تداعيات الصراع على قطاع الاتصالات تهدد شريان الحياة
صوت الأمل – هبة محمد
في خضم الصراع المشتعل في اليمن منذ سنوات، يُواجه قطاع الاتصالات أزمةً خطيرة تُهدد بقطع شريان الحياة الوحيد للتواصل والتنمية عن ملايين اليمنيين؛ إذ تُعد الاتصالات أحد القطاعات الحيوية في الدولة، الذي تعرض خلال التسع السنوات الأخيرة لأضرار كارثية وخسائر مادية كبيرة. وقد أشار تقرير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى أن تكلفة الأضرار والخسائر المادية التي تكبدها قطاع الاتصالات والبريد خلال فترة الصراع في اليمن حتى شهر مارس 2020م قد بلغت نحو 4.1 مليار دولار.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على آثار الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن، وكيف تأثرت البنية التحتية للاتصالات وخدمات الاتصال، مع التركيز على الأضرار والتحديات التي تواجهها البلاد في هذا الصدد؛ إذ يُواجه قطاع الاتصالات في اليمن مستقبلًا غامضًا، فاستمرار الصراع يُهدد بانهيار القطاع بشكل كامل.
البنية التحتية لقطاع الاتصالات
منذ بداية الصراع، تعرضت البنية التحتية للاتصالات في اليمن لأضرار جسيمة؛ فقد اُستهدفت المحطات والأبراج الضوئية والكابلات، مما أدى إلى انقطاع الخدمات فتدنت جودتها. هذه الهجمات المستمرة ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية للاتصالات، وتسببت في ضعف خدمات الاتصال وتعطلها وانعدامها في عدة مناطق من البلاد.
وأشار التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن، في مرحلته الثالثة (DNA) 2020 والصادر عن البنك الدولي، إلى أن نحو 25% من الأصول المستخدمة في قطاع الاتصالات في اليمن قد تضررت جزئيًّا أو دُمرت منذ بداية الصراع في 2015. ومن المحتمل أن يكون تقدير الأضرار أقل من الواقع؛ لصعوبة حصرها بسبب استمرار الاضطرابات الأمنية في معظم المناطق.
وذكر التقييم الدولي أيضًا أن محافظات الحديدة وصعدة كانتا أكثر المحافظات اليمنية تضررًا في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات مقارنة ببقية المحافظات الأخرى التي تعاني كذلك من اضطرابات ونزاعات. وقد بلغت نسبة الدمار في تلك المحافظتين إلى أكثر من 75% من أصول شبكة الهاتف النقال.
إن أهم أسباب تلك الخسائر والأضرار -بحسب التقييم- هو عدم توفر الوقود، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، والانقسامات المؤسسية، والسياسات والمطالب المالية المختلفة من قِبَل كل من صنعاء وعدن، إلى جانب مصادرة الأصول، والابتزاز الذي تمارسه بعض أطراف الصراع، ليصل الأمر بإحدى الشركات العاملة في قطاع الاتصالات إلى إعلان إفلاسها في وقتٍ سابق من عام 2020، لتعود إلى العمل باستخدام تقنية الجيل الرابع (G4) من محافظة عدن.
ويرى عاملون في شركة الاتصالات أن شركات قطاع الاتصالات الخاصة المزوِّدة لخدمة الهاتف النقال تكبدت خسائرَ مالية جراء شحة المشتقات النفطية التي تحتاجها الشركات لتشغيل مولداتها وأجهزتها في المركز الرئيسية والفروع، بما تتضمنه من تجهيزات ورسيفرات ومعدات. إلى جانب حاجتها للوقود لتشغيل محطات الإرسال في مناطق مختلفة نتيجة لانقطاع الكهرباء العمومية باستمرار.
وخلال الفترة ما بين يناير ومارس من عام 2020، عانت اليمن من انقطاع كبير في خدمة الإنترنت نتيجة لتعرض الكابل البحري الرئيسي المارّ بقناة السويس للانقطاع، مما أحدث شللًا في المعاملات التجارية والحوالات المالية الداخلية والخارجية والوظائف والأعمال الرسمية من جميع أنحاء اليمن.
وبحسب مختصين في مجال تقنية المعلومات فإن من التحديات، التي يواجهها عمل قطاع الاتصالات في اليمن المتأثر بشكل كبير بالصراع، التداخلَ بين الأدوار السياسية في العملية التنظيمية والتشغيلية داخل القطاع، خاصة فيما يتعلق بخدمة الاتصال والإنترنت؛ مما أوجدَ احتكارًا مطلقًا في سوق الإنترنت على مستوى الجمهورية، وارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة والعالم. بالإضافة إلى صعوبة وصول فرق الصيانة التابعة لقطاع الاتصالات إلى عدد من المحافظات والمديريات لإصلاح الكابلات الخاصة بالإنترنت وأبراج الاتصالات والشبكات التي يمكن أن تكون متهالكة نتيجة استمرار الصراع في تلك المناطق؛ الأمر الذي ينتج عنه ضعف في الخدمة.
خسائر مادية أولية
كشفت وزارة الاتصالات في صنعاء، في 2023، عن الخسائر المادية الأولية التي تكبدها قطاع الاتصالات وشركاته والبريد جراء استمرار الصراع. بلغت الخسائر أكثر من عشرة مليارات و925 مليون دولار، أي ما يعادل أكثر من ستة تريليون و550 مليون ريال يمني.
وأوضح البيان الصادر عن الوزارة دمار ما يقارب 706 منشأة دمارًا كليًا، فيما لحق الضرر بنحو 400 منشأة مدنية. كما تسبب الصراع في إيقاف خدمات أكثر من 862 منشأة وبريدًا، ما أسفر عنه عزل أكثر من 114 قرية ومدينة يمنية عن العالم، وتسبب الصراع في إغلاق الموانئ الجوية البحرية والبرية أمام خدمات البريد؛ إذ لم تصل إلى اليمن رسالة واحدة منذ العام 2016.
كما أوضح المدير العام التنفيذي للمؤسسة العامة الاتصالات، المهندس صادق مصلح، أن خسائر المؤسسة بلغت ملياري دولار، وأن الآثار الكارثية على المجتمع المدني جراء ذلك تمثلت في عدم الاستفادة من خدمات الاتصالات والإنترنت، وحرمان أكثر من مليون ومائتين وواحد وسبعين ألفًا من خدمات الاتصالات والإنترنت في عدد كبير من المحافظات اليمنية.
وأشار مدير الهيئة العامة للبريد عمَّار وهَّان، أيضاً، إلى أن الهيئة تعرضت لدمار 27 منشأة بريدية بشكل مباشر، و20 منشأة تعرضت لأضرار جسيمة وجزئية بخسائر بلغت أكثر من 609 ملايين و757 ألف دولار.
وتطرق الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات اليمنية الدولية (تيليمن)، الدكتور علي ناجي نصاري، إلى الخسائر التي تعرضت لها الشركة، أبرزها تعرُّضُ مبنى البوابة الدولية للإنترنت للدَّمار في محافظة الحديدة جراء تأثير الصراع على المحافظة، واستهداف مبنى الشركة في صنعاء ودماره كليًا.
تمتلك شركة (تيليمن)، التي تعمل منذ عام 1996 عبر مزوِّدٍ وحيد (الشركة اليمنية للاتصالات الدولية)، البوابةَ الرقمية للاتصالات الدولية والإنترنت في اليمن، من خلال الوصول إلى الشبكة الدولية عبر الكابلات الأرضية والبحرية، وبواسطتها ترتبط اليمن بأربعة مسارات برية، وثلاثة مسارات بحرية، ضمن مشروع “التراسل الرقمي”؛ لربط اليمن بمحيطها الإقليمي والدولي.
ونتيجة للصراع القائم في اليمن، فقد أصبحت تعتمد على ثلاث مسارات فقط، تشمل منفذ الوديعة في محافظة حضرموت، ومنفذ الغيضة المنفذ البحري المرتبط بالكابل البحري الدولي “فالكون” مُغذِّيًا اليمن بالجزء الأكبر من السعات الدولية للإنترنت، بالإضافة إلى المسار الثالث منفذ عدن الذي يرتبط بكابلين من الألياف الضوئية. فيما وصل عدد المستخدمين للإنترنت في اليمن خلال السنوات الماضية إلى أكثر من 7.2 مليون مستخدم وذلك في نهاية 2019، مقارنة بنحو 3.2 مليون مستخدم في 2014.
فيما أفاد رئيس مجلس إدارة شركة يمن موبايل، عصام الحملي، أن الشركة عملت على إعادة تأهيل 98 موقعًا؛ منها 40 موقعًا أعُيد تأهيله للمرة الثانية. وبلغت إجمالي خسائر الشركة خلال سنوات الصراع 1,681,421,000 دولار إلى استمرار تقديم خدمات الشركة، من خلال انتقالها للجيل الرابع (4G) وتوسيع التجهيزات المركزية لسنترالات التحكم ووحداته.
خدمات إنترنت ضئيلة
تعاني اليمن من قلة حجم الإنترنت الدولي؛ إذ يصل إلى 130 جيجابايت فقط، وتعد نسبة ضئيلةً جدًا مقارنة بحجم الإنترنت في دول العالم. إن الوضع الراهن لخدمة الإنترنت في اليمن تسبب في مشاكل حقيقية لمستخدميه في العالم، وأصبح الوصول إلى الشبكة معقدًا ومعاناة مستمرة.
وبحسب تقرير صادر عن معهد واشنطن في مارس 2022، تتصدر اليمن قائمة الدول ذات الأقل تصنيفات للاتصالات العالمية، وهذا يعني أن عُرض النطاق الترددي المنخفض وزمن انتقال المرتفعات، بالإضافة إلى تكلفة الاتصال الشبكي، هي من الأعلى على مستوى العالم.
ونظرًا لافتقار اليمن إلى نقاط تبادل الإنترنت ومراكز بيانات لمعالجة الطلبات محليًا، فقد أوضح التقرير أنه يتوجب توجيه حركة الإنترنت تقريبًا بشكل كامل عن طريق النظم الدولية؛ الأمر الذي يعني أن اليمنيين الذين يصلون إلى موقع مثل (يوتيوب) يجلبون البيانات من الولايات المتحدة عوضًا عن الخوادم المحلية، مما يؤدي إلى إبطاء سرعة الاتصال بشكل كبير.
لذلك فإن الاعتماد على توجيه حركة المرور عبر شبكة الإنترنت الدولية يزيد الضغط على النطاق الترددي الدولي المحدود الذي يقل عن عُشر المتوسط العالمي للفرد، وكل ذلك أسهم في تدني سرعة الإنترنت الثابت في اليمن إلى مستوى أقل ليُصبحَ ضمن الأسوأ في العالم، بمتوسط سرعة 2.76 ميجابت في الثانية، وبترتيب 178 عالميًا، وفقًا لتطبيق اختبار السرعة.
تفيد بعض التقارير الاقتصادية أنه رغم كل التحديات التي يمر بها قطاع الاتصالات في اليمن، فإن شركات الاتصالات في اليمن استطاعت أن تعوض بعضًا من خسائرها عبر تقديم خدمات مختلفة تحافظ بها على حجم المستهلكين، وأن هناك عملًا مستمرًا في تطوير البنية التنظيمية والمؤسسية للقطاع بما يتناسب مع المعايير الدولية الحديثة في مجال تقنية المعلومات، والتشجيع على المنافسة في السوق المحلي.
74.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن ضعف البنية التحتية من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد قطاع الاتصالات واحدًا من أهم القطاعات الحيوية التي تسه…