدأتم من الصفر أو حتى من المتوسط، فالفرق يحدث بالعزيمة على الاستمرار لاأكثر».
وتجد أميمة نفسها بعد خمس سنوات من هذا اللقاء كواحدة من أفضل الفنانين التشكيليين العرب _حسب قولها_، وللوصول إلى صورتها المرسومة فقد وضعت خططها المستقبلية برسم لوحات جديدة تحمل معانياً وقاسماً مشتركاً واحداً، وإنشاء معرض خاص يحمله اسمها، والمشاركة في المعارض الدولية ما أمكنها ذلك. وتطمح أميمة بالسفر للبلدان المهتمة بالفنون، وزيارة المعارض الإقليمية والعالمية التي تحتفظ بلوحات من العصر الذهبي وعصر النهضة، كما ترجو في المستقبل القريب أن تصل لوحاتها وفنها لمستوى الاحترافية، وأن تبتكر أسلوبها الخاص، كما تطمح للعالمية، وتتمنى أن تدرس في أكبر مدارس الفن التشكيلي في الخارج أيضاً.
استطلاع.. 67.3% للفن دور في دعم ثقافة السلام في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر فبرا…