القات أحد أسباب الخلافات الأُسرية في اليمن وانشغال الآباء في مجالس القات يتسبّب بفجوة تؤثر على الأسرة اجتماعيًّا
صوت الامل – رجاء مكرد
إن الحديث عن شجرة القات في اليمن، لا يقتصر على استيلاء هذه الشجرة على مواطن زراعة البن، وأشجار الفواكه والخضروات، بل إنه يمتد ليشمل مكانتها المركزيَّة في أوساط الأُسر اليمنية، حيث تُعد هذه الشجرة جزءاً أساسياًً من حياة الأُسر اليومية، وتتصل اتصالًا مُباشراً بنمط حياتها على المستوى النفسي والاقتصادي والاجتماعي.
إن تخصيص الجزء الأكبر من الميزانية الشهريَّة للبيت من أجل شراء القات، يؤثر على الحالة المعيشية للأُسر اليمنية، فيشوبها نقص في شراء الأساسيات من مأكل ومشرب، وملبس، بالإضافة إلى نقص في اللوازم المدرسيَّة المخصصة لتعليم الأطفال، وهو الأمر الذي يتسبب باستمرار المشاكل الأُسريَّة.
تقول هاجر علي: “إن العامل المُشترك بين أغلب الأُسر التي يتعاطى أربابها القات، هو إنفاقهم لجزء كبير من دخلهم الشهري على هذه الشجرة، بمعدل يزيد عما ينفقونه على تعليم أبنائهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية” وتضيف: “القات سبب من أسباب تفشِّي البطالة في المجتمع، خصوصاً في فئه الشباب، كما أنه يستحوذ على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، فزراعة القات حالت دون حدوث الاكتفاء الذاتي للبلاد من المحاصيل الأساسية”.
أضرار نفسيَّة وصحية:
عند الحديث عن الحالة النفسيّة والصحيَّة للشخص الذي يمضغ القات، فإننا نعني بدرجة أساسيَّة حالة الإدمان التي تصاحب الكثير من المخزنيين الذين لا يستطيعون التخلي عن عادة مضغ القات ولو ليوم واحد، ولكن لا يعني هذا أن هذه الحالة عامَّة، ففي حالات نادرة يمتنع، بعض الأشخاص عن مضغ القات بعد تجربتهم الأولى معه.
ومن هؤلاء الذين لم يستسيغوا القات وامتنعوا عن تعاطيه بعد تجربتهم له محمد الوليدي- رب أُسرة، من صنعاء، والذي أمتنع عن مضغ القات وحضور مجالس المخزنين، بسبب الوعكة الصحية التي أصابته عندما “مضغ القات ” للمرة الأولي وهو لا يزال حينها طفلا في الصف الرابع الابتدائي، فعندما جاء أبوه -الذي يصفهُ بأنه من أكبر الموالعة (المدمنين) للقات- برفقة ضيوفه للمجلس، جلس محمد معهم ومضغ القات وأبتلعهُ، مما تسبب له بالمغص والغثيان، الأمر الذي دفعه لأخذ عهد على نفسه بعدم تكرار التجربة مرة أخرى.
ويضيف الوليدي، منذ صغري لم أقتنع بعادة مضغ القات، وكنت أشعر بالضجر من مجالسه، لأنه ينعكس سلبًا على صحة الإنسان النفسية والجسدية، كما أنه يعد هدراً للأموال.
ويتفق وليد (أبو خالد)- من محافظة عمران مع الوليدي، حيث يرى أن للقات أضرارٌ نفسيّة تبرز معالمها في وجه المخزن خصوصاً بعد التخزينة (نجع القات) حيث يجلس المخزن بين أفراد أُسرته متجهماً تعيسًا لا يريد الكلام معهم، ولا يعيرهم اهتماماً”.
وتعلق هاجر بالقول: “إن التأثيرات النفسية بعيدة المدى للقات تتجاوز الأثر الآني له، فقد يصاب المخزن على المدى الطويل بالاضطرابات الصحيَّة التي تنعكس على الصحة الجسدية والنفسيَّة، فمن آثاره النفسيَّة الاكتاب، وفرط في النشاط، والحركة والكلام، والعنف والعدوانية والإصابة بالقلق والتوتر، أما آثاره الصحية فهي تتجسد في زيادة معدلات ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، والتقرحات التي تؤذي الفم”.
الاضرار الاجتماعيّة:
يعد القات أحد الأسباب المؤدية إلى التفكك الأُسري أو المجتمعي، كون الأب يذهب إلى مجالس القات، والأم تذهب إلى مجالس التفرطة (مكان تجمع النساء لتناول القات).
ويرى الإعلامي خليل سفيان، أن التأثير الاجتماعي السلبي للقات يبرز بشكل أوضح بجلوس رب الأسرة لساعات طويلة في مجالس القات بعيداً عن أُسرته، وهو ما يعني ببساطة انشغاله عن قضاء الوقت معهم، وعدم تمكنه من القيام بواجباته وأداء مسؤولياته الاجتماعية تجاههم، وتلبية ما يحتاجون إليه من رعاية واهتمام، كما أنه لا يتمكن من منحهم الوقت الكافي الذي يجب أن يقضونه معه؛ وهذا القصور يتسبب بـ”فجوة” تؤثر على الأسرة اجتماعيًّا”.
وهو ما يعني أن الأطفال هم الضحية الأكبر في الأُسرة التي يمضغ أحد الوالدين أو كلاما القات، وعن ذلك تقول هاجر:”مضغ القات لساعات طويلة بعيدًا عن المنزل، له تأثير سلبي على الأطفال، إذ أن أغلب الأبناء يُحرمون من حنان الوالدين، بسبب بُعدهم عنهم وجلوسهم لساعات طويلة في مجالس القات”، وهو ما يدفع الأطفال إلى اللعب في الشارع لساعات طويلة، ويجعلهم عرضة لمختلف أشكال العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، خصوصًا في غياب الأهل.
الشباب والقات
تعد فئة الشباب من أكثر الفئات التي تتعاطي القات، وذلك بسبب حالة الفراغ التي يعيشونها في ظل عدم وجود الأماكن المخصصة لقضاء أوقات فراغهم، هذا بالإضافة إلى أن عدداً من الشباب يرون أن القات يُساعدهم على التركيز، مما يسهل عليهم المذاكرة، والقيام بالأعمال المختلفة، دون أن يشعروا بالتعب والإنهاك.
ويقول جميل حفظ الله بنيان، أستاذ النظرية الاجتماعية المساعد بقسم علم الاجتماع في جامعة صنعاء: “إن للقات تأثيرات عديدة ومتباينة، كما أن له أثر صحي واقتصادي واجتماعي وثقافي، ودائماً ما كانت الثقافة السائدة في المجتمع اليمني تكرّس مفهوم أن القات يساعد على الإنجاز والتركيز خاصة في (المذاكرة)”.
ويضيف بنيان: “بشكل عام يُشكل القات هدراً لمال ووقت الشباب، حيث أن مدة مضغه قد تصل عند البعض إلى عشر ساعات.
وبسبب تردي الأوضاع العامة التي تمر بها اليمن، يظل القات هو الملجأ الوحيد الذي يجد فيه الكثير من اليمنيين مهربًا يُنسيهم، ما آلت إليه أحوالهم في بلاد تمرُّ بأسوأ أزماتها على الإطلاق.
المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد …