الصناعات الجلدية مهنة تتعرض لخطر التخلي
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
تمتلك اليمن ثروة هائلة من الحيوانات، تستهلك عدداً منها محليًا؛ الأمر الذي يجعل منها بلداً مُصدراً للجلود، ووفقاً لما جاء في تقرير “الثروة الحيوانية في الجمهورية اليمنية”، للمركز الوطني للمعلومات، فقد وصل عدد المواشي من الثروة الحيوانية في العام 2008م إلى ما يقارب 19,501,000، بينما بلغ في العام 2012 حوالي 20,705,000.
“في العام 2014م بلغ إنتاج الفئة التي تعمل في تربية المواشي ما يقارب 21.296 مليوناً” جاء هذا في تقرير حديث للبرلمان اليمني، نُشر بتاريخ 14/9/2020م.
هنا في أحد الأرياف اليمنية يعمل أحمد سالم (البالغ من العمر 44 عاماً) في تربية المواشي، يعتمد عليه الأهالي في توفير أضاحي العيد.
يمتهن أحمد كذلك مهنة ذبح رؤوس المواشي، وجمع جلودها؛ ليقوم بتجفيفها عن طريق وضع كميات كبيرة من الملح عليها، وعرضها تحت أشعة الشمس لمدة تتراوح من ثلاثة أيام إلى أسبوع، ويقوم بعد ذلك ببيعها لكبار الجزارين في المنطقة.
يقول أحمد في حديثه لـ”صوت الأمل”: “تشهد تجارة الجلود رواجاً كبيراً في دول العالم، بالمقابل لاقت هذه الصناعة تراجعاً كبيراً؛ ويعود السبب في ذلك إلى الصراع القائم في البلاد”.
وضع صناعة دباغة الجلود
يقول أمين يحيى(باحث في المجال الزراعي والثروة الحيوانية في محافظة الحديدة): “لم تحظ دباغة الجلود في اليمن بأي اهتمام من قبل الدولة ولا حتى من المستثمرين، رغم امتلاكنا ثروة حيوانية جيدة، واستهلاك دائم للحوم”.
ويرى يحيى أنَّ الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد تسببت في ركود سوق دباغة الجلود، ووصل ثمنها إلى أقل الأسعار، والتي قدرت ب 100 ريال للجلد الأبيض و50 ريال للأسود .
مضيفاً: “تكدس الجلود يؤدي إلى إتلافه؛ لذلك يضطر التاجر إلى البيع بأقل الأسعار؛ الأمر الذي يؤثر على مستوى دخل الأسر المعتمدة عليه بعدِّه مصدراً للدخل”.
وفي السياق ذاته يقول أكاديمي اقتصاد -فضل عدم ذكر اسمه- لـ “صوت الأمل”: “شهدت مصانع دباغة الجلود، قبل الصراع القائم، ازدهاراً و انتعاشاً في عدد من المحافظات اليمنية”.
ويضيف قائلاً: “تسبب الصراع بانهيار عدد من قطاعات الدولة في كافة المستويات، وأغلقت الكثير من المصانع الخاصة بدباغة الجلود، كان أهمها مصنع قديم في محافظة تعز، منطقة دمنة خدير، الذي كان ملكاً لأحد الأشخاص العاملين في مجال المسالخ وتجارة المواشي”.
نسبة الاستهلاك محلياً ودولياً وإقليمياً
يقول علي سعيد(تاجر جلود): “تنقسم أنواع الجلود إلى نوعين، ويُطلق على جلد المواشي(من الضأن والماعز) ذات اللون الأبيض “بياض”، ويُطلق على ذات اللون الأسود منها وبقية الألوان الأخرى “سواد”، أما جلود الصغار من بقية المواشي وجلود الأبقار فقد استُبعدت تماماً، وليست مطلوبة في السوق”.
موضحاً أنَّ استهلاك الجلود محلياً يخضع للعرض والطلب، فإذا حصل استكفاء للمصنع هبط السعر؛ نظراً لعدم وجود منافسة، واقتصاره على شركات قليلة في البلاد.
ويضيف: “دخلت الجلود في صناعة بعض الآلات الموسيقية مثل الطبول والدفوف، وقدر الاستهلاك محلياً بنسبة لا تتجاوز 2%، أما دوليًا فمعظم الكمية من الجلود كانت تُصدَّر إلى سوريا والهند وغيرها من الدول، وتوقف تصديرها منذ اندلاع الصراع”.
هذا وقد ذكرت دراسة بحثية بعنوان “واقع قطاع صناعة الجلود في اليمن واتجاهات تطويره” تراجع نسبة تصدير الجلود إقليميًا ودوليًا، ما بين العام2011م و2012م، بقيمة1.810.377.484ريال.
مراحل صناعة الجلود
“تمر صناعة الجلود بمراحل عدة تبدأ بمرحلة التجميع، ونقوم في هذه المرحلة بجمع الجلود من صغار الجزارين بشكل يومي، ومنهم من يأتي بها إلى التاجر المشهور بشراء الجلود”، هذا ما أكده لنا علي سعيد في حديثه لـ “صوت الأمل” عن مراحل تصنيع الجلود.
ويواصل القول: “تُصفَّى الجلود المجمعة في نفس اليوم وذلك بفركها للتخلص من اللحوم العالقة، وإضافة كميات كثيرة من الملح لحفظها، تلي هذه الخطوة خطوة تقسيم الجلود إلى كوارج ويقصد بالكورجة (عدد عشرين من الجلد يربط بحبل؛ ليسهل حمله وفرزه وعده ونقله إلى المصانع المتخصصة بشرائه)”.
ويضيف “تجفف الجلود، وينزع الشعر منها بواسطة آلات خاصة، وتُضاف إليها عدد من المواد؛ لتدخل في صناعة الأحذية والحقائب النسائية وغيرها من الصناعات”.
وحول أهم المعايير التي يُعتمد عليها في عملية شراء الجلود، يؤكد علي أنَّ أسعار الجلود تختلف بحسب النوع، فسعر الجلود ذات النوع “البياض” تأخذ القيمة الأعلى؛ كونه النوع المرغوب والمطلوب في السوق، بعكس النوع “السواد” فسعره أقل.
ويضيف “هناك معيار يتوقف على سلامة وخلو الجلود من أي ثقب أو خدش من الرقبة حتى الذيل؛ لأنَّ ذلك يُعدُّ خللاً أثناء الصناعة يقلل من قيمته”.
مؤكداً أنَّ هذه المعايير تنطبق على جميع أنواع الجلود من الضأن أو الماعز أو الأبقار أو الجمال. دباغة الجلود في اليمن احتكار على جهات معينة
يرى أمين يحيى أنَّ عدم الاستثمار في هذا المجال، وعدم وجود مدابغ كافية للجلود، واحتكارها على جهات معينة صعوبات تواجهها صناعة دباغة الجلود في اليمن.
ويضيف “لا توجد مصانع تستقبل كمية الجلود من كافة المحافظات، ولا تتوفر المواد اللازمة لمعالجة الجلود وحفظها من التلف لفترات طويلة”.
الصراع عامل أساسي لتدهور صناعة الجلود
أكد الأكاديمي الاقتصادي أنَّ الصراع عامل أساسي لتدهور صناعة الجلود في اليمن، فقد أدى تدهور العملة الوطنية، وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الخام، وانقطاع الكهرباء الحكومية، وإغلاق الطرقات الرئيسة إلى انهيار صناعة الجلود.
ويتابع القول “لم تستطع صناعتنا المحلية منافسة الصناعات الأجنبية من حيث الجودة والتصاميم المعاصرة؛ نتيجة غياب دور الدولة في دعم وتشجيع الصناعات الوطنية المنافسة”.
من جانب آخر يقول علي سعيد: “يتخوف الكثير من المستثمرين من الخوض في صناعة الجلود؛ بسبب قلة وعي رؤوس الأموال، واحتكار هذه الصناعة على جهات معينة تتحكم بالسوق، بالإضافة إلى المماطلة من قبل التاجر في دفع القيمة النقدية”.
استراتيجيات لإنعاش الصناعة
وحول الاستراتيجيات المطلوبة لإنعاش الصناعة شدد الباحث أمين يحيى على أهمية وضع سياسات تدفع رؤوس الأموال للاستثمار في هذا المجال، وتوفير أرضية مناسبة لإنشاء المصانع، والقيام بإعفاءات ضريبية وجمركية للمعدات والمواد المستخدمة في الصناعة.
ويضيف “يجب أن تُدخَل هذه الصناعة ضمن استراتيجيات المعاهد المهنية، والاستفادة من أحدث التقنيات والآلات المستخدمة، وأخذ دورات خارج الوطن تستهدف هذه الصناعات ممن يشتغلون في هذا المجال من عمال أو مستثمرين”.
ويرى أمين أنَّ من المتطلبات اللازمة لتطوير وتقدم هذه الصناعة في البلاد إعطاء قروض بيضاء أو ميسرة لمن يعمل في هذا المجال، وإنشاء معامل مصغرة للدباغة، والحفاظ على الجلود أطول مدة.
مؤكداً في حديثه على ضرورة دعم المشاريع المصغرة لصناعة الأحذية، وأحذية الجنابي، والأحزمة العادية، والحقائب النسائية، والسجاد وغيرها من الصناعات التي تدخل بها الجلود.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…