عقيق اليمن ثروة تواجه الصراع والتزييف
صوت الأمل – هبة محمد
“صناعة العقيق من الصناعات التي اكتسبت شهرة واسعة بأشكالها المتنوعة والفريدة، وجمالها الذي يسحر العيون، ولاقت هذه الصناعة إقبالاً واسعاً في الداخل والخارج، ولا يُذكر اسم حجر العقيق في العالم إلا وتُذكر اليمن؛ لأنَّها منبع هذه الصناعة”، هذا ما سرده لنا العم عبد القادر البغيلي (الذي يعمل بتجارة العقيق منذ ثلاثين عاماً).
طريقة الصناعة والاستخراج
أشار العم عبد القادر إلى اشتهار أسواق صنعاء القديمة بصناعة العقيق منذ زمن طويل، ويروي لنا تفاصيله المهمة في صناعة العقيق، قائلاً: “إنَّ الأحجار الكريمة هي مصدر هذه الصناعة التي تُستخرج من مختلف الجبال اليمنية، أهمها جبال آنس، وجبل إلهان في محافظة تعز، في محافظة ذمار، بالإضافة إلى جبل نقم وخولان في صنعاء، وفي بعض الأحيان يُستخرج من محافظة عدن والمكلا”. وأكد أنَّ صناعة العقيق تمر بعدد من المراحل حتى يصل إلى شكل الفص النهائي، ويصل للزبائن بجماله الساحر وبريقه اللامع وهو الشكل النهائي للعقيق.
وذكر البغيلي بعض هذه المراحل قائلاً: “نقوم بعملية الحفر وسط الصخور البركانية، ونحصل عليه على هيئة كتل مختلفة الأحجام وعشوائية، ومخلوطة بالأتربة والعديد من الصخور المختلفة، تحتاج العملية للكثير من الوقت والجهد، تليها عملية اختيار الحجر المناسب للعمل، ثم قطع الحجر، وإزالة الأتربة والصخور”. مضيفاً: “تُشكَّل الأحجار الكريمة بعد تصفيتها حسب الشكل المطلوب، سواء دائرياً أو مستطيلاً ومن ثم نلمعها جيداً من خلال الصنفرة الكهربائية، بعد هذا تأتي مرحلة التسخين لبعض الأحجار؛ حتى يكون لونها أجمل مثل العقيق الأحمر”. وأوضح في حديثه لـ”صوت الأمل”: “تستمر عملية التسخين 24ساعة، تجهز بعدها فصوص العقيق بأشكالها الجميلة، وتصاميمها البديعة التي توضع على خواتم الفضة والقلائد الفضية النسائية، والحلي والأساور، والميداليات”.
أشكال وألوان العقيق اليماني
يرى عبد الملك الغيلي (أحد الشباب العاملين في تجارة العقيق منذ 12عاماً) أنَّ لون العقيق يتحدد حسب نوع المعدن الذي يستخدم في صناعته، فمنها العقيق “الأحمر الكبدي” الذي يُعدُّ أجود أنواع العقيق وأغلاها سعراً؛ نظراً لما يمتلكه من خصائص مميزة عن باقي أنواع العقيق. مضيفاً: “لا يخفى على الجميع أنَّ العقيق يعدُّ من الأحجار الثمينة التي تتميز بألوانها الساحرة والمميزة، فلكل نوع من العقيق شفافية متعددة الألوان، منها: العقيق الكبدي، والأزرق، والأسود والفيروزي، والبني، والأبيض الشفاف، والعقيق المشجَّر بأشكال ورسوم مختلفة عليها عبارات معينة أو مزخرفة بآيات قرآنية”.
وعن أماكن تواجد الصناعات في المحافظات يقول: “إنَّ مكان توفر هذا النوع من العقيق في بلاد الروس (محافظة صنعاء)، والعقيق المزهر، الذي يتميز بتداخل ألوانه الزاهية والمتناسقة مع بعضها البعض، يُعتقد أيضاً أنَّه متوفر في عنس، وأسعاره أيضًا مرتفعة؛ بسبب جودته العالية”، ويُكمل سرد أنواع العقيق: “والعقيق البحري، والعقيق الزفيري، والعقيق الأسود، والعقيق الأصفر، والعقيق البرتقالي، والعقيق السليماني، وهناك ما يزيد على 30 نوعاً من العقيق”.
وعن الإقبال عليه، يقول: “نحن نصدر ما يقارب 50% من أنواع العقيق اليماني الأجود عالمياً إلى الخارج، والطلب عليه أكثر من الداخل؛ فهم يدركون قيمته الثمينة والروحية أكثر منا، إذ تتنافس عليه دول العراق وإيران ودول الخليج، ويُصدر 40% منه إلى الدول الأخرى، أما محلياً يبقى 10%منه فقط”.
وهكذا يؤكد أيضاً حامد العباسي (تاجر عقيق يماني لدى محلات الأنوار، في سوق العقيق والفضيات، بمحافظة إب) أنَّ الطلب على شراء العقيق يأتي من الدول الخارجية، مثل: ماليزيا، والسعودية، وإيران، ودول الخليج، وبشكل كبير جداً. ويشير إلى تراجع الشراء المحلي لمادة العقيق، خصوصاً بعد توقف السياحة في اليمن مع بداية العام 2012م، تزامناً مع بداية الحرب، بعد أن كانت تكتظ أسواق العقيق بالسياح الأجانب.
معتقدات شعبية عن العقيق
توضح لنا بعض النساء ممن لديهن شغف في شراء العقيق اليماني والأحجار الكريمة أنَّهن يستخدمن العقيق للزينة في الأحزمة والميداليات والقلائد والأقراط، ويستخدمنه أيضًا، بوصفه معتقداً روحياً، في الحماية من الجن كما يُقال أو الحماية من الشر.
بينما العم محمد (الذي التقينا به في أحد محلات بيع العقيق، في محافظة إب) عندما سألناه عن استخدام العقيق أوضح لنا أنَّه يُستخدم زينةً للرجل في الخواتم، وأيضاً في السبح، والخناجر.
موضحاً أنَّ للعقيق استخدامات طبية فهو يساعد -حسب قوله- في وقف نزيف الدم في أي مكان في الجسد، ويعدُّ مقوياً لعضلات القلب، ويضيف: “إنَّ هناك معتقدات خرافية مرتبطة باقتناء العقيق اليماني بأنَّه يحمي من يرتديه من العين والسحر”.
عقيق اليمن ثروة تواجه الحرب والنسيان
عبد الملك البغيلي يذكر لنا بعض الصعوبات التي واجهته خلال سنوات عمله قائلاً: “نعاني اليوم من احتكار التجار لهذه الصناعة، وعدم توفير التسهيلات؛ لترويج هذه المادة الثمينة، وعدم وجود ضوابط للتجار الذين يقومون بتشويه هذه الصناعة عن طريق الغش، ولا يهمهم سوى حشو جيوبهم بالمال، ويقول إذا تعرض العقيق للتشويه فنحن نشوِّه أنفسنا وتاريخنا الذي يعدُّ العقيق اليماني جزءاً منه”.
ويواصل عبد الملك حديثه بأنَّ الكثير ممن يعملون في هذه الصناعة يشتكون من انعدام الآلات الخاصة بعملية صناعة العقيق، وأيضاً نقص الخبرات الحديثة اللازمة في عملية التصنيع، وصعوبة التنقل في استخراج الأحجار الكريمة من منطقة إلى أخرى؛ نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة؛ مما أدى إلى ارتفاع تكاليف استخراجه وصناعته.
بينما يقول عبد القادر (صاحب محلات بيع العقيق اليماني): “لقد قلَّت القدرة الشرائية للعقيق اليماني، خاصة مع بداية الحرب في اليمن، وانقطاع الرواتب لدى كافة المواطنين، فقد قلَّ الاهتمام بالجانب التراثي حتى من قبل الجهات المختصة؛ نتيجة الحرب، بينما كان قبل الحرب يأتي السياح إلى اليمن لشراء أنواع من العقيق اليماني وبكميات كثيرة كانت تدعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير, لكن نتيجة أوضاع الحرب والصراع؛ أغلق الكثير من تجار العقيق محلاتهم وسافروا إلى الخارج؛ بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة”.
أيضاً يضيف عبد القادر: “إنَّنا اليوم نحتاج إلى عملية إنعاش ونهوض مجددًا بهذه الصناعة وسط إهمال الجهات الرسمية وغيابها التام عن تطوير وتنمية الإنتاج وتشجيع هذه الحرفة، ونحن نتطلع دائماً إلى منافسة السوق العالمية في تجارة العقيق”.
مقترحات للتحسين
يشير التاجر حامد العباسي (الذي يعمل في تجارة العقيق منذ 12عامًا، صاحب محلات الأنوار لبيع أنواع العقيق والفضيات) إلى بعض المقترحات لتشجيع هذه الصناعة، منها إقامة حملات توعية عن طريق الإعلام تتضمن: التعريف بأهمية إحياء الموروثات الثقافية، والحفاظ على اقتنائها، والتشجيع والترويج للشراء في مواقع التواصل الاجتماعي؛ من أجل الإقبال عليها داخليًا وخارجيًا. ويضيف العباسي: “ضرورة تدخل الجهات الرسمية في وضع خطط واستراتيجية معينة؛ لتشجيع صناعة العقيق اليماني، ودعم جميع الحرفيين العاملين في هذه الصناعة، وتقديم كافة التسهيلات لهم”.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…