تأثير التغير المناخي يزيد من معاناة الاقتصاد في اليمن
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تتزايد أهمية الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالتغيرات المناخية في العالم؛ إذ يشير المختصون إلى تفاقم تأثيرات المناخ على الأرض والبيئة والمجتمعات، ومن بين هذه التأثيرات نجد التكلفة البشرية والاقتصادية التي تترتب عن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية الأخرى، كما أن الجوانب الاقتصادية التي تتعلق بالعديد من القضايا، كتكلفة التغير المناخي، وفرص العمل التي يمكن أن تنشأ نتيجة للاهتمام بالبيئة والتنمية المستدامة، وفجوة الأمن الغذائي التي قد يتسبب بها التغير المناخي.
وبما أن البيئة تلعب دورًا محوريًا في حياة الإنسان وفي تأمين الاحتياجات الأساسية، فإن تأثير الاحتباس الحراري على العالم يتطلب دراسات متعددة الجوانب لتحديد النتائج والآثار المتعلقة بالتغيرات المناخية على اقتصادات العالم وعلى الرفاهية الشعوب؛ لذا فإن هذا التحقيق يرمي إلى دراسة الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالتغيرات المناخية في اليمن من خلال تحليل تكلفة التغير المناخي وفرص العمل وفجوة الأمن الغذائي والاحتباس الحراري.
تكلفة التغير المناخي
في إحصائية حديثة حصلت عليها صحيفة “صوت الأمل”، بينت أن نسبة تكلفة التغير المناخي في قطاع الزراعة تقدر بأكثر من 64% من إجمالي خسائر الاقتصاد اليمني، بينما زادت فجوة الغذاء إلى 40%. وتقدر حجم الأراضي المتدهورة من التقلبات المناخية إلى 5.6 مليون هكتار أي بنسبة تصل إلى 12.5% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية، وهذه الإحصائية وفقًا للدكتور محمد باعمر أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية العلوم الإدارية بجامعة حضرموت.
وأكد الدكتور باعمر أن نسبة تكلفة التغير المناخي في اليمن عالية جدا مقارنة بالدول الأخرى، وذلك لضعف الاستعدادات لمواجهة الصدمات المناخية ولما تخلفه من خسائر هائلة في قطاع الاقتصاد، وأشار إلى أن التغيرات المناخية أعاقت جهود الأمن الغذائي بسبب تأثر العديد من الأراضي بالفيضانات والسيول، فضلاً عن الجفاف الناجم عن التصحر الذي تعاني منه المساحات الزراعية.
وأوضح لـ”صوت الأمل” أن الانزلاقات والجفاف والتصحر أثروا بشكل بالغ على الغطاء النباتي المتدهور، ويعدون من الأسباب الرئيسة في تقلص الأراضي الصالحة للزراعة، إضافة إلى أن هناك تدهورا كبيرا في الموارد الطبيعية المختلفة، من مياه ونبات وانخفاض في المخزون السمكي، وبروز العديد من التبعات كالتعرية وتملح التربة وزحف الرمال، كل ذلك رفع من تكلفة الخسائر الاقتصادية في البلاد وأثر بشكل بالغ على الحياة المعيشية للسكان.
موقع “حلم أخضر” تطرق الى التكلفة التي تسببت بها التقلبات المناخية في اليمن خلال عام 2022؛ حيث أودت الفيضانات بما لا يقل عن 29 شخصًا في عدة محافظات، وشهدت معظم المناطق ارتفاعًا في درجات الحرارة وجفافًا وفيضانات. ونتيجة لتلك التقلبات المفاجئة فقَدَ معظم المزارعين خلال النصف الأول من ذات العام الموسمَ الزراعي الأول حسبما ذكر الموقع في تقرير بعنوان “اليمن: 2022 الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية” بتاريخ 24 ديسمبر 2022.
التغيرات المناخية تقوض فرص العمل
تؤثر التغيرات المناخية على فرص العمل في البلاد بشكل كبير، فمن بين الآثار السلبية للتغيرات المناخية في اليمن انخفاض عائدات التجارة الزراعية والحيوانية، إضافة إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية. وعلاوة على ذلك، فإن التغيرات المناخية أدت إلى زيادة التصحر وانخفاض منسوب المياه، مما أدى إلى تدهور الأراضي وجعلها غير صالحة للزراعة، لذلك وبصورة حتمية تراجعت فرص العمل في هذا المجال.
ويعتبر معظم سكان الجمهورية من قاطني الأرياف، ويعتمدون على الزراعة كمصدر رئيس لدخلهم؛ ولذا فإن انخفاض عائدات التجارة الزراعية وتراجع الإنتاج -نتيجة تقلبات المناخ- يؤثر على المزارعين بشكل مباشر، إذا لم تتدخل الجهات المعنية والمانحة في الحد من تلك التحديات التي تواجههم وتقدّم الإرشادات في التغلب عليها أو التقليل من الخسائر.
وفي ذات السياق، قال رئيس قسم الشؤون الاقتصادية بـ”مؤسسة الرابطة الاقتصادية” الدكتور محمد الكسادي إن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الساحلية بفصل الصيف وانكماش بعض النشاطات التي تتطلب الأيدي عاملة، وتأثير الرياح على أمواج البحر في بعض الأشهر لخطورته، كل ذلك يقلص فرص عمل فئة كبيرة من العمالة. وكذلك فإن ندرة الأمطار الموسمية وحدوث فيضانات مفاجئة قللت من فرص العمل، والكثير من العمالة تعمل بصورة متقطعة وليست مستقرة بسبب التأثيرات المناخية المباشرة أو غير المباشرة.
فجوة الأمن الغذائي
لفت موقع (SciDev. Net) في تقرير حديث بعنوان “بعد ثماني عجاف… اليمن مهدد بمجاعة أكثر من نصف سكانه”، بتاريخ 24 أبريل 2023م، إلى أن أكثر من 17 مليون شخص من اليمنيين مهددون بانعدام كامل في الأمن الغذائي، وذلك نتيجة الصراع والتغير المناخي الذي خلفا اقتصادًا ضعيفًا ويشهد تدهورًا متسارعًا.
وذكر موقع “عربي جديد” في تقرير بعنوان “خطر يلتهم اليمن: تغير المناخ يقوض الزراعة ويفاقم أزمة الغذاء”، والمنشور في مارس 2023م، أن فجوة الغذاء تزداد في السنوات الماضية بسبب تقلص الأراضي الزراعية بسبب ما تخلفه التغيرات المناخية من تصحر وتدهور التربة الخصبة، وكذا جرف الفيضانات والسيول للعديد من الأراضي؛ إذ وصلت الفجوة الغذائية في آخر إحصائية أشار إليها التقرير إلى ما يقارب 40%.
الاحتباس الحراري
يقول الدكتور باعمر إن اليمن تعاني من ارتفاعات في درجات الحرارة نتيجة انبعاث الغازات الدفيئة، وهو بسبب ارتفاعًا في مستوى غاز ثان أكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الأخرى، وأوضح أن الاحتباس تسبب في وجود أضرار واسعة النطاق في البنية التحتية والطرق والجسور وأنظمة الري والصرف الصحي نتيجة ما شهدته البلاد من الفيضانات والسيول، كما حدثت أنماط مناخية غير طبيعية مع هطول أمطار غير موسمية في بعض المناطق خلال مواسم الجفاف.
وأكد أن أضرار الاحتباس الحراري لم تكن على الاقتصاد فحسب، بل وصلت إلى الوضع الصحي؛ حيث انتشرت العديد من الأمراض، كالكوليرا وحمى الضنك والملاريا والدفتيريا، ويعود ذلك إلى فقدان المياه الصالحة للشرب وجرفِ الفيضانات لشبكات الصرف الصحي، وغيرها من الأضرار التي ساعدت على انتشار هذه الأمراض.
ومن جانبه أشار الكسادي إلى أن قطاع الزراعة أكثر القطاعات تأثرا بالاحتباس الحراري؛ لقلة الأمطار وضعف الإنتاج في المحاصيل الزراعية وزحف الرمال على الأراضي الزراعية، منوهًا أن درجات الحرارة سترتفع عاما بعد آخر بسبب انبعاث الغازات غير الصديقة للبيئة وسيعود ذلك بكوارث طبيعية ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد.
واستعرض تقريرٌ للأمم المتحدة بعنوان “مساهمة الشباب اليمنى في مكافحة تغير المناخ من أجل عالم مستدام”، المنشور في 19 سبتمبر 2022، مشكلةَ تراكم النفايات وحرقها وتسببها في ارتفاع كميات مهولة من الغازات الملوثة وتركت نتائج سيئة على البيئة والهواء وستزيد من الاحتباس الحراري. وتطرق التقرير إلى مساهمة الشباب الإبداعية في تحويل النفايات إلى أسمدة عضوية تستخدم في الأراضي الزراعية. وستساهم تلك الأفكار الشبابية -وفقًا للتقرير الأممي- في خفض تراكم النفايات في المدن والمناطق المكتظة بالسكان وتقليل تلوث الهواء الناتج عن إحراقها، وستقلل من مسببات الاحتباس الحراري وخطورته على البيئة اليمنية.
إن التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على اقتصاد اليمن؛ حيث تؤدي إلى زيادة التقلبات المناخية وتقليل الإنتاجية الزراعية والحيوانية، مما يؤثر على الدخل الوطني ويسهم في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة مما يتطلب مواجهة هذه التحديات من خلال إنشاء سياسات تساعد على تحويل الاقتصاد نحو الاستدامة والمرونة.
وأخيرًا، وليس آخرًا، يجب تعزيز الوعي البيئي والتشجيع على الاستثمار في المشاريع الخضراء، بالإضافة إلى تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والطاقة المتجددة؛ بغرض تعزيز الاستدامة الاقتصادية لليمن وتحسين معيشة مواطنيها.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…