مِهن المهمشين: قناعة أم واقع مفروض؟
صوت الأمل – رجاء مكرد
تغادر (فايزة الآنسي) منزلها صباح كل يوم؛ للتسول والحصول على ما يجود به الناس عليها، لتوفير لقمة العيش التي تعول بها أسرتها المكونة من (16 ستة عشر فردًا) بالإضافة إلى جارتها المسنة والمريضة، ووالدتها المصابة بالسرطان.
(فايزة ناصر الآنسي) تعيش في محوى المهمشين في سعوان بصنعاء، في غرفة واحدة مع زوجها المُسن والمريض (و14 أربعة عشر طفلًا أكبرهم) بعمر ثماني سنوات.. تقول: دخل الأسرة – في اليوم – من (400-600 ريال) تكفي لقوت اليوم جبنًا وطحينية، وهي العائل الوحيد للأسرة.. ومهنتها (التسول) وهي تدخر منها (200 مئتي ريال) تقضي بها الدين (الشهري) للبقالة: قيمة الزيت والدقيق.. وتؤكد أن المعونة لا تصلها؛ كونها سافرت الحديدة تتفقد والدتها، وبسبب مشاكل البطاقة/ لا تستلم إغاثة.
وفقًا لـ إحصائية أجرتها (منظمة اليونيسف (UNICEF في ديسمبر 2019 (حصلت (صوت الأمل) على نسخة من المسؤول الإعلامي للمنظمة: الأستاذ كمال الوزيزة ) فإن عدد المهمشين يبلغ (2.371.153: مليونين وثلاثمئة وواحد وسبعين ألفا ومئة وثلاثة وخمسين) 7.89% من سكان اليمن، وتتوزع نسبهم – من أصل سكان المحافظات – كما يلي: 1.21 من إجمالي سكان أبين، 1.37من سكان عدن، 4.66 من سكان البيضاء، 4.28من سكان الضالع، 1.43من سكان الحديدة، 4.28من سكان الجوف، 1.06 من سكان المهرة، 8.39 من سكان أمانة العاصمة، 7.90 من سكان المحويت،4.54من سكان عمران، 4.35 من سكان ذمار، 1.35 من سكان حضرموت، 1.01 من سكان حجة، 4.60 من سكان إب، 1.01من سكان لحج، 3.53من سكان مارب، 1.01من سكان ريمة، 5.18 من سكان صعدة، 3.65 من سكان صنعاء، 8.67 من سكان شبوة، 6.11من سكان جزيرة سوقطرى، 6.70 من سكان تعز.
دخل الأُسرة المهمشة
يتفاوت دخل الأُسر المهمشة (مابين500- 1000 ريال) لمن يشتغلون في مهن حُرة.. أما أغلب المهمشين، فهم يعيشون على (التسول) وفي محوى سعوان كنموذج يقول (شيخ المحوى: ماجد الجمل لــ (صوت الأم)) ان بعض المهمشين عمال نظافة، والبعض الآخر متسولون.. بينما (عبد الله سعد الجمل: مشرف النظافة) يوضح: أن جميع المهمشين في المحوى متسولون.
25 خمسة وعشرون ألف ريال: هو الراتب الشهري لمن يشتغلون بمِهن النظافة
فئة المهمشين السود وما يطلق عليهم مجازًا (الأخدام) يعيشون في ظل ظروف معيشية وتعليمية وصحية وسكانية.. بالغة الخطورة والتعقيد؛ بسبب تدهور أوضاعهم الاقتصادية، وبسبب افتقارهم لكافة وسائل وأدوات الإنتاج الاقتصادي.. الذي يمكنهم من التمتع بسبل العيش الكريم؛ إذ يعتمد الغالبية منهم على ممارسة مهن: ينظر لها المجتمع على أنها مهن (محتقرة) مثل العمل في مجالات: نظافة المدن والصرف الصحي وترقيع الأحذية وغسيل السيارات والحصاد في المناطق الزراعية.. إلى جانب جمع مخلفات النفايات والمواد البلاستيكية؛ التي يعاد تدويرها.. كثير من نساء وأطفال هذه الفئة، يجوبون الشوارع والأسواق العامة، ويكثرون الجلوس على الأرصفة لغرض التسول.. وكل تلك الأعمال، يعتمد عليها المهمشون اعتمادًا كليًّا لتأمين قوت يومهم، والبقاء على قيد الحياة، وفقًا لـ (نعمان الحذيفي: رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن).
مِهن المهمشين والأيدي العاملة
تتنوع مِهن المهمشين: بين عامل نظافة، وبناء، وخضري وبائع قات.. في محواهم الخاص.. ومنهم من يشتغل (أجرة) على (مُتر: دراجة نارية) ومنهم من يعمل في النجارة، وترقيع الأحذية.. وأغلبهم يتسولون – بحسب_ عبد الله سعد – إذ يخرجون في الصباح، ويتوزعون في (الجوَلات) ويعودون في ساعات متأخرة بالليل (العاشرة أو الحادية عشرة) أما بالنسبة لـ (الأيدي العاملة) فهي من مختلف الأعمار: رجال، نساء، أطفال) ومن الجنسين!
(ماجد الجمل: مسؤول التلاحم القبلي للمهمشين) يقول: مهِن المهمشين فُرضت عليهم؛ لأن لا أحد يرضى بنفسه أن يخرج للتسول أو يعمل في النظافة.. ثمة متعلمون، ولكن تم رفضهم بسبب لون بشرتهم (التمييز العنصري) كما إن الوساطة، تلعب دورًا: فمن لديه (وساطة: مسؤول أو شيخ كبير) يتوظف.. أما الذي ليس لديه وساطة، فإن مصيره الطبيعي المعتاد هو (عامل نظافة أو متسول) ويضيف: ثمة مؤهلون وخريجو جامعات.
ويعقب الجمل على حديثه، أنه كونه (شيخًا) ولديه (وساطة) فقد تم توظيف أخواته وأقاربه في الشرطة والمطار.. كما يؤكد أن مسؤولية شغر المهمشين لوظائف (متدنية الدخل) وعملهم في النظافة – وكذلك التسول – كل هذه أمور تتحملها الحكومة.
في استطلاع أجرته (صوت الأمل) على (موقع التواصل الاجتماعي Face book) حول: ما إذا كان شغر المهمشين لوظائف متدنية الدخل (كعمال النظافة) باقتناعهم، أم الأوضاع فرضتها.. تبين أن 82% يتفقون على أنه فرضها الوضع، بينما 18% يرون أنها باقتناع المهمشين أنفسهم.
احتياجات المهمشين
(50 خمسون فردًا) يعيشون في غرفتين، وصالة داخلية، وأخرى خارجية، وحمام، ومطبخ: فالأب متزوج امرأتين، وأربعة أولاده متزوجون ولهم أولاد.. البيت لا يسعهم، وينامون في المطبخ بحسب عبد الله سعد، مشرف النظافة في سعوان. ويضيف سعد: المهمشون بحاجة إلى التوعية في (تنظيم الأسرة).
من جهة أخرى يقول (الدكتور عبد الإله عبد الله الحكمي: إدارة علاقات دولية ودبلوماسية) المهن التي يشغرها المهمشون ليست باقتناعهم؛ فهو يجد من عنده رغبة في تغيير: وضعه، ملبسه، مسكنه، مأكله، نمط حياته.. لكن العجز بيّن وواضح.. وثمة عجز في الإمكانيات المادية، وثمة ضعف في الوعي، وثمة قلة اهتمام، وثمة عوامل عدة، ربما أدت إلى ما هم عليه.
ويضيف الحكمي: الأصل في الإنسان النظافة، وتقليد الأفضل، والارتقاء.. لكن عندما تنعدم المقومات والدوافع والوعي.. تظل كل هذه الأمور مجرد آمال، وأماني.. حتى مجرد الجنازة – عند الوفاة – قد تكون لدى بعض من الأشد فقرًا (المهمشين) أن يحظى بجنازة لائقة.. أمنية يتمنى تحققها عند وفاته؛ لأن الغالب أن المجتمع ينظر إلى جنازتهم على أنها حالة وفاة (خادم مهمش) مات فيكتفي بالفرح، وإطلاق النوادر على حياة ذاك الميت.. ويسرد طريقة عيشه، وكيفية التعامل معهم!
الحلول
ليس ثمة خيارات لإحداث التغيير المنشود – لدى المهمشين – غير الدفع بهم قسرًا؛ للانخراط في التعليم، والتدريب المهني بكافة أشكاله.. مع ضرورة توفير البيئة التعليمية الملائمة لهم، والتي تمكنهم من التعليم والالتحاق بالعمل.. دون ذلك سيبقي الحال على ما هو عليه.. ولن يحدث أي تغير بحياتهم بالحاضر والمستقبل، وفقًا لـ (نعمان الحذيفي: رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين باليمن). أما أشواق الفقيه – في وزارة حقوق الإنسان – فتقول: واقع التمييز الاجتماعي – ضد المهمشين – فرض عليهم مزاولة تلك المهن؛ ما أدى إلى عدم الالتحاق بالمدارس.. والحل يكمن، في منع التمييز ضدهم، ودمجهم في المجتمع، وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …