انتشار تعاطي المخدرات أدّى إلى ارتفاع معدلات الجريمة في عموم اليمن
صوت الأمل – هبة محمد
مع تدهور الوضع المعيشي في اليمن، أصبح تعاطي المخدرات مشكلة يتفاقم انتشارها يومًا بعد آخر؛ فتعاطي المخدرات وانتشار الجريمة في اليمن مشكلتان خطيرتان تؤثران بشكل كبير على المجتمع اليمني، ويعدُّ اليمن واحدًا من الدول الأكثر تضررًا في المنطقة من تعاطي المخدرات، وارتفاع معدل الجريمة، وذلك بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة التي تواجهها البلد.
العلاقة بين المخدرات والجريمة
يجمع الكثير من المختصين أنّ العلاقة بين المخدرات والجريمة علاقة وثيقة؛ فهما يتفاعلان مع بعضهما البعض، ويتسببان في تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات، فبينهما ارتباط بين مثير واستجابة. الدكتور علي راجح (رئيس وحدة التدريب والبحوث والتقنيات النفسية والتربوية، في مركز الإرشاد النفسي، جامعة إب) يقول: “هناك علاقة طردية بين الجريمة وتعاطي المخدرات؛ فكلَّما زاد التعاطي وانتشر، زاد انتشار الجريمة. وهناك بعض الدراسات تشير إلى أنّ أكثر من 56% من مرتكبي الجرائم كانوا يتعاطون المخدرات قبل ارتكابهم الجريمة بساعات”.
ويواصل: “فمن هنا نعرف أنّ التعاطي محرك أساسيّ ومباشر للجريمة، فهو يُفقد صاحبه الوعي لأوقات، ويجعله يتصرف لا شعوريًّا، وأيضًا عند انعدام المادة المخدرة تجعل المدمن يقوم بأيِّ شيء، بهدف الحصول على مادته المطلوبة، وللمخدرات آثار كبيرة بما يخص الجرائم وانتشارها بين الكبار، ليصل التأثير إلى الصغار”.
ويوضح راجح، أنّه إذا كان المدمن له أطفال، ويتعاطى أمامهم، فيعكس صورة سلبية تجعل الطفل يقلده أو يصاب ببعض الاضطرابات النفسية، أو يصاب بأمراض عقلية، وعدم علاجها بالوقت المناسب ستصاحب الطفل إلى أن يكبر، وإصابته بنوع من الأمراض النفسية تكون نتائجه أن يفكر الشخص بإنهاء حياته، فيقرر الانتحار، وهذه ضمن الجرائم التي انتشرت في السنوات الأخيرة في بلادنا.
الدكتور صبري عامر (مختص الصحة النفسية والإرشاد الأسري) يقول: “عندما يتعاطى الأفراد المخدرات، يتأثر نظامهم العصبي، ويتغير تصرفهم وتفكيرهم، يمكن أن يتسبب التأثير النفسي للمخدرات في زيادة العدوانية، والعنف، وتقليل قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة، ويمكن أن يدفع الأفراد المتعاطين للمخدرات إلى ارتكاب جرائم، بهدف تمويل إدمانهم، أو لتلبية احتياجاتهم المالية”.
وأضاف: “أنّ تجارة المخدرات تعدُّ أحد أهم دوافع الجريمة المنظمة في اليمن؛ إذ يعمل المهربون والتجار على توسيع شبكاتهم، وزيادة أرباحهم من خلال تجارة المخدرات، ويرتبط تعاطي المخدرات وانتشار الجريمة بشكل وثيق مع انتشار الأعمال غير القانونية، مثل: الإتجار بالأسلحة، وتجارة البشر، وغسيل الأموال، مؤكدًا: “عصابات ترويج المخدرات باتت منتشرة باليمن، وهناك إحصائيات رسمية تؤكد زيادة معدلات الجريمة بانتشار أم الجرائم، وهي المخدرات، خصوصًا بعد حدوث الصراع في البلاد”.
ويشير إلى أنّ ضعف الهيكل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وبالتالي انتشار جرائم العنف ضد النساء والأطفال وكبار السّن في اليمن، هي أحد نتائج انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها، ويرى أنّ تعاطي المخدرات ليست ظاهرة اجتماعية فحسب، وإنّما هي جريمة كجرائم القتل، والسرقة، والاغتصاب.
ويؤكد د عامر أنّ العلاقة بين المخدرات والجريمة علاقة تكاملية، وتحدث أثناء مطاردة رجال الأمن للمهربين؛ جرائم قتل وعنف بين الطرفين، وكذلك هناك جرائم تحدث بسبب الإدمان القهري على تعاطي المخدرات، فعندما لا يستطيع الحصول على المال لشراء المخدرات، فقد يلجأ للسَّرِقة، وممكن أن يبيع أعزَّ ما لديه، ولو كان شرفه وعرضه.
سلاح الدمار الشامل
تشهد اليمن في الآونة الأخيرة انتشار العديد من الجرائم المختلفة، منها الجرائم الأخلاقية، التي لا تمت بصلة لديننا، ولا يرضى بها المجتمع، وضحايا هذه الجرائم ومعدلات انتشارها في تزايد مستمر، ممّا يسبب خوفًا وقلقًا بين أوساط المجتمع، في ظل عدم استقرار الوضع الأمني.
يقول دكتور علم الاجتماع أمين الخياط: “الكثير من جرائم القتل والاغتصاب والسرقة، التي نسمع عنها في الآونة الأخيرة في بلادنا، كانت المخدرات هي سلاح الدمار الشامل في زيادة ضحايا تلك الجرائم، ويستخدمه تجار المخدرات وعصابات المافيا الكبيرة في العالم؛ لتدمير الدول العربية، وغيرها، ومنها اليمن، عن طريق عبورها الحدود، ووصولها إلى أيادي التجار، وإلى مدمنيها، في ظل غياب الأمن والأمان في البلد”.
ويشير أنّ المخدرات تُعدُّ السلاح الأكثر فتكًا، الذي ينهي حياة الكثير من الشباب، وغيرهم، وينتقل بشكل سريع وسط شرائح المجتمع من الجنسين؛ لأنّ تعاطي المخدرات سلوك إجراميّ بحدّ ذاته، وللمخدرات تأثير ضارٌّ، ليس على المتعاطي نفسه، وإنّما يمكن أن يشكّل خطرًا على الآخرين، وذلك بتأثيرها على عقل المتعاطي، وفقدانه السيطرة على سلوكياته وتصرفاته، فتجعله أكثر عدوانًا وعنفًا على الآخرين، وتحطّم بداخله كل القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية، فيقْدُمُ على أعمال غير أخلاقية، قد تصل لفعل الجريمة دون إدراك أو وعي.
وذكر العقيد خالد الرضي (رئيس قسم التحريات في مكتب إدارة مكافحة المخدرات، في محافظة إب) أهمَّ الجرائم المتصلة بتعاطي المخدرات وترويجها، قائلًا: “تُعدُّ المخدرات أُمَّ الجرائم، التي هي امتداد لخط واسع لكثير من الجرائم الأخرى؛ وهي: الإرهاب، وغسيل الأموال، والقتل، والسرقة، النصب، والدعارة”.
وأوضح في حديثه لصوت الأمل أنّ مدمني المخدرات يندفعون إلى ارتكاب العديد من الجرائم؛ لتغطية متطلباتهم، وثمن المواد التي يتعاطونها، ويتحولون إلى أشخاص فاقدي الإرادة والقدرات والملكات والإبداع، ويصبحون عالة على أوطانهم ومجتمعاتهم. وظاهرة المخدرات والمؤثرات العقلية مشكلة عالمية، لا يكاد يسلم مجتمع إنساني من آثارها المباشرة وغير المباشرة.
إحصائيات
وفقًا لإحصائيات رسمية نشرها الإعلام الأمني في صنعاء، على موقعه الرسمي في سبتمبر 2022م، حول عمليات ضبط المخدرات ومكافحتها بكل أنواعها، خلال السنوات الثمان الأخيرة؛ إذ نفذت وزارة الداخلية عبر الإدارة العامة لمكافحة المخدرات 6110 عمليات ضبط جرائم تهريب وترويج للمخدرات، بالإضافة إلى ضبط 243 طنًّا من الحشيش المخدر، والملايين من الحبوب المخدرة؛ إذ تمَّ ضبط 73 طنًّا، و379 كيلو جرام من مادة الحشيش، خلال العام الماضي 2021م، فيما تمّ ضبط خلال العام 2020م، 1246 جريمة تهريب وترويج للمخدرات، وبلغت کميّة المخدرات المضبوطة 75 طنًّا، و837 کجم حشيش مخدر، و28291 قرصًا مخدّرًا، و264 أمبولًا مخدرًا.
ونشر الموقع أيضًا “وفي العام 2019م، ضبطت الإدارة العامة لمکافحة المخدرات، 41 طنًّا، و133کجم، و516 جرامًا من الحشيش المخدر، و28613حبة مخدّرة، و25 کيلو جرام هيروين، إضافة إلى 1607 أمبول من مادة البيثدين المخدرة، وثلاث حقن هيروين، و444 علبة تحتوي 8 مخدرات من مشتقات البنزوديازبين، و917 جرامًا من مادة الشبو المخدرة”.
وذكر الموقع أيضًا “وشهدت الأعوام (2010م، و2016م، و2017م، و2018م) ضبط 53 طنًّا، و14 کيلو جرام من الحشيش المخدر، غالبيتها في العام 2018م من خلال ضبط 40 طنًّا، و894 کجم، و768 جرامًا من الحشيش، و46708 حبة مخدر، و1213 أمبولًا من مادة البيثدين المخدرة”.
وأيضًا أوضح الموقع أنّه خلال العام 2023م، ضبطت قوات النجدة بعمران 34 كيلو جرام من الحشيش المخدر، وأيضًا وحدة مكافحة التهريب بمحافظة صعدة ضبطت كمية من الحبوب المحظورة، و410 كيلو جرام من الحشيش، وأكثر من 74 ألف حبة مخدر في صنعاء، ومحافظتي الحديدة وعمران.
حلول وتوصيات
هناك حلول ومعالجات يجب اتخاذها لمكافحة المخدرات والجريمة، يقول الدكتور علي راجح: “لا يمكن التغلب على مشكلة انتشار المخدرات والجريمة في اليمن بشكل كامل، دون تعاون المجتمع الدولي، والحكومة المحلية، والمؤسسات الأخرى، ومن المهم العمل على تعزيز الوعي بأهمية مكافحة المخدرات والجريمة، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتضمين ذلك في المناهج الدراسية للمدارس والجامعات”.
وأضاف: ” أنّهُ يجب توفير الدعم اللازم للأشخاص الذين يتعافون من الإدمان، وتحديث القوانين والتشريعات المتعلقة بالمخدرات والجريمة، وتعزيز الجهود الرامية إلى ضبط العصابات المتورطة في تجارة المخدرات، وتعزيز الأمن والاستقرار في البلد، وفتح خط أمني يخص مكافحة المخدرات بين الأجهزة الأمنية والمجتمع “.
ويوافق ذلك الدكتور صبري؛ إذ يشدد على ضرورة التوعية المتنوعة والصحيحة، وليس التوعية الدينية السلبية، التي تسبب نفور الأفراد عنها، وأيضًا يجب أن يقدم العلاج في مراكز متخصصة في علاج الإدمان، ويشرف عليها متخصصون في الطب النفسي، ولا يحق لأي جهة تقديم العلاج السريري لمتعاطي المخدرات، إلا الطبيب النفسي، وليس المختصّ النفسي الذي يحق له أن يعمل جلسات سلوكية معرفية مع المريض. ويشير إلى ضرورة تفعيل دور الإرشاد النفسي، وعلم النفس، والخدمة الاجتماعية في هذا المجال، من حيث القيام بالعديد من الدراسات والبحوث، حول أسباب الجريمة، والتعاطي، وانتشارها في مجتمعنا، ووضع الحلول الممكنة علميًّا وفقًا لنتائج الدراسات، وكذلك علاج الاضطرابات النفسية، التي قد تكون إحدى أسباب التعاطي، وغيرها من الأسباب.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…