‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفساد في اليمن الفساد يضاعف معاناة اليمنيين في الحصول على المياه

الفساد يضاعف معاناة اليمنيين في الحصول على المياه

صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ

  “قبل اندلاع الصراع بثلاثة أعوام، وصل مشروع المياه إلى قريتنا، وكان للحدث فرحة عمَّت المنطقة، وانتصرت النساء على تلك المعاناة التي دفعت ثمنها الكثير منهن بمختلف الأعمار، أغلبهن يعانين من انزلاقات في العمود الفقري وأخريات من الفُتَاق؛ جراء طول المسافة التي يقطعنها وعلى رأسهن جالونات المياه بسعة20  لتراً وأكثر”، هذا ما قالته هناء محمد ذات الـ32 عامًا.

وتواصل هناء حديثها لـ”صوت الأمل” أنَّه بعد وصول مواسير المياه إلى منزلهم بدأت بغرس الأشجار من فواكه، ونباتات عطرية، ونباتات الزينة، مستفيدة من الوقت -الذي كانت تهدره في البحث عن المياه، والانتظار عند الآبار حتى يأتي دورها لتعبئة جالون الماء- في الدراسة والتطوير لمهاراتها، واستمر الحال على ذلك حتى بدأ الصراع، وتوقف المشروع عن ضخ المياه؛ بسبب عدم القدرة على توفير المشتقات النفطية لتشغيل المولدات، ومن ثم نُهِبت معدات المشروع من قبل فاسدين في الجهات.

تعثر مشاريع المياه

تعيش هناء محمد في إحدى الأرياف اليمنية التي تتعثر بها مشاريع المياه باستمرار، قائلة: “السبب احتكار المياه لقرى معينة أو استخدام جزء من المياه لري شجرة القات؛ وهو ما يؤدي إلى نشوب صراع حولها، ثم تتوقف وتُنهب الكثير من محتوياتها، منها المواسير التي توصل المياه إلى المنازل، وتبقى مجرد خزانات فارغة يعتريها الإهمال”.

أكدت اليونيسف في تقرير لها بعنوان: “تتعمّق أزمة المياه في اليمن وسط نقص حاد في الوقود” أنَّ النقص الحاد في المياه من أكبر التحديات التي تواجه البلاد؛ الأمر الذي عرقل مسيرة التنمية فيها، وأرجع التقرير السبب الرئيس في عدم حصول الإنسان اليمني على المياه النظيفة؛ إلى أزمة المشتقات النفطية التي عرفتها البلاد منذ بداية الصراع، والتي تسببت في توقف المضخات في المحطات. 

وأفاد التقرير، الذي نُشر بتاريخ 19  ديسمبر من العام2017م، في موقعها، أنَّ أزمة المشتقات تسببت في ارتفاع أسعار صهاريج المياه، التي تعتمد عليها كثير من المدن اليمنية في تزويدها بالمياه التي تفاقم سعرها أضعاف ما كانت عليه قبل الصراع؛ ما أدى إلى صعوبة حصول أشد الأسر فقرًا على المياه وعدم قدرة المواطنين بمختلف الطبقات على دفع أسعارها.

صلاح الجندي (ناشط صحفي) يذكر لـ “صوت الأمل” أنَّ الصراع ضاعف من معاناة اليمنيين في الحصول على المياه، سواء في تدهور المؤسسات الحكومية، وفقدانها لميزانيتها التي تدفعها إلى الاستمرارية في تقديم الخدمة للمواطنين، أو في تعرض ممتلكات المؤسسة للتخريب والنهب.

ويرى الجندي أنَّ انشغال الجهات الرقابية عن عمل تلك المؤسسات، وحل المشكلات والعراقيل التي تحول دون قدرتها على تقديم مهمتها على أكمل وجه، وحل القصور الذي يكتنفها في أداء مهامها ومحاربة الفساد فيها، في ميدان الصراعات؛ قد ساهم في حرمان المواطنين من الخدمات بشكل عام.

نهب مواد المشاريع

تستمر المعاناة التي يتكبدها المواطنون في الأرياف، فهناك المواطنة أم علي تلخص تلك المعاناة، بأنَّه حتى المناطق التي لا يوجد بها صراع نُهِب منها جميع محتويات المشاريع، مثل: المواسير، وأهملت المولدات باهظة الثمن والتي تحتاج إلى مبالغ لإصلاحها، وعند طلب إصلاح المشروع نجد الرد بأنَّ الجهات غير قادرة على إصلاحه؛ بسبب تدهور الجانب المالي في مؤسسة المياه؛ بسبب فوضى الصراع.

وتتابع أم علي بقولها: “لم نجد أمامنا إلا البحث عن المياه في الآبار والعيون وإن كانت بعيدة تستغرق منا صحتنا ووقتنا، البعض اضطروا إلى حفر آبار أو بناء خزانات أرضية بجانب منازلهم، وهو ما يحتاج إلى إمكانات ومبالغ لا يقدر عليها إلا بعض الأسر المقتدرة ماديًا”.

ارتفاع أسعار المياه            

يختلف وضع أسماء أحمد في الحصول على المياه عن سابقيها، وتوضح أنَّ فاتورة المياه كانت تصلهم بسعر1500  ريال شهريًا (أي ما يقارب دولاران)؛ كونهم أسرة صغيرة ولا تستهلك المياه بكثرة، إلا أنَّه مع استبدال العدادات القديمة بأخرى جديدة أصبحت تدفع 5000 ريال (ما يقارب 10 دولارات) رغم أنَّ نسبة الاستهلاك لم تختلف عن السابق؛ فأصبحت العائلة تدخر المال من أجل تسديد قيمة المياه والكهرباء، أكثر من شرائها المواد الغذائية.

بينما تذكر أم مجاهد (تعيش في منطقة ريفية) أنَّ بعض الآبار التي زُوِّدت بمنظومات الطاقة الشمسية صُودرت تلك المنظومة الخاصة بها من قبل ملاك الآبار، وتركوهم يعانون صعوبة الحصول على المياه والبحث عن مصادرها في أماكن بعيدة عن منازلهم. مؤكدة: “ملاك الآبار يستحوذون على المياه لري شجرة القات وحرماننا منها”.

وتشكو أم مجاهد من ازدياد نسبة الأملاح في المياه، والتي تترسب بشكل ملفت على الأواني المنزلية، قائلة: “الكثير من أهالي المناطق -خاصة الريفية- يعانون من أمراض الكلى ويتوافدون إلى المدن باستمرار للعلاج”.

تلوث المياه

كشف تقرير لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بعنوان “آثار استخراج النفط على الصحة والبيئة وسبل العيش في حضرموت” عن ارتفاع عدد الإصابات بالسرطان في وادي حضرموت؛ وأرجع التقرير السبب إلى ازدياد تلوث المياه والتربة والنبات في المنطقة المحاطة بحقول النفط، ونتيجة عملية التنقيب وإنتاج النفط؛ فإنَّ سيول الأمطار تجرف النفايات الناتجة عن عملية التصنيع تلك والتي تغذي مياه الآبار وبذلك تتلوث المياه.

من ناحية أخرى أكدت “اليونيسف” في تقرير لها بعنوان: “المياه والإصحاح البيئي” أنَّ ثلث سكان اليمن فقط من تصلهم شبكات المياه إلى المنازل مقارنة بالعدد الكلي للسكان. وذكر التقرير أنَّ ما يقارب8.47 مليون طفل، و9.4 ملايين شخص بحاجة لخدمات المياه والصرف الصحي، والذي ساهم الصراع في اتساع معاناتهم في الحصول على المياه. وعدَّ التقرير اليمن من الدول الفقيرة في الحصول على المياه. مشيرًا إلى أنَّ تراجع المساعدات للبلد سوف يعرض الكثير من السكان للعديد من الأمراض؛ نتيجة عدم حصولهم على المياه النظيفة.

الأسباب

صرح مصدر مسؤول في إحدى المؤسسات -فضّل عدم ذكر اسمه-، أنَّ سبب القصور الذي  يجتاح مؤسسات المياه في البلاد، وعدم تلبية احتياجات المواطنين من المياه وعجزها عن إيصالها إلى جميع السكان ليس بأيديهم، وإنَّها معاناة فرضها الصراع في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، وقد دُمرت فيها البنية التحتية للكثير من المؤسسات الخدمية التي باتت شبه مشلولة. مؤكداً “لا يوجد فساد في مؤسسات المياه؛ كونها لا تملك ميزانية بفعل الفوضى التي أحدثها النزاع، وعدم قيام الدولة الهشة باحتواء مشكلات مؤسساتها”.

وأضاف المصدر في حديثه أنَّ مؤسسات المياه تعتمد على إيرادات المؤسسة نفسها، ومع أزمة المشتقات النفطية توقفت الكثير من المضخات؛ لعدم قدرة المؤسسة على توفير ما تحتاجه من الوقود، وبالتالي ارتفعت سعر الوحدة، وعلى غرار ذلك وجد المواطن صعوبة في تسديد الفواتير؛ الأمر الذي جعل المؤسسات تواجه مشكلة في معالجة الخلل المتمثل في تشغيل المضخات، وإصلاح ما دُمِّر خلال فترات الصراع، والعمل على تنفيذ مشاريع جديدة.

موضحًا أنَّه إلى جانب أزمة المشتقات النفطية، التي عرقلت عمل المؤسسات المائية في البلاد، هناك أضرار لحقت بالبنية التحتية للمؤسسات، وهي الاستيلاء على ممتلكاتها ونهب محتوياتها، وهو ما يحتاج إلى التعويض وأيضاً إلى فرق فنية؛ لإصلاح الأضرار.

ويؤكد المصدر: “الكثير من الموظفين تركوا المؤسسات مع توقف الرواتب، وذهبوا يبحثون عن مصدر رزق آخر لأسرهم، ومع تراجع إيرادات المؤسسات من التحصيل الشهري للاستهلاك، ومع عدم قدرة المواطنين على دفع قيمة الاشتراك، نقف عاجزين عن الحصول على دعم من المؤسسات الحكومية الأخرى؛ كون كل مؤسسة تعاني من نفس الإشكالات”.

تقرير لـ مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بعنوان “تحديات الحكم المحلي في اليمن في خضم النزاع”، والذي نُشر بتاريخ 29  يوليو 2018 م، ذكر أنَّ السلطات المحلية في البلاد تواجه صعوبة في حل إشكاليات تردي الخدمات الأساسية لمواطنيها؛ نظراً لقلة الدعم الذي تحصل عليه من الجهات التابعة لها في الدولة.

وذكر التقرير أنَّ المجالس المحلية واجهت العديد من التحديات خلال فترت الصراع حالت دون تقديمها للخدمات. وأشار التقرير إلى ضرورة تقديم الدعم اللازم من المانحين على المستوى الإقليمي والدولي لسلطات المحلية؛ من أجل تمكنها من تحقيق الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، وتقديم الخدمات للناس في مناطقهم.

فيما يقول مواطنون أنَّ الدعم الذي يصل للمؤسسات من المانحين لا يُستغل في حل مثل هذه العقبات التي تواجهها المؤسسات الخدمية الهامة، بل تُصادر الأموال لصالح النافذين من السلطات المحلية والقائمين على تلك المؤسسات.

حلول مكافحة الفساد في المياه

يضيف المصدر في حديثه أنَّ أهم الحلول لإنهاء أزمة المياه وقيام الجهات المختصة بمهامها كما ينبغي تتمثل في إنهاء الصراع؛ والذي يعد السبب الرئيس في انهيار المؤسسات الخدمية، ومفاقمة معاناة المواطنين في الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وغيرها.

من جهته يقول سامي عبد القادر (موظف سابق في قطاع المياه) أنَّ الحل الأنسب لتخفيف المعاناة التي يواجهها السكان في المناطق الريفية للحصول على المياه بعد تعثر مشاريعهم؛ بسبب أزمة المشتقات التي يُعتمد عليها في تشغيل المضخات هو الاعتماد على الطاقة الشمسية.

ويضيف سامي: “إضافة إلى عمل صيانه الآبار في المناطق التي يعتمد عليها السكان في الحصول على المياه، وبناء خزانات بجوارها، وتعبئتها بالمياه الفائضة في الصيف لينتفع بها السكان في فصل الشتاء، إلى جانب بناء خزانات بجوار  المنازل وتعبئتها من أسطح المنازل في موسم الأمطار بدعم من المنظمات”.

ويرى عبد القادر أنَّ مؤسسات المياه في البلاد خالية من الأموال والكوادر، والحل لعودتها هو إنهاء الصراع وإعادة إعمار البنية التحتية، ودفع رواتب موظفيها، وتفعيل لجنة مراقبة في تلك المؤسسات هدفها: القضاء على أي فساد فيها، أو أي فساد يتسبب به المواطن في المياه، وتفعيل دور القانون في محاربته.

دور الجهات المعنية في محاربة الفساد في المياه

في العام2021 م أصدرت “الهيئة العليا لمكافحة الفساد- صنعاء” قراراً بإيقاف عدد من الشخصيات في وزارة المياه على خلفية قضايا فساد، منهم: وزير المياه، ومدير وحدة مشاريع المياه والصرف الصحي بالمدن الحضرية، ومدير وحدة التنسيق والتنمية.

وأوضح التقرير الذي نشرته “وكالة الأنباء اليمنية سبأ” أنَّ هذا القرار جاء بعد تقديم بلاغ، من هيئة التحري واسترداد الأموال في الهيئة، بشأن التلاعب بالأموال المقدمة لتنفيذ المشاريع في وزارة المياه والبيئة بدعم من المنظمات. وانطلاقًا من ذلك البلاغ أُوقِف العديد من المسؤولين ومُنِعُوا من السفر.  

دور الوزارة في مكافحة فساد المياه

في السياق يصرح عزي شريم (وزير سابق في وزارة المياه والبيئة -عدن) أنَّ مكافحة الفساد مهمة وطنية كبيرة، وأنَّ هناك أجهزة ومؤسسات مختصة بهذه المهمة المتعلقة بمكافحة الفساد والذي أصبح لا حدود له -خاصة في ظروف الصراع-، وأنَّ مفتاح الحل يكمن في طريق السلام.

يقول شريم: “الصراع بحد ذاته مفسدة كبرى، ولا يمكن الحديث عن دولة وقانون والموظف لا يُصرف راتبه، الفساد الأكبر يصل إلى توصيف “التجريم الإنساني” عندما لا يتوفر للمواطن حق العيش الكريم، كتوفير الماء والغذاء والكهرباء”.

جازمًا بأنَّ أكبر هدف -اليوم- هو مكافحة المفسدة الكبرى التي أنتجت تجار الصراعات، وذلك بالعمل على إيقاف الصراع؛ لإيقاف نزيف شلالات الدم اليمني (الاقتتال)، والاتجاه نحو تحقيق السلام العادل الشامل المستدام، فالحل الجذري لمكافحة الفساد اليوم يكمن في إحلال السلام.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد

صوت الأمل – هبة محمد  يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…