المهندس العاقل: تداخل الجهات المشرفة وتضارب القوانين اهم مشاكل التعليم الفني
صوت الأمل – حاوره رئيس التحرير
التعليم الفني والتدريب المهني حجر زاوية في تحقيق التنمية المستدامة
أضحت مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني مكونًا رئيسيًا للتنمية، يتجلى أبرز أدوارها في فتح آفاق عمل جديدة للشباب _خاصة_ العاطلين عن العمل من خلال صقل مهاراتهم الفنية والمهنية.
كما تعمل المخرجات على تعزيز البنية التحتية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار، وتلبية احتياجات سوق العمل، بما يتناسب مع متطلبات التنمية المستدامة وفقًا لمعايير تلبي طموحات الشباب في تحقيق مستقبل آمن.
ويبقى العنصر الإنساني هو العامل الأهم والمحور الأبرز في عوامل تحقيق التنمية الشاملة، وهنا يكون الفارق بين التركيز على الاهتمام بالعوامل المادية الداعمة، والعامل البشري الذي هو الأساس والمنطلق والهدف للتنمية بمختلف جوانبها.
في هذه المقابلة نستعرض عدة جوانب متصلة بالتعليم الفني والتدريب المهني مع المهندس عبد الوهاب العاقل – نائب رئيس يمن انفورميشن سنتر YIC- الخبير الوطني ونائب وزير التعليم الفني والتدريب المهني الأسبق.
كيف تقيم واقع التعليم الفني والتدريب المهني في اليمن في الوقت الراهن؟
في الحقيقة، الإجابة عن هذا السؤال هي في السؤال نفسه، وبالذات” وضع اليمن في الوقت الراهن ناهيك عن جزئية واقع التعليم الفني والتدريب المهني.
لكن أسمح لي أن أقدم لك تقييمي الشخصي: قبل بداية الصراع قطعت اليمن شوطا لا بأس به في عدة جوانب خلال فترة الثلاثين عاماُ الماضية وقبل مرحلة الانقسامات السياسية المعروفة للجميع، والتي انتهت بالصراع المسلح.
كان التعليم الفني والتدريب المهني يدار وتشرف عليه عدد من الوزارات والهيئات الحكومية بدون أدنى مستوى من التنسيق أو التشاور فيما بينها بالرغم من وجود رئاسة الوزراء التي ضمت تحت مظلتها هذه الجهات.
فكان هناك وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية ووزارة الصحة ووزارة السياحة…إلخ وهذ الوضع كان كذلك في اليمن الجنوبي سابقاً قبل الوحدة المباركة.
وبعد تحقيق الوحدة قامت عدد من المنظمات الدولية تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي بتقديم عدد من التقارير التشخيصية حول مختلف مؤسسات الدولة الحديثة: (الجمهورية اليمنية).
أحد هذه التقارير شكل اللبنة الأولى لتشخيص قطاع التعليم عموما والتعليم المهني والتدريب المهني خاصة، وقد أبرز هذا التقرير السلبيات الناتجة عن تعدد الجهات المشرفة على التعليم المهني وغياب الرؤية الواحدة والاستراتيجية التي تضمن تحقيق أهداف سبق وأن رُسمت لجميع المعنيين في الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات المانحة.
بدأت مساعي الحكومة في اتخاذ الخطوات للوصول إلى تحقيق توصيات تقارير الجهات المانحة التي شملت إصلاحات تشريعية تعالج تعدد الجهات الحكومية المشرفة وتداخلها، وكذلك معالجة قصور الجانب التمويلي لمؤسسات التدريب المهني باقتراح إنشاء صندوق تنمية المهارات، وكذلك معالجة مشاركة القطاع الخاص في تحديد احتياجاته من العمالة المؤهلة والاشراف عليه وفقا لتطورات آليات العمل.
ثم صدر القرار الجمهوري بإنشاء الهيئة العامة للتدريب المهني تحت إشراف وزارة العمل وضمت الهيئة قرابة14مركزً تدريب مهني، وهذا نتج عنه انقسام الكوادر المسؤولة بين وزارة العمل ووزارة التربية والتعليم التي كانت لاتزال تمارس الإشراف على ما كان يسمى” مدارس ومعاهد الثانوية المهنية” وكان السبب الرئيس من وجهة نظري للانتقال إلى وزارة العمل هو حصول وزارة العمل على قرض جديد بغرض إصلاح قطاع الإدارة والتشريعات والتمويل لهذا النوع من التعليم.
وبعد مرور سنوات قليلة صدر القرار الجمهورية بتعديل اسم الهيئة العامة للتدريب المهني والتقني لكن هذا لم يضع حدًا لاستمرار تعدد الجهات المشرفة على هذا النوع من التعليم ; حيث صدرت قرارات جمهورية جديدة بإنشاء كليات المجتمع وبنظام تعليمي جديد يختلف عما هو مطبق في البلاد، انسجاما مع تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا النظام. وكانت هذه الكليات تحت إشراف وزارة التربية والتعليم حتى تم إنشاء وزارة التعليم العالي وانتقلت تبعيتها إلى وزارة التعليم العالي.
كانت الفترات الزمنية لإصدار هذه التشريعات قصيرة وأغلبها في نفس دورة الحكومة الواحدة ونفس الأعضاء وإن اختلفت مسميات الوزارات التي تسند الى الوزراء.
استمر التجاذب بين الوزارات لعدد من السنين وكأن القرارات ترتكز على مدى قوة شخصية الوزير وحجم الدعم (اللوبي) لهذا الوزير أو ذاك.
وعندما نقف لتقييم الوضع الراهن نجد أنه لاتزال هناك انقسامات وتكرار وتداخل بين الجهات المشرفة على هذا النوع من التعليم؛ حيث توجد وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، وزارة التعليم العالي، هناك الخدمة المدنية ‘ووزارة الصحة التي يقع تحت إشرافها مؤسسات تقوم بتقديم كوادر في مستويات دون الشهادة الجامعية. كما يوجد مجلس أعلى للتعليم الفني والتدريب المهني ومجلس أعلى لكليات المجتمع.
لايزال الوضع كما هو عليه فيما يتعلق بالتعليم التقني (بعد الثانوية العامة أو الثانوية المهنية).
يعاني قطاع التعليم الفني الكثير من المشاكل والتحديات من مدة طويلة إلى الان، ما هي أهم التحديات الجديدة التي تواجه القطاع في الوقت الحالي؟
من وجهة نظري أعتقد أن أكبر تحدٍ يواجهه ويقف أمام تطويره وتحسين هذا التعليم هو تكرار التشريعات وتداخلها ‘اضافة الى مجموعة من التحديات الاخرى المتمثلة في:
– عدم اعتماد مسار رسمي للتعليم الفني والتدريب المهني بكل مستوياته وربطه مع سلم الوظائف والاجور في وزارة الخدمة المدنية بما يتناسب مع توجه الحكومة لخلق ثقافة تعزز من الفخر والاعتزاز في نفوس الحاصلين على الشهادات للتعليم الفني والتدريب المهني.
-عدم اتخاذ الخطوات لتوحيد التشريعات المعنية بهذا الخصوص لإلغاء التدخلات القائمة في المنظومة الإشرافية على هذا التعليم.
-عدم اتخاذ المزيد من الخطوات المشجعة للقطاع الخاص للمشاركة بفعالية في تحديد الاحتياجات من العمالة المتخصصة وإعداد المناهج، وكذلك في إجراءات التقييم والمتابعة للمخرجات.
-عدم توحيد مصادر التمويلات للأنشطة الحكومية، لتصب في اتجاه واحد من أجل تعزيز الجدوى الاقتصادية لهذه الاستثمارات.
-عدم تبني نظام هيكلي لأجور المدربين والمدرسين العاملين في هذا القطاع ليشكل عامل جذب لأفضل الكفاءات لتقوم بنقل خبراتها ومعارفها للملتحقين في هذا النوع من التعليم.
– لماذا لم يتم التركيز على تطوير المناهج التعليمية والتطبيقية، وتدريب الكادر التعليمي حسب المعايير الحديثة التي يحتاجها سوق العمل؟
هناك نظام متكامل تم العمل عليه خلال فترة الماضية شمل آلية إعداد المناهج، وكذلك إعداد المدربين وإدارة المعاهد والمراكز وجوانب أخرى.
إذا ما تم تقييم هذه التجربة السابقة وتعديلها وتحسينها بما يخدم الهدف فسوف نصل الى انجاز يواكب ما وصلوا اليه من سبقونا في هذا المجال.
وهذا التقييم يجب أن يتم بمشاركة جميع الأطراف، الطالب و المدرب والمدرس القطاعين الخاص والعام… إلخ
ما حجم الأضرار التي تعرٌض لها قطاع التعليم الفني في اليمن جراء سنوات الصراع؟
ليس عندي أرقام وإحصائيات في هذا الموضوع وإنما للأسف ومن خلال متابعة أخبار الاستهدافات نجد أن الأضرار تصل في بعض المواقع إلى الدمار الكامل وإتلاف كل المعدات والتجهيزات في هذه المواقع. بمعنى اخر، أتوقع ان يكون التأثير يصل نسبته بين ٩٠ إلى ٩٥ % عما كان موجوداً من قبل بسبب الصراع.
أسفر الصراع عن خلق واقع اقتصادي متدهور أدى إلى حدوث خلل في سوق العمل، ما تأثير ذلك الواقع على مخرجات التعليم الفني؟
سوق العمل أو حجم سوق العمل يتأثر مباشرة بالنشاط الاقتصادي، وفي مثل هذه الظروف تدنت الأعمال والأنشطة الاقتصادية، وضعفت القوة الشرائية للفرد، وانخفضت معدلات الطلب على السلع والخدمات وجميع ذلك حتمًا ينعكس على انكماش حجم سوق العمل فأصبح الفرد يواجه صعوبات في تأمين حاجاته الضرورية للاستمرار في الحياة.
وما وصلت إليه الإحالة الاقتصادية في اليمن مأساوي بكل ما للكلمة من معنى.
لا يتسع المجال للشرح أو التفصيل فالجميع محليا وإقليميا ودوليا يتغنون بالتعبير عن مستوى المعانة للمواطن اليمني للأسف لا يوجد أجر ملموس للتخفيف من هذه المعاناة.
اين يكمن دور المرأة في قطاع التعليم الفني والتدريب المهني؟
السؤال الكلاسيكي للجميع وهنا أعطيك إجابة كلاسيكية.
المرأة نصف المجتمع وعدم تشجيع المرأة واتخاذ الإجراءات المناسبة لتسخير هذه الطاقة يعد قصوراً في الإدراك وكذلك في الإدارة.
والمرأة لها دور أساسي في منظومة التعليم الفني أولا من جانب توفير كوادر نسوية في التخصصات والمجالات ذات الصلة بمجالات العمل والإنتاج، ولها أيضًا دور أساسي في قطاع الإنتاج سواء في سوق العمل أو في المشاريع الصغيرة والتشغيل الذاتي. وتأهيل المرأة في هذه المجالات أحد أهم واجبات الجهات المعنية بهذا الخصوص.
ما دور الجهات الرسمية في تقييم ودعم المشاريع الناجحة لمخرجات التعليم الفني في مختلف التخصصات؟
من المنطقي أن يكون هناك تخصيص دعم للتشغيل الذاتي والمشاريع الصغيرة لمخرجات التعليم الفني، وقد كانت هناك تجربة في أحد المعاهد بتخصيص مساحة عمل وعرض منتجات الخريجين ولا أعلم أين وصلت هذه التجربة وما تقييمها إذا تم فعلا تقييمها أساسا.
كيف تقيم دور القطاع الخاص في دعم مشاريع التعليم الفني والتدريب المهني؟
القطاع الخاص يهتم بالاستفادة من مخرجات المعاهد والمراكز، وهذا طبيعي، ولكن فيما يخص الدعم فأعتقد أنه إذا تم الاتفاق على آلية واضحة مع القطاع الخاص في كيفية اختيار ما سيتم تقديمه ومن سيقدمه، ربما قد نلحظ دوراً أوسع في هذا المجال.
يعاني طلاب التعليم الفني أثناء عملية مواصلة دراساتهم العليا في جامعات التعليم العالي الكثير من المشاكل، هل هناك حلول لمواجهة هذا التحدي؟
حسب ما أتذكر أن هناك تشريعات معينة بما هو معروف بالتجسير، ولا يجب أن تكون هناك أي صعوبات في هذا الموضوع وإن وجدت فيعد هذا إحدى المشاكل التي تواجه التعليم الفني، وهنا اعود إلى التأكيد على ضرورة التشريعات الواجب إعادة النظر فيها أو إصدارها.
ما دور المنظمات الدولية الداعمة في تطوير ودعم العملية التعليمية في قطاع التعليم الفني والتدريب المهني؟
الجهات الخارجية تتمثل في القروض والمساعدات التي توفرها الجهات المانحة، وهناك اجراءات وخطوات معروفة ومتفق عليها من الجانب اليمني والجهات المانحة.
المشكلة الأساسية تكمن في تشخيص الاحتياجات لهذا الدعم.
هناك دعم فني يتم تقديمه لليمن يعنى بتخصصات في مجالات محددة مسبقًاً وفي مواقع متفق عليها ؛على سبيل المثال الدعم الياباني لتخصص” السيارات” في صنعاء أو الدعم الأوربي لمجال الفندقة والسياحة، ذلك كان في السابق ‘ولا أعلم ما الذي لايزال أو توقف.
هل هناك خطط استراتيجية وطنية تسهم في إعادة النهوض بقطاع التعليم الفني من جديد؟
ليس لدي اطلاع كافِ للرد هذا على السؤال؛ إنما الأكيد أن الجهات المعنية تعمل في تقييم الاوضاع وإعداد الخطط اللازمة لتعافي مختلف القطاعات.
في مرحلة التعافي واعادة الاعمار ماهي أهم المتطلبات التي يحتاجها القطاع لتحسين مخرجاتها؟ أهم الأمور تقييم التشريعات والقوانين النافذة، وتبنى سياسة تشجيعية للطالب والمدرب وكذلك للقطاع الخاص وذلك يتم من خلالها تغيير المفاهيم المغلوطة عن المهن وممارستها بالرغم من أن الحاجة الاقتصادية بدأت بفرض هذا التحول.
58.3% حاجة سوق العمل لمخرجات التعليم الفني والمهني كبيرة جدًا
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبانة إلكترونية أجراها يمن انفورميش…