العباسي: تحقيق السلام والاستقرار يسهم في إطلاق عجلة النشاط الاقتصادي في اليمن… توفر موارد مالية كافية شرط ضروري لتمويل مشاريع إعادة الإعمار
صوت الأمل
حاوره رئيس التحرير
“للبدء في عملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في اليمن يجب تحقيق المتطلب الرئيس المتمثل في تحقيق الاستقرار والسلام، الذي يعتمد اعتمادًا مباشرًا على حنكة النخبة السياسية في عملية تسويق البلد تسويقًا سليمًا على المستوى الدولي”. هذا ما وكَّده الخبير الاقتصادي اليمني الدكتور مطهر العباسي في حوار خاص لصحيفة “صوت الأمل”.
- هل البلاد مهيأة للدخول في مرحلة إعادة الإعمار؟
أولًا قبل الحديث عن مرحلة إعادة الإعمار لابد أن يسبقها حديث عن السلام والاستقرار وعن تهيئة البيئة الملائمة والمناسبة لإطلاق عجلة النشاط الاقتصادي في البلد، فإعادة الإعمار هي غاية لكل اليمنيين لكن الغاية الأسمى في الوقت الراهن هي وقف الصراع كمتطلب أساس لإعادة الإعمار.
عملية إعادة الإعمار تعني توفر موارد مادية كافية، والتعاون مع الأسرة الدولية وبناء مصالح مشتركة، تعني فتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في التنمية. كل هذه المتطلبات وغيرها الكثير لا يمكن أن تكون موجودة في ظل استمرار الصراع، لذلك فالمأمول من النخب السياسية اليمنية إذا كان لديها حرصٌ على تعافي البلد أن يكون هناك حرص أكبر على الجنوح للسلم وتقبل الآخر ووضع أسس متينة لمرحلة ما بعد الصراع؛ لكي يسود الأمن والسلام ومن ثمَّ الدخول في مرحلة إعادة الإعمار بنجاح وفعالية.
- ما هي المتطلبات الأساسية لمرحلة إعادة الإعمار من وجهة نظر اقتصادية؟
توفر موارد مالية كافية شرط ضروري لتمويل مشاريع إعادة الإعمار. كانت البلد تعتمد فيما سبق على عائدات صادرات النفط والغاز التي كانت تمثل المورد الأساس لخزينة الدولة وبنسبة تصل إلى 80%، ولا يمكن الحديث عن ميزانية عامة للدولة من دون البحث في مواردها، هذا المورد توقف في ظل الصراع القائم.
المورد الآخر هو التعاون والتنسيق الدولي عبر المساعدات الدولية والمنح من المنظمات والدول المانحة، وهذا المورد كان يمثل شريان رئيس لعجلة التنمية في البلاد خاصة منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية 1990، وبالتأكيد فإن إعادة الإعمار ستتطلب مد يد العون من المجتمع الدولي والإقليمي وبالذات الصناديق الخليجية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والبنك الإسلامي للتنمية أو على المستوى الدولي مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو على المستوى الثنائي مثل الدول المعروفة تاريخيًّا بأنها مانحة للتنمية في اليمن.
هذان الموردان يمثلان حجر الزاوية في مرحلة إعادة الإعمار للبلد، بالإضافة إلى الموارد الأخرى كالضرائب والجمارك والثروة السمكية وغيرها، وكل هذه الموارد غير متاحة في الظروف الحالية ومرهونة بإنهاء الصراع ووقف القتال.
- ما مدى استعداد القطاع الخاص اليمني للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار؟
القطاع الخاص اليمني يعد أغلبه قطاعًا عائليًّا أكثر مما هو قطاع يجذب الموارد والمدخلات ويستثمرها، وله محاذيره في العمل الاقتصادي، ولكن لا ننكر أن قطاع المقاولات اليمني له دورٌ في عملية التنمية في البلد خاصة بعد الإصلاحات التي حدثت في النصف الثاني من العقد الأول من الألفية؛ أي بعد إنشاء اللجنة العليا للمناقصات وهيئة الرقابة، حيث بدأ ينتعش قطاع المقالات انتعاشًا حقيقيًّا، بالإضافة إلى انتعاش القطاع الخاص في الجانب السياحي والخدمي وبعض الصناعات التحويلية، ولكن إسهاماته في المجال التنموي كانت إسهامات خجولة مقارنة بدور القطاع الحكومي فيما يتعلق بهذا الجانب.
إن القطاع الخاص ينتعش بوجود بيئة حاضنة للاستثمار، وخلال الفترات الماضية لم تتوفر تلك البيئة للمستثمرين بسبب الصراعات، وفي كل دول العالم لا يُعتَمد في عملية التنمية الاقتصادية على القطاع الخاص المحلي فقط، بل على القطاع الخاص الدولي أو على الأقل عن طريق الشراكة فيما بينهما، أو السير ضمن منظومة متكاملة تشمل بيئة مستقرة سياسيًّا وتشريعيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا تسهم في عملية التنمية، مع وجود جهاز مصرفي فعال.
- مرحلة إعادة الإعمار، كيف يمكن أن تسهم في إعادة تعافي الوضع الاقتصادي في البلد؟
التعافي وإعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة، حيث لا يمكن التحدث عن إعادة الإعمار من دون التحدث عن عملية التعافي الاقتصادي والعكس، ويمكننا الاستفادة من تجارب الدول التي كان فيها نزاعات واستطاعت أن تتجاوز تلك الصعوبات وفتحت أبوابًا للاستثمارات الخارجية أسهمت في إنعاش الوضع الاقتصادي في دولها.
والمتطلب الرئيس لإعادة الإعمار تحقيق الاستقرار والسلام، والأمر أيضًا يعتمد على حنكة النخبة السياسية في عملية تسويق البلد تسويقًا سليمًا على المستوى الدولي، عبر إعطاء إشارات ورسائل طمأنة للمستثمر اليمني والعربي وحتى الأجنبي، الأمر الذي سيعجل من عملية إعادة الإعمار وإنعاش التعافي الاقتصادي في البلد.
- ماهي أبرز القطاعات التي تضررت وتعدُّ لها الأولوية في عملية إعادة الإعمار من وجهة نظر اقتصادية؟
معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تضررت تضررًا كبيرًا، وأبرز تلك القطاعات التي تأثرت تأثرًا مباشرًا قطاع النفط الذي له تأثير كبير على ميزانية الدولة، ومن ثمَّ البنية التحتية الخدمية كقطاع الكهرباء، وقطاع التعليم إذ تسبب الصراع في خروج عدد كبير من المدراس عن الجاهزية وعدم قدرتها على استئناف العملية التعليمية، وقطاع الصحة الذي تأثرت فيه المرافق والمراكز الصحية تأثرًا كبيرًا، والطرق والجسور والمطارات والمواني.
- ما هو تقييمك للدراسات والتقارير الدولية التي تحدد حجم الأضرار في اليمن؟
في المجمل هناك تقرير أعده البنك الدولي ـ عن بعد- حول الآثار الاقتصادية (التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن””DNA) وضع تقديرات مهولة حول قيمة حجم الأضرار وما يحتاج إليه اليمن للتعافي وإعادة الإعمار، وعمومًا يعد التقرير ـ إلى حدٍّ ما ـ محاولة علمية وفنية يفي بالغرض في ظل الظروف الراهنة، على الرغم من أن التقرير استهدف مجموعة من المحافظات والمدن اليمنية في شمال اليمن وجنوبه، عن طريق مقارنة الصور قبل الصراع وبعده عبر استخدام جهاز تقني معين.
- إلى أي مدى اليمن بحاجة إلى الإسهام الدولي في برامج إعادة الإعمار؟
إن في مرحلة الاستقرار والسلام كان للدعم الدولي أثر كبير في تنفيذ مشاريع التنمية في البلد خاصة من بعد عام 1995م، عندما بدأ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من البنك الدولي والصندوق النقد الدولي ومن المنظمات الدولية، ثم جاءت الخطة الخمسية الثانية وتنفيذ مؤتمر المانحين في باريس الذي حصلنا على أثره أكثر من 2.3 مليار دولار، وفي الخطة الخمسية الثالثة نُفِّذ مؤتمر لندن وحصلنا على نحو 7 مليار دولار، وبعد أزمة 2011 أُعدَّ البرنامج (المرحلة للاقتصاد والتنمية) وحصلنا على ضوئه على نحو 13 مليار دولار.
عندما ننظر خلال العشرين عامًا الماضية سنجد أن المشاريع الممولة خارجيًّا تعد مشاريع استراتيجية وأكثر تأثيرًا في المجتمع في مختلف القطاعات الخدمية والتنموية، وفي الوقت الحالي أصبح الدعم الدولي يعتمد على الرؤية السياسية في البلد وكيفية تحقيق الاستقرار والسلام.
- هل الجهات الرسمية والخاصة في اليمن قادرة على استيعاب المنح الخارجية في مرحلة عملية إعادة الإعمار في اليمن ؟
كان المانحون يرون أن هناك مشكلة تعاني منها الحكومة اليمنية في عملية استيعاب المساعدات والقروض وإعداد دراسات تتعلق بالمشاريع التي تستوعب المنح الدولية منذ عام 2000، وقد قاموا بإنشاء لجنة مستقلة خارج الحكومة عملت على سحب صلاحياتها الخاصة بالمناقصات.
والقدرة الاستيعابية مرتبطة بالإجراءات والسياسات الحكومية، وهناك تجارب خارجية في استقطاب المنح والقروض بعيدًا عن الروتين الحكومي، والتركيز على السير على مبدأ الشفافية والوضوح في إعداد المشاريع وتنفيذها لخلق نوع من الطمأنينة لدى الممولين، ومن ثمَّ يُوضع التمويل في مكانه المناسب، وحسب المعايير المطروحة في طرح المناقصات واختيار المقاولين وغيرها.
إن اليمن يمر بتحديات كبيرة، وقضية التعافي وإعادة الإعمار لم تكن جديدة على المجتمع الدولي، حيث إن البنك الدولي عام 2017 قام بإعداد خطة نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في اليمن، وحدد حجم الاستثمارات المطلوبة في تلك الفترة والتي قدرت بـ 88 مليار دولار، كما حدد أولويات القطاعات الخدمية والتنموية التي تحتاج إلى استثمار وتطوير، وعمل محاور رئيسة تضمنت دعم الميزانية العامة والبنية التحتية والتنمية البشرية وخلق فرص للشباب للبدء في عملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار والتي كان من المقرر أن تستمر من 2017 ـ 2023.
- هل أعدَّت الجهات الرسمية خطة عمل لإعادة الإعمار في اليمن؟
لإعداد خطة تتعلق بإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي يجب التركيز على الجانب الفني المتعلق بجمع المعلومات المتعلقة بحجم البطالة والفقر ومعدل التضخم عبر مسوحات ميدانية حقيقية.
ومع ذلك هناك نوايا حقيقية موجودة على المستوى الرسمي في تنفيذ خطط لإعادة الإعمار، ولكن حاليًّا لا توجد دراسات وطنية تتبناها الحكومة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، والمتوفر حاليًّا الدراسات الدولية فقط.
92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…