تحديات اقتصادية تحول دون تعليم الفتاة اليمنية
صوت الأمل – أفراح أحمد
ترك النزاع اليمني المستمر -منذ أكثر من ثمان سنوات- معاناة ستظل آثارها ملازمة للكثير من أبناء الشعب اليمني -خاصةً للواتي يواجهنَ تحديات معقّدة على نحو متواصل- من شأنها أن تغير مجرى حياتهنّ إلى الأبد، ولعلّ أبرز تلك التحديات حرمانهن من التعليم.
ويعد حرمان الفتاة من التعليم ضمن الظواهر الضاربة جذورها منذ القدم في المجتمع اليمني، التي تُؤنث عمدًا داخل سياقات متعددة، تتصدرها العادات والتقاليد وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد نسب الفقر والبطالة في اليمن.
عقبات جديدة
وقد أخذت هذه الظاهرة بالازدياد مع تصاعد حدّة النزاع، بالإضافة إلى ما خلفته من تحديات اجتماعية وثقافية واقتصادية، في مجتمعٍ فقيرٍ كاليمن، ولعل ما أنتجه هذا الصراع من أزمة اقتصادية صعبة وعمليات نزوح داخلية، جاءت لتضع عقبات جديدة أمام تعليم الفتيات.
فبحسب تقرير صادر عن منظمة اليونيسف في يوليو 2021م، الذي حمل عنوان “عندما يتعرقل التعليم في اليمن”، فإنَّ ما يزيد عن مليوني فتى وفتاة في سن الدراسة في اليمن خارج المدارس؛ بسبب الفقر والصراع ونقص الفرص التعليمية.
تقول صفية علي أزيب -16 عامًا- إنها وأخواتها الثلاث (وصال، ونعمة، ومرام) اضطررن إلى ترك المدرسة منذ ثلاث سنوات؛ بسبب ظروف أسرتهن المادية، حيث كان والدهن يعمل في بيع الأسماك في ميناء الاصطياد بالحديدة، ونظرًا لإصابة قدمه اليمنى بالغرغرينا وبترها؛ أصبح مقعدًا في فراشه بدون عمل.
وتضيف صفية: “لم نترك الدراسة –فقط-، بل إنَّ معظم أيامنا تمر بدون طعام، فإن حصلنا على الغداء لم يتوفر العشاء، وإن توفر العشاء يمتنع الفطور”.
لقد تركت صفية وأخواتها التعليم مجبرات على ذلك؛ نتيجة ظروفهن المعيشية المزرية، ما جعلهن يلجأن إلى العمل في منازل الجيران، وصناعة بعض المشغولات اليدوية التي بالكاد تكفي لسد احتياجاتهم من الطعام والشراب.
من جهتها تقول فاطمة حسين -20 عامًا-: “دراستي كانت طموحي الأكبر، حبي وشغفي لها جعلاني من المتفوقات في مدرستي، طموحي لم يكن مقتصراً على إكمال الثانوية العامة فقط، بل أردت الالتحاق بكلية الطب، لكن مع الأسف لم أستطع تحقيق حلمي، على الرغم من حصولي على تقدير 87% في المرحلة الثانوية”.
وتواصل فاطمة: “والدي الذي يعمل سائق أجرة لم يستطع تغطية نفقات دراستي في الجامعة؛ مما جعلني أنقطع عن مواصلة تعليمي، وأنا الآن في المنزل كالكثير من الفتيات في اليمن، تركنا التعليم بحثًا عما يسد جوعنا”.
لم يكن تردي الواقع الاقتصادي مقتصرًا في تأثيره على الشريحة الأقل دخلًا من المواطنين اليمنيين (شريحة الفقراء والمهمشين)، بل تجاوز تأثيره ليصل إلى غالبية الموظفين الذين يشغلون وظائف حكومية، ومن بينهم العاملين في القطاع التعليمي.
فبحسب التقرير الصادر عن منظمة اليونيسف المذكور آنفًا، فإنَّ ما يقدر بنحو 171.600 معلم ومعلمة، أي نحو ثلثي العاملين في مجال التدريس، لم يستلموا رواتبهم بشكل منتظم لمدة أربع سنوات؛ وبالتالي توقفوا عن التدريس؛ لإيجاد سُبل أخرى لإعالة أسرهم، الأمر الذي يعرض ما يقرب من أربعة ملايين طفل لخطر فقدانهم فرص الحصول على التعليم.
“محمد. ح.ع” – فضل عدم ذكر اسمه الكامل- يعمل في التدريس منذ أكثر من 20 عامًا، معتمدًا على ما يتقاضاه من راتب شهري لإعالة أسرته، ولكنَّه بعد انقطاع صرف الرواتب، اضطر لترك العمل في التدريس بحثًا عن عمل يسد رمق جوع أسرته ويواري حاجتهم وعوزهم.
يقول محمد: “بعد انقطاع رواتبنا، بقيت لأكثر من عام أبحث عن عمل أعيل به زوجتي وأولادي الستة، ولكن دون جدوى، إذ أنَّني لم أجد فرصة عمل في الفترة المسائية، كي أوفق بينه وبين عملي في التدريس؛ فاضطررت لترك التدريس نهائيًا، مضحيًا بأكثر من 20 عامًا من سنوات خدمتي في المجال التعليمي”.
خصخصة التعليم
أزمة تحمل بين طياتها أزمات أخرى، ومعاناة جعلت الغالبية العظمى من اليمنيين يركضون سعيًا وراء ما يشبع جوعهم؛ جراء الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد، الأمر الذي جعل الكثير منهم مجبرين على حرمان فتياتهم من التعليم، وهذا فاقم من حدة مشكلة عزوف الفتيات عن التعليم، وزاد من توسعها بشكل كبير.
ومع الانتشار الواسع للمدارس الخاصة، وازدياد أعدادها في السنوات الأخيرة، مقابل تدهور التعليم في المدارس الحكومية التي يتغيب عنها الكثير من المعلمين، وربما تركوا العمل فيها نهائيًا؛ بحثًا عن مصدر رزق لهم ولعائلتهم بعد انقطاع المرتبات، وبالتالي أصبح المواطن البسيط ضحية لنهب واستغلال المدارس الخاصة التي تفرض رسومًا باهظة تصل لأكثر من 100 ألف ريال (150 دولاراً) للتلميذ الواحد.
تذكر سلمى محمد نجيب -15 عامًا- أنَّها توقفت عن الدراسة منذ سنتين قبل إكمالها الصف السابع الابتدائي؛ لأنَّها وزميلاتها لا يتلقين سوى حصة أو حصتين في اليوم الواحد في المدرسة التي كانت فيها.
وتضيف سلمى أنَّ الكثير من زميلاتها في الصف انتقلن إلى الدراسة في مدارس خاصة بسبب ضعف التعليم في مدرستها. ولأنَّ حالة أسرتها المادية لا تسمح بتسجيلها في مدرسة خاصة؛ اضطرت إلى ترك الدراسة نهائيًا بتوجيه من والدها.
تقول والدة سلمى: “وضعنا صعب جدًا، ولا نستطيع تدريس سلمى، فنحن بالكاد نحصل على ما يكفينا من الطعام وإيجار للمنزل، فجعلناها تترك الدراسة مثل كثير من زميلاتها في الحارة؛ لأنه لم يعد هناك تعليم في مدرستها”.
كل هذه المعوّقات، وغيرها الكثير، سواءً كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية، فحرمان الفتاة في اليمن من التعليم مشكلة تحكمها العادات والتقاليد القديمة، وتزيد من حدتها وتضاعف نسبتها الأوضاع الاقتصادية التي طالت كل بيت في اليمن، ليصبح حرمان الفتاة من التعليم مسألة بين مطرقة الفقر وسندان العادات.
ترى الاستاذة شذى شقحان (معلمة في إحدى المدارس الحكومية) أنَّ من أهم معوقات تعليم الفتاة الأمورَ المتعلقة بتكاليف التعليم التي يدفعونها الأهالي من عملهم الشاق على الرغم من انعدام الفرص وقلة مصادر الدخل، أيضًا من ضمن المعوقات أن يلجأ الأهل إلى الزواج المبكر الذي يزيد من تسرب الفتيات من المدارس، وحين يحصل الحمل تترك الفتاة المدرسة بشكل نهائي.
مردفة أنَّ بعض الفتيات يكون السبب في تسربهن من التعليم، انعدام التحصيل الجيد أثناء الدراسة، وعدم الاهتمام بالاستمرار فيها، وفي بعض القرى يكون السبب الأعراف الاجتماعية، كما أنَّ الأدوار النمطية للجنسين تؤثر أيضًا على قدرة الفتيات على الاستمرار في الدراسة.
وتضيف شقحان أنَّ من ضمن الحلول لعدم التسرب من التعليم هو توفير فرص للعمل والدخل الجيد لخريجي الجامعات؛ لأنَّ أغلب الشباب والبنات لسان حالهم يقول: “لماذا نكمل التعليم؟ ماذا بعد التعليم؟ وما الفائدة؟”، متأثرين بأوضاع بعض الخريجين الذي انتهى بهم الأمر إلى هوة البطالة في اليمن، كما ترى أنَّ من الحلول مجانية التعليم الجيد سواءً التعليم المدرسي أو الجامعي، وتساوي الفرص بين أبناء الأغنياء والفقراء.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…