قطاع الاتصالات اليمني؛ تعافٍ يلوح في الأفق وسط تحدياتٍ متفاقمة
صوت الأمل – أحمد باجعيم
يعاني قطاع الاتصالات في اليمن العديد من الأضرار جراء الصراع المستمر في البلاد منذ تسع سنوات على التوالي، ويعد من أهم القطاعات التنموية والخدمية في البلد، إذ هو عصب الحياة اليومية في المجتمع، ويسهم بشكلٍ مباشر وكبير في التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولا ننسى أنّ الصراع في اليمن، الذي بدأ منذ مطلع 2015م، ألقى بظلاله القاتمة على قطاعات كثيرة، منها قطاع الاتصالات، وأدّى إلى تدمير العديد من المنشآت، وانقطاع الخدمات، وتدني جودتها، بالإضافة إلى صعوبة توفير وسائل الاتصال الآمنة.
رغم تلك الظروف العصيبة التي تمر بها اليمن جراء الصراع المستمر، وتأثير الأضرار التي تسبب بها على قطاع الاتصالات، والمتمثلة في تدمير العديد من المنشآت والأبراج والأسلاك الكهربائية وغيرها، التي نتج عنها انقطاع الخدمات وتدني جودتها، فإنّه ما يزال يلمع شعاع أمل في قطاع الاتصالات؛ إذ يشهد مؤشرات تعافٍ تدريجي تبشر بمستقبلٍ أفضل.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنّ الجهود المبذولة من قبل شركات الاتصالات والسلطات المختصة بدأت تُؤتي ثمارها عبر إصلاح العديد من الأضرار، وتحسين جودة الخدمات، وتوسيع نطاق التغطية حسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة.
أضرار الصراع
موقع (العربي الجديد) أوضح في تقريره أنّ قطاع الاتصالات في اليمن شهد تدهورًا متواصلًا منذ اندلاع النزاع، ممّا تسبب في تدني مستوى تقنية المعلومات إلى حدٍ كبير؛ إذ أحدث الصراع تراجعًا في الناتج الإجمالي الحقيقي للقطاع في المدّة من مطلع عام 2015م إلى بداية 2021م، وبلغ المتوسط السنوي ما يقارب (8,6%)، ما يدلُّ على أنّ ظروف النزاع تسببت في تراجع عائدات القطاع؛ الأمر الذي أثّر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ذلك، فقدَ القطاع فرص تطوير خدماته، وتقويتها، وزيادة انتشارها.
ووفقًا للتقرير الصادر في 2 نوفمبر 2022م تحت عنوان “تدهور قطاع الاتصالات في اليمن، وصراع طاحن للاستحواذ على الإنترنت” فإنّ أقدم شركة اتصالات خاصة للهاتف النقال (سبأ فون) تضررت بشكل بالغ بعد اندلاع الصراع، وتكبدت خسائر مالية كبيرة؛ نتيجة توقف خدمة الاتصال الدولية، وخدمة الاتصالات بين مستخدميها ومستخدمي شركات الاتصالات المحلية الأخرى، كما أعلنت شركة (MTN) انسحابها نهائيًا من البلاد في أواخر عام 2021م، نتيجة الظروف الاقتصادية التي أجبرت الشركة التي تعمل في كثير من البلدان على الانسحاب، فيما أعلنت شركة عمانية (YOU) الاستثمارية الاستحواذ عليها.
وأشار تقرير (عربي جديد) إلى أنّ قطاع الاتصالات في اليمن تعرّض إلى خسائر طائلة؛ نتيجة الدمار الذي خلفه الصراع في المنشآت الأساسية والبنية التحتية للإنترنت، كما تركزت الأضرار في الأصول المستخدمة للقطاع، وتقنية المعلومات هي الأخرى التي تضررت بشكل كلي؛ إذ تُشير التقديرات الأولية للأضرار -حسبما ذكرها التقرير- إلى أنّ عدد أبراج الاتصالات المتضرر نحو (248) برجًا، وما يقارب (1652) محطة اتّصال متضررة من الصراع الدائر في البلاد منذ مطلع عام 2015م، وكذا (46) منشأة وسنترالًا، بالإضافة إلى خسائر أخرى لم تُحصر ضمن التقديرات الأولية.
وفي ذات السياق كشفت وكالة الأنباء اليمنية سبأ (صنعاء) عن الخسائر المادية التي تعرض لها قطاع الاتّصالات خلال سنوات الصراع، إذ بلغت ما يقارب (11) مليار دولار أمريكي. وأكدت الوكالة في تقرير لها في مارس 2023م عن وزارة الاتصالات بصنعاء أنّ النزاع المسلح تسبّب بتدمير (1106) مُنشأة وبريد مدني، منها (706) منشأة دُمِّرت بشكل كلي، و(400) لحقت بها أضرار جزئية، فيما تسبب الصراع بإيقاف خدمات ما يزيد عن (862) منشأة وبريد، ونتج عنه عزل ما يفوق عن (114) قرية ومدينة عن العالم.
وبيّنَ التقرير الذي يحمل عنوان “وزارة الاتصالات تكشف عن خسائر قطاع وشركات الاتصالات والبريد في ثمانية أعوام” أنّ الأضرار التي لحقت بشركة (يمن موبايل) جراء النزاع المسلح، بلغت (141) موقعًا متضررًا في (19) محافظة؛ إذ بلغ إجمالي الخسائر المالية للشركة خلال الأعوام الثمانية الأولى من الصراع أكثر من (1,6) مليار دولار أمريكي. كلُّ هذه الأضرار الناجمة عن النزاع التي لحقت بقطاع الاتصالات تسببت بنتائج سلبية على جودة الخدمة وسرعتها.
وفي سياق متصل أوضح المهندس الميداني في شبكات الاتصالات عمر سميكان، أنّ هناك خسائر فادحة في مجال الاتصالات؛ نتيجة النزاع بين الأطراف المتناحرة في عدد من المحافظات اليمنية؛ إذ أدّى إلى تدمير العديد من مواقع شبكات الاتصالات وخطوط الإنترنت، بالإضافة إلى عدم استقدام معدات تساعد على تحسين شبكات قطاع الاتصالات؛ نتيجة المناكفات السياسية بين الأطراف، وأنّ العديد من المشتركين انقطعوا عن خدمة الإنترنت؛ بسبب عدم توفر كروت اتصالات بديلة؛ ممّا يُعد من الأضرار المباشرة التي تقع على المواطن قبل قطاع الاتصالات نفسه، كما أنها لا توجد بوادر لمعالجة كاملة لهذه التحديات.
وأضاف سميكان أن الصراع الذي اندلع مطلع عام 2015م أسهم بشكل كبير في تردّي قطاع الاتصالات وخدمة الإنترنت على وجه التحديد. كما أنّ اليمن تعاني من ضعف في جودة خدمة الإنترنت بسبب اشتراكها في مزود خطوط الإنترنت الخارجية، الذي يُعد الأسوأ في العالم، وأنّ بعض الأضرار التي لحقت بقطاع الاتّصالات جراء النزاع لم تُصلح حتى الآن، وهذا بطبيعة الحال، ومع التزايد السكاني في المناطق اليمنية، وارتفاع مستخدمي الاتصالات، وخدمات الإنترنت أحدث ضعفًا مضاعفًا على القطاع ومعاناة متفاقمة على المستخدمين.
ويقدّم المهندس عبدالله العمودي نظرة من الداخل حول تأثيرات الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن؛ إذ أوضح أنّ الصراع تسبب بشكل كبير بأضرار جسيمة للبنية التحتية للاتصالات وشبكات الهاتف المحمول والإنترنت؛ إذ دمّرت العديد من أبراج الاتصالات ومحطات البث وكابلات الألياف بشكل كلي وجزئي، وأدّت إلى تراجع خدمات الاتّصالات على غرار السنوات قبل الصراع، على الرغم من تحسن الخدمة نوعًا ما بعد إدخال الجيل الرابع في بعض المدن والمناطق اليمنية.
وأشار العمودي إلى أنّ شركات الاتصالات واجهت تحدياتٍ كبيرة منذ نشوب النزاعات المختلفة في مختلف المحافظات اليمنية؛ ممّا أثّر بشكل سلبي على العائدات والإيرادات. وعلاوة على ذلك، عجزت المؤسسة العامة للاتصالات عن توفير خدمات الاتصالات والإنترنت بشكل كافٍ وموثوق به للمجتمع؛ ممّا أدّى إلى تدني جودة الخدمات، وتراجع سرعة الإنترنت، الذي بدوره أثّر بشكلٍ سلبي على جميع القطاعات والأعمال التجارية والخدمية وغيرها؛ إذ أصبح قطاع الاتصالات اليوم شيئًا ضروريًا وحتميًا في الحياة، لا يمكن بغيابه إنجاز أغلب الأعمال والمعاملات.
تحديات الصراع على الاتصالات
تشير بعض التقارير الاقتصادية التي تركز على أهمية قطاع الاتصالات في اليمن إلى أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع في الوقت الراهن هي: عدم توصيل الكابلات البحرية في محافظتي عدن والحديدة، وإعاقة التنافس بين شركات الاتصالات وتأخير تطويرها، بالإضافة إلى استمرار الصراع الذي بدوره تسبب في تضرر البنية التحتية للاتصالات، ونقص في الموارد المالية.
وأضاف المهندس سميكان أنّ تحديات قطاع الاتصالات في اليمن كبيرة؛ تشمل عدم توصيل الكابلات البحرية في كلِّ من محافظتي عدن والحديدة، الذي أدّى إلى ضعف سرعة الإنترنت وانخفاض جودتها في جميع أنحاء اليمن، وعدم السماح بدخول مواد ومعدات حديثة ومتطورة مرتبطة بقطاع الاتصالات، الذي تسبب في تأخير عملية الصيانة لبعض المواقع وتحديثها، ممّا يُؤثر على جودة الخدمات، إضافة إلى ذلك استمرار الصراع أفقد شركات الاتصالات، سواء الحكومية أو الخاصة، التنافس في تقديم الأفضل، واستقطاب المستخدمين إليها؛ إذ إنّ النزاع وقف عائقًا أمام الشركات في تطوير خدماتها بالشكل المأمول.
وعدَّد المهندس العمودي بعض الصعوبات التي تسبب بها الصراع، لعلَّ أهمها: التضرر بشكل مباشر أو غير مباشر في شبكات الاتصالات والبنية التحتية لها تضررًا بالغًا؛ ممّا أدّى إلى تقليل نطاق التغطية، والتأثير السلبي على جودة الخدمات في كثير من المحافظات اليمنية، إن لم تكن كلها، وكذا النقص في الموارد المالية نتيجة لتراجع العائدات. يعدُّ ما سبق من أهم التحديات التي خلفتها النزاعات الدائرة في البلاد؛ ممّا تسبّب في صعوبة توفر السيولة المالية لتحسين البنية التحتية، وتوفير خدمات عالية الجودة، أو أفضل من الخدمة الموجودة.
وأضاف العمودي أنّ من ضمن التحديات والصعوبات ضعف توفر دورات تدريبية وتأهيلية لموظفي قطاع الاتصالات، وبالأخص الموظفون المستجدّون في العمل، والرفع من قدراتهم التأهيلية ضمن المعايير المتطورة والحديثة لتحسين جودة العمل والكفاءة، بالإضافة إلى تدنٍ واضح في تقديم الخدمات للمشتركين، وعدم مواكبة التطورات الحديثة والتحديثات الجديدة، وعدم توفر التأهيل المناسب للكادر الوظيفي في ظل التطور المتسارع، الذي يشهده عالم التكنولوجية اليوم؛ إذ تعدُّ هذه الأضرار مرحلية ويمكن تجاوزها، والتركيز عليها في الوقت الحاضر مهم نظرًا لأهمية القطاع.
التوصيات
إنّ وقف الصراع والتوصّل إلى حلٍ سياسي يعدُّ خطوة أساسية لإعادة إعمار البنية التحتية للاتصالات، وتحسين الخدمات، والعمل على توفير التمويل اللازم من قبل الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية؛ لتحسين البنية التحتية، وتطوير الخدمات، والإسراع في توفير مواد الاتصالات ومعداته، وتسهيل دخولها إلى البلاد، والتركيز على تدريب موظفي القطاع وتأهيلهم؛ لرفع كفاءة العمل، وتحسين جودة الخدمات، ومواكبة التطورات الحديثة التي تلبي احتياجات المواطنين.
وأشار المهندس عمر سميكان إلى أنّ من ضمن التوصيات التي يتطلب العمل عليها في الوقت الحالي؛ ليتمكن قطاع الاتصالات من تحسين أدائه، والتغلب على بعض التحديات والأضرار التي خلفها الصراع، وتجنيب القطاع المناكفات السياسية، واستبعاده من المشهد السياسي، وجعله مستقلًّا؛ ليتمكن من دوره الخدمي، والسماح بدخول كل المعدات اللازمة التي تحتاجها مؤسسة الاتصالات، واستيرادها بكل يسر دون عرقلتها على حدّ تعبيره.
وأكد أنّ ربط الكيبلات البحرية في كل من عدن والحديدة سيحسن خدمة الإنترنت ويرفع من جودتها، وإذا نُفِّذت تلك المقترحات والتوصيات فمن الطبيعي جدًّا أن يشهد القطاع نقلة نوعية على الأصعدة كافّة.
هذا وتطرق المهندس عبد الله العمودي إلى سرد بعض المقترحات لتخفيف الأضرار التي خلفتها النزاعات بين الأطراف في اليمن، أبرزها: توفير التمويل اللازم من قبل الجهات المانحة والمنظمات الدولية لترميم الأضرار، وتحسين جودة البنية التحتية، التي تضررت كلّيًّا وجزئيًّا من الصراع؛ لكون قطاع الاتصالات من المرافق المهمة للمجتمع اليمني، ويدخل في إطار تحسين جودة الحياة لليمنيين، أيضًا استمرارية صيانة مرافق القطاع؛ كالأبراج، والسنترال، ومحطات البث، وتجديد كابلات الألياف.
وأضاف: “يتطلب دعم شركات الاتصالات؛ لتعزيز قدرتها على توفير خدمات عالية الجودة، وتحسين البنية التحتية، وإفساح المجال أمام الشركات الخاصة لخلق بيئة تنافسية بعيدًا عن الوضع السياسي والاستثنائي الذي تمر به البلد، وكذا توفير فرص تدريب وتأهيل في التقنيات المتطورة والحديثة، التي تسهم في تعزيز قدرات منتسبي قطاع الاتصالات الحكومية أو الخاصة، والرفع من المهارات والكفاءة لديهم في تقديم الخدمات للمشتركين بكفاءة وإمكانية عالية”.
وتابع العمودي تصريحه: “من الحلول والمقترحات أيضًا لتخطي العوائق التي تسبّبت بها النزاعات في اليمن: العمل على توفير شبكات بديلة، مثل الأقمار الصناعية؛ لتعويض التأثيرات الناجمة على البنية التحتية الرئيسية، كما أنّه من الصعب أن يحدث في الوقت الحاضر إلا بتضافر الجميع، والعمل على تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع الاتصالات، لما من شأنه تقديم خدمات متقدمة وموثوقة للمستخدمين.
ختامًا، وفي ضوء هذه الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن على جميع الأصعدة، ومنها قطاع الاتصالات، الذي يعدُّ عصب الحياة وشريانها المحرك، يتطلب من الجهات المسؤولة اتّخاذ حزمة من الإجراءات؛ لتعزيز قدرات الاتصالات والرفع من جودتها؛ لتتمكن من تخطي التحديات التي ألقت بظلالها النزاعات المسلحة منذ نحو تسع سنوات على القطاع؛ إذ تعد الاتصالات ركيزة مهمة في بناء مستقبل اليمن وجسرًا آمنًا نحو التقدم والازدهار.
74.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن ضعف البنية التحتية من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد قطاع الاتصالات واحدًا من أهم القطاعات الحيوية التي تسه…