القبيلة في المهرة: تاريخها ودورها في حل النزاعات وتنظيم الحياة العامة
صوت الأمل – علياء محمد
قبائل المهرة تعدُّ من أقدم القبائل في اليمن وعلى مستوى الوطن العربي, حيث تنحدر من صلب رجل اسمه (مهري) وهو من أحد أبناء هود بن قحطان الذي سكن منطقة الشحر, بعد هلاك قوم عاد. كما جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الجزء الأول ص358) .
ووفقًا لما ذكر في موقع بوست – مارس2019م, فأن عدد القبائل العريقة الموجودة في محافظة المهرة حاليًّا قرابة 37 قبيلة تمتد جذورها في التاريخ، وتختلف في قوتها وحضورها وتأثيرها على أرض الواقع.
تعدُّ محافظة المهرة ثاني أكبر المحافظات اليمنية بعد حضرموت من ناحية المساحة التي تقدر بـ 82,405 كم2، ويقدر عدد سكانها بما نسبته %0.5 من إجمالي سكان اليمن ــ أقل المحافظات سكانًاــ وتحوي تسع مديريات، وفقًا للكاتب مراد صالح عوض مؤلف كتاب تاريخ المهرة وأنسابه الصادر في العام 2015م.
وفي دراسة «النموذج القَبَلي في شرق اليمن لاحتواء النزاعات» للكاتب أحمد ناجي 2020م , يشير إلى أن سلطنة المهرة القبلية تأسست في العام 1432, وعلى الرغم من نمط الإدارة القبلية التقليدية، نعمت السلطنة باستقلال كامل أو جزئي طيلة خمسة قرون, ونجحت في الحفاظ على استقلالها الذاتي حتى في العقود الثمانية الأخيرة من تاريخ هذه السلطنة (1886-1967)، التي كانت خلال معظمها جزءًا من محمية عدن التي أنشأها البريطانيون.
سعد بن غفلة كلشات (رئيس قسم التوثيق اللغوي لمركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث)، يقول لـ»صوت الأمل» :إن القبائل في المهرة تتمتع برابط التماسك القوي فيما بينهم, ومازالت تحتفظ باللغة الخاصة بهم والانتماء الاجتماعي, ومرتبطة بتاريخ وتقاليد وأعراف تنظم علاقتهم ببعضهم بعضًا.
ويضيف كلشات، أن النظام القبلي في المهرة يحمل جميع بنود الحياة, ومنها نظام الحوكمة (حچريت) في اللغة المهرية، فعلی سبيل المثال: إن حدث خلاف بين قبيلتين تتدخل القبائل الأخری بالسعي بينهم لإخماد تلك المشكلة وغالبًا تنجح في ذلك, فلا توجد أي مشكلة حاليًّا في المحكمة بين قبائل المهرة.
تجمعات قبلية
« تنقسم قبائل المهرة على ثلاثة تجمعات، تندرج تحت كل تجمع قبائل عديدة، أول تلك التجمعات هي الشراوح أو الشريحي, وتنقسم على ثلاث أحلاف: أولها (أبوقي بن أحميد)، والذي ينقسم بدوره على ثلاث قبائل ( كلشات، صمودة، ثوعار)، والثانية (جسوس بن أحمد) ،وينقسم على ثلاث قبائل (يسهول، مغفيق، قمصيت)، أما الثالثة فهي قبائل (الجدحي، سعتين، نيمر المتقاربة نسبًا). وفقًا إلى كتاب «المهرة، إنسانًا وتاريخًا وتضاريسًا»، لـمحمد سالم الحداد .
كما يشمل التجمع الثاني ( بن شحيح أو الشحشحي)، وينقسم على قبائل عديدة (الزويدي، زعبنوت، الحريزي، محامد، عرشي، عقيد، مسمار), فيما يمثل التجمع الثالث ( بن صار) على قسمين: الأول(بيت أحميد، وقبيلة كدة، ورعفيت، ومهومد)، والثاني قبائل (السليمي، المجيبي، حيدرة، غشواق).
وبين الكتاب وجود بعض القبائل المهرية خارج هذه الأحلاف وتتمثل بـ( بلحاف، القميري، بن ساهل، والعوبثاني، وصرفيت الهذيلي، والكثيري، والمناهيل), وقبائل السادة مثل: ( آل حفيظ، آل السيد حميد، آل باعبود، آل باعمر), وقبائل السمر.
وفي تقرير صادرٍ عن (مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية للعام 2018م) ذكر أن المهرة وحتى عام 1967م، كانت كيانًا منفصلًا عن بقية اليمن الحديث. وقد تشكلت سلطنة المهرة, التي ضمَّت كلًا من المهرة الحديثة وأرخبيل سقطرى، في أوائل القرن السادس عشر، ولم يكن لديها نظام حكم دستوري رسمي، بل كان يُختار السلطان تقليديًّا في أثناء الإجماع بين القبائل المهريَّة.
ووفقًا للتقرير، كان السلطان يتخذ القرارات بناءً على استشارات قبلية ويؤدي دور الوسيط المحايد في النزاعات. وظلت المنطقة سلطنة مستقلة حتى عام 1967م، ثم فُصِلت سقطرى عن المهرة، ودمجها في محافظة حضرموت وبعد حين جرى توحيد المهرة، مع بقية محافظات اليمن لتتشكل الجمهورية الحديثة في مايو 1990م.
لمحة لمدوّنة السلوك المهرية
يقول عرفات المهري (أحد سكان محافظة المهرة): «تتميز القبائل المهرية بصلابة النسيج الاجتماعي الذي يربط أبناءها عمومًا, ولا يمكن تفكيكه, فعندما يُعتدى على أي شخص من قبائل المهرة، تقف باقي القبائل معه وتهب لنصرته، فإذا حُكم على أحد بحكم قبلي، ولم يستطع إيفاء الغرامة تقوم القبائل الأخرى بتوفيتها، وهذا أهم ما يميز قبائل المهرة».
ويؤكد سعد كلشات، أن محافظة المهرة واحة للسلام والأمن والأمان، في الوقت الذي فقدت فيه أغلب المحافظات اليمنية الاستقرار جراء استمرار الصراع, وذلك بسبب تمسك قبائل المهرة ببعضها بعضًا بعيدًا عن التميّز, والعمل على مبادئ التآخي، وحب الآخرين والمروءة و الشهامة , والتعامل مع الجميع بإنسانية.
وأوضحت دراسة أحمد ناجي «النموذج القَبَلي في شرق اليمن لاحتواء النزاعات» التي نشرت في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط 2020م, أن قبائل محافظة المهرة التزمت بمدوّنة سلوك في الحوكمة القبلية, للعمل على التوسّط في النزاعات واحتواء الصراعات , ومنح المحافظة قدرًا من الاستقرار النسبي.
وتستند مدوّنة السلوك المهرية على خمسة تقاليد قبلية متعلقة بالصراع, تمثلت بالآتي:
أولًا: (إن التضامن بين المهريين عابرٌ للقبائل, حيث إنهم يقفون صفًّا واحدًا ضد الغريب، بغضّ النظر عن انتماءاتهم القبلية ) .
ثانيًا: (الدم لا يصبح ماء لدى المهريين: فالانقسامات بين القبائل لا تبرّر الانجرار إلى الفتنة، كما أن ارتكاب أعمال عنف على يد مهريين ضد آخرين من أبناء جلدتهم لايزال من المحرّمات).
ثالثاً: (حمل السلاح في الثقافة المهرية لا يعني بالضرورة استخدامه. فإذا رغبت قبيلة مهرية في استعراض مهاراتها القتالية أمام قبائل أخرى أو جهات خارجية، ستعمد في غالب الأحيان إلى تنظيم عرض شبه عسكري ) .
رابعًا: (عندما ينشب نزاع مسلّح بين القبائل المهرية، لا تذهب الغنائم إلى الطرف المنتصر، بل على العكس، يقع عبء تحقيق المصالحة على كاهله، إذ يجبُ على الظافر منح خصمه المهزوم تعويضات مالية تغطّي قيمة الخسائر التي مُني بها).
وخامسًا: (غالبًا ما ينجح التوسّط السريع والمباشر بين القبائل في الثني عن أعمال العنف أو على الأقل في تضييق نطاقه. فحين تنشب خلافات بين القبائل، غالبًا ما يضطلع مشايخها بدور الوسيط والمحكّم بين الفصائل المتخاصمة لإخماد جذوة التوتر ومساعدتها على حل النزاعات قبل أن تصل الأمور إلى حدّ الاقتتال الشرس).
قبائل المهرة واحتواء الصراع
وأكد الصحفي ناصر بن عويض (أحد أبناء محافظة المهرة) لـ»صوت الأمل « أن قبائل المهرة قدمت درسًا في كيفية فض النزاعات، وتحقيق السلام، وأثبتت اليوم أنها من أكثر المناطق اليمنية عقلانية ولم تنجر لأي طرف من أطراف الصراع, ولم تهتم إلا بالمصلحة العامة للبلد.
وأضاف عويض: «أنها أسهمت في مساندة السلطة المحلية والأجهزة الأمنية في حل الكثير من المشكلات التي واجهة أبنائها بخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة التي أدت إلى ضعف دور الدولة فعليًّا على أرض الواقع».
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …