الأمن الغذائي في اليمن
يشير مصطلح الأمن الغذائي إلى توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من اجل حياة صحية ونشطة. وعندما يتوفر الغذاء لجميع افراد المجتمع وفي كل الأوقات بكميات كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية يمكن القول إن الأمن الغذائي قد تحقق لدى افراد ذلك المجتمع.
لكي يتحقق الأمن الغذائي في أي بلد، فأنه يقاس بثلاثة أبعاد تتمثل بالآتي: أولاً، توافر الأغذية، وإتاحتها بالأسواق في جميع إنحاء البلاد، وعلى مدار العام وفي المنازل؛ ثانياً، توفر القدرة الشرائية للحصول عليه؛ ثالثاً، استقرار واستدامة الإمدادات منه بشكل دائم وصحي بما يحقق احتواء الغذاء على العناصر الغذائية.
وتعتبر قضية السعي لتحقيق الأمن الغذائي، بل وانعدامه، في اليمن ليست وليدة اللحظة، بل هي من القضايا المزمنة التي ظلت تتفاقم بصورة غير مسبوقة، وتمثل أكبر التحديات الرئيسية التي تواجه اليمن، وتثير القلق لدى الدولة والمجتمع على حد سواء، حيث ما تزال الفجوة الغذائية تتسع سنة بعد أخرى.
إذا استعرضنا حالة الأمن الغذائي في اليمن ومن خلال أبعاده الثلاثة المتعارف عليها، فمن حيث البعد الأول المتعلق بتوافر الغذاء كميا ونوعيا وفي حالة السلم والحرب فأننا نكون أمام صورة قاتمة، فبحسب مؤشرات العام 2009 فان انعدام الغذاء يؤثر على 32.1 % من السكان، مما يعني أن حوالي 7.5 مليون لا يحصلون على غذاء كافي، بالإضافة إلى التفاوت بين الحضر والريف حيث يصل انعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية بما نسبته 37.3 % مقارنة بنسبة 17.7 % في الحضر.
وظلت اليمن تعتمد بدرجة رئيسية على توفير الاحتياجات الغذائية عن طريق الاستيراد، إذ يتم استيراد 55 % من المواد الغذائية المستهلكة، ويتم استيراد 90% من القمح، حيث تقدر الكميات المستوردة منه سنويا بحدود 3،680،132 طن. وتفاقمت أزمة انعدام الغذاء أكثر فأكثر مع نشوب الصراع الدائر في اليمن منذ سبع سنوات ونيف، حيث تؤكد المؤشرات الصادرة من برنامج الغذاء العالمي ان اليمن تتصدر خارطة أزمات الغذاء في العام 2018، فقد بلغ عدد الأشخاص غير الآمنين غذائيا بحدود 20.1 مليون شخص (في حالة عدم حصولهم على المساعدات الغذائية الإنسانية) و 15،9 مليون شخص (في حالة حصولهم على المساعدات الغذائية الإنسانية).
يمثل سوء التغذية في اليمن من أعلى المعدلات في العالم حيث أصبح يمثل خطرا داهما يحاصر ملايين الأطفال والأمهات ويشكل تهديدا لمستقبل التنمية البشرية والاقتصادية في البلاد، حيث يحتاج 7.4 مليون شخص لعلاج سوء التغذية أو الوقاية منه، منهم3.2 مليون شخص يحتاجون لعلاج سوء التغذية الحاد، ورغم هذا المستوى المتدني للأمن الغذائي في اليمن خلال العقود السابقة وصولاً إلى الوقت الحالي فإن جهود الحكومات المتعاقبة لم تكن على قدر المسئولية حيث ساد قصور بل غياب السياسات التكاملية بين كافة القطاعات الاقتصادية الكفيلة بمعالجة مشكلة الأمن الغذائي.
رغم التعويل على القطاع الزراعي لإنتاج الغذاء وبرغم ما يتميز به من تعدد مناخي الذي يساعد بدوره في تنوع الإنتاج، فقد ظل يتصف بضعف الأداء نتيجة لعوامل طبيعية تتمثل بمحدودية الأراضي تحت الاستثمار الزراعي، حيث تقدر نسبة الأراضي المزروعة سنويا ما بين 1.4 إلى 1.2 مليون هكتار، واتصاف النظام الزراعي بالنظام المطري حيث يشكل ما نسبته 50 % ، إلا انه حقق اكتفاء ذاتيا من الخضار والفواكه والبيض، بالإضافة إلى نسبة 95 % من اللحوم الحمراء ، إلا أن هذا الاكتفاء هو اكتفاء ظاهري وليس حقيقي من ناحية البعد التغذوي ، كما أن الزيادة في إنتاج الخضار والفواكه لم يكن بسبب التوسع في استصلاح أراضي زراعية ولكنه حصل على حساب النقص في المساحات الزراعية للحبوب ، فقد ظل إنتاج الحبوب بتناقص مستمر من حيث المساحات المزروعة والإنتاج ، حيث يبلغ معدل الاكتفاء الذاتي من القمح 5% فقط ، بالإضافة إلي محدودية الموارد المائية والتي تمثل احد المقومات الرئيسية للزراعة ، كما تعود حدة أزمة تفاقم انعدام الأمن الغذائي إلى التفاوت الكبير بين الزيادة في عدد السكان وقصور في مواجهة الطلب على الغذاء سواء من الإنتاج المحلي أو من الاستيراد حاليا بسبب الحرب المشتعلة التي أدت إلى نزوح الملايين من منازلهم وهم يعانون أوضاعا أكثر صعوبة بما فيها فقدان سبل العيش وفقدان حصولهم على الغذاء ناهيك عن الإصابة بالأوبئة وانعدام الأمن الغذائي .
إن تراجع القدرة على توفير الغذاء في اليمن يعود الى العديد من العوامل الاقتصادية ممثلة بغياب التوجه السياسي الفعلي لدراسة ظاهرة انعدام الغذاء، وإيجاد الحلول للحد من تفاقم أزمة انعدام الغذاء، تدهور سعر العملة الوطنية وما عكسته في زيادة الأسعار التي تصاعدت إلى حوالي 120 %، وتوقف إيرادات النفط التي كانت تسخر الجز الأكبر منها الاستيراد الغذاء.
أما من ناحية عدم القدرة على الحصول على الغذاء فيُعزى ذلك الى تفشي الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، والافتقار إلى توفر فرص العمل، وغياب نظم الحماية الاجتماعية، انقطاع الرواتب مما أوجد انعدام القدرة الشرائية.
مع كل ما سبق تشير الوقائع أن مشكلة انعدام الأمن الغذائي في اليمن ستظل تتفاقم أكثر فأكثر إذا ما استمرت الظروف الحالية في البلاد وعدم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ضمان دفع مرتبات موظفي الدولة، تسوية النزاع حول آليات استيراد الوقود والسلع الغذائية بشكل عام ، استئناف تصدير النفط والغاز والسلع الزراعية ، تبني إستراتيجية موضوعية وواقعية مستقبلية لمواجهة الحد من انعدام الغذاء تبدأ من تحليل واقعي للقطاع الزراعي وممكنات تطويره ورفع طاقته الإنتاجية عن طريق التوسع الأفقي والراسي ،والاهتمام بتشجيع قيام الجمعيات التعاونية الزراعية، والحد من تدهور مصادر المياه . وفي الأخير إذا لم يتم التنبه لوضع الأمن الغذائي فان أثره وإضراره ستكون كارثيه بكل ما تعنيه من مدلولات اقتصادية واجتماعية وصحية والتي سنظل نعاني منها على المدى المتوسط والطويل.
70% يؤكدون أن استمرار الصراع يعد من أبرز التحديات التي تواجه اليمن في تحقيق الأمن الغذائي
أوضحت نتائج استطلاع الرأي العام التي نفذته إدارة الأعلام التابع لمركز يمن انفورميشن سنتر ل…