الصراع يدفع باليمنيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
في العام 2015، بدأ الصراع في اليمن، وتوسع مع مرور السنوات إلى مناطق كثيرة، منها محافظة الحديدة الواقعة في الجزء الغربي من البلاد، وهو ما تسبب في إحداث أضرار كبيرة على المباني الخدمية والمؤسسات وغيرها من المنشآت، منها ما توقف كليًا وأخرى تضررت بشكل جزئي، وفي الحالين تم تسريح العشرات من الأيدي العاملة منها.
الكثير من هؤلاء اتجهوا إلى البحث عن فرص عمل دون فائدة؛ فكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة الأمثل ليلجؤوا إليها، إمَّا للترويح عن النفس أو البحث عن فرص تساعدهم في الاستفادة من أوقاتهم مثل الحصول على دورات وورش تدريبية أو لإظهار إبداعاتهم في مجالات مختلفة (كصانعي محتوى) أو بالبحث عن وظائف تنشر إلكترونيًا في مجالات عديدة.
منذ سنوات تخرجت رندة ياسين من جامعة الحديدة كلية التجارة والاقتصاد قسم إدارة الأعمال واستطاعت أن تخرج جميع وثائقها لتبدأ رحلة البحث عن عمل في المؤسسات والمراكز الخدمية في المدينة، واستمر البحث لأشهر طويلة دون فائدة.
قررت رندة اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن عمل، ونجحت في الحصول على وظيفة في مجال تسويق المنتجات النسائية -البخور والعطور والإكسسوارات- وأصبحت من خلال تلك المهمة موجودة لساعات طويلة في العديد من منصات التواصل، خاصة الواتساب، بعدما كانت غائبة تمامًا عن جميع تطبيقات الإنترنت.
تقول رندة: “كنت غير مهتمة بوسائل التواصل الاجتماعي قبل الصراع، وبعد أن عملت في مجال التسويق الإلكتروني صرت موجودة في أوقات كثيرة، سواء للعمل أو للترويح عن النفس، ومتابعة البرامج والأخبار والفيديوهات التعليمية في جوانب عدة”.
وتضيف: “لم أكن مهتمة بهذا العالم، ولم أدرك أن هناك الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعلك مطلعًا على كل جديد وكذلك على اتصال بالكثير من الأشخاص عبر تطبيقات مختلفة، وحتى بعد أن توقفت عن العمل لم أستطع مغادرة الواتساب والفيسبوك، الذي بات مجالاً للترويح عن النفس بالنسبة لي ووسيلة للتواصل مع الآخرين”.
نسب المستخدمين
ظروف الصراع التي تشهدها البلاد دفعت بالكثير من المواطنين إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي. وقد أكدت وسائل إعلامية ارتفاع نسبة مستخدمي هذه المنصات وغيرها في اليمن خلال سنوات الصراع؛ فقد أصبحت مساحتهم المفضلة للتعبير عن آرائهم والمطالبة بالحقوق والبحث عن الأخبار والمعلومات، أو من أجل الترفيه والتواصل مع الآخرين وغيرها من الدوافع.
وبينت دراسة صادرة عن مؤسسة “منصة للإعلام والدراسات التنموية”، تحت عنوان “تأثير منصات التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام في اليمن” ونشرت في ديسمبر من العام 2017، أن أكثر وسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا هي الفيسبوك بنسبة 98% من اهتمامات اليمنيين بهذه الوسائل، وفقًا لعدد المشاركين الذين استهدفتهم الدراسة.
وقالت الدراسة إن منصة الفيسبوك تعد الوسيلة الأولى من حيث المتابعة من قبل الجمهور وتفضيلهم لها من بين المنصات الأخرى. وأرجعت سبب ذلك إلى أن الفيسبوك أصبح وسيلة اليمنيين للنقاش والتحاور بالإضافة إلى أنه وسيلة للتعبير عن الآراء والمواقف والتفاعل مع مواقف الآخرين، وتكوين العلاقات بين الأفراد، إلى جانب اهتمامها بشخصية الفرد.
ويأتي الواتساب في المرتبة الثانية بعد الفيسبوك من حيث اهتمام اليمنيين واستخداماتهم لوسائل التواصل الاجتماعي مشكلًا نسبة 92%، وأوضحت الدراسة أن سبب اهتمام اليمنيين به هو إتاحته مساحة حوارية كبيرة مقابل تخفيف تكاليف الاتصال، بعكس التواصل الهاتفي الذي يتطلب مبالغَ كبيرة. وأن الواتساب سهل لكثير من اليمنيين تكوين علاقات واسعة وصداقات، بالإضافة إلى سهولة الحصول على المعلومات والأخبار وتبادل الآراء.
ومن أسباب تفضيل اليمنيين لوسيلة الواتساب في التواصل أنه سهل التحميل عبر الهاتف المحمول ويمكن استخدامه في حال كان الإنترنت بطيئًا، على عكس بقية التطبيقات التي يتطلب استخدامها سرعة إنترنت عالية.
وبحسب الدراسة تأتي منصة تويتر في المرتبة الثالثة، يليها التلجرام، ثم اليوتيوب. ويحتل إنستجرام المرتبة السادسة، فيما احتلت “منصة المدونة” الترتيب الأخير من اهتمامات اليمنيين الذين استهدفتهم الدراسة.
سبب استخدامها
منذ بدأ الصراع انقطع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من البلاد ومنها مدينة الحديدة مثل باقي المحافظات اليمنية، وتسبب غياب التيار في توقف الكثير من الأجهزة، ومنها التلفزيون الوسيلة الوحيدة التي كان يعرف كثير من المواطنين أخبار البلاد من خلاله من ناحية، ومن ناحية ثانية يعده مواطنون أنه وسيلة للترويح عن النفس من خلال متابعة البرامج المتنوعة والمسلسلات وغيرها.
وعاد كثير من الأفراد للبحث عن وسيلة يستطيعون من خلالها معرفة الأحداث، سواء محليًا أو دوليًا، فاتجهوا إلى الاشتراك في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بعدما وجدوا صعوبة في توفير الكهرباء لتشغيل أجهزة التلفاز.
تمامًا كحال رمزية يحيى (33 عاما)، إحدى ساكني محافظة الحديدة وتعيش في مديرية الحالي، التي دفعها انقطاع التيار الكهربائي إلى شراء هاتف ذكي وتحميل بعض تطبيقات وسائل التواصل لمتابعة الأخبار.
تقول: “لم أكن أعرف الواتساب ولا الفيس بوك، فقد كان التلفزيون يوفر لنا ما نريد أن نعرفه، ولكن بعد حدوث أزمة الكهرباء في المدينة اضطررت إلى دخول عالم الإنترنت وتصفحِ مواقع القنوات الإخبارية وصفحات الصحفيين والناشطين لمعرفة ما يحدث”.
وتتابع: “اشتركتُ في العديد من المجموعات الإخبارية، وتابعت مواقع القنوات للحصول على الأخبار والحوادث المختلفة، سواء الخاصة باليمن أو جميع دول العالم. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت أن تحل محل الوسائل الإعلامية من تلفزيون وإذاعات وصحف”.
فيما يقول صالح محمد -ناشط مجتمعي- أن أسباب ارتفاع نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة الصراع تتمثل في عدة عوامل منها حدوث فراغ مفاجئ جراء اشتداد الصراع وانقطاع المرتبات، وهذا ما أدى إلى بقاء الناس في المنازل فكان لا بد من إيجاد وسائل لشغل هذا الفراغ.
ويرى أن متابعة أخبار الصراع الدائر في البلاد عبر المصادر الموثوقة تعد من أهم الأسباب التي دفعت بالكثيرين إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يتنافس الناشطون فيها على نشر الأخبار أولًا بأول.
ويضيف في حديثه: “منصات التواصل الاجتماعي تعد أفضل وسيلة للهروب من الواقع المليء بالمعاناة، الذي ألقى بظلاله بشكل سلبي على الحياة العامة للناس. إلى جانب ذلك، فإن الكثير من الناس وجدوا في هذه الوسائل متنفسًا للتعبير عن آرائهم وإيصال رسالتهم”.
ويتابع: “أصبحت هذه الوسائل منبرًا قويًا لنقل معاناة الناس والتعبير عما يجول بخواطرهم، بالإضافة إلى أنها لعبت دورًا كبيرًا في إبراز حقيقة الصراع الحالي، خاصة أن الكثير من المنصات قد اكتسبت زخمًا كبيرًا لما تتمتع به من مصداقية مقارنة بالإعلام الرسمي الموجه”.
ويشير صالح محمد في حديثه إلى أن منصات التواصل الاجتماعية المختلفة أسهمت في نقل الحقائق والوقائع بمصداقية وشفافية مطلقة، وأظهرت تطلعات مختلف شرائح المجتمع وآمالهم، كما أسهمت في توفير فرص عمل للناس عن طريق ما يسمى بالبيع المباشر.
ويقول في حديثه أن هناك أسبابًا أخرى وراء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن؛ فقد أصبحت وسيلة للترويج عن الأنشطة التجارية، وأتاحت ممارسة بعض الناس لبعض أعمالهم ومهامهم من منازلهم دون الحاجة إلى الدوام الفعلي، كما أسهمت في نشر الوعي بين أفراد المجتمع بضرورة تجنب الصراع والتغلب على جميع الصعوبات وتقريب وجهات النظر وصولاً إلى اتفاق شامل يضمن حدوث سلام دائم.
من جهته يقول أكاديمي في قسم الإعلام (فضل عدم ذكر اسمه) أن توقف عمل العديد من وسائل الإعلام المحلية جراء الصراع، وعدم وجود مساحات للتعبير عن الرأي في الوسائل التي ما زالت تعمل هي من الأسباب الرئيسية خلف ارتفاع نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن.
وتابع في حديثه: “وبالتالي يلجأ الناس إليها، خصوصًا أثناء الأزمات أو الصراعات، على الرغم مما يحتويه المضمون من إشاعات أو مبالغات أو تهويل، لكنَّ مساحة الحرية أفضل بكثير من واقع وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى عزوف الشباب عن الإعلام بسبب سهولة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتماشيها مع الرغبات والاحتياجات”.
كيف أثر الصراع في طرق الاستخدام
في هذا الشأن يقول نشوان السميري -مستشار إعلامي ومدرب- إن وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن قد شكلت منذ اندلاع النزاع متنفسًا للمواطن اليمني الذي بات يبحث عن المعلومة المفسرة أو الحقيقة التي ينشدها ويفتقدها بشدة في وسائل الإعلام التقليدية.
وأضاف أن انتشار الإنترنت والهواتف الذكية ساعد على تنامي ظاهرة “المواطن الصحفي” التي عمل الناس من خلالها على تسليط الضوء على أحداثٍ ووقائعَ ما كان الإعلام سيخبر عنها بأية حال.
ويتابع في حديثه لصحيفة صوت الأمل: “وبالفعل تمكن اليمنيون من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من إنتاج كمٍّ محترفٍ ونوعي أيضا لمشاهدَ وأحداثٍ أخبرت العالم عن جزء من الواقع الذي يعيشه اليمنيون”.
ووجد عدد غير قليل من اليمنيين في منصات التواصل الاجتماعي العالم الذين يذهبون إليه لمعرفة ما يحدث في اليمن والعالم، في وقت باتت وسائل الإعلام المختلفة منشغلة بجوانب معينة يملؤها القائمون على تلك الوسائل -سواء التلفزيون أو الراديو أو الصحف والمواقع الإلكترونية- دون وجود لأي تفاعل.
وأصبحت صفحات الكثير من اليمنيين تمثل مصدرًا موثوقًا لنقل الحقائق والمعلومات من الواقع، وكذلك استطاع العديد منهم الهروب من أخبار الصراع الدائر في البلاد والمآسي والمعاناة، التي أصبحت أغلب ما تتناوله الوسائل الإعلامية اليمنية، إلى متابعة وسائل إعلام عربية وعالمية ومشاهدة ما يميلون إلى متابعته، من دراما وعلوم وفنون وثقافة وغيرها. رغم ذلك، يواجه اليمنيون المستخدمون لهذه المنصات -بمختلف أنواعها- العديد من المشكلات المتعلقة بالإنترنت التي زادت حدتها مع استمرار الصراع، ومنها ضعف البنية التحتية للإنترنت في اليمن لا سيما أن هناك مناطق -مثل المناطق الريفية والبعيدة عن المدن- تعاني من ضعف شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية والهواتف التي يعجز كثير من اليمنيين عن شرائها.
98.1% من المشاركين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تمكين الشباب اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري تشغل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومي…