زواج القاصرات ثقافة تهدد فتيات الأسر الفقيرة في اليمن
صوت الأمل – أحمد عُمر
تلجأ الكثير من الأسر اليمنية إلى تزويج فتياتها في وقت مبكر؛ بغية التخلص من مستلزماتهن الخاصة ونفقة تعليمهن، نتيجة الفقر المدقع الذي يمر به أغلب سكان الجمهورية اليمنية؛ جراء الحالة الاقتصادية المتدهورة والصراعات المشتعلة في البلاد منذ سنوات.
وخلال نزولات ميدانية لـ “صوت الأمل”، تبين اختلاف الأسباب والمبررات التي تكمن وراء ارتباط الفقر بالزواج المبكر، ولعل القصور الذي يعاني منه القانون –خصوصًا- قانون الأحوال الشخصية المتعلق بـ” الزواج” ساهم في انتشار الزواج المبكر بشكل مخيف.
أوضحت دراسات بالجمهورية اليمنية نشرها مركز التدريب والدراسات بجامعة صنعاء عام 2008م، حول أسباب الزواج المبكر وارتباطه بالفقر في الیمن –بالأخص في محافظتي حضرموت والحدیدة لعام 2005م- أنَّ الفقر وتدني المستوى المعيشي والاقتصادي للأسر، یمثل السبب الرئيس الأول الذي یدفع الكثير من الأسر إلى تزویج فتياتها في سن مبكر، وذلك لأنَّ الفتاة تمثل عبئاً مادياً واجتماعياً للأسرة بعكس الذكور، حيث يساهم الفقر الشديد والعوز بشكل رئيس في زواج الكثير من الفتیات الصغيرات من رجال مسنين أو متزوجین.
وبحسب دراسة لمركز التدريب والدراسات بجامعة صنعاء حيال “الزواج المبكر في الیمن فإنَّه توجد علاقة بين الفقر والزواج المبكر، حیث أرجع 91.32% من المبحوثین (247 امرأةً و285 رجلًا من بین 1738 مبحوثاً) سبب الزواج المبكر للأولاد “الذكور” إلى توفر الإمكانيات المعيشية والمادية .
مضيفة بأنَّه على العكس من ذلك، توفر الإمكانيات المالیة لدى الأسرة التي لديها إناث، لا یعد شرطاَ ضروریاَ لتزویج الفتاه في سن مبكرة إطلاقاً .
وفي دراسة نشرتها الباحثة شذى نجاح الدعمي في شهر مايو 2019م، تؤكد علاقة الزواج المبكر بالفقر، فذكرت أنَّ أغلب الفتيات “القاصرات” المتزوجات يبقين مسلوبات الحقوق ما دامت العادات والأعراف والتقاليد تحكم واقعها أكثر مما يحكمه الدين، بل أصبحت هذه الموروثات الفكرية والاجتماعية المتعلقة بـ(زواج القاصرات) وبحسب الدراسة -مع مرور الزمن- دينًا مقدسًا ومذهباً فكرياً يُعاقب عليه كل من يخرج عن أفكاره وعاداته.
وأشارت الدعمي إلى أنَّ الارتباط (الزواج)، ظاهرة ثقافية معقدة عند بعض الشعوب؛ ما يجعل زواج القاصرات أمراً متاحاً، حيث تتحمل الكثير من الفتيات العرائس “القاصرات” وهن مراهقات أعباء كثيرة، تزيد من خطر التعرض للمضاعفات الجسدية خلال فترة الحمل (التسعة أشهر) وفترة الولادة – عليهن وعلى أطفالهن الرضّع .
وقالت الباحثة: “قد تؤدي هذه الممارسة (زواج القاصرات وحملهن) إلى عزل كثير من الفتيات عن العائلة والأصدقاء، واستبعادهن من المشاركة في مجتمعاتهن؛ وذلك يؤثر تأثيرًا كبيرًا على سلامتهن البدنية والنفسية”.
موضحة بما أنَّ زواج القاصرات يؤثر كثيرًا على صحتهن، وعلى مستقبلهن وعلى العائلة التي يعشن معها، مما قد يفرض أعباء اقتصادية كثيرة وفادحة، حيث إنَّ أغلب حالات زواج القاصرات تؤدي إلى الحمل المبكر المسبب للوفاة في كثير من الأحيان، -خاصة- في المناطق الريفية والنائية التي لا تزال العادات والتقاليد القديمة تتحكم في حياة الناس بها.
سلمى عبدالله، تبلغ من العمر 15 عامًا وتقطن في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، لم تنجو كغيرها من الصغيرات من ظاهرة زواج القاصرات، التقى بها مراسل صحيفة “صوت الأمل”، وهي من أسرة معدمة وفقيرة وتعد أكبر أخواتها، فاضطر والداها -من عسر الحال- إلى تزويجها، تقول سلمى: “زوجني والدي الذي يعمل بالأجر اليومي في عام 2019م لشاب أجنبي ميسور الحال يحمل جنسية أمريكية، يبلغ من العمر 29 سنة، وهو (من أصول أفريقية) أتى إلى محافظة حضرموت؛ ليتعلم الدراسات والعلوم الإسلامية بمدينة تريم أسوة بغيره من الأجانب الوافدين إلى المحافظة لتلقي العلم من كبار العلماء في المحافظة”.
مواصلة حديثها: “عشت معه لفترة محدودة، كان لا يعي مسؤولية تلك العلاقة الزوجية، ولا أهميتها وقيمتها، غيَّر تعامله معي، ابتدأ بتجريحي كثيرًا بالكلام، ثم بالضرب المبرح علي ومن شدة الضرب والعنف في المعاملة؛ مرضت مرضًا شديدًا ولم أستطع مقاومته، ولم يعد بمقدوره فعل شيء إلا أن يأخذني إلى بيت أهلي، ومكثت هناك أربعة أشهر دون أن يسأل عني أو حتى يعطيني حقوقي المادية أو يطمئن علي”.
وتابعت سلمى بقولها: “أراد والدي بعد مرور تلك الفترة، معرفة أسباب هذا الهجر والعنف، وسبب عدم إعطائي حقوقي، اتصل بزوجي مرارًا، ولكن الأخير لم يرد، وبعد عدة محاولات رد عليه زوجي قائلًا لم أعد أريد أن استمر معها في الزواج، فهي “طالق”، دون أن يوضح الأسباب” .
وفي تقرير نشره موقع الأمم المتحدة في 16 من شهر فبراير 2019م، يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أنَّه في العدد المتوسط في العالم، يتم تزويج عشرات الآلاف من الفتيات -كل يوم- بما يعد انتهاكاً صارخاً لحقوقهن، بالإضافة إلى تعرضهن القاهر للعنف المحتمل؛ مما يهدد صحتهن و يؤثر على حياتهن بشكل كبير.
وأوضح الصندوق أنَّ البرامج التي أطلقها تهدف إلى إنهاء زواج الأطفال “القاصرات”، وقد باتت تُحدث فرقًا كبيرًا، حيث إنَّها تسهم في منع زواج الصغيرات، وتحرر الأطفال من الروابط غير المرغوب فيها، مشيرًا إلى أنَّ المستقبل قد يبدو مختلفًا جدًا إذا تم تسريع هذه الجهود الكبيرة.
وعن فضائع الزواج المبكر وارتباطه الوثيق بالفقر، تحدثت صحيفة “صوت الأمل” مع ضحية أخرى فتاة من محافظة حضرموت تدعى سناء أحمد فرض والدها عليها الزواج وهي لم تتجاوز الـ14 سنة؛ لأسباب اجتماعية (فقر الأسرة). تزوجت عام 2020م برجل يكبرها بـ 10 سنوات من محافظة عدن -جنوب البلاد- و لم تكن له أي قيمة في بيته، ولم يكن سيد قراره غير أنَّ أخته هي الآمر الناهي في ذلك البيت، حتى متطلبات ومصاريف تلك الزوجة لا تتم إلا بواسطة الأخت.
وذكرت سناء أنَّها لم تشعر بقيمة العيش ولا الحياة الزوجية برفقة زوجها، الذي كان يتوجب عليه أن يكون السند والعون لها، فكان الحلقة الأضعف؛ بسبب تسلط أخته وتدخلها في شؤونهم الخاصة، ولصغر سن سناء لم تستطع كسب زوجها.
انتهت علاقة سناء أحمد مع زوجها بالطلاق بعدما طلبت منه ذلك حين عجزت عن التعايش معه، فأصبحت مطلقة؛ بسبب الفقر وثقافة الزواج في سن مبكر الذي أجبر عائلتها على تزويجها صغيرةً -حد قولها-.
وفي بيان صُحفي أكدت منظمة “أوكسفام” الإغاثية الدولية، أنَّ أسرة يمنية من محافظة عمران قررت تزويج طفلة في الثالثة من عمرها مقابل الحصول على الطعام والمأوى.
وذكرت “أوكسفام” في البيان الذي نشرته عبر موقعها الإلكتروني في فبراير عام 2019م، أنَّ الأزمة اليمنية ترغم الأسر على اتخاذ تدابير يائسة من أجل البقاء؛ فإنَّ النزاع وارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع قيمة الدخل للفرد، أمور تُرغم المواطن في اليمن على اللجوء إلى تدابير صعبة لدرء الجوع.
وأشار البيان إلى أنَّ الأسر التي دفعها الجوع والعزلة جراء النزوح إلى تزويج بناتها (لم يتجاوز عمر إحداهنّ ثلاث سنوات)، مقابل شراء الغذاء والحصول على المأوى؛ لإنقاذ من تبقى من الأسرة، وتعد منظمة “أوكسفام” ما حصل أمراً صادماً .
ونقل البيان عن مدير مكتب منظمة أوكسفام -وهي منظمة عالمية تتبنى المواقف المنحازة للشعوب الفقيرة والمستضعفة حول العالم-، أنَّ في اليمن ومع استمرار الصراع، أصبحت طرق تعامل الناس مع مستويات الجوع القاتلة أكثر يأسًا، وإنَّ كثيرين أُجبروا على اتخاذ خطوات تدمّر حياة أطفالهم الآن ولعقود قادمة.
ولا يمكن إنكار أنَّ مشكلة زواج الأطفال، تتطلب معالجة حقيقة والاعتراف بكثير من العوامل المختلفة التي تؤدي إلى استمرارية هذه الظاهرة، كونها تؤرق حياة الكثيرات من الفتيات، وقد تختلف جذور هذه الظاهرة أو الممارسة من دولة إلى أخرى.
والثقافات التي تسود أغلب المناطق والعادات والأعراف، تعد سببًا رئيسًا لا محالة، وكذلك الفقر بوصفه السم والسبب الأكبر الذي فرض على كثير من العائلات تزويج بناتهن مبكراً؛ للتخفيف من العبء الاقتصادي وسوء المعيشة أو لكسب الدخل .
وأيضاً قد تفعل عائلات أخرى ذلك؛ ظنًا منهم أنَّهم بذلك يؤَمِّنون مستقبل بناتهم أو يحمونهن من قساوة العيش والحياة؛ بسبب الحالة الصعبة التي يعيشونها .
وعلى صعيد متصل أوضحت (المحامية عهد الكسادي) أنَّ قانون الأحوال الشخصية أجاز زواج الصغيرات على أن يكون للمعقود حق الوطء بزوجته بعد بلوغها، كما أنَّ زواج الصغيرات جائز بشرط أن يكون القصد منه تحقيق مصلحة.
ونوَّهت في تصريح خاص لـ “صوت الأمل” إلى أنَّ محاربة ظاهرة الزواج المبكر يكون من خلال عمل حملات مناصرة؛ لسن تشريعات تحدد سناً معيناً للزواج ومعاييرَ واضحةً.
وذكرت الكسادي أنَّ الحاجة والعوز عامل من العوامل التي تجبر الكثير من الأسر التي تعاني من قلة الوعي على تزويج بناتهم لمكاسب مادية، مبينة أنَّ ذلك يعود على الأهل بمشكلات أسرية -قد تنتج عن ذلك- كالطلاق وغيره.
إنَّ الفقر والوضع المعيشي الاقتصادي الصعب الذي تعيشه أغلب الأسر اليمنية، بالإضافة إلى غياب فرض القوانين، وقلة الوعي لدى كثير من أولياء الأمور سبب استفحال الظاهرة . لم تكن سلمى وسناء ضحية الزواج المبكر فحسب بل للطلاق ناب ومخلب، حالهن كحال الكثيرات، في ظل غياب الرقابة القانونية، وتدهور الوضع الاقتصادي التي ألقى بكاهله على هذه الفئة المستضعفة في اليمن.
الفتيات اليمنيات أكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من الفتيان
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجرته (وحدة المعلومات واستطلاع الرأي) …