نظرة تحليلية لضرورة الجهود الرسمية لتحسين قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
يلعب القطاع الرسمي دورًا مهمًّا في قطاع الاتصالات في اليمن، وذلك عبر وضع السياسات والقوانين المنظمة للقطاع وتنفيذها، وتوفير البنية التحتية الأساسية للاتصالات، وتنظيم المنافسة بين شركات الاتصالات وتشجيعها، وحماية حقوق المستهلكين؛ إذ يعدُّ قطاع الاتصالات من أهمِّ القطاعات التي تُسهم بشكل كبير في رفد اقتصاد البلاد، ويقدّم خدمات مهمّة للمجتمع، ويُسهِم في تحقق التماسك الاجتماعي، ويعزّز النشاط التجاري، ويقدّم خدمة الحصول على المعلومات والمعرفة، والتواصل مع الآخرين.
ويشمل الجهات الرسمية التي تلعب دورًا في قطاع الاتصالات في اليمن؛ وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، التي تعدّ الجهة المسؤولة عن وضع السياسات العامة لقطاع الاتصالات وتنفيذها في اليمن، والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، الجهة المسؤولة عن التنظيم وتشجيع المنافسة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وحماية حقوق المستهلكين، بالإضافة إلى المؤسسة العامة للاتصالات، التي تعدُّ شركة اتصالات حكومية تقدم خدمات الهاتف الثابت والأنترنت، وشركة تيليمن الحكومية التي تقدم خدمات الهاتف المحمول والأنترنت.
إلى جانب ذلك تعدُّ خدمات الاتصالات المختلفة أفضل وسيلة للبحث عن فرص عمل، كما يمكن من خلالها الإعلان والترويج لمختلف المنتجات والسلع بأقل تكلفة، مقارنة بالوسائل الإعلامية.
وتواجه الجهات الرسمية في اليمن العديد من التحديات في مجال الاتصالات، من أبرزها الصراع الدائر في البلاد، الذي أدّى إلى تدمير البنية التحتية للاتصالات، وتدهور جودة الخدمات، والنقص في الموارد المالية اللازمة لتحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات، وعدم تنفيذ السياسات والقوانين بشكلٍ فعّال.
يقول مبخوت حسن عقار (مدير عام اتصالات مأرب): “ما يزال قطاع الاتصالات، المتمثل في المؤسسة العامة للاتصالات، وشركة يمن موبايل، والاتصالات الدولية، يقدّم خدمات كبيرة، رغم الظروف التي تمرُّ بها البلاد خلال السنوات الثماني الماضية”.
ويرى مبخوت أنّ شحة الإمكانيات وعدم السماح بإدخال التجهيزات الخاصة بالاتصالات وغيرها من التحديات، لم تعُق وزارة الاتصالات من تقديم الخدمة في جميع محافظات الجمهورية دون استثناء.
ويُضيف: “رغم تعرّض كثير من المواقع والسنترالات للتخريب، في عدد من المحافظة اليمنية، لا سيّما خلال مدّة الصراع، فإنّه دُشِّن الجيل الرابع وخدمات يمن (G 4)، وحصلت توسعاتٌ تراسلية في عدد من المدن”. الجدير بالذكر أنّ السنترال هو جهاز يتكون من هواتف متعددة، يستخدم في التعامل مع المكالمات الجماعية وتحويلها.
مؤكّدًا أنّ وزارة الاتصالات ما زالت تقدّم خدمات جديدة، ويعدُّ ذلك إنجازًا كبيرًا في ظل الظروف الراهنة التي تعصف بالبلد، رغم شحة الإمكانيات وشحة الكادر الوظيفي.
موضّحًا في حديثه أنّ الاتصالات التابعة للمستثمرين مثل شركة (سبأفون، وشركة you، وشركة واي) ما زالت تقدّم الخدمة، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها.
أبرز التحديات
وعن التحدّيات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن، يقول مبخوت: “أمّا عن التحديات التي تواجه قطاع الاتصالات تعدّ كثيرة ومتعددة، منها عدم السماح بمرور التجهيزات الكافية إلى اليمن، حتى المعدات البسيطة؛ إذ يُمنع من دخول العديد من التجهيزات الضرورية لتطوير قطاع الاتصالات إلى اليمن بشكل متواصل، فيضطر بعض المستثمرين إلى تهريب المعدات، أو انتظار وقت طويل للحصول على الموافقات اللازمة لدخولها، ممّا يُؤدي إلى زيادة التكاليف، وتأخير المشاريع، ويعوق عملية تحسين البنية التحتية وتقديم خدماتٍ أفضل”.
مشيرًا إلى أنّ هناك تحديات أخرى تواجه هذا القطاع المهمّ، منها انقطاع بعض مسارات الألياف الضوئية المُتضررة جراء الصراع، أو عوامل أخرى في عدد من المحافظات اليمنية، إذ تُعدُّ الألياف الضوئية من أهمّ مكونات البنية التحتية للاتصالات.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإنّ شركات الاتصالات في اليمن تعاني من صعوبة في إصلاح ما دمّره الصّراع؛ نتيجة غياب التخطيط الإستراتيجي الواضح الذي يحدد أهدافه ومساراته على المدى القصير والبعيد، وتشتت الجهود، وتضارب الأولويات؛ ممّا يعوق تحقيق التقدّم المطلوب في قطاع الاتصالات، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار؛ إذ يعاني القطاع من نقص في الاستثمارات اللازمة لتطوير البنية التحتية، وتقديم خدمات متطورة تُلبي احتياجات المواطنين.
وحلل الخبراء أنّ تراجع جودة الخدمات وارتفاع أسعارها جاء نتيجة انتشار الفساد في قطاع الاتصالات، الذي يعدُّ من أهمِّ التحديات التي تواجه القطاع؛ ممّا يعوق تنفيذ المشاريع واستخدام الموارد المالية بشكل فعّال، واستمراره ينتج عنه هدر الموارد المالية وتدني جودة الخدمات، بالإضافة إلى غياب التعاون بين القطاعين العام والخاص، الذي لا يحقق التكامل المطلوب في تقديم الخدمات.
وقد كشف تقرير صادر عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية بعنوان: “أثر الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن” في يناير2021 م، أنّ قطاع الاتصالات يشكل المرتبة الثانية بعد النفط والغاز من حيث المورد الرئيسي لخزينة الدولة، الذي يدعم بشكل رئيسي اقتصاد البلاد.
وجاء في التقرير أنّ قطاع الاتصالات أسهم بنحو 7% من الناتج المحلي، لا سيّما خلال المدّة من 2015 إلى 2018، كما أسهم في تعزيز الترابط بين الأفراد والمجتمعات الأخرى، إضافة إلى أنّه يوفر فرص عمل للعديد من الأيادي العاملة، إلى جانب ارتباطه بالقطاعات الأخرى، لا سيَّما الاقتصادية والاستثمارية.
دور الجهات الرسمية
يلعب قطاع الاتصالات دورًا محوريًّا في حياة المواطنين اليمنيين؛ إذ يعدُّ من أهم القطاعات التنموية والخدمية في البلاد، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية دور الجهود الرسمية في تحسين قطاع الاتصالات في اليمن، عبر تقديم تحليلات شاملة للتحديات التي تواجه القطاع، ووضع مقترحات للمعالجة، وحلول ممكنة لتجاوز التحديات، والعمل المشترك على تطوير القطاع وتحسينه.
وذلك عبر إعداد خطط تطويرية من قبل الحكومة اليمنية، ووضع سياسات وقوانين واضحة تُنظم عمل قطاع الاتصالات، وتشجع المنافسة بين شركات الاتصالات، وتضمن هذه السياسات والقوانين حصول جميع المواطنين على خدمات اتصالات عالية الجودة بأسعار مناسبة، لا سيّما في الأرياف والمناطق التي تتميز بوجود تجمعات سكانية متناثرة، والعمل على توفير البنية التحتية الأساسية للاتصالات، مثل أبراج الاتصالات، وشبكات الألياف الضوئية، التي يجب أن تُغطّي هذه البنية التحتية جميع أنحاء البلاد.
وقد أشار محلّلون أنّ الدور الحكومي في الوقت الراهن ما زال غير قادر على تنفيذ خطط تطويرية، تُسهم في تحسين الخدمة بالصورة التي تواكب بها التطور التكنولوجي في هذا المجال؛ بسبب استمرار الوضع غير المستقر في البلاد، والتدهور الاقتصادي الذي تفاقم مع سنوات الصراع، ولكن هناك محاولات لإنعاش الوضع في قطاع الاتصالات لا أحد ينكرها.
وقد أكدت تقارير اقتصادية تتعلق بقطاع الاتصالات في اليمن على ضرورة دعم البحث والتطوير في مجال الاتصالات، عبر تشجيع شركات الاتصالات على الاستثمار في البحث والتطوير لتقديم خدمات متطورة تُلبي احتياجات المواطنين، والتخفيف من القيود المفروضة على الشركات العامة والخاصة في جميع المحافظات اليمنية، وحماية حقوق المستهلكين في قطاع الاتصالات، وأن تضمن الحكومة اليمنية حصول جميع المواطنين على خدمات اتصالات عالية الجودة.
يقول محمد عبد الواحد العديني (استشاري تقنية معلومات): “باعتقادي أنّ الجهات الرسمية يجب أن تواكب التطور في مجال الاتصالات، وتوفير خدمات تلامس احتياج القرن الواحد والعشرين، وهذا لن يحدث إلّا بتوفير البنية التحتية الحديثة لقطاع الاتصالات، مع توفير بيئة آمنة مناسبة”.
ويضيف: “يعدُّ قطاع الاتصالات حلقة الوصل بين البلدان في العالم، والبوابة التي تنفذ إلى المعلومات في شتّى الجوانب، ولذا فإنّ الحفاظ على التطوير المستمر للاتصالات يُسهم في تنمية المجتمع”.
ويتابع: “إلى جانب استكمال البنية التحتية وتطويرها، وشراء سعات دولية كبرى من الأنترنت، واستثمار خدمة الأنترنت الفضائية، وتقديمها بسعر مناسب للمجتمع”.
ويرى أنه لا بُدَّ من إيقاف الصراع الدائرة في اليمن، وتحييد قطاع الاتصالات كخدمة أساسية تقدم للمواطنين. وأنّه لا بُدَّ من تكثيف التوعية بالأمن الرقمي، وأنّ ضعف هذا الجانب قد يُسهم في كثير من الجرائم الإلكترونية.
من جهته يقول رشاد سعيد مجلي (الأستاذ المساعد في التخطيط الإستراتيجي واقتصاديات التعليم، جامعة تعز): “ينبغي على الجهات المعنية تكثيف جهودها في تحسين خدمات الاتصالات في اليمن، وذلك من خلال عدة خطوات، منها إنشاء شراكتين للاتصالات والأنترنت على الأقل في حضرموت وعدن أو المخا”.
ويتابع: “وتوفير التمويل الكافي واللازم للقطاع؛ من أجل تقديم خدمات أفضل سواء في مجال الاتصالات الهاتفية أو الأنترنت، وبدوره يُسهم في توفير خدمات بجودة أفضل، وبسرعة عالية، خاصّة أنّ قطاع الاتّصالات يساعد في تطوير بقية القطاعات الأخرى، ومنها التعليم والصحة والتجارة والصناعة”.
ويؤكّد لصحيفة “صوت الأمل”، أنّ على الدولة البحث عن مصادر تمويل خارجية، ولو عن طريق القروض، أو المساعدات الأجنبية، أو من كبار المستثمرين اليمنيين، لإنشاء شركة اتصالات، على الأقل، تقدّم أفضل الخدمات وبجودة متميزة.
وأشار في حديثه إلى أنّ هناك العديد من التحديات التي تحول دون تقدُّم قطاع الاتصالات باليمن، منها الوضع الاقتصادي المتدني للبلاد، لا سيّما وأنّ البلاد في حالة صراع، وتعاني من أزمة مالية كبيرة، وأنّ الدعم الذي يقدّم للبلد يُعدُّ غير كافٍ، في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
ويرى أنّ النتائج الإيجابية لتحسين قطاع الاتصالات وتطويره تتمثل في تحقيق إيرادات كبيرة للدولة، كما يُسهم بشكل كبير في تطوير جميع القطاعات التعليمية والصحية والصناعية والتجارية وغيرها. مؤكدًا على أهمية تطوير خدمة الاتصالات والأنترنت بجودة عالية لتعزيز النسيج الاجتماعي.
كما أوضح مجلي أنّ أهمية تطوير قطاع الاتصالات، يساعد في تحقيق عملية التنمية الشاملة والمستدامة، ورفاهية الإنسان اليمني، وتحقيق العوائد الاقتصادية الناجمة عن الاستثمار في قطاع الاتصالات والأنترنت، الذي يمكن استثمار جزء منه عبر تخصيص نسب معينة منه لتطوير الاستثمار في مجالات التعليم والتنمية البشرية والحماية الاجتماعية، وتمويل العديد من المشاريع الاستثمارية والإستراتيجية الوطنية.
وأنّ الاستثمار في هذا القطاع يحقق إيراداتٍ وعوائدَ اقتصاديةً كبيرةً جدًّا، تُسهِمُ في رفع مستوى الناتج المحلي أو الناتج القومي الإجمالي للبلد، وتُسهِم في رفع قيمة العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، وأنّ إهمال هذا القطاع يؤثر سلبًا على الأمن القومي الإستراتيجي للجمهورية اليمنية، وعلى التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك حسبما أوضح مجلي الأستاذ المساعد في التخطيط الإستراتيجي واقتصاديات التعليم، في جامعة تعز.
إنّ ما يعانيه القطاع من التحديات التي تُعوق تقدمه، دفع عددًا من المختصين إلى المطالبة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، الذي سيساعد في خلق فرص عمل جديدة للشباب اليمنيين الذين يعانون من انتشار البطالة والفقر، وسيؤدي التنافس بين شركات الاتصالات إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ورفع مستوى رضاهم، ومواكبة التطورات العالمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، وعبر العمل المشترك في تحسين بيئة الاستثمار في قطاع الاتصالات سيؤدي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى اليمن، ويسهم في تعزيز تنمية الاقتصاد الوطني.
74.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن ضعف البنية التحتية من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد قطاع الاتصالات واحدًا من أهم القطاعات الحيوية التي تسه…