‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة إعادة إعمار اليمن - الجزء الثاني عوائق وحلول يقدمها الأكاديميين وذوي الاختصاص

عوائق وحلول يقدمها الأكاديميين وذوي الاختصاص

صوت الأمل – رجاء مكرد

“يكفي صراع”. عبارة قالها حمير بعد تنهيدة طويلة أوحت بحجم معاناته وما يقاسيه بسبب الصراع وتدهور أوضاع اليمن، اكتفى بالتعبير عن حزنه بتلك التنهيدة وطلب أن ينتهي النزاع.

      حمير صالح (شاب في العشرين، من صنعاء) يقول: استمرار الصراع في اليمن جعل البلد متأخرة تنمويًّا، وأعاق التعليم والصحة والاقتصاد والخدمات كافة. العالم يتقدَّم واليمن يتدمَّر، ولابد من إنقاذ كل القطاعات عن طريق تأهيلها أو إعادة إعمارها.

     وفقًا لاستبانة إلكترونية أجراها (يمن انفورميشن سنتر للبحوث والإعلام) حول إعادة إعمار اليمن، اتَّفق 14% من السكان على أن اليمن مهيَّأ للبدء بمرحلة الإعمار، على النقيض 48.6% رأوا أنه غير مهيَّأ، في حين أن 37.4 % اتجهت آراؤهم إلى أن اليمن مهيَّأ إلى حدٍّ ما.

اليمن وإعادة الإعمار

       الصحفي فهد سلطان، يقول: إن إعمار اليمن أو إعادة تأهيل ما دمَّره الصراع على مدى سبع سنوات مرتبطٌ بتوقف النزاع توقفًا نهائيًّا، والعودة إلى مسار السلام.

      ويوكِّد سلطان بقوله: في حقيقة الأمر يبدو أن إعمار اليمن أو الحديث عن هذا الملف المهم لا يزال بعيد المنال، خصوصًا أن الحديث عنه من قبل دول الإقليم والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي المعنية بملف اليمن لا تخرج تصريحاتها عن حديثها عن وقف الصراع في اليمن كمطالبة وتمنِّ، من دون أن تكون هناك ضغوط حقيقية على جميع الأطراف اليمنية بوقف النزاع، والدخول في مفاوضات صناعة السلام، والعودة إلى المسار السياسي الذي توقف قبل سنوات.

     إن إعادة إعمار اليمن مطلب الكثير من اليمنيين، لكنَّ تحقيقه في اليمن مشروط بمواجهة تحديات عديدة ومعالجتها، أولها الملف السياسي الشائك، والعدالة الاجتماعية، ومعالجة البنية التحتية للبلد.

الملف السياسي عائق

      خبير الاقتصاد الدكتور جمال بحرة، يقول: إن هُناك العديد من العوائق التي تحول دون الوصول إلى مرحلة إعادة الإعمار، أولى هذه العوائق الملف السياسي، واستمرار الصراع، وعدم التوصل إلى حلول ترضي الشعب والأطراف المتنازعة، فكل هذا لن يخدم مصالح الشعب ولا البلد، وسيعيق التنمية والإعمار.

      ويضيف الدكتور بحرة: “من عوائق إعادة الإعمار الانقسامات الخطيرة التي أدَّت إلى صراعات داخلية عنصرية وطائفية، وأدَّت إلى تهدم البنية التحتية للبلد، هذا الأمر حال دون إعادة إعمار اليمن على المدى القصير”.

       موكِّدًا، أن الصراع الداخلي أدَّى إلى نزوح بعض الأسر اليمنية، وتأثيره على الاقتصاد الوطني تسبب في تفاقم الفقر والبطالة وزيادة تعرض الفقراء لمخاطر عديدة منها الجوع والأمية والمرض.

     ويردف الدكتور بحرة قائلًا: إن من العوائق ضعف الرقابة الداخلية في كل مؤسسات الدولة، وغياب دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن القيام بدوره في الحدِّ من الفساد المالي المستشري في الوزارات والمصالح الإيرادية.

     مشيرًا إلى أنه من عوائق إعادة الإعمار في اليمن عدم قدرة ذوي الكفايات العلمية على القيام بدورهم تجاه الوطن، وعدم ترك المجال للمتعلمين والمتخصصين لإدارة شؤون البلاد حسب علمهم وخبرتهم المكتسبة.

      ويوكِّد الدكتور جمال بحرة، أن عدم وجود رؤية سياسية استراتيجية لإدارة البلاد بما يحقق المصالح العامة والخاصة لكل أبناء الشعب اليمني، وتذبذب أسعار صرف العملات؛ أدَّى إلى تدهور قيمة الريال اليمني، والغلاء المعيشي، وتدني مستوى دخل الفرد، وكلها من صعوبات إعادة الإعمار في اليمن.

      من جانبها هيفاء مالك (ناشطة حقوقية) توكِّد كلام الدكتور جمال بحرة، بقولها: إن الملف السياسي من أصعب الملفات التي تعيق عملية إعادة الإعمار، وليست الصراعات الداخلية وحدها من تؤثر سلبًا في البلد، بل التدخل الخارجي أيضًا.

الاستقرار والعدالة الاجتماعية

      إن إعادة إعمار اليمن تتطلب ــ في المقام الأول ــ إيقاف الصراع لتأتي بعدها مراحل أخرى كجبر الضرر، والعدالة الاجتماعية، وإنعاش البنية التحتية، والتنمية الاقتصادية، ووجود رؤية واضحة لمستقبل اليمن. هذا ما أوضحه ذوو الاختصاص والأكاديميون لـ “صوت الأمل”.

      الدكتور عبد الله التميمي (أكاديمي وخبير الإعلام والاتصال) يقول: “إن إعادة إعمار اليمن تتطلب أولًا وجود قيادة لديها رؤية واضحة بمستقبل اليمن، وأنه لابد من وجود أمن واستقرار داخل البلد، حتى تتاح الفرصة للمستثمرين وللمنظمات ورجال الأعمال أن يعودوا ويسهموا في إعادة ما تسبب به الصراع من خراب ودمار للبنية التحتية في اليمن”.

     ويضيف الدكتور التميمي: “إن الضرر الذي لحق باليمن ليس ضررًا اقتصاديًّا فقط، فهناك ضرر أخلاقيٌّ، وضرر نفسيٌّ على المجتمع اليمني، ويجب أن يؤخذ بالحسبان؛ لذلك لابد أن تكون هناك عدالة اجتماعية لإعادة نشر العدل وجبر الضرر لكل فرد يمني أُصيب أو حدث له ضرر جراء الصراع”. مؤكدًا: “هذه أمور في غاية الأهمية ويجب أن يتداركها أصحاب القرار؛ ليعيدوا إعمار اليمن نفسيًّا واقتصاديًّا وما إلى ذلك”.

    من جانبه عبد الله قاسم (سفير سلام عالمي) يقول: إن عملية إعادة الإعمار مهمة جدًا؛ من أجل تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب الأولويات الضرورية في البنية التحتية وجبر الضرر في المنازل الخاصة بالمواطنين الذين يعيشون في مخيمات النازحين، كذلك المدارس والمستشفيات والطرقات والكهرباء، ودعم الاقتصاد الوطني الذي يعدُّه من أولويات إعادة الإعمار.

مقترحات لأولى الخطوات

     “لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار قبل إيقاف الصراع، ولابد من تضافر جميع الجهود. وتتحمل الدول الإقليمية وأطراف الصراع المسؤولية الأولى لإعادة الإعمار ورأس المال اليمني، كما أن الدول الكبرى مدعوة للإسهام في الإعمار، وكل أبناء اليمن مطلوب منهم الإسهام في ذلك” وفقًا لـ (الصُحفي عبدالباري طاهر).

.

    ويقول طاهر: لابد من وضع خطط وبرامج لمهمة الإعمارــ التي يصفها بالمهمة الوطنية والإنسانيةــ وأن تكون الأولوية لتضميد الجراح والتعويض عما فقده المواطنون، وتعمير ما دُمِّر وإعادة البناء ووضع الخطط، لانتشال اليمن من الفقر والمرض والتجهيل.

    كما يُردف الدكتور جمال بحرة: “إن من الحلول والمقترحات لإعادة إعمار اليمن إنهاء الصراع السياسي بمختلف أشكاله بين قوى المجتمع اليمني، والتمسك بالوحدة اليمنية، ونبذ العداء والفرقة بين أبناء اليمن الواحد، والدعوة إلى الجلوس حول طاولة الحوار للتصالح والتسامح والإخاء بين كل أطراف النزاع”.

    وعن مقترحات إعادة الإعمار يقول الدكتور جمال: من المقترحات التي نراها لإعادة الإعمار: دعم الاقتصاد الوطني عن طريق إعادة النظر في اللوائح والقوانيين العامة من قبل الدولة، توفير بيئة آمنة وعادلة للاستثمار وتخفيض التعريفات الجمركية والضرائب، والحد من التعسفات غير القانونية من بعض موظفي الجهات الحكومية تجاه المستثمرين.

       مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم والصحة، وتوفير الخدمات العامة والمواطنة المتساوية وتحسين مستوى دخل الفرد والجماعة، وإيجاد فرص عمل للشباب والخريجين من الجامعات، ووضع خطط تنموية مستدامة للتخفيف من البطالة والفقر في المجتمع.

     ويوكِّد بحرة أنه لابد من وضع خطط استراتيجية واقعية لإعادة إعمار اليمن؛ وذلك لتعزيز القدرات والإمكانات للنهوض بالوطن عن طريق استثمار الموارد البشرية ذوي الكفايات وتدريبها وتأهيلها باستمرار؛ لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل.

التنمية الاقتصادية شرط للإعمار

    أحمد سعيد شماخ (الباحث والخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى) يقول: إن متطلبات إعادة الإعمار في اليمن أو أيِّ بلد جرت فيه الصراعات والدمار يحتاج إلى الدخول في عملية سياسية داخلية وخارجية؛ من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى المتوسط والبعيد. في اليمن باتت اليوم عملية إعادة الإعمار والسلام تنقشع ضبابيتها (تتضح رؤية واقعيتها).

    ويضيف شماخ: “هناك تساؤل يراود الكثير من المفكرين والكتاب السياسيين، حول مدى قدرة اليمن على إعادة الإعمار بمفرده، وما إذا كان يحتاج إلى مساعدات دولية، وليس لقروض تثقل كاهل اليمنيين”.

       ويرى شماخ أن قضية إعادة الإعمار في اليمن هي عملية خاضعة لاعتبارات جيوسياسية، تمكن من استخدام الموارد الاقتصادية وتستغل أهمية موقع اليمن الجغرافي في الخارطة العالمية، ومن هنا فأن هذه العوامل سواء على الصعيد المحلي أم الدولي هي التي يمكن أن تحدد وجهة المساعدات أو الهبات المقدمة لليمن وحجمها دون الاعتماد على القروض، وكذلك حجم الاستثمارات المقبلة التي يمكن أن تعمل تغييرًا ونقلة نوعية في التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وإيقاف التدهور في اليمن.

     ويوكِّد عضو مجلس الشورى أحمد شماخ ضرورة أن تقوم القوى السياسية اليمنية وكل حكماء اليمن وعقلائه واليمنيون بمختلف توجهاتهم السياسية والدينية والقبلية والاجتماعية بتفضيل المصلحة الوطنية العليا لليمن على كل المصالح الشخصية والمذهبية السياسية، والنظر إلى المصالح العليا للوطن.

     مشيرًا إلى أنه يجب على القوى والحكومات الوطنية وصانعي القرار في الدولة، أن ينظروا إلى ما تكتنزه الأرض اليمنية، سواء كان في باطن الأرض أم على سطحها أم في البحار اليمنية، فالبلد فيه تنوع اقتصادي وبيئي كبير جدًا في كل بقعة على ترابه لا سيما الجزر اليمنية التي لها خصوصيتها في هذا الجانب.

      ويقول أحمد: إنه مهما امتلك اليمن من ثروات وموارد اقتصادية فهي ــ من وجهة نظره ــ لا تساوي أكثر من 30%، في حين أن العنصر البشري يساوي 70%. والطريقة التي سينتهي بها الصراع تعتمد على إيجاد مصالحة وطنية حقيقية بحيث تكفل حقوق كل الناس، وتصون سيادة البلاد وتحفظ العباد وحريتهم وكرامتهم، وإعادة اللُحمة الوطنية وإعادة صياغة السياسات عمومًا، وإيجاد التشريعات والقوانين التي تواكب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.

    مشدِّدًا على ضرورة إعادة اللاجئين والنازحين في الداخل والخارج، ولابد من إشراك القطاع الخاص اليمني سواء رؤوس الأموال المهاجرة خارج الوطن أم التي فرت خلال فترة الصراع، كما لابد من توفير أنظمة وقوانين صارمة لحماية الموارد العامة لصالح الشعب والوطن؛ من أجل إطلاق المصالحة الوطنية والتعافي والإنعاش الاقتصادي الطويل الأمد. إن إعادة التأهيل والإعمار في اليمن بمشاركة جميع القطاعات الخاصة والعامة سوف تعزز من مسار التنمية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد       أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…