الفراغ، أصدقاء السوء، عدم الرقابة.. أهم أسباب ميل المراهقين إلى المخدرات
صوت الأمل – حنان حسين
“كنت مع مجموعة من الأصدقاء حين جاء صديقنا الذي يكبرنا سنًا ومعه سيجارة، وقال لنا إنها سيجارة “الفَهْنَة” (الراحة). أشعلها وأخذنا نتناوب على استنشاقها، فشعرنا بإحساس مريح، ومن هنا بدأنا نطالبه بين مدة وأخرى بهذه السيجارة حتى أدمنا عليها دون أن ندرك”، هكذا يحكي أحد المراهقين بداية رحلته مع إدمان الحشيش.
تتوسع رقعه المخدرات بين المراهقين بطريقة مفزعة، فأحيانًا يبدأ المراهق بتجربة المخدرات للمرة الأول بتوصية من أحد الأصدقاء، لكنها لا تصبح الأخيرة بفعل التأثيرات والمغريات التي تتركها، كالشعور بالنشوة وزيادة التركيز وراحة الأعصاب. وتصبح تلك أولى خطوات الإدمان، وأغلبهم يصبح مدمنًا دون أن يعي ذلك. أيضًا، قد يتعاطى المراهقون المواد المخدرة رغبة منهم في الشعور بالقبول، وأن لديهم حرية التصرف والرأي، وللحصول على مزيد من الثقة بين أقرانهم.
سبب تعاطي المراهقين المخدرات أو إدمانها
هناك أسباب كثيرة قد تدفع المراهق إلى تعاطي المخدرات، منها الفضول والبحث عن وسيلة لاكتشاف العالم بدافع غريزي، وبعض المراهقين من يجعل المخدرات سبيلًا للاستقلال والتمرد على العائلة وتحدي القواعد التي تتبعها الأسرة ومحاولة شق الطريق بأسلوب خاطئ يندم عليه فيما بعد، وهناك من يلجؤون إلى هذه المواد القاتلة لفرط شعورهم بالوحدة وعدم وجود قدوة جيدة في حياتهم لأسباب عديدة كانفصال الوالدين وعدم متابعتهم لأبنائهم، أما بعض المراهقين فيكون لديهم وقت فراغ طويل لا يجدون فيه ما يشغلون به أنفسهم فيجربون المخدرات ظنًا منهم أنهم سيكونون قادرين على التحكم بالحياة وعلى التصرف الصحيح.
ولا ننسى تعرض المراهقين لضغوط سن المراهقة وانتقالهم من سن الطفولة إلى فئة الراشدين وصعوبة التحكم بهم وإرشادهم إلى الاتجاه الصحيح، وهنا لا يستطيع المراهقون النظر إلى عواقب تصرفاتهم؛ فهذه السن تجعلهم يبحثون بشكل مستمر عن وسيلة تشغل تفكيرهم عن بعض المشاعر والاندفاعات النفسية والشعورية والفكرية، خاصة عندما يجدون أنفسهم في منطقة الراحة حيث لا حسيب ولا رقيب، ولن يلحق بهم أي عقاب.
يؤكد مختصون أن الفقر والعوَز والشعور بالعجز أمام الالتزامات الحياتية والعائلية، من مأكل ومشرب وملبس، والمنافسات الشرسة لإثبات الذات وسط أقرانهم والفشل فيها، كل ذلك يدفع المراهق إلى طريق لا يحسب أثر عاقبته، فكل ما يريده هو الهروب من الواقع ولكنه للأسف واقع أسوأ. إلى جانب ذلك، قد تدفع بعض الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والخوف من الانتقال من فئة عمرية إلى أخرى بشكل يختلف من شخص لآخر إلى الوقوع في الإدمان.
محمد العرافي -مدير دار التوجيه الاجتماعي، صنعاء- يوضح أن المخدرات انتشرت في الفترة الأخيرة انتشارًا مريبًا بين المراهقين لأسباب عديدة، ويقول: “من أبرز الأسباب الفراغ وعدم وجود ما يشغل المراهق ويفيده في حياته، وانعدام الوازع الديني الذي قد يمنع الفرد من الوقوع فيما يخالف عقيدته وقيمه، ولا نغيَّب دور أصدقاء السوء فهم أكثر تأثيرًا على المراهق”.
ويضيف: “من أسباب التعاطي أيضًا اتخاذ المراهقين المشاهيرَ السيئين قدوة، وإذا ما بحثنا في تاريخ بعض هؤلاء المشاهير سنجد أنهم متعاطون وسيئو أخلاق. وعلى ذات السياق، يعد تقليد الممثلين وفضول المراهق في اكتشاف ومعرفة شعور الممثل في المشاهد التمثيلية من أسباب التعاطي. فالمراهق في هذه السن الخطرة إن لم يجد داعمًا من البيئة التي حوله، فإنه يصاب بالإحباط ويتأثر بشكل سلبي، فيبحث عن شيء يخرجه من قوقعة الألم والأحزان، ويتخذ طريقَ سعادة يصل إليها سريعًا”.
يوضح العرافي أن “بعض الأطفال في بداية المراهقة قد توجهوا إلى تعاطي مواد مخدرة، مثل استنشاق رائحة البنزين الديزل والإدمان عليها، وعلى رائحة أنواع من الغراء، والبعض أدمن على المواد الكيمائية خاصة إذا بدأ منذ الطفولة باستنشاق هذه المواد، فالأعراض الانسحابية ليست سهلة”، ومؤكدًا أن “بعض المراهقين قد تتطور لديهم الحالة، بحيث يحتاج كل فترة إلى جرعة أكبر وأقوى”.
رأي القانون
نصَّ قانون حقوق الطفل في اليمن، ضمن بند العقوبات في المــادة رقم (162)، على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن ثمان سنوات كل من دفع أو حرض طفلا على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية أو الاتجار بها أو الترويج لها، وتضاعف العقوبة بتكرار المخالفة، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر”. مع ذلك، وجد بعض الأشخاص السيئين ثغرة وجانبًا إيجابيًا لهم في القانون فاستغلوها، وهي أنه لا يوجد على الطفل عقوبات قضائية وإنما إجراءات تأديبية.
وهذا ما أكده رشيد العقيبي –مسؤول قانوني في إحدى دور الأحداث- قائلًا: “الطفل في قضايا الأحداث لا تحسب عليه عقوبة، وإنما تُفرض عليه إجراءات تأديبية، منها أخذه من مكان الحدث وتسليمه من الشرطة إلى أهله مع أخذ تعهد من قبلهم بمتابعة طفلهم والحرص على حسن سيرته وسلوكه وعدم رجوعه إلى هذا الفعل”.
وبيَّنَ العقيبي أنه في حال خروج الطفل وتكراره للفعل فإنه يتم التحرُّز عليه وإيداعه دارًا تأهيلية لتعديل سلوكه وتحت علم أهله، وأضاف قائلاً: “وإن فُرضت عقوبات قضائية فإنها تكون ربع المدة التي يحكم بها على الشخص البالغ في القضاء. وفي قضايا الأحداث يحق للقاضي نقض الحكم في نفس اليوم وإبطاله والتعديل عليه مع القيام “بالتدابير الاحترازية” المتعارف عليها في القضاء، وهذا ما يجعل الأطفال لقمة سهلة للأشخاص السيئين لاستغلالهم في قضايا كبيرة كالمتاجرة في الممنوعات وغيرها”.
طريق الهلاك
يعد إدمان المراهق للمخدرات إحدى طرق الهلاك، فتعاطيها يؤثر صحيًا على قدراته العقلية؛ إذ يتوقف عن التعليم ويفقد التركيز بشكل كلي، ويتجه إلى مرافقةِ أصدقاءٍ سيئي السمعة، وكلها سلبيات تؤثر عليه كفرد في المجتمع. هذا ما وضحته أمة السلام الجديري –أخصائية اجتماعية- بقولها: “للتعاطي عواقب وخيمة، فوجود المراهق ضمن أسرة منحرفة يجعله أكثر عرضة ليكون غير سوي مستقبلا، فضلا عن السمعة السيئة التي قد تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي حتى بعد تعافيه”.
وإلى جانب ضياع الأخلاق والقيم لدى المراهق من بداية نشأته، نجد أنه يعاني من إهمال لدراسته وتدنٍ في مستواه التعليمي، وعدم القدرة على السيطرة على الثبات الانفعالي. ومن ناحية اجتماعية يحدث التفكك الأسري وتتغير السلوكيات، ويرتفع معدل الحوادث ومعدلات الجريمة، وفي أسوء الأحوال يتجه هذا الفرد إلى جرائم أخرى، كالسرقة وبيع الأشياء الثمينة الخاصة بالعائلة؛ لشراء المخدرات بسبب إدمانه عليها، فإن لم يجد من ينقذه فقد يجد نفسه في طريق مغلق يقوده إلى أسوأ الأفعال والمواقف مع نفسه وعائلته ومجتمعه.
أما من الناحية الصحية فإن المخدرات تؤثر على الصحة العقلية والجسدية، وبشكل عام تظهر عليه اضطرابات كالهلوسة والقلق والتوتر والصداع الشديد، والغضب والعصبية على أتفه المواقف.
ترى علياء عبد الله –أخصائية ومرشدة نفسية- أن بعض الأعراض تظهر على المتعاطي، منها: البحث الدائم عن المال بهدف شراء المخدرات حتى وإن اضطره الأمر إلى بيع الممتلكات الثمينة، إهمال مظهره الشخصي ونظافته الشخصية وانبعاث رائحة غير مرغوبة منه، ارتداء ملابس بأكمام طويلة لتمويه كدمات الحقن في الذراعين، عدم اشتراكه في أي نشاطات ولا يهتم بالعالم الخارجي ويفضل العزلة وعدم الاختلاط مطلقًا، الصراخ واستخدام نبرة عالية، بالإضافة إلى العنف خلال تعامله مع المقربين.
وتضيف: “من الناحية الجسدية، تحدث لديه اضطرابات في النمو، وتآكل خلايا المخ، وانخفاض الأداء العقلي والحسي، والتبلد، وأضرار قد تصيب الكبد والمعدة. وتختلف التأثيرات باختلاف المادة المخدرة”.
الوقاية والعلاج
هناك عدة أمور يجب القيام بها للمساهمة في حماية الجيل الواعد والنأي بهم بعيدًا عن خطر المخدرات، منها نشر التوعية اللازمة للمراهقين عن طريق وسائل الإعلام المختلفة (المرئية والمسموعة)، وزيادة وعيهم عن مهلكة الإدمان والاستخدام السيء للأدوية، بالإضافة إلى منع عرض مشاهد تحتوي على تعاطي المخدرات أو ترويجها.
وهذا ما أوضحته ليلى علي -خريجة إعلام- قائلة: “حين يرى أحد الأطفال مشهد عنف في التلفزيون فإنه في الغالب يطبق ما شاهده على أخيه الأصغر، فما بالنا بتعاطي المخدرات ومظاهر السعادة التي تعرض أمام مراهق يبحث عن وسيلة لإظهار شخصيته الجديدة!”.
وحسب وجهة نظر محمد علي -عاقل حارة- أن طرق العلاج عديدة، منها تجنب التعامل بالعنف والقسوة مع المراهقين في هذه السن الخطرة، والتعامل معهم بأسلوب هادئ ومتزن، واعتماد أسلوب النقاش والحوار معهم حتى يحصل على ثقة أطفاله مما يجعلهم لا يخفون عنه شيئًا. ويرى أن متابعة الأبناء ومعرفة من يصاحبون ويقضون معهم أوقات فراغهم هو حل من حلول مكافحة انتشار المخدرات؛ لأن “الصاحِب ساحِب” كما يقال في المثل الشعبي، فهم يؤثرون على بعضهم بعضًا بالسلب والإيجاب.
وينصح الخبراء الاجتماعيون أن التوجه إلى العلاج في حال وجود أي اضطرابات نفسية أو سلوكية قد يكون صمام أمان يمنع مخاطر مستقبلية لا تحمد عقباها. فإذا ظهر على الأبناء علامات الاكتئاب أو أي اضطراب نفسي، يجب أن نساعدهم بزيارة الطبيب النفسي، حتى يتخلصوا منه ولا يلجؤون إلى تعاطي المخدرات.
من جانب رسمي، تقدم الجهات المسؤولة في إدارة مكافحة المخدرات النصح والتوعية المجتمعية عن طريق عمل حملات واسعة المدى، وفي أكثر المحافظات اليمنية وبشكل دوري. وبالمثل تقوم وسائل الإعلام المختلفة بنشر هذه الحملات الإعلانية والتوعوية الجادة؛ للحفاظ على شباب الوطن من الوقوع في شر قراراتهم الخاطئة، وللدفع بعجلة البناء والاستغلال الأمثل للطاقات الكامنة بشكل إيجابي وفعال.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…