ضُعف التمويل يعيق الصناعات المتوسطة والصغيرة في اليمن
صوت الأمل – علياء محمد
تلعب الصناعات الصغيرة والمتوسطة دوراً محورياً وهاماً في التنمية الاقتصادية، وتساهم بشكل أساسي في الحد من البطالة، وتوفر فرص عمل بمعدلات كبيرة، وتساعد على خلق نمو اقتصادي عادل ومتوازن.
وعرفت هيئة الأمم المتحدة للصناعة مفهوم الصناعات الصغيرة والمتوسطة: بأنَّها وحدات صناعية تمارس إنتاج السلع المصنعة أو شبه المصنعة، وتتسم بصغر حجم استثماراتها، وقلة عدد عامليها.
وأوضحت دراسة بعنوان “دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، الصادرة عن جمعية البنوك اليمنية في العام 2020م، خصائص الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تتميز بسهولة إنشائها في هيكلها التنظيمي البسيط، الذي يعتمد على مستويات إشراف محدودة، بالإضافة إلى استخدام نظام معلوماتي غير معقد يتلاءم مع نظام اتخاذها للقرارات.
مضيفة “ولا تتطلب أموالًا كبيرة لإنشائها، والتمويل غالبًا ما يكون محليًا، وتستخدم تلك المؤسسات تكنولوجيا أقل تناسب ظروفها المحلية، ولا تتطلب مساحات كبيرة لإقامتها، بل تستغل مساحات وتجهيزات بسيطة؛ مما يجعل تكاليفها منخفضة”.
الصناعات الصغيرة والمتوسطة أكاديمية للتعلم
منصور البشيري (المستشار الاقتصادي لاتحاد الغرف التجارية) يوضح أهمية الصناعات المتوسطة والصغيرة للاقتصاد اليمني والاقتصاد الدولي على حد سواء، وأنَّ نسبة المنشآت الصغيرة في اليمن تقدر بحوالي 82% من إجمالي المنشآت، وتشكل المنشآت الكبيرة في اليمن نسبة محدودة وقد لا تتجاوز 5%، فيما تمثل المنشآت المتوسطة النسبة المتبقية.
موكدًا أنَّه لا توجد إحصائيات أخيرة مؤكدة، وهذه الأرقام مبنية على مسوحات أجريت في السنوات السابقة، منها المسح الذي أجرته “وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر SMEPS “عن بيئة الأعمال الخاصة.
مشيرًا إلى أنَّ الصناعات المتوسطة والصغيرة مثلت أهمية كبيرة في الاقتصاد من خلال توظيف الجزء الأكبر من العمالة في اليمن، والتي تقدر في الصناعات الصغيرة بعشرين عامل.
بالإضافة إلى تولد ما يقارب من 30% إلى 35% من إجمالي القيمة المضافة أو الإنتاج المحلي الإجمالي داخل البلاد.
وأفاد البشيري أنَّ الصناعات المتوسطة والصغيرة بمثابة أكاديمية التعلم فأغلب الحرف والممارسات التجارية الصناعية تؤخذ بالتعلم من هذه المنشآت؛ كونها وسيلة لتعلم وممارسة الأعمال والابتكار وغيرها من الفوائد والمزايا.
مضيفًا أنَّ في اليمن يتخرج العديد من الحرفيين والصنَّاع وأصحاب المهن وغيرهم عن طريق الممارسة والتعلم أثناء العمل، وأنَّ أغلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتوزع في قطاع تجارة الجملة والتجزئة وبقية القطاعات الخدمية مثل: النقل والاتصالات والتأمين وغيرها في كافة المنشآت كالمطاعم والفنادق وغيرها من المنشآت.
ويعرب منصور عن أسفه إزاء أنَّ المنشآت في مجال القطاعات الإنتاجية نسبتها قليلة جداً -حد وصفه-، قائلًا: “يبلغ إجمالي المنشآت المتوسطة والكبيرة والصغيرة في الجانب الإنتاجي ما يقارب الـ 10% و11% والباقي في حدود الـ 89% إلى 90% هي للمنشآت الخدمية، وتكون فيها فرص التشغيل محدودة مقارنة بالمنشآت الإنتاجية؛ الأمر الذي يمثل عائقاً أمام تشغيل الأيدي العاملة”.
موضحًا أنَّ المنشآت الخدمية في الغالب لا تستخدم تكنولوجيا حديثة أو أدوات التكنولوجيا أو آلات ومعدات رأس مالها كبير.
مشاركة فعالة في الصناعات
مرام الصبري إحدى الفتيات اليمنيات اللاتي افتتحن مشروعهن الخاص، مشروعها يختص بصناعة الشوكولاتة وبدأت بإمكانيات بسيطة؛ لتحقيق خطة مشروعها وإخراجه إلى النور، -حاليًا- أصبحت مرام صاحبة معمل (Maram MJ Chocolate).
بدأت الصبري بالترويج لمنتجاتها من المنزل، فوجدت استجابة جيدة من الناس وازداد الطلب على الإنتاج رغم التحديات التي مرت بها.
تقول مرام لـ “صوت الأمل”: “لم أصل إلى ما وصلت إليه اليوم بسهولة، لقد واجهتني الكثير من العراقيل؛ نتيجة ظروف الصراع الراهنة والمستمرة منذ سنوات، والتي أثرت بشكل كبير على عدد من المشاريع من حيث توفير الإمكانيات”.
وتزيد: “إلى الآن أجد صعوبة في توفير بعض المواد من الخارج، وأهمها أغلفة الشوكولاتة، والتي لا تتوفر في اليمن، بالإضافة إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع أسعارها، فعلى سبيل المثال: أدفع للكهرباء شهريًا ما يقارب المائة دولار؛ بسبب تشغيل الثلاجات الحافظة للشكولاتة”.
لم تكن مرام الوحيدة التي دخلت عالم الصناعات بمشروعها الخاص، حنان الزبيري هي الأخرى استطاعت تحقيق هدفها وإنشاء مشروعها الخاص بصناعة الترت (الجاتو) والحلويات المنزلية.
وتوصي حنان من خلال تجربتها مع مشروعها الخاص بأنَّه يجب أن يحدد الشخص هدفه من المشروع، وأن يكون على قدر كبير من الثقة بالنفس، والإرادة الصلبة، ويقبل فكرة الفشل وإعادة المحاولة.
تقول حنان: “لا توجد أي عوائق في الحياة، وأي صعوبات يستطيع الإنسان تجاوزها من خلال عمل بدائل وحلول لكل معضلة بدلًا من الاستسلام للفشل”.
معوقات الصناعات الصغيرة والمتوسطة
الدكتور علي عبد الله قائد (أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة صنعاء) يوضح في دراسته “التمويل أهم معوقات الصناعات الصغيرة في اليمن” أنَّ التمويل من أهم المعوقات الرئيسة التي تحول دون تنمية المنشآت الصناعية، إضافة إلى أنَّها لم تُشمل في نظام الحوافز والتسهيلات التي تقدمها الدولة وفقاً لقانون الاستثمار.
مضيفًا “يكمن جوهر المشكلة في تمويل المنشأة عند التأسيس عن طريق المستثمرين أنفسهم، ومن دخولهم الذاتية ثم استكمال التمويل عن طريق الأقارب والأصدقاء، وهذا التمويل غالباً غير كافٍ”.
ويشير الدكتور علي في الدراسة إلى أنَّ مشكلة العمالة الفنية المدربة من المشكلات الأساسية التي يواجهها قطاع المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة؛ بحكم ارتباطها بالعنصر البشري، وعدم ملائمة نظم التعليم العام والتقني والتدريب المهني لمتطلبات هذه المنشآت؛ الأمر الذي عمق الفجوة بين مخرجات التعليم التقني والمهني ومتطلبات العمل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
مؤكدًا أنَّ معظم المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة غير مسجلة رسميًا، ولا يوجد قانون يلزمها بتطبيق الحد الأدنى للأجور السائدة في القطاع الرسمي، كما أنَّها غير ملتزمة بتسديد التأمينات الاجتماعية على العاملين فيها.
وكشفت الدراسة أنَّ (67%) من المشتغلين في المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، يعانون من الأمية سواء كانت القراءة والكتابة أو المعرفة الإدارية التي تجعلهم يفتقرون إلى أبسط قواعد التنظيم الإداري والوعي المحاسبي.
الركود الاقتصادي
يرى سفيان نعمان (صاحب مشروع إعادة تدوير الإطارات التالفة) أنَّ القطاع الصناعي بشكل عام يعيش في بيئة اقتصادية صعبة، وغير محفزة للعمل والاستثمار؛ نتيجة الصراع القائم في البلاد منذ سنوات، والذي أثر بدوره على عدد كبير من القطاعات أبرزها قطاع الصناعة والصناعات المتوسطة والصغيرة، فقد اعترض طريق تطورها ونموها.
مضيفًا “أدى الركود الاقتصادي في الطبقة المتوسطة، وارتفاع أسعار المواد الخام، ومتطلبات الحياة اليومية إلى توقف الإنتاج لبعض الصناعات، وزعزع استقرارها، لا سيما أنَّ رأس مال الصناعات المتوسطة والصغيرة لم يتوافق مع تزايد تكاليف الإنتاج”.
مشيرًا إلى أنَّ عدداً من الصناعات المتوسطة والصغيرة عانت من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتي أجبرت العديد من أصحاب الصناعات والمشاريع الصغيرة على اتخاذ قرارات بالإيقاف أو بتسريح العمال، والبعض منها افتقرت لوجود الموارد المالية، ولم يستطيعوا تجاوز هذه الأزمة، وأُغلقت عدد من الصناعات المتوسطة والصغيرة؛ بسبب الإفلاس.
ما تزال الصناعات الصغيرة والمتوسطة في اليمن -اليوم- في حاجة ماسة إلى دعم شامل، وإعداد سياسات خاصة بالصناعات المتوسطة والصغيرة، بالإضافة إلى تفعيل المنظومة البيئية، وإعداد نظام رقابي لتنظيم عمل هذه المؤسسات وتحسين عملها.
المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد …