علاج الإدمان.. رحلة من الظلام إلى النور تحفها الكثير من الصعوبات
صوت الأمل – حنان حسين
مثلما نجد الصواب نجد الخطأ، لكننا نعمل على تسليط الضوء على الصواب؛ لتعميق فكرة وجوب انتشار القصص الناجحة لشباب وقعوا في براثن الإدمان وحالفهم الحظ فأصبحوا على مشارف الشفاء يلوحون للبقية للحاق بهم في هذا الطريق والانتقال إلى الزاوية الآمنة والمريحة، والأكثر فعالية في المجتمع.
(ع. م) شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، أنهى الفصل الأول من السنة الأولى من مرحلة البكالوريوس في إحدى الدول العربية. وجرت الأيام بشكل طبيعي حتى حدثت له بعض الانتكاسات العاطفية والنفسية، منها وفاة أخيه الأكبر الذي كان بمثابة الأب بعد وفاة والدهم، عندها دعاه أحد أقاربه وأصر عليه في تعاطي الخمر والحشيش؛ لنسيان الألم والأوجاع والخروج من الحالة التي كان يعانيها، لكن (ع. م) رفض في البداية. ومع تكرار الطلب والتحفيز، جرّبَ الشاب شرب البيرة.
يتحدث (ع. م) عن شعوره عن أول تجربة لشرب هذه المادة قائلًا: “أول تجربة لي في التعاطي شعرت برغبة كبيرة في الضحك بشكل هستيري، وشعرت بإحساس راحة ونسيان لكل الآلام النفسية التي كنت أشعر بها”.
وأضاف: “تلك كانت المرة الأولى لكنها لم تكن الأخيرة، واعتدت على الذهاب إلى منزل قريبي هناك وتعاطي الممنوعات، وساعدنا على ذلك وجودنا خارج اليمن في بلد نستطيع فيه الوصول إلى كل شيء تقريبًا. جربنا أصناف متعددة رفقة مجموعة من الأصدقاء”.
فشل عاطفي
يروي الشاب أن تعاطيه للمخدرات قد زاد بعد خروجه من أكثر من صدمة نفسية، ومنها فشل عاطفي مر به، فأهمل دراسته وأصدقاءه، وأصبح شغله الشاغل البحث عن أكبر قدر مستطاع من الأموال، لا تهم طريقة حصوله على المال، بل الأهم هو الحصول على القدر الكافي لشراء هذه الممنوعات، واستمراره في إدمانه بدون أي تأنيب ضمير أو الشعور بالخطأ.
ويعترف أن والدته هي أكثر الناس تضررًا منه بقوله: “كنت أفتعل العديد من المشاكل إن لم أحصل على المال من والدتي، أكسر أثاث البيت، وأبيع أشياء غالية الثمن لدى العائلة، أسرق، أطالب بالأموال بكل فظاظة، وإن لم أحصلْ على مرادي أتهجم على أختي وأمي إلى أن يمنحنني الأموال”.
وأضاف: “لم أكن أستطيع السيطرة على تصرفاتي مطلقًا حتى وجدت نفسي يومًا ما أقود سيارتي وأتسبب بحادث سير، ولسوء حظي حينها كانت السيارة تابعة لإحدى الجهات الحكومية في تلك الدولة، مما وضعني في مأزق كبير، ولم أفق إلا وأنا في مصحةٍ لعلاج الإدمان”.
المصحة التأهيلية
على إثر ذلك أُدخِل الشاب إلى المصحة التأهيلية هناك لتلقى العلاج، حيث تلقى الكثير من المعالجات التأهيلية والنفسية، واستمر لعشرة أشهر، ثم خرج بعدها. قدم له خاله الدعم والمساعدة للخروج من الحالة النفسية التي كان يعاني منها؛ حيث كان يشغل أوقات فراغه بالبقاء معه ويعمل على منع التقائه بأصدقائه السابقين الذين كانوا يدعونه إلى التعاطي.
وهذا ما أكده الشاب قائلاً: “كان خالي يمضي وقته معي لشغل أوقات فراغي؛ فكنا نذهب لممارسة الرياضة والنزهة معًا، وهذا جعلني أنسى ما كنت فيه، لكن الانتكاسة حدثت بعد أن غادرني وسافر إلى عمله، هنا وجدت وقتَ فراغٍ كبيرٍ جعلني أعود إلى نقطة البداية وأعود للأصدقاء السابقين والتعاطي من جديد بعد حوالي شهرين من سفره”.
مر شهران وسافر الخال، فعاد الشاب إلى مواجهة ضغوط من عائلته. وباعتباره مدلل والدته فقد كان يطالبها بالمال باستمرار، وعند رفضها كان يشعر أنها تعامله بقسوة، وأنه في سجن، وأن الجميع يحاصرونه بسبب الحالة النفسية السيئة والضغوطات التي يمر بها.
العواقب الوخيمة
كان أثر الإدمان كبيرًا على حياة هذا الشاب؛ فقد قلبها رأسًا على عقب. وبعد بدايته في مرحلة جديدة من التعافي وقطعه شوطًا كبيرًا في ذلك، وقع في انتكاسة وانعزل وتغيّر إلى ناحية مختلفة كمن ينتقل من النور إلى الظلام، فتلقاه أصدقاء السوء وأصبح طلبه للمخدرات يزيد كل مرة، حتى ضاق الحال بأسرته من العصبية الزائدة والشكوك والاتهامات الموجهة منه نحوهم.
عاد إلى السهر والمبيت خارج البيت لفترات طويلة، والانعزال وحده في غرفته. وتزايدت حدة الهلوسة لديه، وازداد سماعه لأصوات غريبة غير موجودة، حتى إنه كان يشتم رائحة غريبة في أكله، وكان يتعرض للكوابيس والنوم المتقطع والقلق والاضطرابات النفسية المختلفة، كالعصبية المفاجأة والصراخ بدون داعٍ. تغيرات هائلة عصفت بحياته وجعلت الجميع يلتف حوله لإخراجه من هذه الدوامة التي أوقع نفسه بها، فما كان من أهله سوى العمل على إرجاعه إلى إحدى المصحات حتى يتلقى التأهيل اللازم مرة أخرى.
حاليًا، يستشعر الشاب الخطأ الذي أوقع نفسه فيه، وأنه لم يكن بالقدر الكبير من المسؤولية لمعرفة الطريق الصحيح حينها، لكنه ينصح الجميع بالابتعاد عن هذا الطريق. وفي رسالته التي وجهها إلى المجتمع يقول ناصحًا: “أنصح الآباء بمتابعة أبنائهم وألا يتركونهم لأصدقاء السوء، أو وحيدين في هذا المنزلق الخطير الذي يراه الشخص منجاة وهروبًا من الواقع، بينما هو مصيدة وطريق سيئ؛ فمن يدخله لا يستطيع الخروج منه بسهولة. وأنصح الأهل بالوقوف إلى جانب ابنهم المدمن، وأن يدعموه وألا يتركوه يصارع هذه المشكلة وحده؛ لأن الأمر سيكون عكسيًا ويعود بانتكاسات متعددة”.
أما رسالته الأخيرة الموجهة إلى الشباب اليمني فقال فيها: “أنصح الجميع بالحرص على اختيار الأصدقاء بعناية، وإن أخطأ فيجب عليه أن يعرض نفسه على طبيب ويلتزم بالمدة العلاجية المقررة. ومن ناحية أخرى يجب على من وقع في مصيدة الإدمان أن يعمل على تغيير بيئته وأن يقطع علاقته بشكل كلي بالأصدقاء السيئين”.
كان هذا المقال عن إحدى قصص التعافي والانتقال من مرحلة الإدمان إلى الاعتراف بالخطأ ومعالجته، والبحث عن حلول لتجنب انتشاره بين الأقران في المجتمع، كي ننعم بوطن آمن وخالٍ من أي خطورة قد تواجه كل الفئات والأعمار.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…