أوضاع اقتصادية متدهورة… مساعٍ خجولة في جانبي التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار
صوت الأمل – منال أمين
“إن الوضع الاقتصادي الذي يمر به اليمن منذ 2015 وإلى الآن أصبح متدهورًا للغاية، خصوصًا مع التحالفات الخارجية والداخلية، وتدخلات هذه التحالفات وتأثيرها الكبير في أداء مختلف القضايا اليمنية ومسارها. ومما ضاعف من تعقيدات الوضع والأداء الاقتصادي في بلادنا تلك الانعكاسات الخطرة التي حدثت في سعر العملة اليمنية (الريال) أمام العملات الأخرى، وتلك الثنائية العجيبة التي تُسعَّر بها العملة اليمنية في صنعاء وعدن.
كل ذلك بالتأكيد كان جراء الصراع على البنك المركزي، هذا الأمر أدَّى إلى إرباك وتعقيد المشهد الاقتصادي في البلد عمومًا “. هذا ما أكده الاقتصادي والخبير في التخطيط الاستراتيجي لدى المكتب التنفيذي للرؤية الوطنية الدكتور محمد عبد الله الحميري.
يعاني أكثر من مليون موظف في الدولة ــ منذ أكثر من سبع سنوات ــ من أزمات متتالية بسبب حرمان الكثيرين من رواتبهم أو عدم انتظام استلامهم لها، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة تأزم الوضع الإنساني في اليمن وزيادة نسبة الفقر ازديادًا كبيرًا. وذلك وفقًا لما ذُكر في الكثير من التقارير الاقتصادية الدولية والمحلية.
وهنا يؤكد الحميري لـ”صوت الأمل” أن حرمان الكثير من الموظفين والعاملين في الدولة من رواتبهم، وكذلك توقف الصادرات اليمنية، بخاصة صادرات النفط التي تعتمد عليها ميزانية الدولة بنسبة تتجاوز الـ 70%، وغياب دور البنك المركزي الإشرافي على البنوك وعلى السياسة النقدية التي تؤثر في الأداء الإنتاجي والإداري والاقتصادي في مختلف القطاعات عمومًا، والارتفاع المتزايد في معدل نسبة الفقر لدى اليمنيين ليصل إلى أكثر من 80% من السكان؛ كل هذا جعل الوضع العام في اليمن من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على شفير الهاوية، وينذر بمزيد من التفاقم الخطر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار أكبر للأوضاع ما لم يُعمل على تداركها ولملمتها عن طريق التوافق على إنهاء الصراع، وسرعة معالجة أسبابه التي أدَّت إلى معاناة اليمنيين منذ مارس 2015.
أضرار القطاعات في اليمن
كما أوضح الحميري أن التعقيدات الحاصلة في عملية الاستيراد من المواني اليمنية أدَّت ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ إلى ضعف الأداء الاقتصادي عمومًا وتفاقم الانعكاسات السلبية على البلد، وكان لهذا أثره السيِّئ في عدم انتظام الدخل للمواطنين وتدنيه من جهة، وفي ضعف قدرتهم وقوتهم الشرائية من جهة أخرى.
وأضاف، أن هذا الأمر تسبب في إرباك المشهد الاقتصادي وتدفق رأس المال الوطني والأجنبي خارج البلد، والتوقف عن الاستمرار في تنفيذ الكثير من الاستثمارات الجديدة وحتى الاستثمارات السابقة منها لعام 2015، ومن ثمَّ تركزت معظم الاستثمارات الجديدة في جانب العقارات، وشراء أصحاب رؤوس الأموال الأراضي، فهؤلاء إما أنهم لا يزالون يفضلون الاستثمار داخل اليمن أو أنهم مجبرون على ذلك، الأمر الذي زاد من حدوث التضخم في العملة اليمنية وركود الأنشطة الأخرى. وحصد المواطن الفقير انعكاسات كل ذلك التخبط والتضارب والمضاربات في أسعار العملة وأسعار الأراضي وأعباء استيراد السلع وتكاليفها؛ حصد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المنتجات الاستهلاكية وبخاصة الغذائية منها والدوائية المحلية والمستوردة.
كما أشار الدكتور إلى بروز ظاهرة غريبة في البلاد ألا وهي كيفية التعامل بالعملة اليمنية في نسختيها من الطبعة القديمة والجديدة، التي عوملت في الواقع وكأنها عملتان مختلفتان، شملتهما حالة التدهورٍ السعري المتواصل ليصل سعر الريال بالعملة الجديدة في بعض المناطق ــ جنوب البلادــ إلى أكثر من 1300 ريال مقابل الدولار الواحد، وسعر الريال بالعملة القديمة أمام الدولار في المنطقة الأخرى إلى 600 ريال.
وحول حجم الأضرار التي تعرضت لها مختلف القطاعات في اليمن جراء استمرار الصراع قال الخبير الاقتصادي: إن الضرر قد أصاب كل القطاعات الاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية والقضائية والخدمية وغيرها، حيث تضررت جميع القطاعات تضررًا بالغًا ومؤثرًا وبطريقة مباشرة وغير مباشرة، وقد نتج ذلك الضرر ـ على سبيل المثال ـ خروج اليمن من بعض التصنيفات العالمية بخاصة في التعليم والاقتصاد والإدارة والقضاء وحقوق الإنسان، كما تضرر قطاع الزراعة تضررًا كبيرًا لا سيما في السنوات الأولى التالية لعام 2015، ووصلت تقديرات تلك الأضرار التي أصابت هذا القطاع الإنتاجي سواء الأضرار المباشرة أم غير المباشرة حسب التقديرات الأولية التي كان قد أعلن عنها في صنعاء منذ خمس سنوات؛ وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار، وما زال هذا القطاع بكل تأكيد يتعرض لأضرار متواصلة إلى ألان.
مضيفًا، أن من القطاعات الخدمية التي تضررت نجد قطاع الصحة قد تأذَّى بدرجة كبيرة في مختلف المحافظات اليمنية، ومما ضاعف من حجم الأضرار في هذا القطاع أنه قد انعكست عليه كل الأضرار التي أصابت المجتمع من الأمراض الناجمة عن الحروب، وسوء التغذية، وتفشي الأوبئة، وهجرة الكادر الطبي بمختلف مستوياته بعد تعرضه لكل أشكال المعاناة والضغوط الاقتصادية كقلة الدخل وغلاء المعيشة، ومازالت بعض المراكز الصحية مغلقة إلى ألآن، وهناك نقص في بعض الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية اللازمة في الكثير من المرافق الصحية، وانعكاس هذه الجوانب على المجتمع تمثل في: الارتفاع المخيف في تكلفة العلاج، واضطرار الكثيرين من ذوي الحالات المرضية الخطرة إلى الموت ببطء في الداخل أو تجشم المعاناة والأعباء المالية الإضافية لمسألة السفر إلى الخارج بكل تعقيدات هذا الجانب المعروفة، والتي لا مجال لحصرها هنا. كما أن هناك تدهورًا في الأداء ومستوى تقديم الخدمات للمواطن في أكثر من جانب ومنها الأمني والسياسي والإعلامي وغيرها، ومن المؤكد أن تقدير قيمة الأضرار التي ستقوم بها السلطات الرسمية لكل ما أصاب اليمن سيكون كبيرًا جدًا، ولا أبالغ إذا قلت إنها ستقدر بمئات المليارات من الدولارات.
دور المنظمات
وحول الحاجات الإنسانية التي تفاقمت بسبب تردي الوضع العام الاقتصادي في البلاد، يوضح الخبير الاقتصادي الحميري قائلًا: إن الوضع الإنساني كان مترديًّا قبل 2015، حيث كانت هناك حاجة إنسانية في البلد، وقامت المنظمات الداعمة بدور واضح في تلك الفترة مثل منظمة الأغذية والزراعة “FAO”، وبرنامج الغذاء الدولي “WFP” وكثير من المنظمات الدولية التي دخلت عبر الاوتشا (منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)، وتعاملت مع هذا الملف بمنهجية معتمدة في الكثير من دول العالم التي كانت تعيش ظروفًا مقاربة.
ووكَّد أن المنظمات كانت متأكدة من أن الأوضاع ستتفاقم في اليمن، وتسير نحو الخيارات الأسوأ، ولذلك فقد استطاعت أن تتوسع في إدارة أنشطتها وتتغلب على الصعوبات التي واجهتها في البلاد، وأصبحت تجلب المساعدات الدولية الضخمة (وصلت في بعض السنوات إلى ما يقارب 3 مليار دولار أمريكي)، الأمر الذي مكنها من أن تدير مشاريعها الإغاثية بموازنات فلكية تتجاوز مقدرة وموازنات الدولة في كل من عدن وصنعاء، وهذا أمر يثير الغرابة عن دورها المتدرج في نزع السيادة ولو بالقدر الذي كانت قائمة عليه قبل العام 2015.
وعن الدور المتوقع للمنظمات في مرحلة إعادة الإعمار يشير الدكتور الحميري إلى أنها إذا كانت تمارس حاليًّا أدوارًا كبيرة ومهمة في تنفيذ مشاريع تسهم بطريقة أو بأخرى في عملية إعادة الإعمار في اليمن ــ بعضها يحدث بعيدًا عن أعين الحكومةــ فلا شك أنه سيكون لها مساعٍ لدور أكبر في إدارة هذا الملف برمته في الفترات القادمة، متحججة بأن اليمنيين لا يزالون مختلفين فيما بينهم حتى بعد توقف الحرب والدخول في مرحلة انتقالية، ومن ثمَّ فإنني أتوقع أن تبقى تلك المنظمات هي صاحبة القرار في هذا الجانب إذا لم تتحد القوى اليمنية وتتوافق فيما بينها لمعالجة الوضع اليمني عامة.
مساعٍ للتعافي
“ومع كل ما تقدم ذكره فلا شك أن المسؤولين اليمنيين في الدولة والجهات المعنية المتعلقة بملف إعادة الإعمار قاموا بوضع استراتيجية عميقة تقوم على عملية التخطيط لإعادة الإعمار في فترة ما بعد الصراع، والعمل على تقديم التعويضات اللازمة للمتضررين”.
هذا ما وكده الخبير الحميري، حيث قال: إن عملية إعادة الإعمار لا تتضمن فقط إعادة ما دمَّره الصراع من بنية تحتية فقط، بل ينبغي أن تأخذ أبعادًا ومكونات أخرى تتعلق بتعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين الخدمات، ومنظومة القضاء والأمن، والحفاظ على البيئة، واستعادة حالة الأمن والاستقرار وتطويرها لتصل إلى أوضاع أفضل مما كانت عليه قبل 2015، ومما يؤكد على ذلك الاتجاه، أنه يجري حاليًّا إعداد خطط طموحة خلال هذه المرحلة ضمن مشروعات الرؤية الوطنية 20 ـ 30 التي يُتوقعُ أن تُسهم في التخطيط الاقتصادي للبلد في مختلف القطاعات ولمدة طويلة، وهي خطط تسعى إلى تحقيق مؤشرات نمو كبيرة تُحسن من الأداء عمومًا وفقًا لمنهجية عالمية معتمدة في هذا الجانب.
وحول دور المؤسسات الرسمية في عملية إعادة الإعمار، قال الحميري: إن الجهة المعنية بعملية إعداد خطط وبرامج إعادة الإعمار في اليمن ينبغي أن تكون في الأساس جهة أو عدة جهات حكومية معنية بمهام وزارة التخطيط والتعاون الدولي. مؤكدًا، أن هناك الكثير من المسئولين اليمنيين خبراء في هذا الجانب، ولدى الكثير منهم تجارب ورؤية واضحة لتبني تخطيط مستقبلي يمكِّن الدولة من القيام بدورها في المرحلة القادمة سواء فيما يتعلق بالتنمية أم بعملية إعادة الإعمار.
وفيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي وتدهور الريال اليمني في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد وكيفية وضع المعالجات اللازمة، يؤكد الدكتور الحميري أنه مع ضبابية المشهد وقتامته إلا أنه ما زالت هناك نقاط أمل مضيئة وبعض المساعي الحميدة التي تقوم بها بعض الأجهزة المعنية في الدولة، ويتشارك معها المخلصون لليمن من رجال القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للعمل على رفع معدلات الاٍكتفاء الذاتي من الغذاء، وتنمية المنتجات الزراعية، والسعي لخلق فرص عمل للمواطنين تساعدهم على تحسين دخلهم وتمكينهم من الوصول لحقهم في الغذاء، وهناك خطط واضحة على الأقل للتوسع في إنتاج الحبوب وفي تنفيذ مشاريع خاصة بزيادة حجم المنتجات الزراعية بدرجة أولى للتقليل من عملية الاستيراد، وتحقيق النهضة الشاملة، ووضع تصورات عامة لمضاعفة حجم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والارتقاء بالوضع المؤسسي للخدمات الزراعية، وتعزيز القدرات الإنتاجية والتسويقية الزراعية بالدرجة الأولى في إطار رؤية عامة لتطوير القدرات الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية في اليمن عمومًا.
73.3% البنية التحتية والنسيج المجتمعي اليمني مدمر كليًا
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبيان إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر أكت…