التمييز العنصري حرمهم من حقوقهم: المهمشون، أحلام بسيطة تتمحور حول الالتحاق بالوظائف العامة
صوت الأمل – منى الأسعدي
لم يكن البحث عن مصدر للدخل – تُكسب منه لقمة العيش – أمرًا سهلًا بالنسبة لــ (محمد أحمد) لكنه أصبح أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة.. (محمد: في منتصف العقد الخامس) يجلس في أحد أرصفة مدخل مدينة صنعاء القديمة، رفقة إبرته ومقصه، وحوله الأحذية المقطعة، وهناك تقرأ – في خدوش أصابعه العميقة – صعوبة وقسوة العمل.
مصاعب الحياة – على الرجل الخمسيني – دفعته للعمال في ترقيع الأحذية، إن ما يجنيه من هذه المهنة، ليس سوى مبلغ (بسيط يقدر بـ 500 – 1000 ريال) يوميا، في مقابل ثماني ساعات من العمل: بين برد الصباح، وشمس الظهيرة.. إلا أن مهانة العمل، ونظرة التمييز – التي تلاحق محمدًا – أصعب بكثير من ذلك..
يصف محمد معاناته لـ (صوت الأمل) فيقول: أجلس هنا ساعات طويلة: أنتظر فقراء الزبائن الذين لا يزورنا أحد غيرهم.. وهم يضعون ما استطاعوا من المال مقابل ترقيع أحذيتهم المقطّعة، فأعود أحيانا إلى المنزل بمبلغ بسيط.. وأحيانًا بلا شيء.. وهذا أمر صعب بالنسبة لرجل مثلي، يعول عائلة مكونة من تسعة أفراد، أكثرها (بنات) ويضيف: معاناتي في توفير لقمة العيش، لم تشفع لي لدى المجتمع – الذي يلاحقني بكلمات العار أينما ذهبت – لسببين: لون بشرتي، واحتقارهم لهذا العمل، وهذا أكثر ما يشعرني بالحزن”.
امتهن محمد مهنة شريفة، ولم يلجأ كغيره للتسول؛ وذلك ليصبح فردًا منتجًا.. بدلًا من أن يظل عالةً على المجتمع.. إلا أن التمييز والتهميش العنصري – المتوارثين في اليمن – يبقيان العائق الأكبر أمامه، هو وغيره من أبناء هذه الفئة.
قضية التمييز الاجتماعي السلبي – في اليمن – من الأمور القديمة والشائعة.. على امتداد ماضي هذه البلاد وحاضرها.. وقد ساعدت الطبيعة القبلية فيها، على تقسيم المجتمع إلى طبقات اجتماعية، منها ما هو قائم على أساس الأصل والمهنة واللون.. ورغم ما يخلقه هذا الاختلاف من توازن في المجتمع، فإنه يتم النظر لبعض الفئات بازدراء واحتقار.. ويعزز هذا التمييز من حقوق طرف على حساب طرف آخر، وتعتبر فئة المهمشين السود الفئة الأكثر تهميشا في المجتمع.
التغلب على الفوارق الاجتماعية
(جمال سيلان: مدرس في قسم الصحافة: جامعة صنعاء) يرى أن التهميش لا يمكن أن يختفي؛ إلا عن طريق التوعية المستمرة لفترة من الزمن، ويضيف: حتى يتم التغلب على الفوارق الاجتماعية – التي تكونت بفعل التنشئة الاجتماعية الخاطئة – فلا بد من تكريس الجهود لتوعية الناس بمساوئ التهميش: على المجتمع والفئات المهمشة.
في السياق (الدكتور/ حمود صالح العودي: أستاذ علم الاجتماع: جامعة صنعاء) لـ (صوت الأمل) يقول: لقد حظيت فئة المهمشين السود، بكثير من الاهتمامات والدراسات الاجتماعية محليًّا ودوليًّا.. منذ وقت مبكر من مطلع القرن العشرين، وما بعد قيام الثورة في اليمن.. ولكن دون أن يغير ذلك من واقعها شيئًا يذكر، على الصعيد الاجتماعي.
(رمزي أحمد صالح: 23 ثلاثة وعشرين عاما) أحد سكان محوى الحصبة بصنعاء، يعبر عن الوضع الكارثي في (المحوى) بقوله: أن سكانه يفتقدون إلى أدنى مقومات العيش..
يعمل رمزي في جمع العلب البلاستيكية – وهي مصدر الدخل الوحيد له – يقول: أتمنى أن أحصل على قرض بسيط؛ لتأسيس مشروع خاص بي: أعمل فيه لتوفير احتياجات أسرتي.. ويؤكد: أعاني من التمييز، ولا أحد يقبل بتوظيفي لديه؛ فانتمائي إلى فئة المهمشين، يظل حاجزًا بيني وبين الوظائف العامة.. الأمر الذي دفعني إلى التفكير في العمل الحر.
ويتابع رمزي: العمل في جمع علب البلاستيك، أثّر على صحتي؛ بسبب النفايات التي أعمل بينها، خصوصًا مع انتشار الأوبئة في الفترة الأخيرة.. مُضيفًا: أصبت مرة بحمى الضنك، وكادت أن تودي بحياتي، حاولت بعدها جاهدًا التقديم للعمل في البلدية، لكنني قوبلت بالرفض؛ بسبب عدم وجود مكان شاغر حد قولهم.. (عائشة الوراق: منسقة البرامج في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية) في دراسة نفذتها في سنة 2019 تؤكد، أن الانهيار الاقتصادي واسع النطاق، أدى إلى خسارة مصادر العيش؛ بسبب الصراع المستمر في اليمن منذ مارس/ اّذار2015، وحتى الآن، الأمر الذي أدى إلى خلق منافسة على الوظائف ذات الأجور المتدنية – حتى على النازحين والمهمشين من ذوي البشرة السوداء – علما بأنها كانت في السابق مخصصة للمهمشين فقط..
(ماهر محسن: 16 ستة عشر عاما: أحد أفراد فئة السود) يبدي استياءه من أوضاع عمله، حيث تنقل من عمل إلى اّخر.. يقول: توفي والدي وعمري (11 أحد عشر عامًا) فاضطررت بعدها لترك المدرسة، والعمل في التنظيف بأحد المكاتب في الحديدة، وكان الوضع جيدًا إلى حد ما.. ولكن مع عدم استقرار الوضع الأمني – بالمنطقة التي كنا نسكن فيها – نزحت عائلتي إلى مديرية “بيت الفقيه” جنوبي الحديدة، وغادرتها أنا إلى صنعاء (باحثًا عن عمل) مشيرًا إلى أنه بدأ مزاولة مهنة التنظيف – في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء – ومقابل (8 ثماني ساعات من العمل المجهد) كان يتقاضى راتبًا شهريا زهيدًاهو (40 أربعون ألف ريال) ناهيك عن المعاملة القاسية التي تلقاها من قبل إدارة المستشفى، وقد دفعه ذلك إلى مغادرة العمل، والبدء في جمع العلب البلاستيكية وبيعها.
جميعنا يطمح بمستقبل أجمل، إلا أن محمد ومثله ماهر ورمزي – وكثيرين ممن قست عليهم الحياة، ولم يحس المجتمع بمعاناتهم – ما يزالون ينتظرون حقهم البسيط، في الحصول على فرصة عمل أجمل.. فهل يتحقق الحلم؟!
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …