تمييز متعمَّد لإضعاف مكانة المرأة في العمل وانخفاض عمالة الإناث لأكثر من 28% بسبب مشاركة الرجال في الصراع
صوت الأمل – منال أمين
مع ارتفاع وتيرة الصراع، في اليمن برزت صورة التمييز بين المرأة والرجل بشكل واضح، فكانت المرأة هي الحلقة الأضعف في المجتمع، ليس ذلك وحسب فالمرأة العاملة تتعرض في بعض أماكن العمل للتمييز القائم على النوع الاجتماعي، بسبب تسلط المنظومة الذكورية المتحكمة في المفاصل الإدارية وسلطة إصدار القرار، الذي تأثر بعض أفراده بمفهومهم الخاطئ عن المرأة، بكونها أقل مرتبة ومكانة من الرجل، وبالتالي لا يجب أن تتساوى معه بالحقوق، ولكن عليها أن تبذل جهداً مضاعفاً، لتنال حقها الأقل منه غالبًا في الرواتب والحوافز والتسويات.
وهناك من الرجال مَن يرى أن عمل المرأة إلى جانب الرجل، يخل بصورة المرأة المثاليّة وفق المخيلة الجمعية المتوارثة، الأمر الذي يبرر لبعض الذكور الإساءة التي تخل بالمبادئ والقيم والعادات والتقاليد تجاه زميلاتهم في العمل.
المرأة في موقع الاتهام:
الكثير من النساء يتعرضن لمختلف أنواع الانتهاكات من أرباب العمل، وكثير منهن يؤثرن الصمت؛ كونهن يعلمن مسبقًا أن المرأة دائماً ما تكون هي محط الاتهام، حيث تتحول من ضحية إلى مذنبة ويطال سمعتها تشويه متعمد.
أكدت ك – ع. لـ “صوت الأمل “أنها تعرضت لمضايقات كثيرة من مديرها منذ تعيينها، ولمدة عام، بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة في محافظة تعز، والتي كانت تعمل فيها براتب زهيد.
تضيف ك-ع: “كان المدير يتحرش بي، ولحاجتي للعمل اضطررت أن أتحمل كل المضايقات لمدة عام، كي لا أخسر العمل لأننا بحاجة للمال.
وقالت إنها لم تستطع أن تتحدث بالأمر لأحد، لأن الأمر محرج -حسب قولها- ولأن الموظفين سينظرون إليها بنظرة الاتهام كونها امرأة”.
وأوضحت أنها كانت تعمل في قسم أرشيف تلك المؤسسة، على الرغم من أن مؤهلاتها كان من الممكن أن ترشحها لمنصب أعلى، لكن المدير ارتأى لها العمل في الأرشيف، ليس ذلك وحسب، لكنه كان يكلفها بالعمل في أقسام أُخرى، بالإضافة إلى أنه كان يزيد من ساعات عملها، ورغم ذلك كان لا يحتسب لها زيادة في الراتب نظير عملها لساعات بعد انتهاء الدوام، وتعنتاً منه، كان يقوم بخصم راتبها لأعذار واهية، وكان يستخدم كل الأساليب السابقة تعنتًا منه، لأنها رفضت أن تستجيب لرغباته”.
الاقل مشاركة والاقل دخل في سوق العمل
تسبب الصراع في اليمن بتوقف عمليات المسح الميداني للقوى العاملة في اليمن في القطاعين العام والخاص، وتوفر معلومات دقيقة حول عدد الموظفين والموظفات في اليمن منذ 2014 إلى الآن، وحسب ما أشارت إليه وزارة الخدمة المدنية والتأمينات في بيانها الأخير 2013 ـ 2014 فإن عدد المدراء على مستوى المهن الرئيسية يتجاوز 68 مديراً، عدد الذكور منهم 66 مديراً، فيما بلغ عدد الإناث 3 مديرات فقط.
فيما بينت المؤشرات الواردة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والجهاز المركزي للإحصاء في الجمهورية اليمنية، بالتعاون مع منظمة العمل الدولي، النتائج الرئيسية لمسح القوى العاملة الذي نفذ في الفترة من أغسطس 2013 ـ مايو 2014، أن عدد السكان في سن العمل بلغ (عمر 15 فـأكبر) أي أكثر من 5 ملايين نسمة، بلغـت نسـبة المشاركة في القـوى العاملة حوالي 37 % غير أن نسبة مشاركة الرجـال كانت أكبر بكثير من نسبة مشاركة النساء بما يقارب (67% للرجال، و7 % للنساء).
ووصل معدل البطالة العام إلى أكثر من 15% وهــو يرتفع كثيراً في أوساط النساء متجاوزا 27% عنه في أوساط الرجال، إذ يبلغ بحدود 13%.
فيما بلغ متوسط الكسب الشهري فـي الوظيفـة الرئيسـية 52,500 ريال، ما يعادل 60 دولاراً، ويـنخفض هـذا المبلغ بالنسبة للنساء إلى 40,400 ريال، 50 دولاراً.
التقليل من شأنها وتقليص صلاحياتها
التمييز ضد المرأة في العمل هو أحد أنواع التمييز القائم على النوع الاجتماعي، الذي يمارس ضد المرأة في كل مناحي الحياة، حيث التقليل من شأنها أو استنفاد طاقتها في العمل، بمقابل عدم حصولها على حقوقها التي نصت عليها القوانين المحلية والدولية.
تواجه سهير( اسم مستعار) – 35 عاماً، والتي تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية بعدن، الكثير من الصعوبات من مديرها الجديد في العمل، فعلى الرغم من أنها تعمل في المؤسسة منذ أكثر من 8 سنوات، لكنها لم تحظَ بترقية، أو بزيادة في راتبها أو مستحقاتها، رغم اجتهادها في العمل – حسب قولها.
تقول : “قام المدير بتعيين أشخاص جدد بمراكز مهمة، ورواتب مجزية؛ لأنهم ينتمون لنفس منطقته، وعندما طلبت منه زيادة في مستحقاتي أبدى موافقة مبدئية، ولكنه لم ينفِّذ ذلك”.
وأكدت أنه “خلال هذه الفترة أصبح العمل بشكل تدريجي ينسحب مني، ليتم إعطاؤه للأشخاص الجدد الذين لم يمر على تعينهم أقل من أربعة أعوام، كما قام المدير بتقليص صلاحياتي في بعض الإجراءات الخاصة في العمل، الأمر الذي حزَّ في نفسي، وأشعرني بكمٍّ من الغضب، نتيجة الظلم الواقع عليَّ، ولكن لم أستطع أن أعترض على شيء، لأني أخشى أن يتم نقلي من مكتبي، أو يتم حرماني من مستحقاتي بشكل كامل، وأنا عندي قرض يجب عليَّ سداده، كما أنها تقع على عاتقي العديد من المسئوليات”.
الفجوة بين الجنسين العالمي
صنف المنتدى الاقتصادي العالمي اليمن في ذيل القائمة، لمؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي السنوي، 2019 والذي ينفذ للمرة الـ 11 على التوالي، حيث احتلت المرتبة 153من أصل 153 دولة، ويركز المنتدى على أربعة محاور رئيسية، متمثلة بالمشاركة الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة، والاستمرارية، والتمكين السياسي.
مدير عام التوعية والإعلام في وزارة حقوق الإنسان “زيد الإدريسي” قال لـ “صوت الأمل” إن الوضع الذي تعيشه المرأة اليمنية يمكن وصفه بالسيئ، تحديدا منذ بداية الصراع في 2014م، باعتبارها الفئة الأضعف في المجتمع، والتي تعرضت حقوقها لانتهاكات بشعة، حتى في أماكن عملها، حيث يتم استغلال المرأة، دون مراعاة للقيم والعادات والتقاليد اليمنية، والقوانين الدولية.
وقال الإدريسي إن “وزارة حقوق الإنسان دائما ما تسعى إلى تدعيم مفاهيم حقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة في كل مجالات الحياة، وتحليل الأسباب التي تقف وراء الانتهاكات المتزايدة لحقوق المرأة في العمل، ومعرفة الأسباب التي تقف عائقاً أمام حصول النساء على حقوقهن، بالإضافة إلى تدعيم مفاهيم حقوق النساء، والتي منها حق النساء في العمل، وإشراكهن في عملية صنع القرار، ودعم تلك الحقوق وتفعيلها، بما يتماشى مع القوانين الوطنية والصكوك الدولية”.
وحول ما تتعرض له المرأة من تمييز في العمل يقول الإدريسي، “إن الواقع الحالي يحتاج جهوداً كبيرة وتكاتف الجميع (حكومة ومجتمعاً مدنياً) من أجل رفع مستوى الوعي العام بحقوق المرأة، وتحقيق المساواة المطلوبة، واحترام هذه الحقوق وحمايتها من أي انتهاك”.
انخفاض عمالة الإناث لأكثر من 28% بسبب الصراع
أدى استمرار الصراع في اليمن إلى ظهور تحديات كبيرة في سوق العمل، الأمر الذي أثَّر وبشكل عام على النساء، وتشير الأبحاث إلى أنَّ الحرب أثرت على النساء كقوى عاملة أكثر من الرجال في 2015، فقد انخفضت عمالة الذكور بنسبة تتجاوز 11%، بينما انخفضت عمالة الإناث لأكثر من 28% بسبب مشاركة الرجال في الصراعات المسلحة وتحمُّل النساء أعباء المنزل وحدهن.
وانخفضت عمالة النساء في صنعاء بنسبة أكبر من 43%، بسبب تضرر القطاع الخاص بشدة جراء الصراع، فيما ارتفع عدد النساء العاملات في عدن بنسبة تتجاوز 11% في مختلف القطاعات.
وتشير المدير التنفيذي لمركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان “سماح جميل” لـ “صوت الأمل” إلى أن المرأة اليمنية تتعرض للكثير من الانتهاكات لحقوقها في مواقع العمل، ابتداء من حقها في الحصول على الوظيفة، ومرورا بتحديد موقع وطبيعة العمل، والترقيات والتواجد بالمواقع القيادية، وفي الاستحقاقات المادية والتدريب والدورات والمكافآت، ونجد أن من يمارس هذه الانتهاكات، غالباً ما يكون الرجل، ويعد ذلك استمراراً لسيطرة العادات والتقاليد والموروثات، التي تزيد من نفوذ وسيطرة الرجل على المرأة، وإضعاف مكانتها أمام سلطة المركز”.
الثقافة النمطية للمرأة
وتقول سماح: “إن الحلول للحد من ذلك تكمن في مواجهة المرأة لهذه الممارسات، والثقافات المرتبطة ببعض العادات والتقاليد، التي تحمل في طياتها النظرة السلبيَّة للمرأة، بحيث تهتم المرأة بمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها في مختلف مواقع العمل، التي تستند إلى الوقائع المادية، والابتعاد عن تكرار الشعارات والمطالب العامة، فالحديث عن تمكين المرأة يجب أن يرتبط بمواجهة هذه الثقافات والممارسات التي بالفعل تتعرض لها المرأة”.
وتضيف: “تمكين المرأة يجب أن يرتبط في الأساس بتمكينها المادي والفعلي من حقوقها الإنسانية القانونية في مواقع العمل، وحماية حقوق المرأة وتمكينها داخل مرافق ومواقع العمل، وحيث التواجد الفعلي للمرأة”.
وتابعت سماح بأنه “لا بد من التركيز على أهمية البرامج التوعوية التي يجب توجيهها للمرأة في مواقع العمل، لخلق نوع من الإبداع والعطاء الجميل، ورسم صورة إيجابية للمرأة في مواقع العمل، لأن أي تصرفات سلبية أو قصور في أداء العمل يولد صورة غير طيبة للمرأة، ويمس حقها في الحصول على الوظيفة وعلى الترقية، وكذا بقية الحقوق المشروعة لها في العمل”.
المرأة العاملة والقانون
تضمنت التشريعات في القانون اليمني حقوق المرأة العاملة عبر مواد دستورية شملت قانون الخدمة المدنية في المادة رقم (12)، الذي ينص على أن يقوم شغل الوظائف العامة على مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية لجميع الموظفين دون تمييز، وفقا لشروط تحدد معايير التوظيف والترقية للموظف، سواء كان رجلا أو امرأة، دون تمييز أو تفرقة.
كما أن المادة (5) من القانون، أكدت على أن “العمل حق طبيعي لكل مواطن، وواجب على كل قادر عليه، بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة، دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو العرق”، والمادة (42) نصت على أن “تتساوى المرأة مع الرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون تمييز”، وأوجبت تحقيق التكافؤ بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقي والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية.
وتقول الناشطة الحقوقية والسياسية المحامية تهاني الصراري لـ “صوت الأمل” ان الدستور اليمني كفل للنساء أن يكون لهن مثل الذي عليهن، وهناك أيضاً نصوص قانونية تنص على حق المرأة في العمل، لكن لا يوجد نص صريح في القانون اليمني يعاقب بأيِّ من أشكال العنف في العمل، رغم ذلك وجب عل المرأة الرجوع إلى اللوائح والأنظمة لدى المرافق بشكل عام، في حال تعرضت لأي نوع من أنواع التمييز ضدها، والتوجه إلى المحاكم الإدارية للفصل بالقضايا التي تخص العمل، وإذ كان العنف لفظيّاً أو جسدياً أو تشويهاً للسمعة، فيمكن الرجوع إلى القضاء والمحكمة الجنائية أو البحث الجنائي”.
الضغط على الحكومة للاعتراف بدور النساء
وأوضحت الصراري: “هناك صور عديدة من التميز ضد النساء، خاصة في إطار توزيع المناصب القيادية والحكومية والإدارية، ويعد إقصاءا حقيقياً للنساء، دون النظر إلى الكفاءة والخبرة والقدرات، وهناك العديد من الحلول، منها الاستمرار في الضغط على الحكومة للاعتراف الفعلي بدور النساء وتفعيل ما يسمى الكوتا النسائية، وتشكيل تكتلات ونقابات نسوية للمطالبة بالحقوق في إطار العمل”.
ويرى نشطاء حقوقيون، أن الدستور اليمني لم يعطِ المرأة حقها بشكل واضح، في حال تعرضها لأي نوع من الانتهاكات في عملها، وخاصة التحرش، مثل باقي دساتير الدول العربية، فقد وصف القانون اليمني النساء بـ (شقائق الرجال) في المادة 31، بدلاً من الاعتراف بهن كمواطنات متساويات مع الرجل، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وشددوا، على ضرورة فرض عقوبات على كل من يمارس التمييز بين الجنسين في الوظائف العامة، وأهمية سن قانون لمكافحة الاستغلال والتمييز والتحرش بأنواعه في أماكن العمل، الذي انتشر بكثرة بسبب استمرار الصراع وانتشار الممارسات غير القانونية في المؤسسات الحكومية والخاصة.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…