أعراس المهمشين: صخب وغناء ورقص وسهرات حتى الصباح!
صوت الأمل – علياء محمد
يقطن (المهمشون) في مناطق سكنية معزولة، يطلق عليها اسم (المحوى)، يلقب ساكنوها بـ (الأخدام) ويرفض المجتمع المحيط، التعايش معهم، أو مخالطتهم، أو الاقتراب منهم.. ويعاني المهمشون من أشكال متنوعة من التميز الطبقي والعنصري – وأهمها التمييز الاجتماعي – إذ تعتبر الأعراف القبلية والاجتماعية الزواج منهم – فضلا عن تزويجهم – «عيبًا» نتيجة اختلاف اللون، والجنس والعرق والعمل.. بالإضافة إلى أسلوب الحياة، والتصرفات التي يصفها البعض بسلوكيات همجية ولا حضرية.
لون البشرة: عائقًا للزواج!
«في اليمن، كونك أسودَ.. يجعل حياتك جحيما لا يطاق» هكذا وصف (محمود بهكلي:30 ثلاثين عاما) معاناته من التمييز العنصري بسبب اللون.. يقول محمود: محكوم علينا بأحكام اجتماعية ظالمة.. والسبب في ذلك لون بشرتنا الداكن.. أنا – وعشرات من أصحاب البشرة السوداء – نعاني من نظرة المجتمع الموجعة، ومن تقسيمات المجتمع الطبقية، التي تحصرنا في زاوية منعزلة عن العالم.. تمنعنا من الاندماج بباقي أفراد المجتمع؛ فلا حق لي أنا (كأسود) في الزواج من فتاة بيضاء؛ لأني – بحسب قناعاتهم – غير لائق بها.
في السياق يؤكد (نعمان أحمد: الناشط الحقوقي والسياسي (من فئة المهمشين)) أن مشكلة التمييز الطبقي في المجتمع – بخصوص الزواج – تكمن في رفض تزويج الذكور منهم من فئات المهمشين.. أما المهمشون فانهم يقبلون بزواج بناتهم، بأشخاص من غير فئة أصحاب البشرة السوداء.. ولكن غالبية هؤلاء – الذين يتزوجون بناتنا – يكونون من المقطوعين، الذين تركوا أهلهم، ولم يعد لهم ارتباط بأسرهم ومجتمعاتهم.. أما من كان له أسرة، فإنها تمنعه من الزواج بإحدى بناتنا؛ نظراً لما نعانيه من نظرة دونية، من بعض أفراد المجتمع.
ومن الحب ما قتل
ويسرد (نعمان) عددًا من القصص – التي وصفها بالمؤلمة والمحزنة – وكانت إحداها قصة شاب أبيض اللون، أحب فتاة من ذوات البشرة السوداء، وتمسك بحبها؛ حتى ذهب وطلب يدها من والدها، فقوبل بالرفض.. ولكن إصرار الشاب على الزواج بالفتاة، تسبب له في نهاية مأساوية؛ إذ فقد الشاب حياته؛ على أيدي إخوانه..وقد تسببت تلك الحادثة، في تشريد فئة المهمشين في تلك المنطقة.. ليست هذه القصة الوحيدة، فثمة آلاف القصص، التي حكم عليها التمييز بأن تكون مرمية على هامش الحياة.
من جهتها (سميرة سويد: مديرة مؤسسة أمان الخاصة بالمهمشين في عدن) تقول: قد نجد في مناطق جنوب اليمن، والمناطق الريفية، حالات زواج بين فئات المهمشين والفئات الأخرى – ولكن بنسب ضئيلة – وذلك بفضل الانخراط التعليمي، والاندماج الحاصل بالمجتمع.. وتضيف: أكثر ما يميز هذه المناطق، هو أن ساكنيها من أجناس وفئات مختلفة، تنحدر أصولهم من الحبشة والصومال والهند.. ولذلك نجد أن التمييز – بحسب لون البشرة، في هذه المناطق – ضئيل جدًّا، ولا يشكل اللون مشكلة كبيرة.
طقوس الزواج في (المحاوي)
في (المحوى) – وهو المكان الذي تعيش فيه فئات من يسمون (المهمشين) ثمة عالم مختلف عن باقي الأحياء، يتميز بالبساطة والعفوية المطلقة، وجو من الألفة.. في هذا الحي الذي يتكون من عدد من البيوت المصنوعة: من خيام أو من صفائح الزنك وقطع الأخشاب.. وبعضها مبني من الحجارة، تعلو أصوات مكبرات الصوت، ويفترش الرجال الأرض لمضغ القات – حتى ساعات متأخرة من الليل – حياة مختلفة يتميز بها ساكنو هذه المناطق، وطقوس زواج تختلف عن تلك الطقوس – التي تمارسها باقي فئات المجتمع – في مثل هذه المناسبات.
(الكاتب الصحفي: لطف الصراري) يقول: في (المحوى) ثمة عالم مختلف: جلسات القات الممتدة إلى آخر الليل، أغانٍ بمكبرات الصوت، رقصات يمتزج فيها الفلكلور اليمني بالإفريقي.. وقبل ظهور أجهزة الكاسيت، كان المهمشون يتشاركون مع (الدواشين) في إحياء الأعراس في أرياف تعز.. وقد اصطحبوا شغفهم بالموسيقى والرقص، عندما انتقلوا إلى المدينة، وكأنها أفضل ملاذاتهم الآمنة لمقاومة سطوة التمييز.
(الخالة خميسة:40 عاما) تسكن في أحد المحاوي، وسط صنعاء، أتمت زواج ابنتها – الذي أقامت طقوسه – في خيمة نصبتها وسْط الحي.
تقول: لنا طقوس خاصة بالأعراس، ونحب السهر والرقص على أصوات الموسيقى الصاخبة؛ لذلك نفضل إقامة العرس في الخيام – بدلا من الصالات – لأنها تسمح لنا بالاحتفال لساعات طويلة، تمتد حتى الساعة الثالثة صباحا.
أما (صلاح أحمد) فيقول: أجمل ما يميز طقوس أعراسنا الرجالية هو الرقص؛ فلا يمكن أن تخلو أعراسنا منه، وخصوصا في حفلة (الحناء) التي يكون لها طابع خاص، فجميع من يتواجد في الحفلة، يأخذ قليلًا من حناء العريس، ثم يرقص الجميع على الأغاني اليمنية والخليجية – وحتى الأجنبية – وتستمر حفلاتنا إلى ساعات متأخرة من الليل، يصاحبها عملية مضغ القات.
(الناشطة المجتمعية/ مها العديني) تقول: حفلات الأعراس – التي تقيمها فئات من يسمون (المهمشين) – لا يوجد بينها وبين أعراس الفئات الأخرى، فرق كبير؛ فالطقوس تتشابه – إلى حد ما – ولكنها تختلف في مكان (إقامة العرس) وتضيف: أكثر ما يزعجها، هو تزويج الفتيات صغيرات السن؛ نتيجة البيئة الاجتماعية، والظروف المادية الصعبة.. التي تعيشها أسرهن.
“أعراس بسيطة وبأقل التكاليف” هكذا وصفت أروى سامي: إحدى الحاضرات حفلة عرس لفئة المهمشين في مدينة عدن. تؤكد أروى، أن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالبساطة والعفوية: فمن لم يتوفر لها فستان أبيضَ، قد تلبس فستانًا بلون آخر، ومن لم يجد (مخدرة: خيمة عرس) يكتفي بإقامة الحفل في حوش المنزل، ويجتمع فيه كل من في الحي، ويسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل.
وعن أهم ما يميز طقوس هذه الأعراس، تقول أروى: في فترات سابقة، كانت الأعراس تقام مختلطة: تجمع النساء والرجال.. ولكن الوضع اختلف الآن، ولم يعد يحدث ذلك، بينما استمر طقس دخول المُزَمِّر إلى خيمة العرس؛ إذ يعزف على المزمار؛ لتتفاعل مع أنغامه النساء، وترقص رقصة تسمى (الطبعة) وهي مقاربة للرقص الزبيدي المعروف في تهامة.
سلوكيات لا يتقبلها المجتمع
ثمةَ كثير من الأسباب – التي تزيد من تهميش هذه الفئة في أوساط المجتمع – بسبب بعض السلوكيات التي يمارسها البعض.. وفي استطلاع قامت به (صوت الأمل) مع مجموعة من الأشخاص – الذي يعيشون بجوار المهمشين – أجمع البعض على أن التنشئة الأسرية، هي السبب الرئيسي لهذه السلوكيات!
(سلوى حميد عوض) تقول: ثمة بعض السلوكيات، التي لا أستطيع تقبلها من بعض المهمشين.. وهذي السلوكيات جعلتني اخذ نظرة سلبية.
مضيفةً: لا ننكر أن ثمة أشخاصًا – من فئة المهمشين في اليمن – يتمتعون بسلوك عقلاني، ولكن أغلب المهمشين يتصرفون تصرفات غير لائقة؛ ولهذا لا يقبل أحد الاندماج معهم.
وحول هذه السلوكيات – التي يصفها عدد كبير من الناس بالهمجية وغير العقلانية، والتي تعتبر السبب الرئيسي لعدم الارتباط بأفراد هذه الفئة أو مخالطتهم – يقول (حلمي الحذيفي: من المهمشين) يتصرف بعض المهمشين – خصوصا من يعيش في مناطق عشوائية – تصرفات غير لائقة، وبالتالي يحكم الناس على (الكل) بسبب سوء تصرفات (البعض) ولكن لا يعني ذلك أنه ليس بين هذه الفئة أشخاص تجاوزوا هذه التصرفات، ويتصرفون بشكل لائق: فثمة أعداد كبيرة منّا، سلكوا سلوكًا صحيحًا، وتأقلموا واندمجوا في المجتمع.
أما (الناشط عبد الغني عقلان) فيقول: ثمة – من فئات المهمشين – كثير من الشباب (من الجنسين) أثبتوا جدارتهم، ووصلوا إلى مراحل متقدمة من التعليم.. وواجهوا التمييز بكل قوة وشجاعة.. وساروا في المسار الصحيح، واستحقوا أن يكونوا قدوة لكثير من الشباب.. ويضيف: بالنسبة لبعض السلوكيات الخاطئة – من قبل تلك الشريحة – فإن للأسرة دورًا كبيرًا فيها: فاذا بدأت كل أسرة التنشئة الصحيحة، فسوف تتغير النظرة العامة (عن هذه الشريحة) التي تتعرض للتمييز؛ بسبب عادات وتقاليد مجتمعية مكتسبة.
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …