منظمات المجتمع المدني وخطط إعادة الإعمار للمساكن والمنشآت في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
يقصد بإعادة الإعمار بأنَّه مسار طويل يشتمل على مجموعة متنوعة من العمليات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويهدف لخلق بيئة آمنة مستقرة بعد انتهاء النزاع والقضاء على الفوضى، ويتداخل مع مفاهيم بناء الدولة وبناء السلام والتنمية، بهدف منع الانزلاق ثانية نحو الصراع، بضمان الانتقال إلى السلام، هذا التعريف لإعادة الإعمار وفقاً لمجلة المفكر للدراسات القانونية والسياسية.
تقول سعدية عبدالله (طالبة في قسم الإعلام في جامعة الحديدة): “عندما نسمع عن تحركات أممية وعربية لإعادة الإعمار في اليمن، أو نسمع مسؤولين يتحدثون عن أموال مخصصة لإعمار اليمن من الدول المانحة، نشعر بالسعادة، فهذه التحركات تعطينا الأمل في أنَّ الصراع في بلادنا أوشك على الانتهاء ويتبادر إلى أذهاننا بمجرد سماع هذا المصطلح(إعادة الإعمار) أنَّ القوة على الأرض اتفقت على وقف الاقتتال، وبدء إصلاح ما دمره النزاع”.
تحكي سعيدة لحظة سماعها خبر تدمير مبنى كلية الطب التابعة للجامعة، وشعورها بالحزن أثناء مشاهدتها التدمير الذي أحدثه الصراع في البلاد، قائلة: “أن تنهار المباني الخدمية والمرافق التي تمثل صروحاً هامة للأجيال مؤسف جدًا، أتمنى أن تبدأ عملية إعادة الإعمار ويعود مبنى كلية الطب كما كان من قبل، حتى تلك الطرقات التي نمر بها أثناء سفرنا إلى منزلنا في تعز، تكاد تكون معدومة وتحتاج إلى جهود لإعادة ترميمها أمام المسافرين، كم هو موجع مشاهدة المساكن المتهالكة أثر الصراع في منطقة كيلو16 مدخل مدينة الحديدة وبوابته الآيلة للسقوط”.
وبحسب مراقبين فإنَّ ما أحدثه الصراع في اليمن من دمار شمل المساكن والمنشآت العامة والخاصة والبنية التحتية، يوحي بأنَّ عملية الإعمار في اليمن لن تكون بالأمر السهل –لا سيما- مع اتساع حجم أضرار البنية التحتية والمنشآت والمباني التي تم حصرها من قبل مسوحات ودراسات، والتي تتسع أكثر مع استمرار الصراع.
نماذج لدور المجتمع المدني في إعادة الإعمار
في سنوات الصراع انشغلت الجهات الرسمية عن القيام بدورها في تحسين البنية التحتية للبلاد وتغطية احتياج بعض المناطق، من هذا المنطلق ساهمت كثير من منظمات المجتمع المدني في لعب هذا الدور من خلال مشاريعها التنموية –خاصة- منظمات المجتمع المدني التي يدعمها أهل الخير والمغتربين من أبناء الوطن –لا سيما- أبناء المناطق المتضررة، من الصراع، ومن تهميشها لمشاريع البنية التحتية.
( مؤسسة الريادة التنموية) من المنظمات المحلية الفاعلة في مجال التنمية تأسست في العام 2020م، في مدينة تعز يعتمد دعمها على مجلس أمناء من المغتربين وفاعلي الخير، ورغم أنَّ المؤسسة لا تتلقى أي دعم من منظمات وجهات دولية فإنَّ الجمعية استطاعت بناء مركز تعليمي بهدف توفير بيئة تعليمية توعوية في مديرية الصلو تهدف إلى تعزيز القدرات.
يذكر عبد العليم الصلوي (المدير التنفيذي لمؤسسة الريادة التنموية) أنَّ فكرة المؤسسة جاءت بعد ملاحظة بأنَّه توجد معاناة إنسانية –خصوصًا- في ظل الوضع الراهن، ومع الدعم الذي يقدمه أبناء المنطقة من المغتربين، جاءت الفكرة ان تتجمع الجهود وتتبلور في مشروع مؤسسة.
وفي معرض حديثه ذكر بأنَّه إلى جانب بناء مركز الصديق، فقد ساهمت المؤسسة في شق وتعبيد طريق مزابر، والتي تعد من الطرق الهامة التي تمثل شريان حياة لكثير من القرى في مديرية الصلو، وكانت تعيق حركة الكثير من المواطنيين كونها من الطرق المعلقة وتشكل وعورتها خطورة على حياة المواطنين.
يضيف عبد العليم بأنَّ الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني من أهم البنى الاجتماعية التي تساعد المجتمعات في التغلب على المشاكل والتحديات التي يواجهونها، وتخفيف الآثار الناجمة عن ضعف أداء مؤسسات الدولة والقطاع الحكومي بشكل عام وعجزه عن تلبية كافة احتياجات المجتمع.
ويرى الصلوي أنَّ الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وسيلة المجتمع للتعبير عن صوته وتمكينه من ممارسة حقوقه في صنع القرار، والإعمار كما أنَّها في حالات عدم الاستقرار تكون الأفضل والأكثر قدرة على تقديم العون والاستجابة لاحتياجات المجتمع؛ نظرًا لقدرتها على الوصول إلى كافة فئات المجتمع وفي مختلف المناطق بما فيها تلك المناطق البعيدة عن التركيز والاهتمام.
نبيلة الصلوي -30عامًا- من فتيات المديرية، تذكر أنَّ البنية التحتية في البلاد تحتاج إلى اهتمام بالغ –لاسيما- في ظل انشغال الدولة في الصراع؛ لذا المسؤولية تقع على عاتق المنظمات المحلية في تنمية وطنهم والعمل على تحسين البنية التحتية وتحسين خدماتها؛ لكي يستفيد منها المواطن.
إسهامات أخرى في مجال البنية التحتية قدمتها (جمعية أبناء الصلو للبناء والتنمية) حيث ساهمت الجمعية بتقديم مساعدات مالية للمشاركة في تعبيد ثلاثة طرق في المديرية، وجميعها طرق هامة تربط قرى المديرية وتوصلها بمديريات أخرى، وحسب عبد الملك مطهر(الأمين العام للجمعية) فإنَّ الجمعية قدمت ثلاثمائة ألف ريال لطريق الحجر، وثلاثمائة ألف ريال لطريق حمده القابلة، ومائتي ألف لطريق القابلة الصعيد.
يقول صلاح السروري (أحد الناشطين والمستفيدين في مديرية الصلو)، عن دور جمعية أبناء الصلو ومؤسسة الريادة: “المؤسستان لهما دور كبير وكثير من الناس يأملون مشاركة أوسع لها في مجال البنية التحتية، ونأمل أن يتعمق الوعي المجتمعي في دعم جمعية أبناء الصلو ومؤسسة الريادة، خاصة أنَّ المؤسستين ركيزة مهمة وتلعب دوراً مهماً في تحسين البنية التحتية للمنطقة، ونتوقع منها الكثير من التدخلات وتنفيذ مشاريع تحتاجها المديرية في مجال الإعمار”.
حجم الاحتياجات للإعمار
ذكر تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2021م، أنَّ حجم الأضرار التي لحقت بـ16 مدينة يمنية، تتفاوت ما بين 6.9 مليارات و8.5 مليارات دولار أمريكي.
إنَّ حجم الاحتياج والوقت المتوقع لإعادة الإعمار، يعكس الصورة الحقيقية لحجم الدمار الذي حل بالمنشآت والمساكن والبنية التحتية بشكل عام في اليمن، كما يظهر قوة الاقتتال وشراسته وطول أمده. أرقام أخرى أثبتت تكلفة الدمار الباهظة على اليمن واليمنيين في إحصائيات رسمية متوقعة أخرى لتمويل الإعمار في العام 2022م جاءت على لسان واعد باذيب (وزير التخطيط والتعاون الدولي في عدن) الذي توقع أن تساهم دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الخمس المقبلة بتقديم 70٪ من حجم المبالغ المقدمة لعملية الإعمار في اليمن والمقدرة بمائة مليار دولار.
من جهته ذكر البنك الدولي في تقرير صادر له في منتصف يونيو عام 2020م أنَّه يحتاج إلى مبلغ أولي قدره خمسة وعشرين مليار دولار لمعالجة الأضرار والخسائر الناجمة عن الصراع منذ ست سنوات، وذكر التقرير أنَّ قطاع الإسكان هو الأكثر تضررًا مقارنة بالقطاعات الأخرى، حيث وصلت تكلفة الأضرار الذي لحقت به إلى ستة مليارات ومائتي مليون دولار، جاء في المرتبة الثانية قطاع الصحة، والذي بلغت تكلفة أضراره سبعة وأربعين مليون دولار، ويحتل المرتبة الثالثة قطاع الطاقة بتكلفة أضرار بلغت ستمائة وخمسة عشر مليون دولار. وذكر التقرير أنَّ مدينة صنعاء أكثر المدن التي تضررت من الصراع.
“ليس هناك عملية إعادة إعمار من قبل منظمات المجتمع المدني لما خلفه الصراع باليمن حتى الآن” هذا ما قاله ماجد الداعري (المحلل الاقتصادي) لـ”صوت الأمل”، ويواصل حديثه “عملية إعادة الإعمار تحتاج مارشال اقتصادي، يبدأ بمسح ميداني لحجم الأضرار، وحصر المنشآت المتضررة واحتياج كل منشأة، وطبيعة الضرر الذي أصابها، في كافة مناطق اليمن المتضررة بالصراع، ومن ثم جمع الموازنات الخاصة بذلك عبر مؤتمر دولي للمانحين، وبعدها إيكال مهمة الإعمار لجهات مشهود لها بالنزاهة، وعلى الحكومة مهمة الإشراف والمراقبة عليها –فقط- وليس التنفيذ”.
متطلبات
متطلبات إعادة الإعمار في اليمن من المنظمات المحلية، تذكر المهندسة خلود الأغبري أنَّها تتمثل في عمال الحصر والتقييم للمنشآت المراد إعادة إعمارها، وهذا يتطلب شركات استشارية ومكاتب متخصصة في إعداد هذه الدراسات وتحديد آلية الإعمار وكلفته التقديرية وهل يشمل الترميم أو الإزالة وإعادة البناء.
وتشير الأغبري إلى ضرورة تحديد مواصفات إعادة البناء -خاصة- أنَّ مواد الترميم وبالذات للخرسانات تعتمد في الترميم على كيماويات البناء، وهي مواد تحتاج إلى خبرات فنية متخصصة في التنفيذ ولديها الخبرة الكافية، أيضًا تحديد الكلفة المالية لإعادة الترميم وهذه المضافات الكيميائية في مواد البناء كلفتها عالية.
وتؤكد الأغبري على أهمية دراسة إمكانية إعادة الإعمار تحت بند الاستدامة واستخدام المواد المتوفرة في بلد الإعمار وإعداد برنامج زمني قائم على آلية التنفيذ وفقًا لمراحل تنفيذ هذه الأعمال.
فيما يذكر عبد الرحمن شالف (المهندس المعماري) أنَّ من متطلبات إعادة الإعمار في اليمن والتي يُفترض بمؤسسات المجتمع المدني عملها، تتمثل في المسح الشامل للبنى التحتية المدمرة من مدارس وجسور وطرقات ومبانٍ خدمية ومبانٍ خاصة، وبناء على ذلك سيتم تحديد التكلفة التقديرية لإعادة الإعمار.
يؤكد شالف أنَّه وبناء على الدراسات ومخططات إعداد التكلفة التقديرية سيتم تحديد الفترة الزمنية للبدء في عملية المشروع، ويرى أنَّ التحديات التي ستواجه منظمات المجتمع المدني في عملية إعادة الإعمار، هي الجهات الفاعلة في إعمار اليمن فإذا كان المبلغ كبيراً سيشجع على الفساد فمن الضروري أن تكون المشاركة بجهات داخلية وخارجية.
توصيات
من ناحية التخطيط والتوصيات لعملية إعادة الإعمار في اليمن فقد تناول تقرير لمركز صنعاء للدراسات نشر في مايو 2018م هيكلًا مؤسسيًا لهيئة إعادة إعمار مستقبلية في اليمن تتمتع بالديمومة والاستباقية تتمثل بجملة مفصلة من التوصيات كالتالي: إنشاء هيئة دائمة ومستقلة وعامة للتعمير بموجب مرسوم رئاسي، أن تتمتع الهيئة العامة لإعادة الإعمار بولاية واضحة لتنسيق جهود إعادة الإعمار لما بعد النزاع أو ما بعد الكوارث، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتصميم السياسات؛ وتنظيم التمويل وجمع الأموال؛ والتنسيق مع السلطات المركزية والمحلية، والمنظمات الدولية، والجهات المانحة، وأصحاب المصلحة المحليين (من خلال عملية تنافسية تسمح لوحدات القطاع العام وشركات القطاع الخاص بالتنافس في المناقصات)؛ وإجراء رقابة وتقييم مستمرين لمستوى الشفافية والمساءلة.
مضيفًا أن تتمتع الهيئة العامة بالقدرة على إنشاء مكاتب إعادة إعمار محلية فور وقوع أي كارثة أو انتهاء أي نزاع، تمكين مكاتب إعادة الإعمار المحلية بشكل كامل من إدارة مشاريع ذات نطاق معين ضمن مجالات اختصاصها، بما في ذلك التقييم والتخطيط والتمويل المحلي وجمع الأموال وتنفيذ المشاريع والمراقبة والإبلاغ والتنسيق.
مؤكدًا على الهيئة أن تضع إطاراً واضحاً للعمل مع جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك تنسيق المشاريع طويلة الأجل والاستراتيجية مع الحكومة اليمنية، إنشاء صندوق جماعي لجميع المانحين، سواء أكان يدار من قبل الهيئة العامة لإعادة الإعمار نفسها أو تشترك في إدارته هيئة إعادة الإعمار وعمل مصرف إنمائي دولي أو إقليمي يعمل كوصي على الصندوق.
ويذكر التقرير أنَّه ينبغي أن يشمل مجلس إدارة الهيئة العامة لإعادة الإعمار ممثلين من مجتمع المانحين، وممثلين عن مجلس الوزراء، مع التمثيل عن القطاع الخاص بالإضافة إلى مدير تنفيذي، وينبغي أن يرأس المجلس نائب رئيس الوزراء لضمان حصوله على أعلى مستوى من الدعم، كما يجب أن يتبع مجلس إدارة هيئة الإعمار عملية تنافسية وشفافة وقائمة على الجدارة لتعيين مديره التنفيذي ومديري مكاتب إعادة الإعمار المحلية وجميع الموظفين، وأن تسعى الهيئة إلى إشراك المهنيين والمواطنين اليمنيين في جميع القطاعات الاقتصادية على المستويات المركزية والمحلية لتسهيل الأعمال الفنية لإعادة الإعمار.
استطلاع .. 56% الفساد الإداري من أهم المعوقات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد يرى 56% من المشاركين في استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر م…