‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التراث الغنائي في اليمـن واقع الأغنية التراثية على الاقتصاد الوطني في اليمن

واقع الأغنية التراثية على الاقتصاد الوطني في اليمن

صوت الأمل- حنان حسين

تشكل الأغنية التراثية اليمنية عاملًا أساسيًّا من مكونات الثقافة اليمنية والهوية الوطنية، فأغانيها وأهازيجها ترافق المواطن في كل مناحي حياته، فنجدها في السهل والوادي؛ كالحداء (نوع من الأغاني الفردية التي تُستخدم في رعي الأغنام)، ونجدها في الأفراح مثل الأهازيج والزوامل (نوع من الأغاني الجماعية التي تُستخدم في المناسبات الاجتماعية)، ونجدها في الأفراح والأتراح كالملالة التعبيرية التي تجعل من الذاكرة السمعية لليمن زاخرة بشتى أنواع الإيقاعات والألوان الغنائية المتعددة التي تتداولها الأجيال.

التراث الغنائي ماضيًا وحاضرًا

“من المؤكد أنّ الأغنية التراثية تعدُّ إرثًا فنيًّا ووطنيًّا يعبّر عن ثقافة المجتمعات وهوية الشعوب، وتمثل الجغرافيا والتاريخ، ولأنّها تعدُّ لغة عالمية يفهمها الجميع، فإنها قادرة على أن تثير انتباه المستمعين إلى مكان ما، ممّا يعزز من حضور هذا الموطن في الساحة العالمية، لذا يمكن عدَّها واحدة من الكنوز الأثرية ذات القيمة الفنية النفيسة الناقلة للقيم والجمال والتاريخ والحضارة والفن والثقافة، وتخلق جذبًا مثلها مثل أي إرث تاريخي يستهوي المهتمين، وتؤثر على الوجهة السياحية والاقتصادية”.. وذلك حسب ما قال زاهر الأغبري المؤسس والمدير التنفيذي لشركة لمسات للإعلان.

ويضيف الأغبري لصحيفة (صوت الأمل): “تتكفل الأغنية بكل سهولة بالتعريف عن جذورها وانتمائها إلى أي دولة أو مجتمع، ولها القدرة على أن تنقلك إلى الماضي، وتسمعها في الحاضر، وتبحر فيك إلى المستقبل، وبالتالي تشكل تسلسلًا وجدانيًّا زمنيًّا يعبر عن تاريخ ومكان”.

القطاع الاقتصادي والتراث

ويوضح الأغبري أنّ الأغنية التراثية قادرة على خلق تدفقات تؤثر على الاقتصاد الوطني، من خلال السياحة الموسيقية والمهرجانات الفنية التي تقودها الأغنية التراثية، لتصبح بدون شك من المسلمات التي تشكل عامل انتباه للجذب في الترويج السياحي، وبدوره يعدُّ مؤثرًا إيجابيًّا على الجانب الاقتصادي، الذي قد يحفز على الاهتمام وإحياء التراث الغنائي وتجديده وجعله مواكبًا للتطورات الحديثة.

يرى أصيل إيهاب سفير اليمن الشاب للتراث والثقافة لعام 2023م أنّ الأغنية اليمنية واحدة من العناصر التراثية التي من الممكن أن يؤخذ فيه كمصدر للإبداع؛ إذ قال: ” اتفاقيات حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، تعدّ واحدة من العهود التعليمية أو الاجتماعية التي نصت على أن “يؤخذ التراث كمصدر للإبداع”، وهذا يعني أنّه يجب أن نوظف الأغنية التراثية بأشكال إبداعية متعددة كالنقوش والنحت أو أشكال أخرى”.

من وجهة نظر إيهاب أنّ الأغنية التراثية من الممكن أن تعمل كعنصر ترويجي سياحي جاذب، تحتوي على أنواع موسيقية من الممكن توظيفها بطريقة تخدم السياحة والترفيه في البلاد، من خلال إقامة حفلات موسيقية، ورفد الجانب الاقتصادي من خلال هذه الحفلات.

مهرجان البُن وأغنية الحب والبُن

يؤكّد أصيل أنّ مهرجان ثورة البُن قام بتوظيف العديد من العناصر التراثية؛ إذ تمَّ بعدة أشكال إبداعية حديثة، بقوله: “المهرجان تضمَّن أعمالًا يدوية، وشيلانًا بنقشة البُن (لحاف يوضع على أكتاف الرجال)، وأعاد البُن للواجهة كرمز يمني تراثي مهم، وتوظفت أغنية “الحب والبُن” بشكل كبير كتعبير فني ومعبر للحدث، وأُعيد إنتاج الأغنية والعمل عليها بشكل أكبر”.

الفيديو كليب الغنائي والترويج

يرى أحمد سيف (فنان غنائي) أنّ الأغنية التراثية مهمة للترويج عن السياحة الداخلية، خاصة إذا اقترنت بالفيديو كليب؛ إذ يقوم بتوصيل الفكرة بشكل كبير وترجمتها للمشاهد الأجنبي؛ كالزراعة والعادات والتقاليد، وأنّ هناك أغاني تراثية أو حديثة أضافت لبلدانها الكثير، فكيف باليمن الذي يعدّ غنيًّا بالتراث المتنوع، ويحتوي على إيقاعات وألوان غنائية عديدة.

ويضرب أحمد مثالًا في أغنية (الحب والبُن)، التي قام بغنائها وتصويرها بطريقة الفيديو كليب، ويرى أنّ دورها كان كبيرًا ومهمًّا في لفت الانتباه للترويج نحو شجرة البُن وأهميتها.

كما يوضح أحمد أنّه في مدّة من الزمن كان هناك خمول في تجارة البُن وإظهاره للخارج، وإبراز أهميته أمام العالم، وهنا برز دور الأغنية المهم إلى جانب العوامل التسويقية الأخرى، بقوله: “أرى أنّ الفيديو والأغنية عُرضتا بشكل إبداعي وسريع تضمن أهمية شجرة البُن التي تعدُّ منتجًا يمنيًّا عريقًا وأصيلًا، ومهمًّا للاقتصاد الوطني”.

القطاع الخاص والتراث

زاهر الأغبري يتحدث عن دعم القطاع الخاص للتراث الغنائي، والإسهام في تنشيط الاقتصاد بقوله: “من المفترض أن يكون القطاع الخاص واحدًا من أهم الداعمين الرئيسيين للحفاظ على التراث الغنائي في ظل تواضع الدور الرسمي، خاصة في الوقت الراهن”.

وأضاف: “رُبما ساعد القطاع الخاص وبعض شركات الإنتاج بجزء يسير في إحياء التراث الغنائي، ولكن ظل هذا الدور متواضعًا ومحدودًا، ورُبّما مشتّتًا وعشوائيًا نظرًا للتكلفة الباهظة، وكاهل القطاع الخاص صار منهكًا في ظل ظروف غير مستقرة، وقد يظهر ضعف هذا التدخل في الدعم لربطه من الناحية الاستثمارية فقط، وليس من منظور المسؤولية الاجتماعية، الذي يرى فيه القطاع الخاص أنّه لا يمثل دخلًا مجزيًا، ولذا يظل هذا التدخل ليس له أولوية”.

ويقول زاهر: “قمنا بمبادرة خاصة بتوثيق جزء من تنوع الأغنية اليمنية في إنتاج “مدلي” الأغنية اليمنية، التي من المفترض أن يتسلسل بإنتاجات أُخرى، وكان التحدّي كبيرًا ومجهدًا، كما يلعب الإنتاج الفني دورًا بارزًا ومهمًا في التوثيق والحفاظ على التراث الغنائي، وأصبح من المهم التعاون ما بين القطاع الخاص وشركات الإنتاج”.

 ومن وجهة نظره يرى زاهر أنّ الاعتماد على الشركات الإنتاجية الخاصة في دعم الأغنية اليمنية تمثل مخاطرة عالية على الفن اليمني الأصيل، نظرًا لضعف المنظومة التي تحمي حقوق الإنتاج أو تعزز من دور الشركات الإنتاجية في ظل غياب دعم الدولة لها.

ومن جانبه يرى الفنان أحمد سيف أنّ دور القطاع الخاص كبير ومحوري، بقوله: “إنّ إنتاج أعمال تراثية وغنائية مبتكرة في الفكرة والتصوير، والعملية التسويقية، واختيار الكلمات بعناية، وتحديد أماكن التصوير، تعزز من الهوية اليمنية العريقة والمتنوعة، التي تعدُّ من مهام شركات الإنتاج التي تعمل بتمويل من القطاع الخاص”.

ويضيف أحمد: “كُلّ التفاصيل الإنتاجية التي تحدث، تنقل الأجواء التراثية من مناطق يمنية مختلفة، إلى المشاهد خارج اليمن، ولذلك يجب الاستعانة بالمبدعين في جميع المجالات، واستقطابهم وتمكينهم للقيام بأعمال إبداعية مهما كانت قليلة؛ لأنّ أثرها سيعود نفعه على الجميع بالفائدة، وخاصة الوضع الاقتصادي في البلد”.

في حين يرى أصيل إيهاب أنّ القطاع الخاص وشركات الإنتاج غير ملزمة بالتدخل في عملية صون التراث الثقافي أو الفني؛ إذ يقول: “صون التراث، يعدّ عملية حكومية تقوم بها الجهات المعنية، وكذلك المنظمات العاملة في مجال حفظ التراث الثقافي بالشكل المباشر، لكن في ظل الأوضاع الحالية، من الممكن أن يقوم القطاع الخاص بتوظيف الأغنية التراثية بشكل تطوعي بحت”.

المعوقات

وعن المعوقات والتحديات يقول أصيل إيهاب: “من الصعوبات التي قد تواجه الجهات المعنية في هذا الجانب استمرار الصراعات والتطرف الديني”. ويوضح أنّ هناك العديد من الأطراف والجماعات قامت بتحريم الغناء في اليمن في بعض المناطق، وعدّه مادة غير صالحة للإنسان السوي، كما أنّ الصراعات المسلحة، والنزاعات كانت أكبر العناصر التي هددت التراث بشكل عام في اليمن.

أمّا الفنان أحمد سيف فيرى أنّ أبرز التحديات عدم توفير الإمكانات المادية لعملية الإنتاج من قبل الجهات المعنية، الذي بدوره سيسهل من عملية الترويج والتسويق والحفاظ على فكرة التراث الغنائي، وبدوره سيعمل على إيجاد المبدعين والمهتمين، ويعزز من مكانتهم وتشجيعهم، ويعدّ دورة تكميلية تسعى للحفاظ على التراث وتطويره بشكل حديث.

المعالجات

يقول أحمد سيف: “إنّ الوضع الراهن سبَّب صعوبات وتحديات كبيرة نحو الجانب الثقافي، كون التركيز من قبل الدولة والمجتمع على نواحٍ سياسية وعسكرية، وتجاهل النواحي الفنية والثقافية، لكن يجب أن يكون هناك دور حكومي وخاص، عبر القيام بالأرشفة للتراث الغنائي باختلاف المحافظات، فنحن في اليمن لدينا موروث غنائي زاخر بالعديد من الألوان والألحان والمهاجل والمقامات الموسيقية”.

ويضيف أحمد: “هناك وسائل رقمية قد سهّلت مهام الأرشفة، فيجب مواكبة تلك التقنيات والوسائل لتسهيل المهام، كذلك يجب معرفة التطورات في مواقع التواصل الاجتماعي، منها الترويج وتمويل حملات تسويقية واسعة للأعمال التراثية في صفحات التواصل الاجتماعية؛ بهدف التعريف بأسباب تفصيلية عن عملها، وتعريف الناس بتراث المناطق في اليمن”. كما أكد أحمد على أهمية حضور فعاليات فنية خارجية، لنقل التراث وتداوله بشكل أوسع.

ويرى أصيل إيهاب أنّ عملية حصر التراث يعد مهمًّا، خصوصًا أنّ جانب حفظ التراث مهمل، وإن وجد فهو عن طريق الصدفة المحضة. ويضيف أصيل: “الأغنية الصنعانية انتقلت دون أي اجتهاد عبر قائمة “روائع الإبداع البشري” في عام 2007- 2008م، ونُقلت وأُدرجت في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي دون تقديم ملف بها أو القيام بحصرها كعنصر تراثي”.

وأكمل: “أنّ هناك مراحل لحفظ التراث يجب القيام بها، منها القيام بالحصر وإتاحة القوائم للعلن، وإنشاء برامج الحصر، ومِن ثَم رفع الملفات للدخول في قوائم التراث غير المادي. كما يجب حصر التراث والممارسين لهذا التراث، وأماكن وجودهم، والخارطة التشاركية التي توجد فيها العناصر سواء كانت الأغنية التراثية أو غيرها، والأغنية بذاتها لا تعدُّ تراثًا غير ماديًا، إنما الممارسات المتعلقة بها وطرق أدائها”.

ويوضح أصيل أنّ في حضرموت حاليًا ملفًّا يُعمل عليه يختص بالدعم الحضرمي، تقوده مؤسسة حضرموت للثقافة والفنون؛ إذ إنّ هناك جهدًا كبيرًا يقومون به لرفع ملف الدان الحضرمي ويدخلونه في القوائم التمثيلية، وإن نجحت العملية سيكون لدينا عنصر جديد بجانب أغنية صنعاء.

ومن ضمن المقترحات يذكر أصيل أنّه يجب تسهيل عمل الفاعلين الثقافيين والمنظمات الثقافية المهتمة بهذا الشأن، وتيسير عمل الباحثين والمهتمين، وإقامة دورات مختصة لتمكين الشباب في هذا الجانب، كما يجب رفع ملفات وقوائم حصر متجددة دائمًا؛ كون من شروط العناصر التراثية أن تكون حديثة ومدرجة في قوائم الحصر لأعوام متعددة، وعلى الجهات المسؤولة المساعدة على مواجهة العالم بالحفاظ على التراث اليمني العريق.

يجب الحفاظ على الأغنية التراثية، وإعادة تداولها لما فيها من أهمية، فلا حاضر لمن لا ماضي له، والتراث الغنائي في اليمن يعد تاريخًا حافلًا بالألوان والإيقاعات المتنوعة التي تطرب القلوب، وتحضر في جميع المناسبات.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير

صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …