القانون اليمني والجهود الدولية في تنظيم حمل السلاح في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يؤدي سيادة القانون وتطبيقه بشكل عام إلى تحقيق الأمن والاستقرار وبناء مجتمع آمن وعادل، وترسيخ مبدأ العدل والمساواة بين الأفراد، والحفاظ على حقوقهم التي كفلها القانون، وحماية الحريات، ومناهضة الظلم ومحاربة الفساد، من خلال ضمان تطبيقه على الجميع دون استثناء، وتنظيم العلاقات بين جميع الأفراد، كما يسهم القانون في محاربة الفوضى داخل المجتمع، ومنع حدوث الجرائم بأنواعها.
ولكن عندما يغيب سيادة القانون، يسود الظلم والفوضى والتخلف في المجتمعات، ويوسع من دائرة حدوث الجرائم بأنواعها، وانتهاك حقوق الأفراد، وعدم ضمان حصولهم على حقوقهم، وتعرضهم للفساد والنهب، وتقييد حريتهم؛ الأمر الذي يعوق من عملية التنمية والتطوير وتحقيق الازدهار في المجتمع، على جميع الأصعدة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
يعدُّ قانون تنظيم حيازة الأسلحة النارية والذخائر والمتفجرات في اليمن وحملها، الصادر عام 1992م، المرجع الأساسي لتطبيق قانون السلاح في البلاد، ولكن عملية تطبيق القانون يواجه العديد من التحديات المعقدة، بعضها نتاج للصراع الدائر، وبعضها الآخر راسخ في البنية الثقافية والمجتمعية، بالإضافة إلى ضعف أجهزة الدولة التي تعوق من قدرتها على فرض سيطرتها على الأسلحة، وملاحقة المخالفين للقانون.
كما أنّ الفساد المستشري يعوق عملية تطبيق قانون السلاح، الذي يؤدي بشكل كبير إلى انتشار الأسلحة غير المرخصة، وافتقار العديد من أفراد المجتمع اليمني إلى الوعي القانوني بأهمية قانون السلاح، ومخاطر امتلاك الأسلحة غير المرخصة.
القانون اليمني بشأن تنظيم حمل السلاح
يهدف القانون رقم (40) لسنة 1992م الذي أصدرته الحكومة اليمنية إلى تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والإتجار بها، الذي يتضمن ستة فصول تعرّف أهمية تطبيقه عبر شرح تفاصيل تنظيم حمل الأسلحة النارية، وعملية الإتجار وإصلاح الأسلحة، واستخدام الأسلحة والمفرقعات والمستودعات والذخائر والترخيص وشهادة الإعفاء وسلطة الترخيص.
تنص المادة الثالثة إلى أنّ “حمل السلاح في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات والمدن التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير لا يكون إلا بترخيص ساري المفعول وفقًا لأحكام القانون”. ومع ذلك الواقع يقول عكس ذلك.
فيما تنص المادة الرابعة إلى أنّ “ترخيص حمل السلاح وثيقة رسمية تصدره الوزارة، وهو على درجة كبيرة من الأهمية، فيجب المحافظة عليه وحمله كلما حمل الشخص سلاحه”. أما المادة الخامسة فتنص على أنّه “يجوز بقرار من الوزير تفويض مديرِي الأمن بالمحافظات صلاحيات إصدار ترخيص حمل السلاح في نطاق المحافظات العاملين بها”.
والمادة السادسة من نفس القانون تنص على أن” يقدم طلب الترخيص بحمل السلاح لسلطة الترخيص، ويجب أن يشتمل الطلب على الأسباب والمبررات الكافية للمنح، وخصوصًا أن يكون طالب الترخيص ذا مركز سياسي أو اجتماعي، أو يتطلب عمله أن يحمل سلاحًا شخصيًّا، ولسلطة الترخيص حق تقدير استحقاق الطلب للترخيص”.
أما الفصل الثالث من القانون فقد تناول إتجار الأسلحة وإصلاحها، ويتكون من فرعين؛ الفرع الأول تضمن الإتجار بالسلاح؛ ومن مواده مادة رقم 25 التي تنص على أن “لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي استيراد أو إدخال الأسلحة والذخائر أو الإتجار بها، إلا بموجب ترخيص ساري المفعول وفقًا لأحكام القانون”.
وحول عملية الإتجار بالأسلحة في الأسواق، فقد نصت المادة رقم 26 على أن” للوزير حق تحديد عدد المحلات التجارية للأسلحة والذخائر في كل محافظة، كما يحدد الشروط الواجب توافرها في المحل المعدّ للأغراض المذكورة، ونوع الأسلحة، وكمية الأسلحة، والذخائر المرخص بالإتجار بها”.
فيما نصت المادة 27 على أنّه “مع مراعاة أحكام المادة (21) من القانون يشترط فيمن يرغب بمزاولة مهنة الإتجار بالأسلحة والذخائر عدد من الشروط؛ منها: أن يكون مسموحًا له بمزوالة العمل التجاري وفقًا للقوانين المنظمة لذلك، وأن يقدم ما يفيد إيداعه مبلغ التأمين الذي تحدده سلطة التراخيص لدى أحد البنوك أو أحد المصارف المعترف بها”.
فيما أكد الفصل الرابع من القانون، والمتعلق بالمفرقعات في المادة رقم 38، أنّ “استيراد المفرقعات محظور، ومع ذلك يجوز لسلطة الترخيص أن تصدر ترخيصًا باستيراد المفرقعات؛ وذلك لأغراض تنفيذ مشروعات التنمية، وما يتصل بها من الأعمال والإنشاءات المدنية والعسكرية”، كما يتم منح تراخيص المفرقعات لعدد محدود من التجار المقيمين في عواصم المحافظات التي يتم تحديدها بقرار من الوزير.
أما الفصل الخامس فقد تناول الألعاب النارية، ومن مواده مادة رقم 46، التي تنص على أن “لا يجوز تصنيع أو استيراد أو الإتجار بالألعاب النارية إلّا بترخيص مسبق من سلطة الترخيص، وتسري على المستورد والتاجر في الألعاب النارية الأحكام الخاصة بالاستيراد والإتجار، ونقل الأسلحة المنصوص عليها في القانون وهذه اللائحة”.
وتنص المادة رقم 47 على أن “يخضع صنع واستيراد وبيع الألعاب النارية للرقابة الفنية والأمنية بالوزارة، وتشمل هذه الرقابة التأكد من توفر شروط السلامة في معامل ومصانع الألعاب النارية ومخازنها ومحلات بيعها عن طريق التفتيش الدوري والمفاجئ”، فيما تشير المادة رقم 48 على أن “يحظر الترخيص بفتح وإنشاء مصانع الألعاب النارية أو مستودعاتها في المناطق الآهلة بالسكان”.
آراء مختصين في القانون
يرى المحامي خالد الكمال، رئيس مؤسسة الكمال للمحاماة والاستشارات القانونية، أنّه يجب تغيير بنود هذا القانون، وإيجاد قانون يحدُّ من حمل السلاح بشكل نهائي، خاصة أنّ اليمن يملك أكثر من 60 مليون قطعة سلاح؛ أيّ بمعدل ثلاث قطع لكل مواطن.
يقول في حديثه: “في إحدى السنوات حدث انفجار مرعب لإحدى مخازن الأسلحة في إحدى مناطق العاصمة صنعاء، وتسبب في إحداث أضرار في الأرواح والممتلكات، وهذه تعدُّ من أبرز التحديات التي تحول حول دون تطبيق القانون”.
ويرى أنّه من الحلول التي ستساعد في التخفيف من حِدّة استخدام الأسلحة في اليمن، تغير مواد القانون بشكل جذري، وسحب السلاح من المواطنين مع إعطائهم تعويضًا مقابل ذلك، وإرجاع ملكية الأسلحة إلى الدولة، وتنفيذ عقوبة شديدة حول من يحمل السلاح دون ترخيص، وليس فقط مصادرة السلاح، بل يقدم للمحاكمة، وتكون العقوبة حبسًا أو غرامة كبيرة، حتى يدرك المواطنون أنّ حمل السلاح له عقوبة شديدة، إلى جانب منع التراخيص إلّا للأشخاص الذين يحق لهم حمل السلاح وبعدد محدود.
وأكّد على ضرورة تغير المفاهيم المجتمعية حول ثقافة حمل السلاح، من خلال غرس مفاهيم توضح خطورته على المجتمع والسلوك العام، الذي يجب محاربته.
كما تقول المحامية سميرة قائد نبيش: “إنّ الشعب اليمني مسلح منذ القدم، وهذه تعدُّ عقبة من العقبات التي ستواجه تطبيق القانون، لذلك تقع على الجهات المختصة مسئولية كبيرة في محاربة انتشار السلاح بين أوساط المجتمع، وتفعيل دورها عبر التوعية المجتمعية في الوسائل الإعلامية، وفرض عقوبات على المخالفين، لا سيّما إذا كانت غرامة مالية كبيرة حتى تكون رادعًا للمخالفين”.
وترى أن تطبيق القانون سوف يسهم في الحد من انتشار الجريمة، خاصة أن جرائم القتل تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
من جهته يقول المحامي والناشط الحقوقي علي الأهدل: “أعتقد أنّنا نمرُّ في مرحلة صعبة، وهي مرحلة استمرار الصراع، الذي أدّى إلى جعل غالبية الشعب اليمني يحملُ أسلحة متنوعة، بعد أن كانت حيازتها مقتصرة على أشخاص محددين، ومنعها في العواصم ومراكز المحافظات”.
وأوضح أن تطبيق القانون بشكل فعلي سيسهم في منع حمل السلاح في عواصم المحافظات من قبل الأشخاص المدنيين، وسيعمل على تنظيم بيعه، ومنع انتشاره بشكل أوسع، من خلال ضبط المخالفين ومن لا يحملون تراخيص للبيع.
وأضاف: “أنّه من خلال التنظيم وتحديد من يحق لهم حمل السلاح ومنع كل المخالفين ممّن لا يحق لهم حمل السلاح، سيخفف من حدة انتشاره بين أوساط المجتمع، وخاصة الشباب، والعمل على معالجة التحديات التي تحول دون تطبيق القانون، والتي تتمثل في وضع المجندين الجدد في التشكيلات المسلحة، سواء أكانت عسكرية أم مدنية من جميع الأطراف، عبر إلزامهم عدم حمل السلاح دخل المدن وفي أوساط المجتمع”.
ويشير إلى التحديات التي تتمثل في عدم وجود قرار من الجهات العليا التي تلزم الجهات الأمنية المعنية في تنفيذ القانون لمنع حمل السلاح في مختلف المناطق اليمنية إلّا وفقًا للقانون، وضبط المخالفين، بالإضافة إلى ضعف دور الشرطة العسكرية في ضبط من يحمل سلاحًا مخالفًا، وتبرير هذا العمل كضرورة للمرحلة الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلد.
ويشير الأهدل في حديثه إلى أنّ الحلول المقترحة لتطبيق القانون والتخفيف من انتشار الأسلحة في اليمن، اتخاذ قرار من السلطات العليا يلزم تفعيل قانون تنظيم حمل السلاح في أنحاء البلاد كافة، ووضع آلية تنفيذية لقانون تنظيم حمل السلاح، وتخويل جهة محددة تنظّم عملية حمل السلاح في المجتمع، وتعزيز دورها، ومنحها الصلاحيات الكاملة.
كما يؤكد أهمية رفع الوعي المجتمعي حول منع حمل السلاح بين أوساط المجتمع، عن طريق وزارة الإعلام ووزارة الأوقاف، عبر تنفيذ برامج توعوية في الوسائل الإعلامية والمساجد، وتفعيل غرفة عمليات مشتركة من الألوية العسكرية والأجهزة الأمنية والجهات العسكرية والأمنية تتبع الجهة المخولة في كل محافظة؛ لتنظيم عملية حمل السلاح، سواء أكانت الشرطة العسكرية أم الأمن العام؛ لتسهيل عملها.
الجهود الدولية
بذلت العديد من الجهات الدولية جهودًا كبيرة في الحد من حمل السلاح في اليمن، ومنها ما جاء في تقرير نشرته منظمة العدل الدولية حمل عنوان: (الحد من الأسلحة)، الذي أكّد على منع دول العالم منح الأطراف المتنازعة في اليمن الأسلحة.
وجاء في التقرير أنّ نتيجة للقرارات التي اتخذتها الجهود الدولية في حظر توريد السلاح إلى اليمن، التزمت العديد من الدول بهذا القرار، فيما لا تزال دول أخرى تتمرد على القرار، وتقوم بتزويد الأطراف بالأسلحة.
وبشكل عام فقد بذلت الجهود الدولية جهودًا حثيثة للحد من ظاهرة حمل السلاح في اليمن، وفقًا لأهدافها التي تشمل نزع السلاح في الدول التي تشهد نزاعات؛ إذ قد تبلورت هذه الجهود في العديد من القوانين والمعاهدات الدولية، التي تضمنت العديد من القرارات التي تقضي بضرورة الحد من التسليح، وعدم انتشاره، ومنها اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، واتفاقية الأسلحة البيولوجية والسموم، التي تهدف هذه الاتفاقية إلى حظر استخدامها وتطويرها وإنتاجها وتخزينها.
ومعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية التي تهدف إلى منع انتشارها، بالإضافة إلى مؤتمر نزع السلاح، الذي يعدُّ منتدى دولي يناقش قضايا نزعه والحد منه، ولكن ما زالت تعاني تلك القوانين والمعاهدات الدولية من تحديات في اليمن، تتمثل في عدم الالتزام بالقوانين، وانتشار الأسلحة في السوق السوداء.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…