آثار نفسية للزواج المبكر تطال الفتيات الصغيرات
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
في العام 2017 م تزوجت زينة وهذا اسم مستعار حسب طلبها، وكان عمرها 12 عامًا، من شاب بعمرها، زوجها والدها قسرًا، كانت متعلقة بالمدرسة وحريصه على إكمال تعليمها إلا أن اصرار والدها حال دون ذلك -حد تعبيرها-.
تقول زينة أنها رفضت الزواج بكل الطرق، وحاولت والدتها وشقيقاتها التدخل ومنع الزفاف، لكن دون جدوى فوالدها يرى أن زواج الفتاة ضروريًا وحماية لها ولتخفيف العبء عليه، –خاصة- أن الأسرة كبيرة وهو غير قادر على توفير احتياجاتهم –لاسيما- مع توقف راتبه، وعلى هذا الأساس قام بتزويج بناته الأخريات.
قائلة: “لم يدوم زواجي طويلًا، ثلاثة أشهر –فقط- قضيتها مع زوج لم يعي بعد مسئولية أن يكون زوج وأب ورب أسرة، كان يخرج ولا يعود إلا في وقت متاخر من الليل، و يظل ساعات طويلة يتحدث على الهاتف في غرفه أخرى من المنزل، وبعد أسابيع اكتشفت أن والده زوجه رغمًا عنه، وعرفت أيضًا أنه كان يريد ابنة خالته، حاولت تغيره دون أدنى فائدة، وبدأ يضربني ويعتدي علي”.
تضيف زينة أنها عادت إلى منزل أهلها، وأصرت على الطلاق، و قررت إكمال دراستها، بعد عام تقدم شاب آخر لها، واستطاع والداها إجبارها مرة أخرى على ترك تعليمها وتزويجها، استسلمت زينة لقرار والدها وتزوجت وأنجبت أول مولود لها.
تتحدث زينة بمرارة: “أشعر بيأس وحزن شديدين عندما أرى فتيات يذهبن للمدرسة، و أخريات في مقر أعمالهن، كما أشعر أني خسرت شيئًا مهما لم يعد باستطاعتي تعويضه، في أوقات عديدة أجد نفسي بحاجة للبكاء، وأرغب بالاختفاء بعيدًا عن الجميع”.
زينة ليست الوحيدة في اليمن ممن تزوجت دون السن القانوني، فهناك العديد من الفتيات اللاتي يجبرن على الزواج، ويتعرضن لآثار نفسية وأمراض ترافقهن حتى سن متأخر من حياتهن، مما يجعلهن أمهات غير قادرات على احتواء أبنائهن وتربيتهم بطريقة سليمة؛ ليكونوا هم كذلك ضحية نتيجة الزواج المبكر، فعدم الرضا والتوافق بين الزوجين؛ يولد الكثير من المشاكل بين الآباء أنفسهم وهو ما يقع أثره على الأطفال في الأسر.
الظاهرة بالأرقام
سلب زواج الصغيرات الكثير من الفتيات في اليمن طفولتهن، وحرمهن العديد من الحقوق، أعظمها من أن يعشن تفاصيل حياتهن كما يجب، وجعلهن يتحملن طاقة تفوق قدرتهن الطبيعية ومسئوليات أثقلت كاهلهن، واطفئت نشوة الطفولة في أعينهن، حتى أصبحن أمهات قبل الآوان .
تقرير أممي بعنوان (زواج الأطفال يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الفتيات والنساء) نشر في الثامن من ديسمبر 2011 م، دعا الحكومة اليمنية إلى ضرورة تحديد سن 18 عامًا للزواج؛ وذلك من أجل حماية الفتيات، وحرصًا على نيل حقوقهن وحصولهن على فرص الحياة، بشكل أفضل.
تقرير أممي آخر نشر في السابع من ديسمبر من العام نفسه والذي حمل عنوان ( كيف تسمحون بزواج الفتيات الصغيرات؟) أشار إلى أن 14 % من الفتيات اليمنيات تزوجن قبل ميلادهن الخامس عشر، وأن فتيات في الريف اليمني يتزوجن وهن في السنة الثامنة من عمرهن.
فيما كشفت دراسة بعنوان (إيصال اصوات المهمشين) استهدفت ثلاث محافظات صنعاء وعدن وتعز جديدة اعدها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ونشرت بتاريخ 14 سبتمبر من العام2021م، أن نسبة زواج القاصرات من فئة المهمشين من سن (10 إلى 18 سنة) في العام 2020م تقدر في محافظة صنعاء 27%، وفي عدن 6% وفي تعز 17.9%.
إلى جانب ذلك فإن الكثير من ضحايا الزواج المبكر من الفتيات، يواجهن حياة قاسية مملوءه بالمخاطر الصحية، تنتهي بهن إلى الوفاة في أوقات كثيرة، ومن نجا منهن فإنهن عرضة للعنف الأسري يصل إلى الاعتداء الجسدي ( الضرب) أو الاغتصاب الزوجي، والذي يؤدي بدوره إلى تشرد الأبناء وتفكك الأسرة وفقدانها الاستقرار والأمان.
الآثار النفسية للزواج المبكر
تتحدث هبه أحمد ( 29عامًا) ام لأربعة أبناء، تزوجت في سن 13عامًا من رجل أكبر منها بسنوات كثيرة، عن شعورها اتجاه زواجها في سن مبكر، تقول:” أشعر بقهر، أرى أنني فتاة مظلومة سلب حقها، ومستقبلها ضائع، لم تعيش حياتها بالشكل الصحيح وحرمت من طفولتها”.
تقول هبة أن أسرتها تقوم بتزويج الفتيات حتى لا يكبرن ويفوتهن قطار الزواج (يصلن لسن العنوسة)، ويصبحن عانسات، حتى أنه إذا رفضت فتاة من العائلة الزواج، يقوم الآباء باقناعها على الموافقة، وأن زواجها وهي في سن صغير لصالحها؛ لأن الشباب لا يفضلون الفتيات عندما يتقدمن في السن، وهو ما يجعلهن يوافقن على الزواج برضاهن.
بهذا الخصوص تقول (الأخصائية النفسية ياسمين فتحي غيلان) أن الفتيات الصغيرات عند تزويجهن يجعلهن يتحملن مسئوليات في سن صغير، وهذا يؤثر بشكل كبير على نفسيات الفتيات، وتترتب عليه الكثير من الآثار النفسية، موضحة أن الفتاة تعيش واقع غير مستعدة له، إلى جانب أنها تواجه حياة عكس ما كانت تتوقع، فتكون الفتاة غير مستقرة، فتصاب بحالة اكتئاب وحزن وقلق وغيره وهذا يؤثر على حياتها.
تزيد غيلان أن تعرض الفتاة في سن مبكر بألم نفسي أو ضغط نفسي يأثر على حياتها بشكل سلبي؛ لأن الفتاة وهي طفلة تكون مشاعرها حساسة وتعرضها لأزمات نفسية يترتب على نفسيتها في جميع جوانب حياتها، ويجعلها تتحمل فوق طاقتها فتكون بذلك فتاة غير مستقرة مما قد يؤدي إلى الطلاق، وترى أن تزويج الفتاة وهي في سن صغير يجعلها تفقد طفولتها وبالتالي لا تكون نعمة الأم لأطفالها.
من جهته يقول (الأخصائي صخر طه مدير الوحدة النفسية في المركز الطبي الخيري)، أن كثير من الأثار النفسية التي تطال الفتيات الصغيرات تتمثل في الخوف من الانفصال إلى جانب الكثير من الاضطرابات النفسية مثل: القلق، وعدم قدرتها على التكيف مع الزوج، والأسرة الجديدة التي انتقلت إليها؛ وهذا يسبب للفتاة أزمات نفسية، ويؤدي بدوره إلى عدم التوافق في الحياة الزوجية، والذي قد يؤدي في أحيانًا كثيرة إلى الطلاق.
ويشير طه إلى الآثار النفسية المترتبة على الفتيات في الأسرة قائلًا: “يشعرن الفتيات من التخوف والتعقد من الزواج، بل ينظرن للحياة الزوجية على أنها معركة تدخل فيها الفتاة وليست حياة سعيدة وجو محبة”.
فيما يقول (عبدالله الأمير أخصائي نفسي) أن للزواج المبكر أضرار كثيرة من الناحية النفسية وهو يتعارض مع النضج والمسئولية، وأن الزواج يعتبر بحد ذاته مسؤولية وثقل.
ويضيف في حديثه “الإنسان في وقت مبكر مازال في عقلية الطفل، دائمًا يهرب من المسؤوليات، وبالتالي يكون الزواج حمل كبير جدًا وثقل عليه، وهو ما يؤثر نفسيًا عليه ويكون مقدمة لتأثيرات نفسية خطيرة في المستقبل.
ويرى الأمير أنه عندما تحدث مشاكل بين الزوج والزوجة أو بين الزوجه وأهل الزوج، يبدأ الضغط الشديد على الفتاة لأنها لازالت غير مهيئه لخوض مشاكل من هذا النوع، موضحًا أنه عندما تتزوج الفتاة لبيت أهل الزوج، قد يحدث عدم تكيف وتأقلم وتوافق معهم وهي لاتزال بعقلية الطفل –خاصة- عندما تبدأ بالإنجاب تقع على عاتقها مسئولية الطفل والزوج والأهل، فهنا يتشكل نوع من الضغط الشديد، -لاسيما- إذا ترافق مع ذلك بعدم وجود توافق زوجي.
ويشير الأمير إلى أن التأثيرات والعقد النفسية، تأثر على الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكر؛ والسبب أنه لا يكون هناك ثقافة زوجية جيدة، وهو ما يمكن أن يؤثر على الفتاة، ويدخلها في عقدة شديدة؛ بسبب مايتعرضن له من صدمات لم يكن مهيآت لها.
واصفًا الزواج المبكر على الفتيات أنه زواج خارج نطاق النضج؛ وبالتالي تكون الفتاة غير قادرة على حل المشاكل بالطريقة الصحيحة، والتكيف مع المتغيرات الأسرية؛ لأنها تنتقل من أسرة إلى أسرة أخرى، قد تكون مختلفة عاداتها في التعامل وفي ثقافة الأكل والنوم، وهو مايحتاج إلى قدرات ذهنية، ونضج في التكيف، وفي الغالب الزواج المبكر لا يرفر هذه القدرات.
من جهته يقول (الأخصائي النفسي أبوبكر الهلالي) أنه في كل مرحلة من مراحل الإنسان لها ظروفها وخصوصياتها ومعايرها التي تحدد النضج الكافي لهذه المرحلة، لذا فالطفلة يجب أن تعيش طفولتها بحيث تحصل على الاحتياج العاطفي الكافي من والديها، وتعيش الطفولة بكل تفاصيلها.
يضيف الهلالي أن مرحلة الطفولة مهمة في نضج الشخصية، وهي من تحدد مدى قدرة الشخص في تحمل المسئولية، وأنها قادرة على مواجهة ظروف الحياة وتحدياتها، وعند دخول الفتاة في هذه المرحلة إلى عالم مليئ بالمسئوليات – وهو الزواج وهي لم تصل إلى النضج الكافي- ولم تعيش طفولتها؛ تدخل في اكتئاب شديد وفي حالة الشعور بالذنب أنها لم تعيش طفولتها مثل بقية الأطفال، كما تشعر بنوع من الاكتئاب الشديد والقلق. مواصلًا حديثه أن الزواج المبكر يجعل الفتيات يتعرضن لصدمة عاطفية، وهي ماينتج عنها اكتئاب إضافة إلى أنهن يدخلن في حالة قلق مستمر؛ بسبب ماتواجهها من مسئوليات اتجاه زوجها وأطفالها ومنزلها، واتجاه المجتمع أنها زوجه ناجحة، وهو ما يجعلها تشعر بالذنب بأنها غير كفؤ بالدورها كأم خاصة وأن المجتمع يتعامل معها على أنها امرأة كبيرة وليست طفلة وأنها مقصرة في واجباتها وهذا ما يجعلها في دائرة الضغوط النفسية باستمرار.
الفتيات اليمنيات أكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من الفتيان
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجرته (وحدة المعلومات واستطلاع الرأي) …