منظومة المعلومات الصناعية في اليمن.. معوقات متجذرة وطموحات مقيدة
صوت الأمل – لبيب شائف (استشاري سياسات عامة)
يؤدي القطاع الصناعي (الصناعة التحويلية) دوراً رئيساً في الاقتصاد اليمني، حيث يأتي في المرتبة الثانية بعد قطاع الزراعة بنسبة مساهمة (11.14%) من الناتج المحلي الإجمالي حسب آخر الإحصاءات، ويأخذ هذا القطاع على عاتقه دوراً مهماً في تشغيل العمالة، ويعوَّل عليه في تحقيق دفعة للاقتصاد اليمني؛ لكون فرصة نموه كبيرة وإمكانية تحقيقه لمعدلات مساهمة في الاقتصاد الوطني كبيرة مستقبلاً مقارنة بالقطاعات الأخرى.
ويتطلب لدعم هذا القطاع وتحديد عوامل تحسين أداءه توفيرَ مقومات متعددة من أهمها منظومة المعلومات الصناعية؛ كونها ذات تأثير مباشر في دعم وتطوير هذا القطاع الهام، فالعديد من الدول تعطي أهمية كبيرة في دعم أداء القطاع الصناعي، وتعمل على تطويره.
واقع منظومة المعلومات الصناعية في اليمن
وتُعرّف منظومة المعلومات الصناعية: بأنَّها مجموعة من المكونات المتداخلة، التشريعية، والمؤسسية، والنظم والتقنيات، والموارد المعلوماتية، والقدرات البشرية، التي تعمل بصورة منسقة ومتكاملة يحدث من خلالها تنظيم وإنتاج وتبادل البيانات والمعلومات وتنسيق جهود الأداء بين الوحدات الصناعية والمعنية المختلفة في القطاع.
ما زالت اليمن في وضع ضعيف وقاصر في منظومتها الصناعية، حيث نجد واقع مكونات هذه المنظومة على النحو التالي:
الإطار التشريعي
يعاني الإطار التشريعي المنظم للجانب المعلوماتي عمومًا وللقطاع الصناعي من قصور واضح وعدم اكتمال، فالتأخر في توفير تشريعات ملزمة منظمة للمعلوماتية في البلد؛ يجعل فرص إقامة منظومة معلومات صناعية محدودة.
ويرجع السبب في ذلك؛ لوجود عدد من التشريعات السيبرانية غير متوفرة تتعلق بالحكومة الإلكترونية، والتبادل المعلوماتي، والمعاملات الإلكترونية، وحماية وأمن المعلومات، جميعها غير متاحة وما يتوفر من تشريعات أغلبها غير مُحدَّثة ولا تلبي احتياجات الواقع.
الأطر المؤسسية لمنظومة المعلومات الصناعية
يتوفر لوزارة الصناعة مركز معلومات، ولدى العديد من المصانع ووحدات الإنتاج وحدات معلومات تقنية وجميعها تمثل نواة أساسية لبنية منظومة المعلومات الصناعية، إلا أنَّ هناك افتقاراً لآلية الربط والتنسيق بينها، كما أنَّ المؤسسات الأخرى الداعمة للمنظومة المؤسسية لشبكة المعلومات الصناعية كجهاز الإحصاء، والمركز الوطني للمعلومات، ومراكز ووحدات البحث الصناعية البالغة (11) وحدة في البلد لا يتوفر بينها أي ربط شبكي.
كما أنَّ المعنيين الذين جرت مقابلتهم لهذا الغرض لا يتوفر لديهم تصور في هذا الشأن؛ مما يجعل فرص تكوين منظومة معلومات صناعية ما يزال بعيد المنال.
المحتوى المعلوماتي الصناعي ومصادره
ويقصد به كل البيانات والإحصاءات والمعلومات والبحوث والدراسات والتقارير وكل أشكال المحتوى المعرفي الذي يمكن لوحدات القطاع الصناعي أن تستفيد منه؛ لتطوير أدائها، وتوسيع إنتاجيتها، ومساهمتها في الاقتصاد الوطني، حيث تهتم دول العالم بتوفير محتوى معلومات داعم للقطاع الصناعي، وتشجع البحوث الصناعية؛ لتطوير أداء قطاع الصناعة لديها.
ومع ذلك ما زال الوضع في اليمن قاصراً في هذا الشأن حيث تراجع النشر للبيانات الإحصائية اللازمة للقطاع الصناعي اليمني وخاصة بيانات الواردات والصادرات، وتوقف المسح الصناعي في 2014م، وتراجع النشر المعلوماتي عن القطاع الصناعي منذ 2015م من 80% إلى 20%، واقتصر على كتاب الإحصاء السنوي الذي ما زال متأخراً حتى 2019م، ولم تُصدر أو تُوثُق الكثير من البيانات الصناعية، ويرى المعنيون الذين قوبلوا في الجهات الرسمية وأصحاب المنشآت الصناعية أنَّ المحتوى المعلوماتي محدود في اليمن ولا يُحدَّث؛ لذا فالاستفادة منه قليلة، ويجد المعنيون في المؤسسات الصناعية صعوبات لتحسين واقع صناعتهم اعتماداً على البيانات المتاحة.
نظم وتقنيات المعلومات الصناعية
على الرغم من أنَّ قطاع الصناعة وفقاً لمسوح قديمة مَثَّل ما نسبته (12%) من إجمالي المنشآت الاقتصادية في مختلف القطاعات، فإنَّ هذه النسبة ارتفعت إلى معدلات كبيرة، حيث بلغت نسبة الحوسبة في مختلف المنشآت الصناعية الكبيرة 100%، وفي المنشآت المتوسطة 90%، وشملت تلك التقنيات أنظمة معلومات متعددة بما فيها نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وقواعد بيانات للمجمعات الصناعية.
إلا أنَّ هذه التقنية لا تُستخدم بكفاءة مناسبة في تعزيز الأداء الصناعي، ويُكتفى باستخدامها لتوثيق المعلومات وإدارة بعض العمليات الإدارية والمالية، ولا تحقق قيمة مضافة في مجالات البحث والتطوير وتحسين الأداء -حسب إفادة بعض المبحوثين في القطاع الصناعي- ومع ذلك تمثل نواة مهمة وبنية أساسية تتيح فرصاً كبيرة لربط منظومة المعلومات الصناعية.
القدرات البشرية التقنية
تتوفر لجميع المجمعات والوحدات الصناعية الكبيرة والمتوسطة قدرات بشرية كافية من حيث العدد في مجال تقنية المعلومات، ومع ذلك يرى بعض المبحوثين في القطاع الصناعي أنَّ مستوى هذه القدرات محدود مقارنة مع احتياجات تلك الوحدات الصناعية.
وعلى الرغم من أنَّ بعض الوحدات الصناعية الكبيرة تستثمر في بناء قدرات كوادرها، فإنَّ الاستقطاب الخارجي والتسرب لهذه القدرات سمة غالبة؛ مما يضع الوحدات الصناعية أمام مشكلة ندرة الكوادر النوعية، خاصة أمام الضعف في نوعية مخرجات التعليم العالي في هذا الجانب.
المستفيدون وخدمات المعلومات المتاحة
يتنوع المستفيدون من بيانات وخدمات المعلومات الصناعية والذين يشملون فئات كثيرة – حسب المركز الوطني للمعلومات- وهم: أصحاب المنشآت الصناعية، صانعو القرار في الجهات الرسمية المعنية، المستثمرون، المؤسسات والمراكز البحثية والعلمية، الباحثون، والطلبة خاصة في المعاهد والكليات المتخصصة.
ومع ذلك فقد توقفت تقريباً مؤسسات تزويد الخدمات المعلوماتية في كل من وزارة الصناعة، والمركز الوطني للمعلومات، وجهاز الإحصاء، ومصلحة الجمارك، حيث كانت هذه الجهات تقدم خدمات هامة حول المعلومات الصناعية لكنَّ إنتاج المعلومات توقف تماماً لدى بعضها بما في ذلك إصدار معلومات محدَّثة في السنوات الأخيرة.
المعوقات التي تواجه تطوير منظومة المعلومات الصناعية في اليمن
تتحدد أبرز المعوقات التي تحول دون وجود منظومة معلومات صناعية متطورة في اليمن في التالي: غياب استراتيجية متكاملة لتطوير القطاع الصناعي تهتم بوجود منظومة المعلومات الصناعية في إطارها، نقص الإطار التشريعي والإجرائي المنظم للمعلوماتية على مستوى البلد بشكل عام وفي قطاع الصناعة بشكل خاص مع تقادم بعض التشريعات القائمة وعدم مواكبتها للتطورات المحلية والعالمية.
أضف إلى ذلك وجود اختلال في تنظيم وإدارة المحتوى المعلوماتي الصناعي وخاصة البيانات والمعلومات الأساسية عن النشاط الصناعي وعدم وجود قواعد بيانات كافية ومتكاملة في هذا الجانب، ندرة الكادر المؤهل وارتفاع مستوى استقطاب المهارات التقنية النوعية والخبيرة من الخارج ومن قطاعات اقتصادية أخرى، تدني استخدام التقنية في تطوير الأداء الصناعي واقتصارها على التوثيق أو استخدامات محدودة في إطار الإنتاج وليس في التحليل والتطوير الداعم للأداء الصناعي.
ومن ضمن المعوقات: ندرة أنشطة البحث والتطوير الخاصة بقطاع الصناعة وغياب التشجيع لها، قصور الوعي بأهمية المعلومات الصناعية لدى المعنيين الرسميين، ضعف التنسيق بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في مجال تبادل المعلومات الصناعية، ضعف وتراجع مستوى تقديم خدمات المعلومات الصناعية.
فرص تطوير منظومة المعلومات الصناعية في اليمن
على الرغم من وجود العديد من المعوقات التي تواجه منظومة المعلومات الصناعية، فإنَّ هناك فرصاً لتجاوز هذه المعوقات والعمل على ردم الفجوة القائمة في هذا الجانب من خلال بناء وتطوير المقومات اللازمة لهذه المنظومة بما يحقق فاعلية دورها في تطوير أداء قطاع الصناعة، والعمل على تحقيق مقومات الارتباط بشبكة معلوماتية صناعية عربية.
وانطلاقاً من ذلك فإنَّه يمكن تحديد أبرز توجهات العمل لتطوير منظومة المعلومات الصناعية في الجمهورية اليمنية والتي تسير في اتجاهين رئيسين هما: مشروع الشبكة الوطنية للمعلومات، شبكة المعلومات الصناعية.
الشبكة الوطنية للمعلومات
وهي تعد نواة للحكومة الإلكترونية، حيث تتضمن في إطارها مجموعة من النظم والشبكات القطاعية والفرعية، وتهدف إلى إقامة شبكة وطنية لتبادل ونشر البيانات والمعلومات على المستوى الوطني تتيح توسيع وتطوير البنية الأساسية للمعلومات، ومساعدة الأجهزة والمؤسسات في القطاعات المختلفة فنياً وتنظيمياً في إقامة أنظمة شبكية فعالة لنشر وتبادل المعلومات وتحسين أداءها.
ويستهدف المشروع، الذي توقف عام 2014م؛ بسبب توقف التمويل، بناء (30) نظام معلومات قطاعي وفرعي، وإقامة (16) شبكة معلومات قطاعية (الزراعة، التعليم، الصحة ، … وغيرها) وإنشاء مركزين للبيانات الوطنية، وتعد شبكة معلومات قطاع الصناعة إحدى هذه الشبكات القطاعية، بالإضافة إلى إقامة وربط 22 شبكة معلومات محلية على مستوى المحافظات، كما تشمل العمل على تطوير آلية موحدة لإدارة وتنظيم المعلومات عبر الشبكة الوطنية، وتطوير المقومات الإدارية والفنية والبشرية لمراكز ووحدات المعلومات الحكومية التي سترتبط بالشبكة.
بالإضافة إلى بناء وتطوير محتوى معلوماتي رقمي وطني وإتاحته لمختلف المستفيدين عبر الشبكة، ويتطلب الأمر أن يعاد إحياء المشروع الذي توفرت له بنية أساسية لا بأس بها، وجرى في إطاره بناء مجموعة من الأنظمة الشبكية التي بلغت (10) أنظمة يمكن البناء عليها في تطوير التبادل المعلوماتي الشبكي على مستوى القطاعات الحكومية.
شبكة المعلومات الصناعية
تعد شبكة المعلومات الصناعية، التي عَمِل على تطوير فكرتها كلٌّ من المركز الوطني للمعلومات ووزارة الصناعة والجهات ذات العلاقة الأخرى سابقاً قبل العام 2010م، إحدى الشبكات القطاعية في إطار الشبكة الوطنية للمعلومات، وفي نفس الوقت تعد مكوناً هاماً لمنظومة المعلومات الصناعية، ووسيلة تمهد للربط مع الشبكة العربية للمعلومات الصناعية.
ولكن أدت الأحداث السياسية بعد 2010م إلى توقف العمل على هذه الشبكة. وعلى الرغم من التوجهات الجادة للوزارة في هذا الجانب آنذاك فإنَّ وتيرة تنفيذ هذه المهام سار ببطء؛ نتيجة معوقات ترتبط بالتمويل، وتوفير الكادر البشري اللازم، والتعقيدات في تشريعات ونظم العمل القائمة والتي تحتاج إلى وقت طويل نسبياً لتطويرها وإيجاد بيئة ملائمة للتحول نحو الإدارة الإلكترونية داخل الوزارة وفروعها والجهات الأخرى ذات العلاقة.
كما أدت أحداث 2011م وتوقف التمويل إلى توقف المشروع الذي يحتاج إلى جهود كبيرة لإعادته مع أنَّ النية التقنية للوحدات الصناعية في القطاع الخاص أصبحت أفضل بكثير منه قبل توقف المشروع؛ مما يتيح فرصة أفضل لإعادة المشروع لو وجدت الجدية والاهتمام من الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الصناعي.
المعالجات المقترحة لإيجاد منظومة معلومات صناعية في اليمن تتحدد المعالجات المقترحة: بوضع استراتيجية واضحة لتطوير منظومة معلومات صناعية؛ كونها أولوية للنهوض بالقطاع الصناعي، التدرج في توفير مقومات منظومة المعلومات الصناعية والبدء بتطوير السياسات والتشريعات السيبرانية ثم الانتقال بصورة متدرجة لمعالجة كل مكون من مكونات المنظومة بحيث يتيح ذلك تحقيق التكامل المعلوماتي القطاعي في إطار توجهات إقامة الشبكة الوطنية للمعلومات، إعطاء أهمية خاصة لتنظيم وإنتاج المحتوى المعلوماتي بصورة رقمية، إعادة إنتاج وإصدار المحتوى وفقاً لما كان سابقاً من الجهات المعنية وعلى أسس تكوين قاعدة بيانات متكاملة موحدة للبيانات الصناعية، والاهتمام بتحقيق الربط الشبكي الصناعي على الأقل بمنظومات فرعية مثل: الصناعات الغذائية، الصناعات الدوائية، …إلخ، برعاية وزارة الصناعة؛ تمهيداً لربط واسع لمنظومة متكاملة للمعلومات الصناعية، وأن تُبنى منظومة المعلومات الصناعية وشبكة المعلومات الصناعية في إطارها، بحيث تحقق شروط وعوامل الارتباط بشبكة المعلومات الصناعية العربية والتنسيق في ذلك؛ للحصول على دعم عربي في هذا الجانب.
51% من الآراء تؤكد على وجود تأثير كبير للصناعات الصغيرة والمتوسطة تجاه الاقتصاد المحلي
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني نفذته وح…