تداعيات النزوح تتسبب بحرمان الفتيات من التعليم
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
نزحت منال عبدالله (26عامًا) مع أسرتها، من شارع الأربعين وسط مدينة الحديدة، مع الآلاف من الأسر؛ جراء وصول المعارك إلى المناطق المجاورة من مطار الحديدة في العام 2018م، حينها كانت تدرس في الجامعة في المستوى الثاني (بكالوريوس إعلام – قسم الإعلام – كلية الآداب جامعة الحديدة). وصلت الأسرة إلى أحد أرياف محافظة تعز غربي اليمن حيث أهل الأسرة ومنازلهم، ومكثوا هناك لأكثر من عامين. وبسبب استمرار المعارك في المدينة وعدم قدرة الأسرة على دفع تكاليف السفر، وجدت منال صعوبة في العودة إلى الجامعة والبدءِ في المستوى الثالث مع زملاء الدفعة.
تقول منال: “حزنت كثيرًا على عدم مواصلة الدراسة مع زملائي وزميلاتي في الدفعة، غصة اجتاحتني حين أخبرتني زميلة لي بأنَّ العام الدراسي الجديد في الجامعة قد بدأ وتوالت محاضرات الأساتذة في الجامعة”.
عادت منال بعد عامين لتجد زملاء جدداً وملامح المدينة قد تغيرت، إذ أنَّ آثار الدمار قد ظهرت على وضع التعليم في الجامعة، قائلة: “وجدت الكثير من التدهور، وآثار النيران على الجدران والعديد من قاعات التعلّم، ولحسن الحظ أَّنَّ الكلية التي أنتسب إليها (كلية الآداب) سلمت من الدمار لعدم وصول الحرائق إليها؛ لذلك استضافت الكثير من الأقسام في مبنى الكلية وباتت مزدحمة بشكل كبير”.
اما شقيقتها سالي (30 عامًا)، التي انتقلت مع بعض أفراد الأسرة إلى ريف تعز، فلم تستطع إكمال تعليمها؛ بسبب ظروفٍ مرَّت بها الأسرة هناك. ولأنَّها تحمل أمل العودة للتعلم ومحو أميتها؛ وجدت في “مركز الصديق لتعليم القران الكريم ومحو الأمية” الذي افتُتح في قريتها فرصة لتحقيق رغبتها.
“مركز الصديق” هو اسم المركز التعليمي الذي افتُتح في قرية الشعبة في مديرية الصلو التابعة إداريًا لمحافظة تعز. يضم المركز أربعة فصول دراسية، وخزانًا أرضيًا بُني من أجل محو أمية الفتيات والنساء في الريف وتعليم القرآن الكريم بحسب قول القائمين عليه. وللمركز خطط مستقبلية، مثل إقامة ورش تدريبية للنساء والفتيات؛ لإكسابهن مهارات حياتية وتعليمهن وتطوير قدراتهن في العديد من المهن، مثل الخياطة والتطريز والكوافير وغيرها من المهن.
قال فيليب دواميل (ممثل اليونيسف في اليمن): “يعد الحصول على تعليم جيد من الحقوق الأساسية لكل طفل، بما في ذلك الفتيات والأطفال النازحين وذوي الاحتياجات الخاصة”. وفي تقرير نشرته منظمة اليونيسف، في الخامس من يوليو 2021م، حُذر فيه من أنَّ عدد الأطفال المعرضين لخطر تعطل العملية التعليمية في اليمن قد يصل إلى ستة ملايين طفل.
النزوح وعزوف الفتيات عن التعليم
يوضح ذات التقرير، الذي حمل عنوان “مليونا طفل في سن الدراسة أصبحوا خارج المدارس في اليمن”، أنَّ أكثر من 523,000 طفل نازح في سن الدراسة يعانون من صعوبة الحصول على التعليم؛ بسبب عدم وجود مساحة كافية في الفصول الدراسية الحالية نتيجة تضرر المدارس وتحويل بعضها إلى ثكنات لأطراف الصراع أو إلى سكن للنازحين أو بسبب تعرض الطلاب والمعلمين لمخاطر النزاع.
وكشفت دراسة أجرتها الغرفة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بعنوان “دراسة متعددة القطاعات عن النازحين في اليمن” أنَّ عدد الطلاب والطالبات النازحين في المنازل ولم يلتحقوا بالتعليم 67204 من الطلاب والطالبات، وأنَّ عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم في المخيمات 47237 طفلاً، وأنَّ 30% من المخيمات لا يتوفر فيها تعليم للأطفال، بينما 40% منها يتوفر التعليم فيها لكن بمستوى ضعيف جدًا. وأثبتت الدراسة ذاتها أنَّ 86% من إجمالي عدد المخيمات لا يتوفر ضمنها أي مدارس، وأنَّ 33% من المخيمات فتتوفر المدارس ضمنها في مناطق بعيدة عنها.
أوضح تقرير “الأزمة في اليمن” الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أنَّ قلة فرص حصول الفتيات النازحات على الخدمات الأساسية تزيد من احتمالية فقدانهن إمكانية الالتحاق بالمدارس؛ لأنَّ الأسر التي تعاني قلة الموارد لا تعطي أولويةً لحق بناتها في التعليم.
ياسمين عبد الجليل (ناشطة مجتمعية ومعلمة في مدرسة حكومية)، تقول لـ”صوت الأمل”: “الفتيات النازحات هن أكثر تضررًا بفعل الصراع؛ فكثير منهن يقررن عدم مواصلة دراستهن بسبب ظروف البيئة في المجتمع المضيف، وهناك فتيات نزحن لمناطق لا تتوفر فيها مدارس قريبة، وأخريات ينتقلن لمناطق ريفية ثم ينشغلن في أعمال الأرض وجلب الماء، ويمارسن مهناً أخرى تحول دون مواصلتهن التعليم”.
وترى ياسمين أنَّ الكثير من أولياء الأمور تدفعهم الظروف المادية التي تحاصرهم في أماكن نزوحهم وصعوبة الحصول على الاستقرار والأمان إلى تزويج بناتهم –ولوكان في سن مبكرة-؛ خوفًا عليهن من الفقر والجوع والضياع، مما يسهم في عزوف الفتيات عن التعليم على الرغم من وجود مدارس وبيئة تعليمية متوفرة ومتكاملة.
مشيرة إلى أنَّ الظروف التي تعصف بحياة الفئات النازحة، وحالة التشرد وعدم الاستقرار بفعل الأمطار والسيول والحرائق، أثرت على مستوى تحصيل الفتيات للتعليم وعلى استيعابهن؛ نتيجة عدم توافقهن مع مكان النزوح والمجتمع المضيف.
فيما توضح دعاء منصور (ناشطة شبابية في الأعمال الإنسانية) أنَّ النزوح قد أثر على تعليم الفتيات؛ فكثير من أولياء الأمور وجدوا صعوبة في إدراج أسماء بناتهم في المدارس بأماكن نزوحهم؛ نتيجة لعدم اصطحابهم الوثائق والاستمارات من مدارسهن في الأماكن التي نزحوا منها، لا سيما تلك الأسر التي داهمها الصراع فجأة، واضطرت إلى النزوح دون أخذ الضروريات التي منها سحب شهادات أبنائهم من المدارس.
تضيف منصور أنَّ الكثير من المدارس قُصفت وتعرضت للتدمير، وأتلفت مكاتبها بما فيها من سجلات الطلاب، فيما وجد طاقم وطلاب مدارس أخرى صعوبةً في الوصول إليها أو دخولها؛ وهو ما أثر على مستقبل المتعلمين في أماكن نزوحهم.
وتواصل منصور حديثها في أنَّ النازحين في مناطق كثيرة يتنقلون من منطقة إلى أخرى نتيجة الظروف المأساوية التي يواجهونها، وتكون إما لغلاء المعيشة أو السكن، أو لتدني مستوى الخدمات، أو لعدم قدرتهم على التأقلم مع الطقس؛ مما يرغم أبناءهم إلى ترك التعليم، وأن الفتيات النازحات يواجهن تحديات أخرى مثل عدم وجود مساحة كافية في مدارس المناطق التي نزحن إليها بسبب الازدحام الشديد فيها.
من جهته يقول الصحفي صلاح محمد أنَّ الفتيات النازحات عرضة للأمية والجهل؛ نتيجة عدم وجود مدارس، أو بعد المسافة بين أماكن النزوح وتلك المدارس، وأيضًا لعدم قدرة الأسر على توفير تكاليف الدراسة من رسوم ومستلزمات ومصاريف أخرى، وكلها عوامل ساعدت على حرمان الفتيات النازحات من التعليم.
محمد يوضح أنَّ الكثير من الفتيات النازحات دفعتهن الظروف المادية القاهرة التي تمر بها أسرهن وفقدهن للمعيل وتحمل مسؤولية أفراد الأسرة إلى الانخراط في العمالة والتسول؛ الأمر الذي ساهم في عدم ذهابهن للمدرسة، ومواصلة التعليم.
وأشار تقرير أممي بعنوان “احتياجات الحماية الخاصة بالنساء والأطفال عاجلة، لكن الموارد محدودة”، المنشور في17 نوفمبر2021 م، إلى ارتفاع عدد حالات زواج الأطفال في أوساط النازحين بثلاث محافظات يمنية، وإلى وجود حالة زواج واحدة بين كل خمس فتيات نازحات تتراوح أعمارهن ما بين 10-19 عامًا، مقارنة بواحدة من كل ثمان فتيات في مكان النزوح.
وجاء في التقرير تعرُّض الفتيات النازحات إلى الإكراه على العمل في مجال الجنس، والتسول، وعمالة الأطفال، والاتجار بالبشر، ومحاولة الانتحار وغيرها من الأمور. وأشار إلى أنَّ ما يقدر بنحو 73% من النازحين، من بين أكثر من أربعة ملايين نازح في اليمن، هم من النساء والأطفال.
تأثير الصراع على تعليم الفتيات
تقول الصحفية منيرة الطيار: “الصراع أثر بشكل كبير على التحاق الفتاة بالتعليم سواءً أكان تعليم مدرسي أو جامعي لا سيما التأثير الاقتصادي الذي سببه والذي كان له دور قوي في عزوف الأسر عن تعليم بناتهم؛ بسبب الرسوم التعليمية الباهظة من التسجيل حتى القرطاسية ووجبة الإفطار والمواصلات”.
تواصل الطيار حديثها، عن أثر الصراع على تعليم الفتيات، بأنَّ زيادة التعداد السكاني كان قاصمًا بعد أن تخلت الدولة عن دورها في التعليم المجاني، فبات ولي الأمر لا يستطيع تعليم أبنائه وبناته، فالأسرة الواحدة لديها ما بين ثلاثة إلى ستة أبناء، بشقيهم (الذكور والإناث) جميعهم بحاجة إلى التعليم فتضطر العائلة لجعل الفتاة تعزف عن التعليم ليدرس أخوها الذكر بدلًا عنها.
باعتقاد رجاء الدبعي (مديرة مدرسة نعمة رسام في تعز) أنَّ الصراع والاضطراب الحاصل بين أوساط اليمنيين، والمتناقضات الاجتماعية الملموسة جميعهم يؤثرون على مدى التحاق الفتيات بالتعليم، ويختلف التأثير من أسرة إلى أخرى.
مضيفة أنَّ هناك من يرى أنَّ هذه الصراعات لا بد من مواجهتها بالتعليم، والحرص على التمسك بالأخير؛ لأنَّه -على حد وصفها- آخر طرق النجاة من الضياع المتعمق في المجتمع؛ بسبب استمرار أحداث الصراع، في حين أنَّ أسراً أخرى ترى أنَّ توقف الفتاة عن التعليم، وزواجها أكثر أمانًا واستقرارًا لها في ظل هذه المخاوف التي يعيشها اليمنيون جراء استمرار النزاع.
مؤكدة على أنَّ انتشار الجريمة بكل أنواعها من مخدرات واختطاف يجعل الأهالي أكثر تحفظًا في تشجيع بناتهم على التعليم، وأنَّ التعارف بين الطالبات من مجتمعات مختلفة -أحدثها النزوح- ينقل أفكاراً قد تكون غير أخلاقية ومخيفة، وقد تؤدي إلى الانحراف إذا لم تتيقظ لها الأسرة وتحافظ عليهن، وهذا الأمر يجعل الأسرة تفضل لبناتها عدم استمرارية التعليم، وترى أنَّ بقاء الفتاة في بيتها وزواجها أحسن من الضياع.
وتوضح الدبعي في حديثها: “الديون والفقر قد يجعلا الأسرة تقرر تقديم زواج البنت على دراستها؛ في سبيل حل مشكلاتهم المادية؛ وبالتالي تتسرب الطالبة من المدرسة”.
من جهتها تقول سمية عبد الملك فرحان (وكلية مدرسة خديجة في محافظة تعز) أنَّ الصراع أثر على واقع تعليم الفتاة تأثيرًا سلبيًا ظهر أثره في الزواج المبكر، وترك التعليم؛ وذلك لعدم قدرة أوليائها على تأدية تكاليف التعليم، ومواجهة الحياة الصعبة، وإضافة للاضطراب الأسري بمناخه المستمر في التردي من مرض وموت واستشهاد وتدهور صحة الوالدين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى خشية ولي الأمر على ابنة من أن يحدث له شيء ولا تجد الفتاة من يعولها.
أكملت حديثها، بأنَّ الشعور بالإحباط من مردودات التعليم جعل بعض الأسر تلجأ إلى توقيف بناتها والاكتفاء بالتعليم الأساسي ودفعهن للبحث عن عمل يدعم أسرهن في المال ولو بالقليل؛ وذلك لأنَّ الموظفين أصبحوا يتقاضون راتباً زهيداً لا يتلاءم مع الواقع المعيشي رغم بذلهم جهداً كبيراً في هذه الوظيفة.
وتؤكد فرحان أنَّ نزوح كثير من الأسر إلى القرى والأماكن الآمنة حيث لا تحظى الفتاة فيها بالتعليم، وصعوبة التأقلم مع البيئة الجديدة، والضعف العام في بنية الفتاة وصحتها نتيجة الجوع أثناء النزوح، كل ذلك يؤدي إلى توقف الفتاة عن التعليم؛ مراعاة لصحتها بسبب قلة المواد الغذائية التي أدت إلى هذا التدهور الصحي وظهور أعراضه.
وتعتقد فرحان أنَّ ظهور الكثير من البرامج التي تستقطب اهتمام الفتاة في مواقع التواصل الاجتماعي وتجرُّها بطريقة غير مباشرة إلى ترك التعليم ومتابعة برامج ترفيهية، لا تقدم للبشرية والمجتمع شيئاً ، وهذا يكون لدى الأسر القادرة على الاشتراكات والمتابعات.
فيما يرى معلم في إحدى المدارس الحكومية -فضل عد ذكر اسمه، وسنرمز له بـ(ل. ع)- أنَّ أعظم ما أثر به الصراع على تعليم الفتاة هو نشر الفقر؛ حيث أجبرت كثيرٌ من الأسر على منع الفتيات من الذهاب للمدارس بسبب عدم قدرة الأهالي على توفير متطلبات الدراسة من مصاريف ومستلزمات ورسوم وغيره.
ويقول (ل. ع): “ارتفعت أسعار القرطاسية أضعاف ما كانت عليه قبل الصراع، في الوقت ذاته الذي فقد كثير رواتبهم وفرص عملهم، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني؛ فالأب الذي يعيل خمسة أبناء كيف يستطيع توفير احتياجات المدرسة لهم جميعاً؟!”.
مشيرًا في حديثه إلى وضع المعلمين الذين تركوا المدارس؛ بحثاً عن فرص عمل بعد أن انقطعت رواتبهم، أو لعدم تغطيتها احتياجات ومتطلبات الأسرة، ومضيفًا بالقول: “المعلمون المتطوعون تكفل برواتبهم أهل الخير من الأغنياء والمغتربين، وفي بعض المناطق كانوا قد طلبوا من أولياء الأمور دفع مبالغ رمزية نهاية كل شهر؛ من أجل رواتب المتطوعين، وهذا ضاعف من حالات عزوف الفتيات عن التعليم”.
بحسب تقرير أممي، بعنوان “تعمل منظمة اليونيسف في اليمن لضمان عدم تفويت الأطفال فرصهم التعليمية بالكامل؛ بسبب النزاع المستمر في البلاد”، تواجه اليمن أزمة حادة في التعليم، وأنَّ ما يقارب ستة ملايين طالب وطالبة يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم.
التقرير ذاته أشار إلى أنَّ الضربات التي تعرضت لها البنية التحتية التعليمية قلصت من فرص حصول الأطفال على حقهم التعليمي وعلى العملية التعليمية، وأنَّ الصراع أثر على مستوى النمو العقلي والإدراكي والعاطفي لدى الأطفال.
وذكر التقرير أنَّه في عام 2021م نُفّذ برنامج التعليم في حالات الطوارئ، من قبل منظمة اليونيسف، وذلك في إطار الاستجابة الطارئة للأطفال النازحين. وحسب التقرير، استهدف البرنامج 40,000 من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس (60% منهم فتيات) وهذا يشمل خدمات التعليم والحماية والتركيز بشكل خاص على الأطفال في إطار محافظة مأرب.
استطلاع.. 90%: يوجد تمييز نوعي في نيل فرص التعليم باليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد توصلت نتائج استبيان إلكتروني نفذته وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في…