علاقة القبيلة بالدولة: علاقة جدلية مستمرة بامتداد تاريخ الدولة في اليمن
صوت الأمل – سماح عملاق
هذه العلاقة جدلية ودائمة وبين مؤيد ومعارض استمرت هذه الثنائية موجودة ولم تستطع احداهما ان تقضي على الأخرى.
العقيد عرفات شرف -إدارة أمن محافظة إب- يرى العلاقة بين الدولة والقبيلة علاقة عكسية، فكلما كانت الدولة قوية كلما تلاشت وضعفت سلطة القبيلة، ولنا في تجارب الفترة من بعد قيام الثورة نموذج حي، فإذا اتسعت سلطة القبيلة بالتأكيد تتلاشى سلطة الدولة، وواقعنا المعاش خير شاهد.
ويضيف: عند وجود دولة قوية تحاول القبيلة -قدر الإمكان- تطويع نفسها لتقترب من السلطة، وعدم التصادم معها، فطبيعة العلاقة بين الدولة والقبيلة علاقة تتسم بالتضاد، ولا تنسجم إلا بوجود دولة قوية تستطيع تطويع القبيلة للنظام والقانون.
من ناحيته د. فارس البيل- أكاديمي وناقد ثقافي في جامعة عين شمس، من محافظة إب- يصف علاقة النظام القبلي في اليمن بالدولة بعلاقة أبوة، اذ يعتقد النظام القبلي أنه الاقدم والأعمق والأكثر ثباتا، لكنه يريد الدولة التي تتابعه وتفيده.
يقول: “لذلك قامت علاقة جدلية بين القبيلة والدولة في اليمن منذ عقود طويلة، كانت القبيلة ترى انها دويلات صغيرة تنفيذية، والدولة الكبيرة ليست سوى ممول عام ولائحة كبيرة، وإذا ما شعرت القبيلة ان الدولة ستطغى عليها عارضتها بقوة، ولذلك كانت تحرص القبيلة بزعامتها على أن يكونوا قريبين من السلطة السياسية ومؤثرين في قراراتها، كما انهم يصروا على الامساك بنفوذ في قبيلتهم أكبر من الدولة، حتى لا ينتهي دورهم.”
ويضيف ان: الدولة اليمنية الضعيفة، قد رضخت لهذا النظام الاجتماعي، سوى محاولات تجاوز قليلة منيت بالفشل إثر ردة فعل القبيلة.
دور الزعامات القبلية:
يؤكد د. البيل ان القبيلة ظلت في علاقتها بالدولة محافظة على مصلحتها، وكيانها، فحرصت ان لا تتماهى مع الدولة إلا بقدر تقوية شوكتها لا العكس، بل انها تحكمت بالسلطة السياسية على مدار العقود الماضية، وكانت الفاعل الأهم في عدم السير سريعا نحو التطور والانفتاح.
ويرى البيل ان القبيلة أثرت على شكل وبناء الدولة، مدللاً على ذلك بأنه حتى الاحزاب التي جاءت نقيضا للقبيلة تحالفت معا، وصارت القبيلة الحامية للاحزاب والرافدة لها، بينما يفترض أن الحزبية تعني المدنية المغايرة للقبيلة.
مضيفاً ان القبيلة في اليمن ستظل مؤثر في مجرى الاحداث طالما وهي تمسك بالسلاح والمال والنفوذ، ولم تتمكن المدنية من التغلغل الى النظام الاجتماعي.
وعن العائق من انخراط المجتمع القبلي في المدنية يقول البيل ان رؤوس القبائل هم العائق بحكم المصالح، ولانهم استطاعوا ان يجعلوا السلطة السياسية والمنظمات السياسية والثقافية والدينية بحاجة لحمايتهم لا العكس. فبقيت سلطة رؤوس القبائل اقوى من سلطة وارباب المال، وهذا تغلغل مؤثر في بنية المجتمع اليمني.
ويرى ان الظروف الراهنة التي تعيشها اليمن افسحت المجال “لفوضى القبيلة” أن تعود لكن بقدرات “متوحشة ومتخلفة” أكثر من قبل، ولذلك فان مستقبل القبيلة في اليمن أكثر نفوذا في القادم وأكثر تأثيراً.
ويخلص البيل الى ان السياسة قد هُزمت مقابل القبيلة، وبقيت القبيلة هي المتحكم.
القبيلة ركن من اركان الدولة:
من جهته الشيخ محمد بن علي صياد رئيس مجلس القضاء العرفي القبلي اليمني يؤكد ان النظام العرفي القبلي ليس بديلا ً للنظام الرسمي، وانما هو تعزيزا للقوانين الرسمية وسلطة الدولة بمختلف مؤسساتها لان اغلب القضايا التي يفصل فيها القضاء العرفي القبلي اليمني هي مقاضاة الفارين من وجه عدالة القضاء الرسمي وبالتالي يكونوا عبرة للآخرين فيخافون نظرائهم من ان تطالهم الاحكام العرفية المغلظة ويضطر الجميع الى المثول امام محاكم القضاء الرسمي في حال ما سمحت ظروفهم تحمل العقوبات العرفية المسنونة.
وعن تواجد الأعراف القبلية في المحافظات الجنوبية يقول الشيخ صياد: ان وثيقة التشريع القبلي هي لكافة القبل اليمنية شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه وامضاء مشايخ القبائل الجنوبية كانت حاضرة في هذه الوثيقة القبلية الموحدة، وحالياً في الجنوب التطبيق ضئيل جداً عدى قبائل محافظة شبوه وقليل من قبل حضرموت والضالع وهذا اراه من خلال التواصل بي من بعض مشايخها وعقالها وافرادها للتطبيق مثلهم مثل سائر القبائل في الشمال.
ويؤكد الشيخ صياد ان القبيلة اليمنية بأعرافها ساهمت في قيام الدولة اليمنية الحديثة، “تعتبر وثيقة القواعد ركن من اركان الوحدة اليمنية الا ان القيادات السياسية لا يدركون ذلك لجهلهم طبيعة وثيقة القواعد المرجعية الموروثة.”
الشيخ محمد عقيل غازي-من أعيان مديرية السياني محافظة إب- يؤكد ان القبيلة باليمن هي من تصيغ القوانين الفعلية للدولة عبر مشايخها الذين هم أصحاب القرار والنفوذ والثروة مدللاً على ذلك بعدد من أسماء الزعماء القبليين الذين ارتبطوا بالدولة وأثروا في مراكز القرار فيها قائلاً ان هؤلاء الزعامات القبلية “هم من يصنعون الرؤساء والمجالس التشريعية والمحليات والوزراء ومدراء العموم.”
علاقة تضاد
محمد الياسري -ضابط في الجيش وطالب في قسم العلوم السياسية والتاريخ، محافظة تعز- يقول: ارتبطت القبيلة أو قل شيوخ القبائل بالعمل السياسي في السلطة بصورة رسمية مباشرة منذ قيام الثورة اليمنية ضد الإمامة، نظرا لمشاركتها الفاعلة في الثورة.
وبرأي الياسري فقد كان دور القبيلة في الدولة خلال مرحلة مابعد الثورة دورا سلبيا للغاية، حيث تنامت سلطتها على حساب سلطة الدولة ومركزيتها، وكان السبب في ذلك ضعف الدولة من ناحية واستغلال الأحزاب السياسة لقوة القبيلة عن طريق استقطاب شيوخها لتنفيذ أجندتها السياسية من ناحية ثانية.
كما لعبت القبيلة خلال العهد الجمهوري دورا رئيسيا في تفكيك الدولة ساعدها على ذلك النظام الحاكم بتقصيره عن إيصال أجهزة الدولة المدنية والعسكرية إليها.
ويضيف: القبيلة لعبت دورا ايجابيا في صف الدولة أثناء الثورة ضد الإمامة ولكنها فيما بعد لعبت أدوارا سلبية في مجالات شتى في الدولة، حيث أعاقت زحف المدنية وعملت على قتلها من خلال نظامها الخاص وأيضا من خلال تحول شيوخها إلى أدوات وأجندات للجماعات السياسية المختلفة.
ويختم الياسري بالتأكيد على إن دور القبيلة لايمكن أن يكون إلا سلبيا للغاية في المستقبل إن لم يكن هناك دولة قوية، “فالقبيلة لا تقوم إلا على حساب النظام والقانون وثروات الشعب والبلد.”
د. جمال الخشعي -مدرب أكاديمي- يقول: ان النظام القبلي يعد نظاما أوليا يستمد تشريعاته من الأعراف والعادات المتبعة، وتكون السلطة متركزة على شيخ القبيلة، الذي يقدم مصلحته ومصالح أفراد قبيلته على كل شئ بما في مصلحة الدولة.
ويستدرك الخشعي بالقول: صحيح أن القبيلة تعد هي المرتكز الرئيس للدولة والرديف الداعم لها سواء في اليمن أو في الجزيرة العربية وبعض الدول العربية والتي انصاعت فيها القبيلة لكل القوانين السائدة في الدولة، لكن في اليمن اتخذت العلاقة بين القبيلة والدولة منحى آخر.
“سعى كثير من مشائخ القبائل إلى السيطرة على مراكز اتخاذ القرار للتحكم بالدولة عبر تعيين قيادات يقدمون مصالح قبائل محددة على مصلحة الدولة.” وفقاً للدكتور الخشعي.
ويرى ان السلطة القبلية كان لها بالغ الأثر على رقي الدولة وتقدمها إذ أن مشائخ القبائل انحصر تفكيرهم بالاستئثار بالمال العام وزيادة نفوذهم على حساب مستقبل الوطن والمواطن.
مستقبل القبيلة
وعن مستقبل الدولة والقبيلة في اليمن يرى الخشعي أن مستقبل الدولة لن يتأتى إلا في ظل وطن تسوده المواطنة المتساوية بعيدا عن سلطة القبيلة التي لم ولن ترتقي في ظل العادات والعقليات التي تحكمها وتقود زمامها.
مختتما بالقول: “تظل الدولة هي الركيزة الأساسية التي تتماشى مع التطورات والتغيرات على جميع المستويات وبعيدا عن العقليات الجامدة التي يمثلها النظام القبلي.”
عامر مهدي- أخصائي مختبرات وصيدلة، محافظة الجوف- يؤكد ان العلاقة بين القبيلة والدولة في اليمن علاقة قوية جدًا.
ويشرح بالقول: تعتقد القبيلة أنها أساس وصمام أمان الدولة ولكن الحاكم يلعب بالقبيلة في تنفيذ ما يريد مقابل امتيازات شخصية تافهه للبعض مقارنة بالحقوق الحقيقة التي ينحرم منها المواطن في تلك القبيلة.
ويؤكد مهدي ان دور القبيلة سيبقى قوي وسيعود أقوى بأسلوب أكثر تفاهم بين الدولة والقبيلة لأن الشعب هنا يتفاخر بنسبه وانتمائه للقبيلة من القدم، ولن يستطيع أن يسلب هذا الطبع والفخر بالانتماء، لذلك فدور القبيلة مستقبله أكبر مما هي عليه حالياً.
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …