تحديات ضخمة وحلول تائهة
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
توقف الصراع والمصالحة السياسية شرطان أساسيان لإعادة بناء الاقتصاد
يواجه الاقتصاد اليمني جملة من التحديات المستجدة، جراء استمرار الصراع، وتعثر قطاع النفط والغاز، وانقسام وتشرذم المؤسسات الاقتصادية والإيرادية، وانخفاض التحويلات المالية الخارجية، وتضرر مؤسسات القطاع الخاص وتقييد حركة التجارة الخارجية، وانكماش النشاط الاقتصادي بوجه عام.
وقد أدت التشوهات الناجمة عن تجزئة القدرات المؤسسية، لا سيما البنك المركزي، وتضارب القرارات المتعلقة بالسياسات بين مناطق السيطرة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وانقطاع الخدمات الأساسية، والنقص الحاد في مدخلات الإنتاج الأساسية، أبرزها الوقود.
ويؤكد الباحث الاقتصادي رشيد الحداد لـ”صوت الأمل” أن الأوضاع الاقتصادية شهدت تدهورا سريعًا جراء الصراع الذي تسبب بانخفاض صادرات النفط وتقلص حجم الدعم الإنساني، وتوقف الأنشطة الاقتصادية في نطاق واسع، وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج.
ويضيف الحداد: “توقف العمل بالموازنة التي كانت تساهم بنسبة 33% من الناتج المحلي الإجمالي منذ سنوات، والقيام بأبسط وظائفها الاجتماعية والتنموية، مما تتسبب بآثار كارثية على الأنشطة العامة والخاصة ومختلف فئات المجتمع”.
وتابع: “يواجه الاقتصاد اليمني تحديات وأزمات متعددة مع ما يرتبط بها من آثار خطيرة، وبشكل رئيس أزمة نقص الوقود المتكررة، التي كان لها أكبر الأثر على مختلف القطاعات الخدمية –خاصة قطاعي الكهرباء والصحة-، بالإضافة إلى جائحة فيروس كورونا المفاجئة التي أثرت سلبًا على الاقتصاد وقذفته في ركود عميق”.
أثرت سنوات الصراع على النمو الاقتصادي الفعلي والمحتمل، وقضت على المكاسب المحققة بسبب الخسائر في رأس المال المادي والبشري والتشرد الداخلي، وتشرذم المؤسسات المالية، وهروب رأس المال الوطني وهجرة الكفاءات.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن تعافي الاقتصاد يحتاج إلى تسوية سياسية، وتوحيد مؤسسات الدولة وتدفق الدعم الخارجي واستئناف وظائف الموازنة العامة، والتوافق حول أهم السياسات التنموية والاقتصادية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة.
في دراسة “الأولويات الاقتصادية لاتفاق سلام دائم في اليمن” الصادرة عن مبادرة إعادة تصور الاقتصاد اليمني يونيو 2020، يوصي الخبراء الاقتصاديون بحزمة من الحلول للقضايا الاقتصادية، مؤكدين أن الاستقرار الاقتصادي ضروريٌ لاستعادة ثقة اليمنيين في عملية السلام وبناء رأس المال السياسي.
وتؤكد الدراسة، التي أعدها كوكبة من خبراء الاقتصاد الوطني، أن الصراع في اليمن تمحور إلى حد كبير حول السيطرة على الموارد والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية الرئيسة، مشيرين إلى أن معالجة القضايا الاقتصادية تضمن الخروج من الحلقة المفرغة للصراع والهشاشة وبدء مرحلة تحول اجتماعي واقتصادي وازدهار دائم.
كما أوصى خبراء الاقتصاد أن يكون هناك اتفاق حول الخطوط العريضة لأولويات برنامج الحكومة الجديدة، بما في ذلك إعطاء الأولوية للنفقات العامة التي تعزز التعافي الاقتصادي وتحفز النمو، وإعطاء الأولوية للقطاعات الهامة كقطاع الكهرباء.
مشددين على ضرورة إنهاء انقسام مؤسسات الدولة، من خلال الاتفاق على آليات واضحة وإطار زمني لمعالجة الانقسام، وخاصة تلك المؤسسات التي تلعب دورًا جوهريًا في اقتصاد اليمن، مع الالتزام بالعمل ضمن نطاق هذه المؤسسات بعد إعادتها إلى وضعها السابق، والاتفاق على إنشاء مجلس يجمع بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وتكليفه بصياغة السياسات الاقتصادية.
مضيفين: “يمكن أن توفر الفترة التي تلي اتفاق السلام مباشرة فرصة سانحة للشروع في تطوير وصياغة رؤية جديدة للتنمية، وعلى ضوئها يوضع برنامج إصلاحات اقتصادية هيكلية شاملة”.
ويؤكد الخبراء على أهمية أن يحل اتفاق السلام مشكلة المرتبات المستعصية، على نحو مدروس ومحسوب العواقب، ترافقه عملية واضحة وشاملة لإزالة الموظفين المزدوجين (معالجة الإزدواج الوظيفي والموظفين الوهميين من كشوف المرتبات) وتمكين البنك المركزي اليمني من أداء دوره وفقًا للقانون، مع إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك وفق المعايير المذكورة في قانون البنك المركزي، ووفق شروط الكفاءة والنزاهة.
ويشدد الخبراء في توصياتهم، التأكيد في الاتفاق بين أطراف الصراع على إلزام الحكومة بأقصى درجات الشفافية في ملف المساعدات المقدمة من الدول المانحة والنص على أحكام الرقابة ذات الصلة، وإيداع عائدات النفط والغاز في حساب خاص في البنك المركزي، مع وجود مراقب مدقق دولي لهذا الحساب والتزام الحكومة بأعلى معايير الشفافية في إدارة هذا القطاع الهام.
يقول خبير الاقتصاد الوطني أحمد سعيد شماخ -عضو مجلس الشورى- لـ”صوت الأمل”: “إن الواقع الراهن في اليمن يؤكد أن هناك أموالًا وفوائضَ مالية هاربة إلى خارج الحدود منذ العام 2010م تقدر بأكثر من واحد وثلاثين مليار دولار، كان المأمول بهذه الأموال أن تنهض باليمن في أقل من خمسة عشر عاماً لكن المشاكل والعوائق السياسية والسياسات الاقتصادية الرخوة حالت دون توظيف تلك الأموال لإحداث نقلة وتنمية حقيقة في البلاد، ويجب هنا محاولة اجتذابها وإعادتها من جديد”.
مضيفًا: “هناك ضعف كبير في استغلال إمكانياتنا في استثمارات منتجة؛ وعليه ينبغي إيجاد حلول نهائية لتنقية البيئة والأجواء والمناخ المناسب والمشجع للاستثمار، وإيجاد الأسواق المحلية خلال فترة الصراع لتصريف منتجاتنا وكفاية أسواقنا المحلية والاستعداد للانتقال لما بعد مرحلة توقف النزاع بالتصدير إلى الخارج”.
دعا شماخ إلى تأسيس هيئة اقتصادية من مختصين ومتخصصين في الاقتصاد الصناعي والزراعي والتكنولوجي والعلمي تشرف وتنسق على هذا الإنجاز بحيث يكون هدفه الأول بناء اقتصاد يمني مستقل بعيداً عن أي تبعات خارجية.
يُجمع خبراء الاقتصاد أن توقف الصراع المسلح والمصالحة السياسية في نهاية المطاف، بما في ذلك عودة تنفيذ سياسة الاقتصاد الكلي الموحدة، هما شرطان أساسيان لإعادة بناء الاقتصاد وإعادة بناء النسيج الاجتماعي.
تزايد اهتمام المجتمع الدولي بالوضع الإنساني والكارثي في اليمن الناجم عن الصراع، وأصبحت خطط الاستجابة الإنسانية ضرورة إنسانية وحياتية، الأمر الذي انعكس في زيادة نسب التغطية لمتطلبات الخطط الإنسانية لحماية اليمنيين.
ووفقاً لبيانات موقع تتبع التمويل لخطط الاستجابة الإنسانية لليمن، بلغت تمويلات خطط الاستجابة الإنسانية لليمن التي تتبناها الأمم المتحدة، منذ عام 2015 وحتى نهاية 2021، أكثر من 13 مليار و716 مليون دولار، ساعدت اليمن على الهروب من المجاعة.
وأظهرت بيانات موقع تتبع التمويل التابع للأمم المتحدة أن تمويلات خطط الاستجابة الإنسانية لليمن في عام 2015 بلغت 885 مليون دولار، ومليار و26 مليون دولار عام 2016، ومليار و753 مليون دولار في 2017، إضافة الى مليارين و511 مليون دولار في 2018، وثلاثة مليارات و635 مليون دولار عام 2019.
فيما بلغت تمويلات خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2020 مليارًا و998 مليون دولار، ووصلت تمويلات خطة الاستجابة للعام 2021 حتى نهاية شهر أغسطس مليارًا و934 مليون دولار، وجاءت تمويلات المانحين لليمن المقدمة للأمم المتحدة داخل خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن من 40 دولة و41 مانحاً، من بينها منظمات وجمعيات دولية وعربية.
واعتمد العمل الإنساني في اليمن على استراتيجية تستهدف مواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن من خلال التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والعديد من البلدان والمنظمات الدولية، بهدف حصول اليمنيين على المساعدة في كل المجالات المتضمنة في القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
وذكرت دراسة “المساعدات الخارجية بين الإغاثة والتنمية” أن مجمل التمويلات صرفت لتدخلات واحتياجات إنسانية طارئة وإغاثية، وكان تنفيذ الإغاثة الإنسانية قريبًا من الأهداف المخططة رغم تفاوتها من قطاع إلى آخر.
وتوضح الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي مايو 2021 أن 74% من إجمالي التمويل قد ذهب إلى أربعة قطاعات رئيسة ترتبط بتعزيز سبل العيش والبقاء على قيد الحياة وتوفير مختلف الخدمات الأساسية.
ووفقاً لبيانات تقرير الأوتشا، اليمن، فإن مستوى التمويل لخطط الاستجابة الإنسانية -أعداد مختلفة للسنوات 2015-2019- بلغت نسبة الإنجاز في قطاع التغذية الصحية 100% بلغ متوسط المستفيدين خلال ذات الفترة حوالي 125% من إجمالي المستهدفين، و102% في قطاع المياه والنظافة والصرف الصحي.
فيما بلغ متوسط المستفيدين في قطاع التعليم 88.5 % من إجمالي المستهدفين، و75% لقطاع الحماية و65.2% لقطاع الأمن الغذائي والزراعة، وسجل قطاع العمالة الطارئة وإعادة التأهيل المجتمعي أقل نسبة إنجاز خلال الفترة بمتوسط بلغ 52% فقط من إجمالي المستهدفين.
ويقدم المانحون أموالهم لدعم العمل الإنساني في اليمن للأمم المتحدة دون تخصيص، وتقوم الأمم المتحدة بتخصيصها وتوزيعها على وكالاتها والمنظمات العاملة في اليمن.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة تعمل 267 منظمة تحت إطار أنشطة وبرامج خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، منها عشر وكالات تابعة للأمم المتحدة، و38 منظمة غير حكومية دولية (INGO)، و206 منظمة غير حكومية وطنية (NNGO)، و13 جهة حكومية. تشير تقارير مستوى التمويل لخطط الاستجابة الإنسانية إلى أن مستوى المساعدات الإنسانية المقدمة قد تغير من سنة إلى أخرى، وقد تفاوت متوسط نصيب الفرد من تلك المساعدات خلال 2015- 2019 (إجمالي المساعدات على عدد السكان)؛ حيث كان أعلى نصيب للفرد عام 2019 حوالي 118 دولاراً، فيما كان أدنى نصيب للفرد في العام عام 2016 حوالي 33 دولاراً فقط، وفقاً لمعطيات التمويل.
43% : الصراع أبرز العوائق امام عمل القطاع الخاص في اليمن
صوت الأمل قالت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر لصالح صحيفة صوت الأمل، في ش…