الاتصالات في اليمن؛ ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني تحتاج إلى تطوير
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تُعدُّ الاتصالات أحدَ أهمِّ القطاعات الحيوية والأساسية لدعم التنمية الاقتصادية في العالم، فهي تشكل عمودًا فقريًّا للتجارة والاقتصاد العالمي، ولم يعد ينظر لقطاع الاتصالات كخدمة مقدّمة للسكان فقط، بل أصبح يُعتمد عليه كرافد أساسي للاقتصاد الوطني، بعد قطاعات النفط والسياحة في العديد من البلدان، بما في ذلك اليمن، وعلاوة على ذلك، فهو يعزز عملية التجارة العالمية والتبادل التجاري، ويزيد من أهميتها استهلاك الدخل المالي المباشر من المستهلكين، وخدمات الإنترنت التي تُعدّ ثروة حقيقية للنمو الاقتصادي في البلد.
وحول واقع قطاع الاتصالات في اليمن؛ يوجد أربع شركات اتصالات لخدمات الهاتف النقال؛ شركة يمن موبايل (حكومية)، وشركة سبأ فون (خاصة)، وشركة يو اليمنية العمانية المتحدة mtn)) سابقًا (خاصة)، وشركة واي (خاصة)؛ إذ تُعدُّ هذه الشركات محرّكًا جوهريًّا لتنمية اليمن على الأصعدة كافة، سواء الاقتصادية أو المعلوماتية أو الخدماتية وغيرها.
ولمعرفة الأدوار التي يلعبها قطاع الاتصالات في اليمن لتعزيز التنمية الاقتصادية في اليمن، ومعرفة الرافد الذي يقدّمه القطاع للخزينة العامة، يتطلب منّا خلال التقرير التركيز على أهمية الاتصالات وفقًا لدراسات مختصين في مجال الاقتصاد.
أهمية قطاع الاتصالات
يعدُّ قطاع الاتصالات في اليمن ذا أهمية اقتصادية في البلد، إذ إنه يُسهم في دعم التجارة العالمية والتبادل التجاري، عبر تسهل الاتصالات والتواصل بين الشركات والمستهلكين، ويعزز من فرص التجارة الإلكترونية، ممّا يُسهم في زيادة حجم التجارة العالمية والتبادل التجاري، كما يُوفر قطاع الاتصالات فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، من خلال شركات الاتصالات والشركات المرتبطة بها، مثل شركات تكنولوجيا المعلومات.
كما تأتي أهمية قطاع الاتصالات في تعزيز الشمول المالي، عبر توسيع نطاق الخدمات المالية، من خلال توفير خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول والمصارف الإلكترونية، ودعم التنمية في مختلف القطاعات، مثل التعليم، والصحة، والزراعة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة في هذه القطاعات.
رفد الخزينة العامة
أشار تقرير لمواقع (IGC) وهو مركز تنموي دولي ومقره بريطانيا، إلى أنّ قطاع الاتصالات في اليمن يُعدّ أحد أهمّ الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني؛ إذ بلغ متوسط إسهام القطاع ما بين عامي (2025 – 2018م) في الناتج الاقتصادي (7 %)، بالإضافة إلى توفير أعداد كبيرة من الوظائف، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يُحسن من الخزينة العامة للمالية.
ووفقًا للتقرير الصادر في أغسطس 2023م بعنوان “إصلاح قطاع الاتصالات في اليمن”، أنّ قطاع الاتصالات باليمن له أهميته الاقتصادية الكبرى، إلا أنّه يختلف عن الدول الإقليمية والعالمية من ناحية الجودة والتكاليف المادية، الذي تُعدُّ باهضة التكاليف، إضافة إلى ذلك فإنّ سرعة خدمة الإنترنت الذي يعدُّ الرافد الأكبر للخزينة العامة من قطاع الاتصالات – الأسوأُ على مستوى العالم، وأنّ تكلفة إنترنت الهاتف المحمول يكلف (10 %) من دخل الفرد الشهري، وذلك يفوق هدف الأمم المتحدة بكثير عن التكلفة المحددة البالغة (2 %) من دخل الفرد الشهري. حسب التقرير.
إلى ذلك ذكر البنك الدولي في تقرير تحت عنوان: “تقرير المرصد الاقتصادي لليمن يبرز التحديات المستمرة، وتجدد الأمل في مستقبل أفضل” الصادر في أكتوبر 2022م، أنّ اليمن خلال هذا العام حقّق نموًا اقتصاديًّا بلغ نحو (1,5 %)، على عكس عامي 2020 و 2021م، اللذينِ شهدت البلاد فيهما ركودًا اقتصاديًّا.
وأكد التقرير الأممي، أنّ هذا التحسن في النمو جاء بفضل القطاعات غير النفطية التي يعد قطاع الاتصالات أبرزها، إلا أنّ ذلك النمو قد يتراجع في الأعوام القادمة لعدة عوامل؛ منها: انخفاض الإيرادات الجمركية، وانهيار العملة المحلية، وتضخم أسعار المستهلكين.
وفي إحصائية أشار إليها رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت والخبير الاقتصادي، الدكتور محمد الكسادي، أنّ الإيرادات المالية لقطاع الاتصالات في عام 2021م، وصلت إلى (190) مليار ريال (العملة اليمنية القديمة المتداول بها في صنعاء) في حين بلغت الإيرادات خلال عام 2022م (220) مليار ريال يمني، بزيادة (30) مليار ريال عن العام السابق، الأمر الذي يُعطي مؤشرًا أنّ قطاع الاتصالات في نمو مستمر وتعافٍ، على عكس القطاعات الحيوية الأخرى، التي تأثرت بفعل النزاع بين الأطراف المتناحرة، كقطاع النفط، الذي يُعدُّ الركيزة الأساسية التي يعتمد عليه اليمن في الاقتصاد.
وبيّن الكسادي، أنّ الضريبة من الاتصالات التي دخلت الخزينة العامة للدولة في صنعاء خلال عام 2022م نحو (44) مليار ريال يمني، موكدًا أنّ قطاع الاتصالات في نفس العام يمثّل ما يقارب (10 %) من الإنتاج المحلي للدولة، الأمر الذي يثبت أنّ الاتصالات ستُسهم برفد الخزينة العامة بمبالغ كبيرة، إذا عمدت الدولة اليمنية على معالجة شاملة في القطاع وتحسين خدماته، مما سيُعزز مستقبلًا من الاقتصاد الوطني اليمني، على غرار باقي دول المنطقة والعالم التي تعتمد بصورة رئيسية على تطوير قطاع الاتصالات والمعلومات، ومواكبة المعايير الحديثة كرافد أساسي للاقتصاد الوطني.
وفي هذا الصدد أوضح رئيس قسم النظم المعلوماتية بجامعة حضرموت الدكتور واثق كعويلة، أهمية قطاع الاتصالات كعصب الحياة في معظم الدول حول العالم، بما في ذلك اليمن، واستمراره في رفد الخزينة العامة للدولة بإيرادات مالية، في ظل الظروف الراهنة، وتوقف بعض القطاعات الحيوية كالسياحة والنفط وغيرها، ومن المتوقع أن يزداد الاعتماد على الاتصالات والإنترنت في المستقبل؛ ممّا سيُؤدي إلى زيادة الموارد المالية للقطاع، وبالتالي زيادة إسهامه في تحسين الاقتصاد الوطني.
لقد أصبح قطاع الاتصالات من القطاعات القليلة التي ما زالت تنشط في ظل الوضع السياسي والنزاع المسلح، مما يُسهم في تعويض توقف بعض القطاعات الأخرى.
من هذا المنطلق يُضيف كعويلة لـ “صحيفة صوت الأمل”، أنّ قطاع الاتصالات، الذي يعدُّ الركيزة الثالثة للاقتصاد الوطني، بعد قطاعي النفط والسياحة، ما زال يعمل بوتيرة مؤثرة نتيجة الظروف غير المستقرة؛ الأمر الذي يُسهم في تعزيز الخزينة العامة، رغم ظروف الصراع؛ إذ إنّ شركات الاتصالات، خاصة الشركات الخاصة، تعمل على تعزيز الخزينة العامة من خلال دفع الضرائب والزكاة والرسوم، كما يساعد قطاع الاتصالات في توفير فرص العمل والحدّ من البطالة، ممّا يُعد إسهامًا كبيرًا في تحقيق النمو الاقتصادي.
من جانبه أكد هشام بايعشوت، مدير الإدارة المالية بالمؤسسة العامة للاتصالات، فرع محافظة حضرموت، على أهمية قطاع الاتصالات للاقتصاد الوطني، حتى وإن لم تكن عوائده المالية تصل إلى مستوى قطاعات أخرى، مثل النفط والغاز والزراعة والأسماك والثروة الحيوانية، فإنّ خدمات الاتصالات تمثل أهمية عالية جدًّا للاقتصاد الوطني إلى جانب عوائدها التي تعدّ جيدة، وتُعدُّ عوائد قطاع الاتصالات مستدامة؛ إذ لا تتأثر بالعوامل الخارجية مثل الصراع و(كوفيد 19)، على عكس بعض القطاعات الأخرى. إضافة إلى ذلك أنّ قطاع الاتصالات يُعدُّ عصب القطاعات والمؤسسات الاقتصادية الرسمية أو الخاصة؛ كونه يمكّنها من ممارسة أنشطتها، ونقل البيانات بعضها مع بعض.
وأضاف بايعشوت، أنّ أهمية قطاع الاتصالات لا تقتصر على رفد الخزينة العامة للدولة، بل تمتدّ إلى مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ يُعدّ قطاع الاتصالات ضروريًّا للقطاعات الحيوية، مثل البنوك، والصرافين، والشركات التجارية، والنفطية، كذلك تستند إليه جميع المؤسسات الخدمية، وغيرها، مثل: المستشفيات، والمؤسسات التعليمية، والجامعات، ومختلف مؤسسات الدولة، والبعثات الدبلوماسية والدولية، فلا تكاد توجد مؤسسة أو شركة أو جهة حكومية إلا وتستخدم خدمات الاتصالات، التي بدورها ترفد الاقتصاد الوطني والخزينة العامة بإيرادات كبيرة في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يعاني منه اليمن خلال السنوات الماضية؛ بسبب الصراع والتناحر السياسي بين الأطراف، ممّا أسهم في تخفيف وطأة الأزمة على المواطنين.
دور مؤسسات الاتصالات في التنمية الاقتصادية
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الكسادي، أشار أنّ الدور الذي تلعبه مؤسسات الاتصالات في رفد التنمية الاقتصادية يُعدّ كبيرًا ومهمًّا، ولا يمكن في الوقت الحاضر أن يعمل أيٌّ من القطاعات الأخرى من غير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، لهذا لا يمكن الاستغناء عنه بأيِّ شكل من الأشكال في ظل الثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم في مختلف المجالات والقطاعات؛ إذ إنّ قطاع الاتصالات أصبح جزءًا مهمًّا في الحياة العامة، لهذا، ومع الإقبال الكبير عليه، يستطيع أن يلعب دورًا بارزًا في التنمية الاقتصادية للبلاد، حتى مع الانكماش الذي تشهده القطاعات الأخرى.
وأشار الكسادي، إلى أنّ عدد المشتركين في شركة (يمن موبايل) حتى نهاية عام 2022م أكثر من 10 ملايين مشترك، بالإضافة إلى أنّ الشركة أطلقت فئة رقمية جديدة تبدأ بالرقم 87، لمواكبة الاقبال الكبير للخدمات، بالإضافة الى عدد كبير من المشتركين في الشركات الأخرى.
وأضاف، أنّ هناك نحو (13) مليون مشترك في خدمة الإنترنت، وأيضًا حتى نهاية العام ذاته وصل عدد المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي ما يفوق (3,5) ملايين مشترك، وأنّ عامل الأمية الرقمية في اليمن كان له الدور الأبرز في ضعف نسبة المشتركين، وإلّا كان من الممكن أن تفوق الإيرادات في القطاع أرقام أكثر بكثير، وذات فعالية واضحة على التنمية الاقتصادية بالبلاد، ولكن من المتوقع خلال السنوات القادمة أن نشهد تزايدًا في عدد المشتركين؛ نتيجة لأهمية الخدمة، وتداخلها في كل القطاعات تقريبًا.
وأوضح الدكتور واثق كعويلة، أنّ قطاع الاتصالات يلعب دورًا مهمًّا في التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل التراجع الاقتصادي الذي يشهده اليمن خلال العقدين الماضيين، ولكن لا يمكن الاعتماد بدرجة أساسية على الاتصالات اقتصاديًّا، خاصة مع تراجع القطاعات الأخرى، فلا يزال قطاع الاتصالات في اليمن يعاني من الهشاشة الخدمية، مقارنة بدول الجوار، ومن الصعب أن يعتمد عليه في تعزيز التنمية الاقتصادية بالشكل المأمول، خصوصًا مع الانتكاسة الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد اليمني نتيجة الصراع؛ إذ تفتقر اليمن إلى الاستثمارات التكنولوجية وعالم الابتكار في قطاع الاتصالات.
وواصل الدكتور واثق، أنّه مع استمرار الصراع وتبعاته، ما زال قطاع الاتصالات يوفر كثيرًا من الوظائف المباشرة وغير المباشرة؛ ممّا يخلق تنمية اقتصادية على مستوى الأفراد والأُسر، علاوة على ذلك، فإنّ خدمة الإنترنت تُسهم بشكل كبير في خلق فرص للشباب، وتتيح لفتح مشاريع تجارية كثيرة (متوسطة وصغيرة)، وتقلّل من الفجوة الاقتصادية الناتجة عن مواصلة الصراعات في العديد من المحافظات اليمنية، وآثارها السلبية على الشعب اليمني اقتصاديًّا واجتماعيًّا، بالإضافة إلى ذلك ساعد قطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت في فتح آفاق أوسع وأشمل أمام القطاعات الأخرى بتوسعة مشاريعها، رغم الإمكانيات البسيطة، الأمر الذي يُعدُّ من الأدوار المهمة التي تلعبها الاتّصالات في التنمية الاقتصادية.
الازدهار والاستدامة المالية
وفي هذا الإطار أشار هشام بايعشوت، إلى أنّ أهمية خدمات الاتصالات وأثرها على الاقتصاد الوطني ظهر بشكل واضح ومؤثر في بداية العام 2022م، عندما توقفت خدمات الاتصالات لمُدّة أربعة أيّام، نتيجة تعرض البوابة الدولية للإنترنت في مدينة الحديدة غرب البلاد للانقطاع؛ إذ أدّى ذلك إلى شللٍ تامٍّ في مختلف المؤسسات والشركات والمؤسسات الحكومية، وكان اليمن في شبه عزلة عن العالم. منوهًا إلى أنّ قطاع الاتصالات ليس فقط قطاعًا اقتصاديًّا يدعم الخزينة العامة، بل يدخل في جميع جوانب الحياة، ولا يمكن الاستغناء عنه في المجتمع.
كما أوضح مدير الإدارة المالية بالمؤسسة العامة للاتصالات فرع حضرموت بايعشوت، أهمية مواصلة العمل بتضافر الجميع في إيجاد خدمات الاتصالات وبجودة عالية، وتوافرها في مختلف مناطق الجمهورية، لاستمرار المؤسسات الاقتصادية والخدمية من مواصلة تقديم خدماتها وأنشطتها للمجتمع داخل الدولة وخارجها، وما يعود على تلك المؤسسات بالعوائد المالية، التي تُسهم في رفد الاقتصاد الوطني، وزيادة الناتج القومي للدولة، كما يمكن أنْ نؤكّد أنّ للمؤسسة العامة للاتصالات دورًا كبيرًا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في التنمية الاقتصادية، وتقديم عجلتها نحو الازدهار والاستدامة المالية.
هنا يمكن القول، عندما يكون هناك تضافر من الجميع لتطوير شامل في قطاع الاتصالات، وتعزيز البنية التحتية، وتوفير خدمات متقدّمة، وتوسيع شبكات الاتصالات لتشمل جميع الأراضي اليمنية، وتحسين الاستثمارات التكنولوجية وعالم الابتكار في القطاع، سنجد تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة للبلد، وتزايد في نسب عملية رفد الميزانية العامة بصورة أعلى، كما سيخلق فرص عمل تساعد في التقليل من مستوى البطالة والفقر، وسيعزّز من الثقافة الرقمية، وبناء اقتصاد أكثر استدامة.
74.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن ضعف البنية التحتية من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الاتصالات في اليمن
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد قطاع الاتصالات واحدًا من أهم القطاعات الحيوية التي تسه…