تعليم الفتيات في الأرياف: بين مطرقة الفقر وتحديات الواقع
صوت الأمل – دولة العامري
تعاني الفتيات في اليمن من ظاهرة عدم المساواة بين الجنسين في مجال التعليم، وتُحرم كثير من الفتيات في مناطق مختلفة من البلاد من الالتحاق بالمدارس، بسبب بُعدها عن أماكن سكنهن وخوف أولياء الأمور من تعليم بناتهم في مدارس مختلطة، وعدم وجود مدارس خاصة بالبنات، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تساهم في حرمان الفتيات من التعليم، كما أن تعليم الفتيات بالنسبة إلى بعض اليمنيين في الأرياف، يعد أمراً ثانوياً وليس أولوية مقارنة بتعليم الفتيان.
ومع بداية العام الدراسي الجديد تبدأ الطالبات اليمنيات عامهن بكل حماس للجد والمثابرة من أجل الدراسة، وخاصة في الأرياف، حيث تكافح الفتاة الريفية لمواصلة التعليم رغم المعوقات والصعوبات التي تواجهها، كفتاة يمنية عموماً وريفية على وجه الخصوص. إضافة إلى الوضع التعليمي المتدهور وانقطاع الرواتب الذي تسبب في تدهور العملية التعليمية وتسرب الكثير من الفتيات من المدارس.
وضع صعب
تقول أمة السلام غالب- طالبة في المرحلة الثانوية في مديرية العدين محافظة إب، إن وضع التعليم للفتيات في الريف صعب جداً، ولا تحصل الفتاة على حقها في التعليم إلا بصعوبة، فالبعض من الأهالي يسمحون بتعليم بناتهم المرحلة الابتدائية لكي تتمكن من القراءة والكتابة فقط، والبعض يسمح للفتاة بأن تكمل تعليمها الثانوي.. وتضيف: “الفتيات الريفيات يتحملن المسؤولية في جلب المياه والحطب والقيام بعمل البيت، ولا يُسمح لهن بمواصلة التعليم”.
وتؤكد أن الفتيات في الأرياف يعانين من عدم الحصول على حقوقهن التعليمية، حيث تُجبر الفتاة على الزواج المبكر وترك التعليم في المرحلة الأساسية في حال أتيحت لها فرصة الالتحاق بالمدارس أصلاً، وفقا لما ذكرته لــ” صوت الأمل”.
فيما ترى الطالبة زينب منصور- خريجة المرحلة الثانوية، أن الكثير من الأهالي أصبحوا يعلمون أهمية تعليم الفتاة، ولديهم الوعي بإلحاق الفتيات في التعليم وضرورة مواصلة تعليمهن.. وتقول: “في قريتنا أصبح الناس متحضرين وواعين بأهمية التعليم للفتاة، ولكن الظروف المادية الصعبة هي التي تجبر الفتاة على التسرب أاو عدم دخول المدرسة، وذلك بسبب الفقر، وخصوصاً الأسر التي لديها أطفال كثيرون ولا تقدر على توفير مستلزمات الدراسة ومصاريفها.
تحكي زينب عن واقع دراستها الجامعية، والتي تتمنى أن تخوضها لتكمل مشوار تعليمها، لكن الوضع المادي والسكن وعدم وجود قريب (مَحْرَم) لها في المدينة، هي التي تعيق مواصلتها للدراسة، وتأمل زينب أن تتمكن من مواصلة دراستها الجامعية، مضيفة أنها إذا ما سنحت لها الظروف ذات يوم، فأنها لن تتردد في الالتحاق بالجامعة وتحقيق حلمها.
وحول أهمية التعليم للفتيات، تقول: “التعليم يزيد من ثقة الفتاة بنفسها، ويجعلها تعتمد على نفسها في الحياة، ويزيدها التعليم ثقافةً ووعياً بأمور حياتها وإدارة شؤون حياتها، وتعمل على تعليم أطفالها ومساعدة زوجها في تحمل أعباء الحياة.
صعوبات وتحديات
تعاني الفتيات اليمنيات في الأرياف من صعوبات ومعوقات تحرمهن من التعليم أو الاستمرارية في مواصلة الدراسة، وصولا إلى التعليم الجامعي. تقول مدير إدارة تعليم الفتاة بمكتب التربية في محافظة إب فائدة الشرفي، إن الاختلاط وعدم وجود مدارس خاصة بالفتيات في المناطق الريفية، بالإضافة إلى بُعد المدارس عن سكن الطالبات وعدم وجود حمامات وغيرها، تعدُّ من الأسباب الرئيسية التي تحول دون مواصلة الفتيات التعليم في الأرياف أو التسرب من المدارس.
تؤكد لــ “صوت الأمل” أن وجود معلمين ذكور في مدارس الأرياف يمثل سبباً آخر في منع الأهالي للفتيات من الالتحاق بالمدارس أو مواصلة التعليم حتى المرحلة الثانوية، خاصة وأن هناك أولياء أمور في الكثير من المناطق الريفية في محافظة إب لا يحبون أن تتلقى بناتهم التعليم على يد مدرسين ذكور، ومثال على ذلك في مديرية الشعر، التي يمنع الآباء بناتهم من التعليم، وخاصة في المرحلة الثانوية، بسبب وجود مدرسين ذكور، ما يجعل الفتيات عرضة للتسرب والحرمان من التعليم.. إضافة إلى أسباب أخرى مثل الفقر الذي تعاني منه الآلاف من الأسر، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اليمنيون جراء الصراع، وكذا العادات والتقاليد، وتفضيل بعض أولياء الأمور لتدريس الأولاد دون البنات، لاعتقادهم أن الفتاة حتى لو تعلمت فمصيرها هو الزواج والمكوث في البيت.
وتضيف الشرفي: “أن الزواج المبكر أحد المعوقات الأساسية التي تمنع الفتاة من مواصلة تعليمها، وتؤدي إلى تسرب الطالبات من المدارس، نتيجة للعديد من الأسباب الاجتماعية، كالمشاكل الأسرية أو انفصال الوالدين، وانشغال الفتيات بأعمال الحقول والزراعة وجلب الماء ومساعدة الأمهات في أعمال المنزل، إضافة إلى العامل النفسي للفتاة إذا رسبت، حيث يؤدي ذلك إلى ضعف المستوى التعليمي للفتاة، وهذا ربما يكون عائقا عند الأسر، حيث يعتقدون بأن بنتهم ليست حق تعليم، وكذلك العنف الذي تتعرض له الفتيات من قبل الأسرة أو المعلمين أو المدراء.
تحديات اجتماعية
معوقات وصعوبات تتحدى الفتيات وتهدد بسلب حقها في التعليم، سواء بيئية أو اجتماعية، إضافة إلى العائق الكبير الذي ظهر مؤخراً في ظل الوضع الراهن، والمتمثل بتدهور الوضع الأمني في عموم البلاد نتيجة للصراعات الدائرة، ووفقا لما ذكرته مديرة إدارة تعليم الفتاة في مكتب التربية بمحافظة إب، حيث تشير إلى أنه رغم تفهم غالبية أولياء الأمور لأهمية التعليم، ولكن الخوف والقلق هما المسيطران على عقول كثير من الآباء، فتلك المخاوف تجعلهم يفكرون بإبقاء البنت في المنزل وذلك من باب حرصهم على ابنتهم وخوفهم من تعرضها لأي أذى أو مضايقة.
قصص إيجابية
على الجانب الآخر، هناك نظرات وقصص إيجابية في التغلب على هذه التحديات التي تواجه تعليم الفتيات. “دولة بنت الريف”، كما تسمي نفسها، كأي فتاة ريفية واجهتها تلك الصعاب التي اعترضت مواصلة تعليمها الجامعي ودخولها التخصص الذي تحبه وهو الطب، ولكن معدلها الضعيف في الثانوية منعها من دراسة الطب، لكنها لم تقف ولم تستلم، بل كافحت لتلتحق بتخصص يرفضه الجميع وينظر إليه نظرة سلبية – حسب قولها- وهو الإعلام. وتؤكد دولة أنه رغم رفض الأهل لهذا القسم إلا أنها تحدت كل ذلك ودرست إعلام وعملت في هذا المجال أيضاً، وهي تسكن الآن في غربة بعيدة عن أهلها في المدينة وأصبحت أنموذجاً يتمنى أهالي المنطقة أن تكون لهم بنت مثلها، وكذلك فتيات قريتها اللاتي يتمنين أن يصلن إلى ما وصلت إليه.
تخفيف التحديات أمام الفتيات
في السياق يقول مدير شعبة التعليم في مكتب التربية والتعليم بمحافظة إب، علي المرتضى: إن “هناك نسبة إقبال على التعليم من قبل الفتيات، ومن خلال الزيارات إلى المديريات اتضح أن الفتيات لديهن الرغبة والطموح في مواصلة التعليم بشكل كبير، ربما أكثر من البنين.. ويؤكد لــ” صوت الأمل” أن هناك كثافة طلابية لا بأس بها للبنات في المدارس وقد قام مكتب التربية بعمل بعض المعالجات في سبيل تخفيف التحديات والصعوبات التي تواجه الفتيات عند الالتحاق بالتعليم، وذلك من خلال فتح مدارس قريبة أو فصول جديدة للتعليم الثانوي في المدارس الأساسية، لمعالجة مشكلة بُعد المدارس بحسب توجيهات مدير مكتب التربية والتعليم.
ويضيف المرتضى: تم تفعيل المشاركة المجتمعية من قبل أولياء الأمور والأعيان، من أجل تجاوز أي عوائق تقف أمام تعليم الفتاة في الريف، بالإضافة إلى ما يقدمه الأعيان والتجار من دعم مادي بدفع رواتب المدرسين من أجل مواصلة الفتيات تعليمهن.. وأشار إلى أن هناك خطة من قبل وزارة التربية والتعليم لتشجيع التعليم، من خلال التعاقد مع متطوعات من خريجات الثانوية الريفيات، ليقمن بتعليم الفتيات في عدد من المديريات التابعة للمحافظة مثل: حبيش، وحزم العدين. لافتا إلى أن هناك دورا لبعض المنظمات في دعم التعليم مثل اليونيسف التي كان لها دور كبير في صرف حوافز شهرية للمعلمين، بالإضافة إلى قيام الصندوق الاجتماعي للتنمية بتدريب بعض الخريجات والتعاقد معهن من أجل التعليم وخصوصا في المناطق النائية.
التفاوت بين الجنسين
ورغم الزيادة الكبيرة في التحاق الفتيات بالمدرسة وإكمالهن للتعليم الابتدائي خلال العقد الماضي في اليمن، فإن التفاوت بين الجنسين مازال حاداً، وتتجلى هذه الفجوة أكثر في المناطق الريفية، وتزداد سوءاً بالنسبة للفتيات على مستوى التعليم الثانوي، وفقا لتقارير صادرة عن البنك الدولي.
وبحسب منظمة اليونيسف فإن نحو 31% من فتيات اليمن خارج المدارس، وإن استمرار النزاعات سيجعلهن أكثر عرضة لفقدان التعليم.
ويظل تعليم الفتاة الريفية ما بين مطرقة الفقر وسندان الواقع الذي تعيشه وصعوبة الحياة التي تواجهها الفتاة، خاصة وأن المجتمعات الريفية في اليمن تعتمد بشكل كبير على المرأة، ما يتسبب في حرمانها من الحصول على الكثير من الحقوق ومنها الحق في التعليم، ورغم ذلك مازالت متحدية ومثابرة للحصول على حقها، الأمر الذي يستدعي دعم المناطق الريفية في جانب التعليم، مثل بناء المدارس والمعاهد أو الجامعات من أجل أن تسنح الفرصة للفتيات لإكمال تعليمهن، خاصة وأن انخفاض معدلات الدخل للأسر الريفية، وارتفاع تكاليف المواصلات، تحول دون التحاق الطالبات خريجات الثانوية العامة بالجامعة في المدن الرئيسية، الأمر الذي يتسبب في حرمانهن من مواصلة التعليم.
المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد …