انتشار المخدرات.. واقع اقتصادي متدنٍ يدمر البنى التحتية للبلاد
صوت الأمل – علياء محمد
يعد انتشار المخدرات من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة على المجتمعات. وبالرغم من الجهود المستمرة والمبذولة لمواجهتها فإنها ما تزال في استمرار وبأنواع متعددة. وقد اختلفت مسميات المواد المخدرة، واشتركت في التأثير على العقول والسلوك، وأدت الى تخريب اجتماعي واقتصادي غير مباشر، فقد أثرت بشكل كبير على القدرة الاقتصادية من خلال إضعاف الإنتاج والتأثير على التنمية المستدامة.
عرف الخبير الاقتصادي أنور العامري المواد المخدرة بالمواد التي تخدر الإنسان وتفقده وعيه وتغيبه عن إدراكه، ويرى “أن غياب الإنسان عن وعيه وإدراكه هو أسهل الطرق وأقصرها لانتشار الجريمة في أشكالها المتعددة، كالنصب والاحتيال وزيادة المشاكل الزوجية بين أفراد الأسرة، والتنكر لمبادئ الأمانة والشرف، الأمر الذي سيضر النفس البشرية، ويؤثر على إنتاجية الفرد، مما يفقد الدولة جزءًا من ثروتها القومية”.
وأكد في حديثه أن انتشار المخدرات ظاهرة مرضية مجتمعية، تؤثر سلبيًا على بناء المجتمع وأفراده، مخلفة آثارًا اجتماعية واقتصادية سيئة على الفرد والمجتمع، وتشكل تهديدًا لكيان المجتمع، كما تعيق البناء الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
وأوضح العامري أن تفشي ظاهرة المخدرات في أي دولة تعني وجود سوء في إدارة الدولة لملفها الاقتصادي؛ فالمخدرات تسهم في تهريب العملات الأجنبية لخارج البلاد، وبالتالي ازدياد الطلب عليها وانعدامها مما يؤثر في ارتفاع أسعار هذه العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية.
مضيفًا: “يلعب انتشار المخدرات دورًا كبيرًا في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والأزمات الاقتصادية، ونتيجة لذلك تظهر مشاكل كبيرة -كالبطالة والفقر- وتتسبب في تدني المستوى المعيشي للأفراد والمجتمعات”.
ويتابع القول: “يفقد كثير من الأشخاص شعورهم بالذات، وتظهر سلوكيات عدائية تجاه محيطه المعاش تدفعه إلى تعاطي المخدرات كتعبير عن عدم تحمله للوضع الاقتصادي الذي يمر به”.
وفي سياق متصل يقول الخبير الاقتصادي كامل القدسي: “تؤثر المخدرات على الاقتصاد والشباب بشكل كبير يؤدي إلى زيادة نفقات الرعاية الأمنية والصحية والطبية، وكذلك تردي المدخول المادي للأسرة وانخفاض كفاءة الأداء في العمل والحياة، كما يؤدي إلى زيادة البطالة وارتفاع معدلات الجريمة والتفكك الأسري؛ حيث يجد الشباب صعوبة في الحصول على فرص عمل بسبب تأثير المخدرات على قدراتهم وسلوكهم”.
مضيفا: “ازدياد حالات الإدمان يؤثر بشكل كبير على القوى العاملة، وبدوره يؤثر على إنتاجية العمل الأمر الذي يؤدي إلى تدهور البنية التحتية الاقتصادية، سواء في اليمن أو في أي بلد آخر”.
وأشار القدسي في حديثه عن العلاقة التي تربط زيادة البطالة بانتشار المخدرات، موضحًا أن المدمنين من الأشخاص الذي يجدون صعوبات في البقاء والاحتفاظ بوظائفهم وأعمالهم نتيجة عدم التزامهم بالمسؤولية الوظيفية.
ويقول: “إدمان المخدرات يتسبب بتراجع الأداء الوظيفي للأشخاص العاملين ويضعف القدرة على الانتباه مما يؤثر على العمل ويقلل إنتاجيته، بالإضافة إلى التأثير الذي تتركه المادة المخدرة على الصحة العقلية والجسدية كالقلق والاكتئاب”.
وأشار القدسي إلى أن تعاطي المخدرات يجعل من الشخص المدمن شخصًا عدوانيًا وعصبيًا لا يستطيع التعامل مع من حوله، الأمر الذي يسبب تدهور العلاقة بينه وزملاء العمل، أو بينه والعملاء أو شركاء العمل.
وفي سياق متصل أكد المحلل الاقتصادي محمد صالح حسن “أن انتشار تعاطي وتهريب المخدرات يترك آثارًا سيئة جدًا على البنية التحتية وخاصة القوى البشرية في أي بلد نتيجة إدمان الكثير من الشباب على المواد المخدرات وما يترتب عليها من تأثيرات على الصحة العقلية والجسدية”.
مضيفا: “تتسبب المخدرات بانتشار الجريمة في المجتمع نتيجة الصراعات والنزاعات المستمرة التي تنتهي بجرائم متعددة تصل إلى القتل، بالإضافة إلى زيادة الجرائم الأخرى نتيجة الانحراف السلوكي لمدمني المخدرات وهو ما ينعكس في مجمله على الحالة العامة للمجتمع ويسبب خسائر فادحة للاقتصاد الوطني”.
واقع اقتصادي متدنٍ
أفاد الخبير الاقتصادي أنور العامري أن سوء توزيع الدخل في الدول النامية أفرز واقعًا اقتصاديًا متدنيًا في مجتمع محروم من عائدات التنمية، وشارحًا الآثار الاقتصادية لانتشار تعاطي المخدرات بالقول: “لفهم الأثر الاقتصادي لانتشار المخدرات بشكل أشمل يجب علينا معرفة مكونات الاقتصاد الوطني الذي يتكون من قطاعين أساسيين، هما القطاع الإنتاجي والقطاع الاستهلاكي (الأفراد والمشاريع)؛ حيث يقوم الأفراد بعرض خدمات عوامل الإنتاج في السوق، ويحصلون في المقابل على عوائد تلك الخدمات، فيما يقوم قطاع المشاريع بشراء هذه الخدمات مقابل عوائدها ليستخدمها في إنتاج السلع التي يبيعها لقطاع الأفراد في الأسواق النهائية. وبما أن الدخل العام للفرد والعائلة متدنٍ، أو أنَّ جزءًا منه يذهب للإنفاق على تعاطي المخدرات فإن ذلك سيؤثر حتمًا على الطلب الكلي للدورة الاقتصادية”.
ويوضح العامري أن تسويق المخدرات وبيعها لا يدخل ضمن الإطار العام لدورة النشاط الاقتصادي، ويستهلك الكثير من قدرات قطاع الأفراد والأسرة، ولذلك فإن أهم الآثار السلبية الناتجة عن هذه العمليات تتمثل في نقص المعروض من عناصر الإنتاج.
ويؤكد أن تعاطي المخدرات ينعكس على إنفاق الكثير من الدخل العام للأسرة والفرد في شراء المخدرات المطلوبة، وهذا ما يؤدي إلى نقص الدخل المتاح للإنفاق على السلع والخدمات المشروعة المنتجة في الاقتصاد الوطني؛ فالإنفاق العام على المخدرات يؤدي إلى نقص دورة النشاط الاقتصادي، مما ينعكس على الإنفاق العام بحالة من الكساد، وبالتالي تصبح إدارة الاقتصاد الكلي صعبة تتجلى في ظهور تغييرات على السياسة الاقتصادية للدولة، كالتدابير التقشفية للحد من التضخم أو محاولة تنويع قواعد التصدير، فيما تتعارض أموال المخدرات مع الإجراءات الحكومية، متسببة في إطالة الفترة الزمنية لاستقرار الاقتصاد الكلي.
تكاليف العلاج والرعاية الصحية
“يتكبد الاقتصاد الوطني تكاليف مالية كبيرة في برامج الوقاية الصحية والعلاج من الأمراض التي يكون سببها تعاطي المخدرات والإدمان عليها”، هذا ما أكد عليه المحلل الاقتصادي كامل القدسي موضحًا: “عند انتشار المخدرات في المجتمع تزيد نسبة المدمنين والمتعاطين، ويتطلب علاجُ ورعايةُ الأشخاص المدمنين تكاليف باهظة الثمن يتحملها النظام الصحي -المتهالك أصلاً- في اليمن، لتشكل عبئًا إضافيًا في توفير الخدمات الصحية اللازمة للمدمنين وعلاجهم”.
يوافقه في الرأي أنور العامري الذي يقول: “تتمثل أهم الآثار الاقتصادية السلبية من انتشار المخدرات في المبالغ التي تنفقها الدولة والمؤسسات المختلفة على الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية التي تقدمها لعلاج الإدمان، وإجراءات التأهيل الاجتماعي، وبرامج التوعية بجميع مستوياتها”. من كل ما سبق يتضح جليًا أن انتشار المخدرات يعني انتشار الجريمة والعنف والفساد والبطالة والتفكك الأسري، كما يؤثر على الإنتاج المحلي، وتعمل على تأخير الاستقرار الاقتصادي، وظهور عمليات غسيل الأموال، وارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة الوطنية.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…