كلمة أخيرة: استحضار الأعراف القبلية في عملية بناء السلام
صوت الأمل – أرواد الخطيب
برزت الأدوات التقليدية في عملية بناء السلام بروزًا قويًّا في مقابل أدوات بناء السلام الدولية، وفي مواقف كثيرة كانت هي الأسرع والأكثر حسمًا, نظرًا لبنية المجتمع التي ترتكز في قوامها على القبيلة، ذلك أن العرف القبلي كان من أهم الأدوات التي أسهمت إسهامًا كبيرًا في تنظيم الحياة وحل قضايا النزاعات في جميع المراحل التي مرت بها الدولة.
حتى في فترة وجود الدولة وقبل التحولات السياسية التي مرت بها عبر التاريخ كان العرف القبلي يظهر موازيًا للنظام والقانون، بل كان هو الأكثر إعمالًا؛ ويرجع ذلك إما إلى انعدام ثقة المواطن بالجهات المعنية بإنفاذ القانون والفصل في المنازعات، وإما لأن الأعراف هي الأسرع في الفصل بين المتخاصمين، في واقع يشهد إطالة القضاء في الفصل في النزاعات إلى سنين عديدة، وعدم القدرة أحيانًا على تنفيذ الأحكام القضائية.
ومع أن النظام القبلي في المناطق الشمالية يختلف نوعًا ما عنه في المناطق الجنوبية، إلَّا أنه في المجمل يحتكم لمجموعة من القوانين والمحددات في الشمال تسمى أعرافًا وفي الجنوب تسمى (ناموسًا).
ومع بداية التحولات السياسية التي شهدتها البلاد منذ العام 2011م وما تخللها من انقسامات على المستوى السياسي والعسكري وتأثر بها المستوى الاجتماعي، كان السؤال الأكثر طرحًا من المراقبين والمحللين الدوليين هو كيف استمرت الحياة في المدن الرئيسة والأرياف من دون صراع, وكان الرد أن المجتمع لم يعتد على وجود دولة مركزية، وهناك أعراف اجتماعية ما تزال تحفظ تماسك المجتمع وتمنع انهياره.
هذه القضية تبرز اليوم بقوة مع دخول الصراع في اليمن عامه السابع وفشل الجهود التي بذلت من أجل إطلاق الأسرى، فكان للأعراف الحضور الأكثر تأثيرًا ونتج عن الوساطات القبلية إطلاق سراح أكثر من سبعة آلاف أسير من الجانبين.
فيما الجهود الدولية مجتمعة لم تتمكن سوى من إتمام صفقة وحيدة لتبادل الأسرى قوامها ألف ومائة شخص من الطرفين، وهذا الأمر يشير إلى أن الجهود التي بذلت تجاهلت عاملًا مهمًا في قضية الصراع هو تأثير القبيلة في المجتمع واستغلال هذا التأثير لتحقيق مكاسب وانفراجات تخدم عملية السلام في البلد.
وبالعودة إلى الأحداث التي أعقبت قيام ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن عام 1962م والحرب التي استمرت سبعة أعوام بين النظام الجمهوري الفتي والقرى التي كانت تريد عودة الملكية، فان التحالفات القبلية وأيضًا العرف استُخدما في تقوية وإضعاف طرف من الأطراف، كما ساعدت على تحقيق مُصالحات محلية هيَّأت للوصول إلى اتفاق المصالحة في العام 1970م .
إن الشواهد التاريخية ووقائع التاريخ القديم والمعاصر تثبت أن المجتمع اليمني اعتمد عبر عقود طويلة على العرف القبلي في حل النزاعات والحفاظ على السلم الأهلي، كنتيجة طبيعية لغياب الدولة المركزية في فترات تاريخية متعددة.
وعلى خلاف التصورات السلبية عن القبلية كنتيجة منطقية لمحاولة بعض الزعامات المحلية أو الجماعات السياسية إفساد تلك القيم الضاربة جذورها في التاريخ، فإن الوساطات المحلية والأعراف القبلية القائمة على(الوساطة والتحكيم والمصالحة وغيرها من الأدوات) ما زال بإمكانها أن تؤدي دورًا حاسمًا في كثير من الجوانب بخاصة في ظل تراجع أو عجز الجماعات السياسية عن أن تتحول إلى قوة اجتماعية فاعلة ومؤثرة ويمكن الاعتماد عليها في تحقيق مصالحات على المستوى المحلي من شأنها أن تقود أو تساعد على تحقيق مصالحة في الإطار الوطني.
وإذا ما أُخذ في الحسبان أن الأطراف الخارجية هي أكثر فاعلية في المشهد اليمني حاليًّا ، فان العمل على القوى الاجتماعية في الداخل، وتفعيل دورها في تحقيق مصالحات على مستوى كل منطقة، يمكن أن يخفف في تقديري من تأثير الأطراف الخارجية واحتكارها لقرار الحرب والسلم في اليمن.
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …