وضـع اقتـصادي صــعب

صوت الأمل – عبد الجليل السلمي

الأوضاع الاقتصادية الهشة ألقت بظلالها سلبًا على الوضع الإنساني

استمرت الأحوال المعيشية في البلاد بشكل عام في التدهور بسبب ضعف الاقتصاد الذي يمر بظروف حرجة للغاية، ووصلت معدلات التراجع التراكمي في المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية إلى أسوأ مراحلها، في ظل الصراع الجاري وحالة الانقسام في المؤسسات الاقتصادية، وتقلص بنسبة 50% منذ تصاعد الصراع.

وألقت الأوضاع الاقتصادية الهشة بظلالها على الوضع الإنساني والاجتماعي، حيث جعل الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات ما لا يقل عن (24) مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بينهم (12.3) مليون طفل و(3.7) ملايين نازح داخليا وفقاً لتقرير البنك الدولي.

وأكد أحدث تقرير للبنك الدولي أغسطس 2021 أن الصراع دمر الاقتصاد اليمني؛ حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي بمقدار النصف منذ 2015، ما وضع أكثر من 80% من إجمالي السكان تحت خط الفقر.

أضرار وخسائر اقتصادية ضخمة

دخل الاقتصاد اليمني مرحلة الانكماش المتطاول منذ عام 2014، وبلغت ذروته عام 2015 على نحو غير مسبوق، حيث أصيب الاقتصاد بشلل شبه تام وخسر حوالي ثلث ناتجه المحلي المحتمل؛ نتيجة توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية في القطاعات العامة والخاصة.

وقال تقرير “تقييم تأثير الحرب في اليمن: مسارات الانتعاش” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2021 إن الاقتصاد اليمني خسر (126) مليار دولار، في النشاط الاقتصادي المفقود “الفرص الضائعة” من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل منذ عام 2015، مع زيادة مدة الصراع، وتعطيل الأسواق والمؤسسات وتدمير البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية.

وأضاف التقرير -وهو التقرير الثالث الذي يرصد تأثير النزاع على اليمن- أن الصراع وتداعيته الاقتصادية دفعت (15.6) مليون شخص إلى الفقر المدقع و(8.6) مليون شخص إضافي يعانون من نقص التغذية.

 وخسر الاقتصاد اليمني جزءًا كبيرًا من التكوين الرأسمالي للقطاعين العام والخاص -خلاصة العمل والانجازات الاقتصادية على مدى العقود الماضية- حيث تعرضت مرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية والبنية التحتية والإسكان لأضرار بالغة، وقدر البنك الدولي في تقريره الصادر في يونيو 2021، خسائر اليمن على مستوي البنية التحتية جراء الصراع المستمر بنحو ثمانية مليارات ونصف المليار دولار.

تدهور سعر الصرف زاد معدلات الفقر

  تسبب فقدان قيمة العملة المحلية بتأثير تضخمي على ضروريات الحياة التي أصبحت أكثر تكلفة للجميع، وفقدت العملة الوطنية 200% من قيمتها الحقيقية أمام العملات الأجنبية خلال السنوات السبع الماضية.

 ويُجمع خبراء الاقتصاد أن انخفاض قيمة العملة تسبب في أضرار أكثر لليمنيين من الصراع المحتدم في البلاد، كون العنف المباشر للنزاع يؤثر على بعض الناس، لكن ارتفاع أسعار الغذاء يؤثر على الجميع.

ويبلغ تباين سعر الصرف بين الشمال والجنوب للدولار -(1.150) للدولار في عدن، و(600) ريالاً للدولار بصنعاء- حالياً يقدر الفرق بـ(550) ريالاً، وكانت هناك زيادة بنسبة 46٪ من الجنوب إلى الشمال.  

وقال الباحث الاقتصادي نجيب العدوفي لـ”صوت الأمل” إن تراجع قيمة الريال تنذر بالخطر، وعدم وجود دعم مالي إضافي لليمن يزيد من مخاطر ارتفاع الأسعار المستمر، مؤكداً أن اختلاف السياسات النقدية بين أطراف الصراع قوض استقرار العملة. وقد أرجع أسباب تراجع سعر الريال إلى تآكل احتياطي اليمن من النقد الأجنبي، وانخفاض تحويلات المغتربين اليمنيين إلى اليمن، وعوائد بيع النفط الخام، وتراجع المساعدات الخارجية.

وأشار العدوفي إلى أن أثر تقلبات سعر الصرف ينتقل إلى أسعار السلع بصورة فورية دون إبطاء؛ حيث يقوم التجار ببيع سلعهم بما يعادلها بالريال اليمني وفقا لآخر أسعار الصرف المتداولة في سوق الصرف الموازي بغض النظر عن وقت استيراد السلع المباعة، مما يجعل أسعار السلع المستوردة والسلع المنافسة للواردات والسلع المعتمد انتاجها على مدخلات مستوردة في حالة تقلب دائم تبعاً للتقلبات في سعر الصرف.

وتعد أزمة العملة من أخطر التحديات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد اليمني، وتزداد خطورتها أكثر في بلد يستورد 90%  من احتياجاته الأساسية من العالم الخارجي، بما في ذلك الغذاء والدواء والكساء والوقود، ما يجعل الأسعار المحلية والظروف المعيشية للمواطنين رهينة لسعر الصراف.

وانعكست آثار تداعيات ارتفاع سعر صرف الدولار والانخفاض السريع لقيمة الريال اليمني سلبًا على أسعار الخدمات الاجتماعية (المياه والصرف الصحي والتعليم والصحة والطاقة، بما فيها الكهربائية والشمسية)؛ مما أدى إلى زيادة حالات الفقر في المجتمع.

واقع معيشي كارثي

كشفت أحدث المؤشرات حول الأزمة الاقتصادية لليمن الحالة الكارثية للسكان بعد تجاوز الفقر مستوى الخطوط الحمر في ظل استمرار أزمة المرتبات وتراجع النشاط الاقتصادي وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40% من الأسر اليمنية فقدت مصدر دخلها الأساسي، وفقاً للأوتشا (خطة الاستجابة الإنسانية) مارس 2021.

 ويشير تحليل أوضاع الرفاهة إلى أن الصراع، وما يرتبط به من عوامل، أدى إلى زيادة إجمالي معدل الفقر؛ حيث يتراوح من 71% إلى 78%، وكانت النساء أشد تضررًا من الرجال، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وتعد صدمات الأسعار وتقلبات سعر الصرف والإفراط في العرض النقدي وزيادة الأعباء الضريبية وازدواج الرسوم الجمركية ضمن أهم العوامل التي تقود ديناميكيات التضخم في اليمن. ووفقاً لتقرير “آفاق الاقتصاد العربي 2021” الصادر عن صندوق النقد العربي فقد جاء اليمن في المرتبة الثالثة عربياً في مستوى التضخم الاقتصادي؛ إذ تجاوز 40% خلال العام الماضي.

ويعد اليمن مستوردًا صافيًا للغذاء، حيث يستورد 90% من احتياجاته الغذائية الأساسية من الخارج، وتنعكس هزات سعر الصرف على معيشة السكان، الذين يعتمد 80 ٪ منهم -حوالي (24) مليون شخص- على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، وفقاً للأمم المتحدة.

وشهدت أسعار السلع الرئيسة زيادة بأكثر من الضعف، أسعار طحين القمح زادت بنسبة 146٪، والزيت النباتي بنسبة 130٪، والأرز بنسبة 174٪ من فبراير 2016 إلى مايو 2021، فيما ارتفعت أسعار الوقود بواقع 1300%.

يقول ثلاثة من كل خمسة يمنيين إنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف المواد الأساسية ويلجؤون إلى عمالة الأطفال وزواج الصغيرات لتخفيف النفقات، وفقاً لنتائج استطلاع أجرته لجنة الإنقاذ الدولية.

وأدى الجمع بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض الدخل إلى انخفاض كبير في الدخل الحقيقي لجميع السكان، بما في ذلك الأسر ذات الأوضاع الصعبة التي لا تكاد تكون قادرة على التعامل مع أي انخفاض إضافي في القوة الشرائية.

وتوقع البنك الدولي في تقريره “أزمة الأمن الغذائي في اليمن” اضطرار الأسر إلى الاختيار بين الاحتياجات الملحة التي يجب إشباعها أكثر من أي وقت آخر مضى خلال النزاع.

وأضاف البنك: “قد تضطر الأسر إلى التخلي عن الحد الأدنى من النظام الغذائي المناسب، والرعاية الطبية اللازمة، والتعليم للأطفال، والسكن اللائق، وعدد من الاحتياجات العاجلة الأخرى”.

وأشار إلى أن أزمة الأمن الغذائي الحالية تمتد إلى ما هو أبعد من القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، وهي أزمة تواجه الأسر فيها صعوبة في تلبية جميع الاحتياجات العاجلة، الغذائية وغير الغذائية.

المسح الأسري الذي أجراه برنامج الأغذية العالمي يوضح مدى الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة، وأمكنه إظهار الصعوبات التي تواجهها الأسر في الوصول إلى الاحتياجات غير الغذائية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع.. الغذاء أهم الاحتياجات الإنسانية لليمنين في ظل الصراع بنسبة %36.9

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر ينا…