الصناعات الحرفية بين التشجيع والتطوير
صوت الأمل – أفراح أحمد
تنوعت الصناعات الحرفية في اليمن، واشتهرت قديمًا بعدد من المصنوعات والمنتجات الحرفية التي تحمل الطابع التراثي اليمني، وعلى مر العصور مرت الصناعات الحرفية بمراحل من النهضة والتطوير.
ولكن للأسف تدهور حال هذه الصناعات منذ اندلاع الصراع في اليمن، وتراجع الإقبال عليها في الشراء؛ نظرًا لتدهور الوضع الاقتصادي وانهيار البنية التحتية، الأمر الذي أثر على وضعها وواقعها حالياً، وعليه فإنَّ الصناعات الحرفية اليوم بحاجة ماسة إلى الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بإنعاش سوق الصناعات الحرفية، والاستفادة منها في دعم الاقتصاد الوطني على مر العصور.
الصناعات الحرفية بحاجة ماسة لدعم الدولة
يقول الصحفي صابر واصل: “يجب أن تتبنى الدولة خطة لتقديم الدعم للصناعات الحرفية وتشجيع العاملين فيها على الاستمرار بالإنتاج”. مضيفاً: “إنشاء معامل لهذه الصناعات، وتدريب وتأهيل الحرفيين على التسويق لمنتجاتهم، والبحث عن رؤوس الأموال سيشكل نقطة تحول محورية في وضع الصناعات الحرفية، وسيوفر عدداً من فرص العمل؛ وبالتالي سيُقلل من نسبة البطالة المنتشرة في البلاد”.
وأردف واصل: “إنَّ هذه الصناعات الحرفية ما هي إلا بدائل يُستغني من خلالها عن بعض الأشياء، وفي السنوات الماضية كان صندوق النظافة والتحسين في محافظة الحديدة قد استبدل أكياس رمي المخلفات (البلاستيكية) بأكياس مصنوعة من سعف النخيل، ابتكرها الإنسان اليمني”. موضحاً أنَّ تشجيع الصناعات الحرفية يعدُّ من أهم المقومات لرفع مستوى الاقتصاد في اليمن؛ لهذا قام بعض الأكاديميين الأخصائيين بدراسة متطلبات تشجيع الصناعات الحرفية.
من جانبه أشار الدكتور إبراهيم الأكوع (رئيس مركز مايند مايكرز للتعليم، ودكتور الصحافة والإعلام في إحدى الجامعات اليمنية بصنعاء) إلى أنَّ موضوع صناعة الحرف اليدوية يدل على جوانب من الهوية للدولة؛ ولهذا يمكن للدولة أن تحقق مكاسب كبيرة من خلال تقديم الدعم في هذا الجانب. مضيفاً: “ووفقاً للدراسات فإنَّ حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية يصل إلى مستوى يبلغ 100 مليار دولار؛ أي أنَّ الصناعات الحرفية ذات أهمية كبيرة للدولة والمجتمع”. وواصل الدكتور الأكوع: “إنَّ متطلبات تشجيع الصناعات الحرفية كثيرة، من أهمها إيجاد آليات للتنسيق بين المنظمات؛ لتطوير وتشجيع المهن الحرفية”. وأردف الأكوع: “ولكي نتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من المهنيين والحرفيين؛ يجب أن تقوم المنظمات بدورها في التمويل والدعم للحرفيين والصناعيين الذين تلقوا تدريبات حرفية”.
التنسيق بين وزارتي التربية والتعليم الفني
أكد الأكوع في حديثه لصوت الأمل على ضرورة التنسيق بين “وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم الفني والتدريب المهني”، والتركيز على الجانب الفني والحرفي للطلاب، وعمل برنامج يدعم هذه المواضيع، بالإضافة إلى وضع برامج تدريبية تهدف إلى تنمية قدرات ومهارات الحرفيين، سواء كانوا طلاباً أو حرفيين. ويضيف: “إنَّ استمرار مشاركة الحرفيين يستدعي العمل على إقامة مهرجانات سنوية محلية ودولية، وتفعيل دورهم في معرض الحرف اليدوية وغيرها، واختيار الصناعات الحرفية المميزة، وإتاحة الفرصة لها بالمشاركة عالميًا، ودعمها ماديًا ومعنويًا”. وواصل القول: “هناك خطوة مهمة تأتي من ضمن خطط تشجيع الصناعات الحرفية، ألا وهي التنسيق مع البنوك والمؤسسات المالية الداعمة في مجال الإقراض؛ لتمويل مثل هذه الصناعات الحرفية”.
توظيف التفكير المنظومي للصناعات الحرفية
من جانبه قال الدكتور عبد الرؤوف الرمانة (عميد مركز التنمية الحرفية في جامعة الحديدة): “إن من متطلبات تشجيع الصناعات الحرفية التفكير المنظومي لهذه الصناعات، أي لا بد من توفير المواد الخام لهذه الصناعات، وعلى وجه الخصوص الصناعات الحرفية النسيجية؛ لأنَّ اليمنيين هم من ابتكر علم الصناعة النسيجية في العالم، وذلك في عهد الملك (تبع)، وهو أول من ألبس الكعبة المشرفة نسيج القطن”. وأضاف الدكتور الرمانة: “إنَّ من أكبر المشاكل التي تعاني منها صناعة النسيج انعدام توفير الخيوط المتعددة والمتنوعة؛ لرفد الصناعات النسيجية من البيئة المحلية، بالإضافة إلى القيام بعملية استيراد المواد الخام من الخارج، الأمر الذي أضاف على المهني تكلفة كبيرة؛ فتكلفة شحن الخيوط التي تأتي من إندونيسيا تفوق تكلفة سعر الخيوط نفسها في معظم الأحيان، وهو ما يزيد من حجم التكلفة المضاعفة”. مشيراً إلى أنَّ توفير الخيوط من خلال مصنع النسيج من القطن المحلي، بالإضافة إلى توفير مادة “الأكريليك” المستخدمة بنسب معينة لإنتاج الخيوط حل لإعادة ازدهار مثل هذه الصناعات، لأكثر من مليون عامل وفني وممتهن في مجال هذه الصناعة.
توفير الآلات وتطويرها
في سياق متصل ذكر الرمانة أنَّ الصناعات الحرفية تحتاج إلى توفير وتطوير الآلات ومعامل الإنتاج، والذي بدوره يسهم في تطوير أداء الحرفيين وتنويع الإنتاج الحرفي. موضحاً أنَّ المعامل البدائية النسيجية، وكذا معامل وخلايا إنتاج العسل تتطلب التطوير في الأداء، والتنوع في الإنتاج، وتوفير منتج حرفي يلبي متطلبات واحتياجات السوق المحلية والخارجية.
من جانب آخر يواصل الرمانة الحديث، وهنا يوضح أن تطوير الإنتاج وتحسين وتغليف المنتجات الحرفية يعد من أهم عوامل تشجيع هذه الصناعات؛ نتيجة لما تقوم به عمليات الترويج من عرض للمنتج وضمان زيادة مبيعاته، لا سيما في الأسواق الخارجية. مضيفاً: “هذه الخطوة ذات أهمية كبيرة، كما أنَّها نتيجة حتمية لتحسين وتوفير المواد الخام وتطوير آلات الإنتاج، ومحاولة إضافة التحسينات المتطلبة للتغليف، حتى يصبح المنتج في صورة أنيقة وجميلة تعكس ذوقاً وجمالاً فنياً لدى المستهلك، وتساعد في زيادة الإقبال عليها”.
من جهته أوضح الأستاذ يحيى مهيم (أستاذ سابق في قسم الإعلام بجامعة الحديدة) أنَّ الصناعات الحرفية هي روح الشعب اليمني، ومصدر رزق آلاف الأسر اليمنية التي ورثت هذه الحرف أباً عن جد، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافة أي مجتمع، خاصة المجتمعات الشرقية الثرية بهذه الحرفة. مردفاً: “منذ الأزل بدأ الإنسان يستخدم يده وعناصر البيئة التي يعيش فيها في الصناعات الحرفية؛ فاستخدم الطين لصناعة أواني الطهي والأكل والماء، كما صنع منها مسكنه، وجعله في أجمل الأشكال التي تناسب البيئة”. وأضاف مهيم: “لقد غدت الصناعات الحرفية اليوم صناعة سياحية بالدرجة الأساسية، وتعكس حضارة وثقافة أي مجتمع، وتتنوع بتنوع الثقافات اليمنية؛ ففي السهول والصحاري نجد الحرف الطينية، وفي الجبال نجد حرف الأحجار، وفي المناطق الزراعية صناعات تخدم الزراعة وتساعد فيها من المحراث والخزفيات والجرار المزركشة بالألوان، كما أصبحت الصناعات الحرفية اليوم قوام النشاط التجاري والاقتصادي لقطاعات واسعة من اليمنيين، يعتمدون عليها في معيشتهم، وتمتلئ بها الأسواق الأسبوعية الشعبية”.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…