البنية التحتية للاتصالات في اليمن؛ التحديات والفرص
صوت الأمل – هبة محمد
تعدُّ البنية التحتية للاتصالات، سواءً من ناحية الهاتف الثابت أو النقال أو شبكة الإنترنت، عنصرًا أساسيًّا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأيّ دولة. وفي اليمن، تواجه البنية التحتية للاتصالات تحدياتٍ جسيمة تؤثر سلبًا على قدرتها على تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التقدم التكنولوجي، ومن تلك التحديات؛ الصراع، ونقص الاستثمارات، وغياب التشريعات وغيرها. إذ نستعرض في هذا التقرير أبرز التحديات التي تواجه البنية التحتية للاتصالات في اليمن، والفرص المتاحة لتحسينها وتطويرها.
رؤية عامة وتحليل شامل
يشهد قطاع الاتصالات وتقنيات المعلومات تطورات هائلة ومتسارعة في مختلف المجالات؛ إذ أصبح للقطاع دورٌ مهمٌّ وحيويٌّ في العملية الاقتصادية والتنموية، التي تُسهم في رفع المستوى الثقافي والعلمي والمعرفي والاقتصادي للمجتمعات، ويعمل على تحسين نوعيه الحياة؛ الأمر الذي وجب على كلِّ الجهات المعنية التركيز على تطوير البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والعمل على تطويره.
يقول المهندس علي الشرماني (رئيس قسم النفاذ اللاسلكي في وزارة الاتصالات صنعاء): “يعدّ قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات أحد العناصر الأساسية في البنية التحتية للاقتصاد الوطني، ويلعب دورًا حاسمًا في تعزيز النمو الاقتصادي، إذ إنّه خلال السنوات السابقة، وخاصة قبل النزاعات منذ عام 2001م، شهد هذا القطاع نموًا متسارعًا بفضل الاستثمارات الكبيرة من قبل القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، التي كانت تهدف إلى مواكبة تطور العصر في تلك المدّة”.
وأضاف أنّه على الرغم من التدمير الذي تعرض له قطاع الاتصالات بسبب الصراع، وخروج معظم خدمات الاتصالات ومنشآتها عن الخدمة، وما ألحقه بها من أضرار بالغة في البنية التحتية، فإنّ هناك جهودًا مبذولة لاستعادة الخدمة من قبل الجهات المختصة، ومواجهة التحديات عبر العمل المتواصل على تحديث البنية التحتية لقطاع الاتصالات حسب الإمكانيات المتاحة، بما يتناسب ويتلاءم مع أنظمة الاتصالات الحديثة.
وأشار إلى أنّ قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في اليمن يقدّم خدمات متعددة ومتنوعة، تستهدف الأفراد والمجتمعات والشركات، إذ توفّرت خدمات الاتّصالات السلكية عبر كابلات الألياف الضوئية والكابلات النحاسية؛ سواء أكانت للشركات أو الأفراد عبر مُدد زمنية مختلفة، وخدمات الاتّصالات اللاسلكية، والجيل الرابع ((G4، في معظم المدن اليمنية والمناطق الريفية.
وأوضح الشرماني أنّه أُطلق وشُغّل مشروع (الواي فاي) المسمى بـ(يمن واي فاي) في الجامعات والمكاتب الحكومية؛ وذلك لتوفير خدمات الإنترنت اللاسلكي لشريحة مهمة من المجتمع، وشريحة الطلاب في الجامعات والمعاهد وبأسعار رمزية؛ لتقديم خدمة التعليم بشكل ميسّر.
وعن وضع البنية التحتية للقطاع قبل الصراع، أشارت تقارير البنك الدولي في تقييم الاحتياجات 2020م، أنّ شركة الاتصالات العامة المملوكة للدولة وفرعها شركة (تيليمن)، يعدان المزوّدين الوحيدينِ لخدمات الإنترنت، وقد أنشأت المؤسسة شبكة ألياف بصرية مهمة، وتعدُّ منشأة أساسية تبلغ ما يقارب 13000 كيلومتر، تصل إلى المدن الرئيسية والثانوية، فضلًا عن العديد من المواقع الريفية.
وأوضحت التقارير، نظرًا لقلة الموارد، أنَّ هناك استثمارات محدودة في الشبكات المتوسطة والأخيرة التي تربط البنية التحتية الأساسية بالمدن والمناطق المستهدفة، وكان يتوفر لدى المؤسسة العامة للاتصالات أكثر من 500000 مشترك في الإنترنت (منزلي وتجاري)، عبر خدمة خط المشترك الرقمي غير المتماثل (SLAD)، التي كانت تقدّم سرعات تصل إلى 4 ميجابايت في الثانية.
وكانت البنية التحتية قبل الأزمة الجارية، التي بدأت منذ 2015م، عرضة لانقطاع التيار الكهربائي؛ الأمر الذي نتج عنه انقطاعات متكررة لخدمة الاتصالات والإنترنت. وفي حين كان هناك خطط لتوسيع البنية التحية على نطاق، واسع بما في ذلك الشبكات الفائضة، فإنّ هذه الخطط توقّفت مع اندلاع الصراع والانقسامات التي طرأت على شركات الاتصالات العامّة.
من جانبه يشير المهندس عبد اللطيف الأكوع (رئيس نشاط الوسائل التعليمية في المعهد العام للاتصالات) إلى أنّ البنية التحتية لقطاع الاتصالات في اليمن تعرضت لكثير من الأضرار؛ نتيجة النزاعات المستمرة في مختلف المحافظات اليمنية المهمة، كما تعرض قطاع الطرق والجسور ومحطات الطاقة وشبكات المياه للتدمير والأضرار البالغة التي أثّرت بدورها على قطاع الاتصالات أيضًا.
وبيّنَ المهندس عبد اللطيف أنّ من الممكن العمل على تطوير قطاع الاتّصالات خلال السنوات القادمة، وذلك عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة (المدن الذكية) في عملية تحسين البنية التحتية في اليمن، التي تتضمن استخدام أجهزة الاستشعار عن بُعد، وتحليلات البيانات والمعلومات، وأجهزة الإنترنت؛ وذلك لتحسين الخدمات المعلوماتية والنوعية، التي تُلبي احتياجات المواطنين، ويتطلب الأمر إعداد خطط إستراتيجية حديثة، وإيجاد مصادر للتمويل.
الفجوة الرقمية في المناطق الريفية
ويذكر الشرماني أنّه يعيش في اليمن ما يقارب %75 من السكان في المناطق الريفية. ونظرًا للطبيعة الجغرافية الصعبة والوعرة في اليمن، بالإضافة إلى التجمعات السكانية المتفرقة والمتناثرة في الجبال والسهول والوديان، فإنّ هذه العوامل والعقبات تؤدي إلى حدوث ما يُعرف بـ(الفجوة الرقمية)، التي تعني عدم تساوي خدمات الاتّصالات بين المناطق الريفية والحضرية. ويرجع ذلك إلى صعوبة وصول الخدمة إلى تلك المناطق، وتوفير الخدمات اللازمة لها.
وأكد أنّه على الرغم من وجود المعوقات الطبيعية والجغرافية، فقد استُخدِمت أنظمة الاتصالات الحديثة والمتطورة في اليمن، بما في ذلك أنظمة الاتصالات اللاسلكية من الجيل الرابع (G4)، التي تعدُّ من التقنيات المتقدمة المسهمة في أغلب الأوقات في تعزيز التواصل في المناطق الريفية والحضرية، على الرغم من التحديات التي تواجهها.
وأضاف أنّ خدمات الاتصالات اللاسلكية استطاعت الوصول إلى المناطق الريفية والنائية والبعيدة، التي كان يصعب الوصول إليها باستخدام أنظمة الاتصالات السلكية العادية، وقد دُشِّنت وأُطلِقت خدمات (يمن فور جي) التي تقدّم خدمة الاتصالات والإنترنت اللاسلكي، بتقنيات حديثة ومتطورة، وبأسعار مناسبة، إلى مختلف المحافظات اليمنية؛ فمع استخدام التقنيات الحديثة ستتقلص الفجوة الرقمية الحاصلة في المدن والمناطق الريفية، وبالتالي ستصبح خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات متاحة للجميع في كل المناطق والمدن اليمنية.
فرص تطويرية ومشاريع مستقبلية
على الرغم من كل التحديات التي يمرُّ بها قطاع الاتصالات في اليمن، فإنّ هناك فرصًا متاحة لتحسين البنية التحتية، وذلك عبر العمل المشترك في إعادة إعمار البنية التحتية، التي تعد فرصةً لتحسينها وتطويرها، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال الاتصالات؛ ممّا يُساعد على تطوير البنية التحتية، وتحسين جودة الخدمات، وتطوير البنية التحتية بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن بدرجة رئيسية، بالإضافة إلى سنّ التشريعات والقوانين التي تساعد في عملية تنظيم عمل قطاع الاتصالات، ويساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن.
كما يعدُّ قطاع الاتصالات أحد القطاعات الحيوية والمهمة التي ترتبط بمسار البناء والتنمية، الذي أوجب على الجهات المعنية، سواء حكومية أو خاصة، وضع خطط ودراسات؛ لتنفيذ مشاريع تتناسب وتتلاءم مع التطورات الحديثة التي يشهدها قطاع الاتصالات وتقنيات المعلومات عالميًّا.
وفي السياق ذاته يؤكد المهندس عبد اللطيف أنّ عملية تحسين البنية التحتية في اليمن تحتاج إلى استثمارات كبيرة تعمل على إعادة بناء البنية التحتية المتضررة وتطويرها أولًا، والعمل على توفير المساعدات والدعم الدولي لإعادة المنظومة التنظيمية في قطاع الاتصالات؛ لتحسين الخدمات الأساسية للمواطنين.
كما أشار إلى أنّ وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات تبذل جهودًا كبيرة لتحسين البنية التحتية في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، بما يتناسب ويتلاءم مع تطورات العصر، ومواجهة التحديات كافة، والعمل على إدخال أفضل الأنظمة والتقنيات العالمية في مجال الاتصالات وأحدثها.
ووفقًا للمركز الوطني للمعلومات، فإنّ الرؤية الإستراتيجية لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات (2002-2025م)، في تطوير البنية التحتية لقطاع الاتصالات، قد تساعد في تجاوز الصعوبات التي يعاني منها قطاع الاتصالات في اليمن، إذ وُضعت الرؤية والتصور المقترح عام 2002م، لمعالجة التحديات عبر رفع السعة المطلوبة للشبكة الهاتفية الثابتة إلى عام 2025م أكثر من 5,5 ملايين خط؛ وذلك لتحقيق نسبة انتشار15 خطًا لكل مائة نسمة.
ونشر المركز أيضًا أنّه ينبغي أن يبلغ عدد أجهزة الحاسوب المستخدمة عام 2025م (6,2) ملايين حاسوب، وسيرتفع انتشار مشتركي الإنترنت بمعدل 260 مشترك لكل 10000نسمة، وعدد المضيفات بمعدل 70 لكل 10000 نسمة.
وأفاد المركز الوطني للمعلومات أنّ المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية قامت باستثمار هائل في شبكه الألياف الضوئية، إذ بلغت التغطية ما يقارب %85 من محافظات اليمن، ويجري حاليًا العمل على استكمال تغطية الأماكن المتبقية، آخذة بعين الأهمية ضرورة تأمين الحرارة الهاتفية وشبكة تراسل المعطيات من خلال عمل مسارات متعددة (Rings).
74.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن ضعف البنية التحتية من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد قطاع الاتصالات واحدًا من أهم القطاعات الحيوية التي تسه…