التكنولوجيا الرقمية ومدى تأثيرها في البيت والمدرسة
صوت الأمل – حنان حسين
تتحدث سلمى (اسم مستعار) بحرقة عن شرود أطفالها وإهمالهم للدروس والواجبات، فضلا ًعن تدنى مستوياتهم التعليمة، بعد أن اشترى والدهم هواتف شخصية لهم. أطفالها ثلاثة، ولد بعمر الخامسة عشر لا تستطيع تقييد تفاعلاته؛ لأنه يحظى بحرية كاملة من والده، بدون مراعاة لمستواه التعليمي، فهو “رجل” يدعمه والده ويميزه عن أخواته.
وتوضح سلمى أن طفلتيها نجاة (11 عام)، ونوال (7 أعوام) متعلقات بقنوات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خرج عن العادة؛ إذ إن أجهزة الآيباد لا تفارق أيديهن حتى عندما يخرجن للتنزه أو الحديقة. وتؤكد أن مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين (حسب قولها)، فالأطفال يتعلمون الكثير من الأشياء التي ربما لا تناسب أعمارهم، لكنها سعيدة أنهم تعلموا الكثير من الكلمات والأحرف والمعاني بأكثر من لغة دون مجهود.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأسرة
ندى الصوملي -مختصة اجتماعية- تتحدث أن هناك تأثيرًا كبيرًا على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وعلى حياتهم الأسرية، وتقول: “لمواقع التواصل أثر على الأسرة، وبشكل خاص على الأطفال، فهي تسبب تباعدًا بين الأفراد وتقلل الأحاديث، وتجعل الحديث بينهم على الأحاديث المهمة، وبشكل مختصر، كما نلاحظ في أغلب الأحيان في الحياة اليومية”.
وتضيف: “وتعد -أي مواقع التواصل- السبب الرئيسي في تقليل الأجواء الحميمة بين أفراد العائلة؛ فمن يستخدمها بكثرة، نراه يفضل العزلة والابتعاد عمن حوله في الواقع، رغم أنك تجده نشطًا في هذه الصفحات فإنه تفاعل مزيف”.
وتؤكد ندى: “كما تعد مواقع التواصل الاجتماعية، بؤرة المشاكل والخلافات، خاصة بين الأزواج بسبب المقارنات بين الحياة الواقعية، وشكل الحياة لدى الآخرين كما ينشرونه على صفحات هذه المواقع”.
آزال الثور-مختصة علاقات أسرية- تتحدث عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل غير واعٍ، وتقول: “أبحاث كثيرة تؤكد ازدياد نسبة التوتر وقلة الثقة بالنفس والمقارنة والحسد والغيرة، وتقلل من القدرة على اكتساب المهارات الاجتماعية، كما تؤكد زيادة نسبة الاكتئاب عند المراهقين بسبب صفحات التواصل الاجتماعي”.
الرقابة الأبوية
تتحدث ندى الصوملي عن دور الرقابة الأبوية بقولها: “من الضرورة أن يكون هناك رقابة أبوية على استخدام الأطفال للأنترنت بصفة عامة، فهذا يعد أمر جيدًا للغاية. ويجب الحرص على أن يبلغ الطفل الخامسة عشر كي يتاح له استخدام هذا الصفحات بنوع من الوعي والمسؤولية والإدراك، وهنا أتحدث عن جوانب صحية”.
وتردف: “أما من الجانب النفسي، فالرقابة تتيح للأبوين التحكم في تحسين نفسية أطفالهم من حيث تحديد أوقات محددة، فيعملون على تخفيف مستوى الإجهاد والقلق لدى أبنائهم، بل ودفعهم للاستخدام الأمثل والإيجابي لهذه المواقع”.
الثور من مشجعي الرقابة الأبوية بقولها: “أشجع استخدام برامج الرقابة الأبوية التي تحدد عدد ساعات الاستخدام للأجهزة والمواقع الاجتماعية، ومتابعة الأطفال دون التحكم بهم بشكل مباشر، كما أنها تحميهم من المواقع الخطرة عليهم وتمنع ظهورها بحسب عمر الطفل”.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على التعليم
إلهام أحمد المطري -مختصة اجتماعية- أوضحت أن الحركة التعليمية قد تتأثر سلبًا وإيجابًا بفعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول: “هناك دور إيجابي اتخذته بعض التطبيقات الإلكترونية، ومنها برنامجي (الزوم والميت)، ففي الوقت الذي انتشرت فيه كورونا تمكن الطلاب من متابعة دروسهم وإكمال العملية التعليمية بشكل جيد”.
وتضيف: “لكن من سلبياتها أنها جعلت الطالب أكثر كسلاً واعتمادًا على الواجبات المنزلية، وشجعته على المكوث في المنزل والابتعاد عن أقرانه”.
نشر الثقافة والتعليم في المجتمع
لوسائل التواصل الاجتماعي دور مؤثر في جانب نشر التعليم والحث على الثقافة والقراءة في صفحات هذه المواقع بمختلف أنواعها واستخداماتها.
هاشم العنسي -مختص تسويق- يتحدث عن هذا الدور المحوري بقوله: “هناك إمكانية كبيرة في نشر الثقافة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، بل ويعد ذلك واحدًا من الأهداف التي قد ينشئ بسببها المستخدمون الحسابات، ومنها تعلم ثقافة الآخر، سواء من داخل اليمن أو من خارجه”.
ويضيف: “نحن كمستخدمين لهذه المواقع، تعلمنا وتعرفنا على بعض العادات أو التقاليد أو اللهجات التي لم نكن نعلم عنها شيئًا بالرغم من أنها في داخل حدود بلادنا”.
وأردف هاشم قائلا: “الدراسة عن بعد حققت فائدة كبيرة، وأنا أحد الأشخاص الذين درسوا عن بعد، بطريقة مجانية وسهلة، وحققت فائدة في وقت قصير، وعملت على إفادة غيري”.
وأضاف: “بعدها قمت بتطوير مهاراتي وقدراتي بفعل هذه الميزة الإلكترونية التي بدأت منذ العام 2020م، وأصبحت بعدها مدربًا على أرض الواقع”.
هناك الكثير من القنوات التعليمية التي ظهرت في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل اليوتيوب والتليجرام والإنستجرام، وغيرها من المواقع والتطبيقات. تحدث هاشم عن هذه الجزئية بقوله: “يعد اليوتيوب بحرًا وبه الكثير من المعارف والعلوم التي يرغب فيها المهتمون. وكذلك يعد التيلجرام منصة غنية؛ فهي تحتوي على مكتبات إلكترونية هائلة، يستطيع طالب العلم الحصول عليها في ثوانٍ، وبشكل سلس”.
وأضاف: “كذلك نجد الكثير من المنصات التي ظهرت، وهي تتيح للطالب الحصول على دورات مجانية وتمنح شهادات علمية، منها منصة (إدراك) وغيرها”.
المشاكل والحلول
ترى ندى الصوملي أن هناك الكثير من الحلول المقترحة للحفاظ على تماسك العائلة اليمنية من خطر الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي بقولها: “لا نستطيع الحد من التسارع التكنولوجي، لكننا نستطيع الاستفادة منه بالشكل الجيد من ناحية علمية ومعرفية وغيرها. ويجب الحفاظ على التواصل المباشر بين أفراد الأسرة الواحدة، وعدم جعل هذه المواقع تسيطر على وقتنا بأكمله”.
وتردف الصوملي قائلة: “كذلك يجب خلق حوارات وفتح أحاديث طويلة، ومن المهم إقامة حوار واضح وصريح بشأن استخدام التواصل الاجتماعي مع الأبناء، وتوعيتهم وتحذيرهم عن أضرار هذه المواقع بشكل يتناسب مع أعمارهم”.
تبين آزال الثور أن الحلول كثيرة، وبالطبع ليس المنع أحدها، وتقوله: “لوسائل التواصل الاجتماعي إيجابيات وسلبيات، حتى إن منعنا الاستخدام لسن معينة، فسوف تمر السنوات ويضطرون إلى استخدامه لاحقًا، لذلك فالمنع ليس حلًا”.
وتضيف: “يجب الحرص على إدخال عمر الطفل الحقيقي عند إنشاء حساب لهم على النت، لأن هناك العديد من البرامج التي تمنع الأطفال دون الـ13 عامًا من استخدام بعض المواقع، وبهذا نضمن حماية رسمية من المواقع ذاتها”.
وتضيف: “لا ننسى أن الكبار هم القدوة للأبناء، فيجب الاهتمام بكيفية عرض صور الاستخدام الأمثل لهم، منها: الاستخدام المحدد، وتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، سواء للأطفال أو المراهقين أو الكبار، والابتعاد عن عرض حياتنا الشخصية على الملأ. ويجب الاهتمام ببناء مهارات الأبناء على الواقع، وصقل هذه الاهتمامات ودعمهم لتحقيق إنجازات واقعية، كما يجب تخصيص وقت بعيد عن الأجهزة الإلكترونية تقضيه العائلة مع بعضها”.
وتختم الثور بالقول: “كنصيحة أخيرة، لا ننسى أن جيل أبنائنا مختلف عن جيلنا البسيط، وأنهم يعانون حاليًا من تحديات كبيرة نحن لم نعانِ منها -مثل العالم الافتراضي والماديات- لذلك يحتاجون منا أن نرفع من ثقتهم بأنفسهم ومن تقديرهم لذواتهم عن طريق عدة نقاط، منها:
• احترامهم وعدم تسفيههم أو احتقار أعمالهم.
• تحميلهم مسؤوليات تتناسب مع أعمارهم.
• الثقة بهم وبقدراتهم وتخفيف السيطرة والتحكم بهم.
• الابتعاد عن المقارنة، وتشجيع الجهود المبذولة مهما كانت النتيجة النهائية.
• الاهتمام ببناء الداخل (القيم والأخلاق) لا الاهتمام بالمظاهر فقط.
ختامًا، تعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية يمكن استخدامها للخير أو للشر، ومن المهم استخدامها بشكل مسؤول، سواء في التربية أو في التعليم، مع الكبار أو الصغار.
98.1% من المشاركين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تمكين الشباب اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري تشغل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومي…