الفساد الطبي في اليمن ينتهك حق المواطن بالصحة
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يمر القطاع الصحي في اليمن بأسوء مراحله، ويساهم الصراع في تدهوره بدرجة أكبر، مما شكل معاناة على المواطن الذي بدأ يبحث عن سبل توصله إلى العلاج في الخارج، وهذا يعد عائقًا أمام الأفراد الذين يجدون صعوبة في توفير قيمة العلاج والسفر. وكان المنقذ الوحيد لانتشال القطاع الصحي من السقوط، هو دعم المانحين وشركاء العمل الإنساني في اليمن الذين مدوا أيديهم (دعموا) إلى اليمن بسخاء.
في تقرير لمنظمة اليونيسف بعنوان “تلقي أكثر من 2.9 طفل وامرأة رعاية صحية أولية في المرافق الصحية التي تدعمها المنظمة خلال العام 2021″، أن في العام2021 م عملت اليونيسف على تحصين ما يقارب 3.8 مليون طفل ضد شلل الأطفال، و817,000 طفل ضد الحصبة. وذكر التقرير أن اليونيسف قدمت الدعم في 4.500 مركز لعلاج سوء التغذية للأمهات والأطفال، وأنها وجهت نداءً لشركاء العمل الإنساني إلى تقديم125 مليون دولار؛ للنهوض بالقطاع الصحي في اليمن.
لا يتوقف جهود المانحين عند هذا؛ فقد بذلت الجهود الدولية والإقليمية لمساعدة اليمن في دعم قطاعها الصحي، لا سيما في فترت الصراع، وتنوع ذلك الدعم بين بناء المراكز وتأثيث المرافق الحكومية وتزويدها بالمعدات والأدوية، ودعم كوادرها وتوفير العلاج المجاني والأدوية.
ورغم الدعم السخي لليمن، فإن القطاع الصحي بحاجة إلى مزيد من الجهود. أثبت ذلك تقرير للبنك الدولي بعنوان “قطاع الصحة في اليمن: مذكرة سياسات” الذي نُشر في شهر أغسطس من العام2021 م وذكر أن 50 % فقط من المؤسسات الصحية تعمل في اليمن، وأن ما يقارب من 80% من الأفراد يعانون صعوبة الحصول على الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات، وهذا ما يستدعي بذل مزيدٍ من الجهود لإنقاذ القطاع الصحي من انهيار وشيك”.
إلى جانب تراجع دعم المانحين في السنوات الأخيرة، جراء جائحة كوفيد-19 التي عصفت بالدول الداعمة قبل غيرها، لا يزال الفساد ينخر من القطاع الصحي في اليمن، وحال دون حصول المواطن على الخدمات الصحية، إضافة إلى غياب الرقابة على القطاع من قبل الدولة والجهات المعنية في مكافحة الفساد.
أشكال الفساد في القطاع الصحي
يقول أحمد هادي -مواطن يسكن في إحدى أرياف محافظة تعز- إن كثيرًا من المواطنين في المناطق المجاورة يأتون إلى المركز الصحي في قريته للحصول على اللقاح (لقاح كورونا) لعدم توفره في مناطقهم. وفي نقاط التفتيش يجبرهم أشخاصٌ على دفع ما يقارب خمسمائة ريال سعودي مقابل الوصول إلى المراكز وأخذ الجرعة.
وتحكي المواطنة أم سليم لـ”صوت الأمل” عما حصل لزميلتها في أحد المستشفيات الحكومية؛ إذ تفاجأت المرأة، التي وضعت رضيعها في الحضانة بطلب من الطبيب، أن رجل ابنتها سوف تبتر بسبب إهمال الممرضة التي كانت تشرف عليها؛ نتيجة عدم تبديل الممرضة للمغذية لأيام؛ مما أدى إلى عدم وصول الدم إلى الأصابع.
استغلال المرضى
في مستشفى حكومي قالت مها أحمد (مرافقة لمريض) أن شقيقتها أجريت لها عملية قيصرية لإخراج مولودها، وأثناء رقود أختها في المستشفى طلبت منها ممرضة أن تشتري العلاج المدون في الورقة. وأضافت: “في الصيدلية تفاجأت أن الدكتور الصيدلاني أعطاني بين الأدوية دهانًا لتبيض البشرة، وكان سعره 2000 ريال يمني، عدت إلى الممرضة وحين سألتها عن سبب وجود اسم الدهان (الكِرَيم) في ورقة العلاج، أخبرتني أنها أرادت فقط أن تعرف السعر. ثم ذهبت وهي خائفة مرتبكة بعد أن هددتها بأني سأبلغ إدارة المستشفى في حال تكرر إضافة أدوية لم يوصِّ بها الطبيب، وكتبت ذلك بغرض استغلال المريض ماديًا”.
وقالت أيضًا: “كثير من المواطنين يجدون صعوبة في توفير ما يحتاجه المريض من سعر العلاج وقيمة السرير وغيرها من المصروفات، وهذه الممرضة تجبرهم على شراء أدوات تجميل بتسجيلها في ورقة العلاج دون أن يعلم مرافق المريض، وبذلك يتكبد خسارة هو في غنى عنها”.
تكاليف باهظة
عبدالله يحيي مواطن ريفي تعرضت شقيقته لشلل نصفي مفاجئ، وهي تعمل في التحطيب في وادٍ قريب من قريتها؛ ونظرًا لعدم وجود مركز طبي هناك، اضطر إلى إسعافها إلى مركز المدينة. وفي أحد المستشفيات الخاصة دخلت شقيقته غرفة العناية المركزة، وتفاجئ أن عليه دفع مليون ريال عن اليوم الواحد، ويقول لـ”صوت الأمل”: “نحن أسرة فقيرة نعمل بالأجر اليومي، ولهذا لا نستطيع دفع حتى ربع المبلغ. أخذت شقيقتي وعدت إلى البيت داعيًا لها بالشفاء”.
نفس المعاناة تتكرر عند المواطنة أماني علي التي سقط والدها في المنزل فجأة وأغمي عليه، كان أقرب مستشفى لمنزلهم خاصًا. دخل والدها العناية المركزة، وبعد أسبوع أشعرتهم الحسابات أنه يتوجب عليهم دفع مليون ومائتي ألف ريال؛ فباعوا كل ما بحوزتهم من مجوهرات وغيرها، ثم نقلوا والدهم إلى مستشفى حكومي؛ حتى تكون التكاليف أقل، لكن والدهم فارق الحياة في بوابة المستشفى.
فساد من وجهة نظر الأطباء
يصرح الطبيب ماجد القطن لـ”صوت الأمل” أن الفساد في القطاع الصحي مالي وإداري، فالفساد الإداري يتمثل في استغلال المرضى ومقاسمة الموظف في مستحقاته، ويقول: “في حالة أن هناك منظمات أو مؤسسات تنفذ مشاريع معينة، تشترط الإدارة على الموظف مقابل إضافته في كشف الموظفين أن يعطيهم مقابلًا من مستحقاته”. ويتابع القطن أن الإدارة تشترط على الطبيب أن يفرض على المريض إجراء فحوصات، وإن لم يكن في حاجه إليها. أما الفساد المالي فيكمن في استغلال الأطباء للمريض بإرسال فحوصات لا حاجه لها، أو طلب علاج معين، ومن مكان معين لا يمكن تبديله أو أخذه من شركة أخرى.
فيما تقول الطبيبة منى أحمد (طبيبة مخبرية): “أن من أشكال الفساد المستشري في القطاع الصحي -على سبيل الذكر لا الحصر- فساد الأطباء في القطاعات العامة؛ فمثلا: الطبيب في القطاع الحكومي العام يتقاضى راتبًا ثابتًا بغض النظر عن عدد الحالات في اليوم الواحد أو على مدى شهر كامل؛ وهذا يدفع بعض الأطباء إلى التراخي والتهاون في تقديم الخدمة للمرضى بشكل جيد. ويعتبر ذلك شكلًا من أشكال الفساد المنتشر في اليمن، بالإضافة إلى إساءة استخدام وظيفة الطبيب العامة في القطاع العام، وذلك بتحويل المرضى إلى خدمات في القطاع الخاص لمنفعة شخصية أو مالية، أو باستخدام المستلزمات الطبية في القطاع العام لمرضى في القطاع الخاص”.
وتضيف في حديثها لـ”صوت الأمل”: “شكل آخر من أشكال الفساد التي يمارسها الأطباء هو الحصول على منفعة شخصية أو مالية مقابل الخدمات التي يقدمها للمرضى والتي من المفترض أن تكون مجانية أو شبه مجانية”. مردفةً أن أشكال الفساد هذه غير قانونية وغير أخلاقية، إلا أنه في كثير من دول العالم الثالث ينظر إليها على أنها أنشطة مقبولة اجتماعيًا للتأقلم مع الرواتب المتدنية وبيئة العمل السيئة.
فساد في الأدوية
أما أمة الله عبدالله (ناشطة في المجال الصحي والتوعوي) فتقول إن الفساد في القطاع الصحي يأخذ أشكالًا عديدة؛ ففي مجال الأدوية هناك فساد تكديس الأدوية في المستشفيات وفي وزارة الصحة وعدم صرفها، وكثير من الأدوية تصل من الدول المانحة ويتم تخزينها حتى تنتهي صلاحيتها. وتضيف أن الفساد في القطاع الصحي يكمن في توظيف أشخاص غير متخصصين في المجال عن طريق الوساطة، وهو ما ينجم عن التشخيص الخاطئ الذي يؤذي صحة المريض، إلى جانب عدم وجود العلاج المجاني على عكس الدول الأخرى؛ ففي اليمن يموت المريض إذا تأخر في دفع الرسوم أو يعود إلى منزله، فضلًا عن التأخر والمماطلة من قبل الكوادر الطبية للحالات الحرجة.
وترى عبد الله أن عدم تأهيل الكوادر في القطاع الصحي وتدهور العملية التعليمية في مجال الطب، سواء الحكومية أو الخاصة، وعدم تطوير الجانب التطبيقي وعدم إعطاء الفرصة من قبل المؤسسات الطبية في البلاد لطلاب في ممارسة التدريب والتطبيق، إلا في حال وجود وساطة للطالب، هذا كله يندرج تحت الفساد في القطاع الصحي.
وتضيف أن عدم الاهتمام بالنظافة والتعقيم في المرافق الطبية -خاصة الحكومية منها- ورغم وجود الدعم السخي للقطاع الصحي في اليمن، فإن الخدمات التي يقدمها رديئة؛ وهذا دليل على وجود فساد في عدم وصول تلك الأموال. مؤكدةً: “لا يوجد لجنة مراقبة وتقييم ومتابعة على القطاع الصحي في البلاد”.
توصيات مقترحة للمعالجة
الطبيبة منى أحمد ترى أن مواجهة الفساد في القطاع الصحي يتطلب التزامًا واسع النطاق باحترام القانون وتفعيل محتواه، وتطبيق أنظمة الخدمة المدنية النافذة المفعول، ووجود آليات للالتزام بالمسؤولية بمرجعية الأخلاقيات المهنية وأخلاقيات الموظف العام.
وتؤكد في حديثها أن نجاح مكافحة الفساد في القطاع الصحي يتطلب تقديم أجرٍ مقبولٍ ومُرضٍ للأطباء والممرضين والمهنيين الصحيين الآخرين، يتوافق ومستواهم التعليمي ومهاراتهم، إلى جانب توفير وسائل إعلام مستقلة، ومجتمع مدني قوي؛ لضمان شفافية المعلومات عن القطاع الصحي، وضمان تطبيق أخلاقيات المهن الصحية، ومدونة سلوك الموظف العام.
وترى أن ذلك يتطلب جهداً يتمثل في التثقيف حول متطلبات مكافحة الفساد الصحي، وتوفيرها لجميع العاملين، وتكثيف عملية التدريب العملي المستمر على إجراءات تطبيقها في كل قطاعات النظام الصحي للأطباء والصيادلة والإداريين، مضيفةً: “يجب أن تكون هذه المدونات مرجعًا صريحًا وواضحًا للوقاية من الفساد وتناقض المصالح التي من الممكن أن تؤدي إليه. وكذلك يجب أن تكون مرجعًا للاستجابة لأنشطة مكافحة الفساد، والعقوبات الواردة بها”.
دور الجهات المعنية
في هذا الشأن يقول الدكتور عبد العزيز الشدادي (مدير مكتب الصحة في محافظة مأرب) إن الفساد يأتي في أشكال متعددة، ويعتبر من أكبر جرائم الفساد لأنها متعلقة بحياة الإنسان، وأن أنواع الفساد في القطاع الصحي مالي وإداري، وقد يكون من حيث الخطأ أو الإهمال الفني الذي يؤدي إلى آثار سلبية على حياة المريض.
ويرى الشدادي أنه بقدر أهمية القطاع الصحي تأتي فظاعة مخاطر الفساد فيه، وإن وجد فبلا شك أن له الأثر الأكبر على حياة البشرية، وأن أهم مخاطر الفساد في القطاع الصحي ضعف ثقة المواطن بالخدمات الصحية. مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون هناك معالجة تتمثل في اجتثاث الفساد بشكل مباشر، سواء كان فسادًا إداريًا أو ماليًا أو فنيًا. وإذا كان الفساد أو المخاطر متوقعة فتأتي المعالجة من خلال وضع بروتوكولات وإجراءات وقوانين ومنظمات للعمل تحد وتلغي مداخل ومبررات الفساد، وإن كان فسادًا ماليًا فتضبط العملية المالية بشكل سليم، وتقيد بالقيود الرسمية وتكون عليها رقابة مستمرة.
مواصلًا حديثه لـ”صوت الأمل”: “إذا كان الفساد إداريًا فتضبط اللوائح والأنظمة المحددة للمهام الإدارية، التي من خلالها تستطيع الجهات الرقابية وإدارات المراجعة والجهات ذات الشأن القيام بمهامها في التفتيش الإداري واكتشاف مواطن الفساد في هذا الجانب”.
موضحًا أن هناك مدخلات أساسية يجب الاهتمام بها في العملية الصحية، المدخل الأول يتعلق بالجانب الفني؛ إذ يحتاج الاهتمام ببروتوكولات العمل لجميع مدخلات العملية الصحية وفق المعايير اللازمة. ومنوهًا أن الكادر الصحي يجب أن يكون مؤهلاً وذا كفاءة ومدربًا، وأن يتم التحقق من مؤهلات الكادر؛ حتى يمارسون مهنتهم ممارسة صحيحة، وأن يخضع الأفراد والعناصر غير المؤهلة أو ضعيفة الأداء إلى التغيير بشكل مستمر. ويردف مدير مكتب الصحة في محافظة مأرب، الدكتور الشدادي، أن المدخل الثاني يتمثل في المُعدات؛ إذ يجب أن يكون هناك تجهيزات جيدة ومحدثة، وأن يكون هناك صيانة مستمرة للأجهزة والمعدات وأدوات التشخيص بالخاصة بالتدخل الصحي؛ بحيث تظل على جاهزية وفاعلية في أدائها. أما المدخل الثالث فيتمثل في إجراءات العمل وبرتوكولات الأداء، ويرى أنها من الأشياء المهمة التي يجب أن تضبط وأن تظل عليها رقابة مستمرة.
استطلاع.. 95% يرون أنَّ استمرار الصراع في اليمن يؤثر على انتشار الفساد
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج الاستطلاع الإلكتروني الذي أجرته وحدة المعلومات واستطلاع …