استغلال الطب حاجةَ المرضى اليمنين جريمة اتجار يُعاقب عليها القانون
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
المرضى في اليمن هم أكثر من دفع ضريبة الصراع المشتعل للعام السابع على التوالي. تضرر المرضى بعدما دمرت البنية التحتية للقطاع الصحي، وهاجرت الكوادر المؤهلة إلى خارج البلاد بغية البحث عن الأمان وربما فرص أفضل، وانقطاع الطرق والحصار الذي فرض على البلاد، وارتفاع أسعار المستلزمات الطبية وتكاليف العلاج الأخرى الذي تزامن مع تدهور الوضع المعيشي، وتوسع رقعة الفقر، الأمر الذي جعل أغلب المرضى يعجزون عن دفع تكاليف الذهاب للمستشفيات وشراء الأدوية، جل ما يستطيعون توفيره هو رغيف الخبز والاكتفاء بالصبر عند المرض.
استغلال المرضى بأي شكل من الأشكال يعتبر من وجه نظر الطبيب منير بشر وهو أخصائي طب أسنان الذي رد على سؤال هل يعتبر استغلال المرضى من ضمن الاتجار بالبشر؟ بقوله: “استغلال المرضى يعتبر من الاتجار بالأشخاص”.
على الجعلي (رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر) يعتبر الاستغلال المرضى مندرجًا تحت مصطلح الاتجار بالبشر “أن استغلال المرضى إذا توفرت الأركان التالية استغلال حالة الضعف، الخداع، الإجبار، الإكراه، استخدام القوة. هذه هي أركان جريمة الاتجار بالبشر؛ فالمستشفى أو الطبيب إذا استغل حاجة المريض للعلاج وأجبره على دفع مبالغ مالية، واستغل حالة ضعفه ومارس الخداع فهي تعتبر جريمة من جرائم الاتجار بالبشر وقد وضحها القانون اليمني”.
التدهور الأمني في البلاد وانشغال الدولة في ميادين الصراع عن دورها في مراقبة العابثين والمسترزقين على حساب الضعفاء والفئات الأشد تضررًا من الصراع، وتنفيذ القوانين الرادعة للمخالفين والمتاجرين بأرواح المرضى واستغلالهم، قد ساعد من تفشي ظاهرة الاتجار بالمرضى في عموم الوطن، وهو ثمن باهظٌ يدفعه المرضى اليمنيون إلى جانب ويلات الصراع الأخرى التي يتجرعونها.
.
يقع بعض المرضى ضحية نتيجة للاستغلال الذي يتعرضون له من قبل بعض المستشفيات والمراكز الطبية، ومن قبل بعض كوادرها. في المقابل، عرف قانون جرائم الاتجار بالبشر الضحية بأنها “كل شخص طبيعي، ذكراً كان أم أنثى، تعرض لأي ضرر مادي أو معنوي، ناجمًا عن إحدى جرائم الاتجار بالبشر المنصوص عليها في هذا القانون بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الجريمة قد عُرفت هويته أو قبض عليه أو تمت محاكمته أو تمت إدانته”.
سمية عزيز (24عامًا) الابنة الرابعة لرجل سبعيني، تعيش مع أسرتها في إحدى المدن الأكثر تضررًا من الصراع، في ظروف معيشية صعبة، ويعمل والدها في محل صغير استأجره من صديقه لبيع بعض المواد الغذائية البسيطة مثل: مقرمشات الأطفال والخبز والثلج في حي شعبي فقير. أكثر ما يستطيع سكانه شراءه هو الخبز والثلج في الأيام شديدة الحرارة.
تحكي سمية قصة مرض والدها وكيف حاول بعضهم الاتجار بمرضه، قائلة: “قبل أربعة أشهر مرض أبي فجأة ونحن لا نملك أي مال، وفي ساعات متأخرة من الليل بدأ عنده السعال يزداد عما كان عليه في النهار، خافت والدتي وبدأت تجهش بالبكاء وكذلك أشقائي، كان الوقت الثالثة فجرًا، جميع المراكز التي تقدم خدماتها الطبية بسعر معقول ومناسب لحالتنا المادية مغلقة، لا سيما العيادة الخاصة الصغيرة.
لم يكن أمام سمية إلا أن تذهب الى جارتها أم فاطمة للبحث عن مال (بغرض الدين) بعد أن رأت حالة والدها تسوء: “بدأ أبي يشعر بأنفاسه تنقطع، وبدأنا نلاحظه يطلب الإشارات بوضع أداة الأكسجين على أنفه، كان يردد (أشتي أروح المستشفى، أشتي أكسجين بس ما فيش معنا فلوس). لم يكن يعلم أني قد ذهبت وأحضرت من صديقتي مبلغًا لا يزيد عن عشرة آلاف ريال. ذهبنا به إلى إحدى المستشفيات القريبة من المكان، وهناك واجهنا طاقم الطوارئ. أُخذ والدي إلى غرفه، بدأ طبيب يبدو من ملامحه أنه ممرض أو يملك شهادة مشابهة، غير متخصص بمجاله بعمق، كان يسألنا عن مرض والدنا، أخبرناه أنه كان يسعل بشدة وفجأة وجد صعوبة في التنفس”.
سماسرة الطب يتاجرون بالمرضى
الاتجار بالمرضى في اليمن سيناريو يتكرر يوما بعد آخر، خاصة مع غياب الرقابة على المنشآت الصحية والعاملين فيه والتفاعل مع شكاوى المواطنين، الذين باتوا يؤمنون أن الإبلاغ عن تقديمها أمرًا مضيعًا للوقت ولا يجني أي فائدة. يجد المواطن المريض نفسه لعبة وفرصة للسماسرة؛ للاسترزاق والاتجار بمرضهم، من قبل بعض الأطباء وشركات الأدوية ومندوبيها ومختبرات التحليل وغيرهم من المسترزقين الذين يتقاسمون النسب والفوائد على حساب المواطن المغلوب على حاله.
في المقابل يقول ناشطون لصحيفة “صوت الأمل” أن أي شيء له علاقة ببيع وحصول منفعة مالية وتجارية على حساب حاجة البشر فهو اتجار، مؤكدين أن في كل الأحوال: الاتجار يعني استغلال الحاجة واستغلال حالة الضعف.
طبيبة في إحدى المراكز الطبية -فضلت عدم ذكر اسمها- تقول: ” التحاليل التي يجريها المرضى في بعض المنشآت الطبية تفوق قدرتهم المادية على إجرائها، يخسر المريض دون فائدة بعمل تحليل يقرره طبيبه من أجل الاستفادة”.
وتعرب الطبيبة المخبرية عن حزنها على بعض المرضى الذين يجرون أكثر من تحليل، حتى أنها تتكرر في أحايين كثيرة في مدة قصيرة، وفي بعض الحالات يكون المرض بسيطًا لا يتطلب إجراؤها، بعض المرضى من الذين تقابلهم بعيدًا عن المنشأة الطبية، نسألهم عن حالتهم الصحية فيقولون: ” لم نعد نذهب إلى المستشفيات والمراكز الصحية؛ لأننا نخسر المال دون فائدة ظروفنا المادية لاتتحمل تلك الخسارات”.
تؤكد الطبيبة في حديثها قائلة: “يتطلب منا في هذه الظروف أن نتعاون فيما بيننا لا أن نستغل بعضنا، وواجب الطبيب تجاه المريض التخفيف عنه ومساعدته باللازم –لا سيما أن الفقر يطحن غالبية الشعب في هذه الظروف العصيبة-، والمواطن بات يبحث عن ماهو أهم، فقدرته المادية لم تعد باستطاعتها أن تتحمل العبث أو تتجاوزه، وكثير من الناس يتألمون بصمت دون أن يذهبوا إلى طبيب نظرًا للتكاليف الباهضة التي يتطلبها أثناء التداوي واسترزاق سماسرة الطب من مرضهم.
أثناء إجراء صحيفة “صوت الأمل” مقابلات مع بعض الأسر حول الاتجار بالمرضى، تحكي لنا أم محمد عن قصة حدثت معها أثناء مرض إحدى بناتها قائلة: “نصحني الجيران وبعض الأقارب بالذهاب إلى طبيب لعلاج ابنتي، وذهبت، كان قريبًا من الأسرة وقد وصله خبر تدهور ظروفنا المادية وأبدى مساعدته لنا بتوفير العلاجات كونه يعمل في إحدى الصيدليات مقابل أن يخصم من راتبه قيمة العلاج، وفي كل مرة كنت أذهب بابنتي للطبيب يصرف لي العلاج بخط يعجز قريبي عن قراءته، وحتى الصيدليات الأخرى عدا صيدليات تتبعه أو له مصلحة بها، من ضمنها الصيدلية التابعة لمركزه الطبي”.
يقول ناشطون في المجال الصحي في اليمن أن العبث الحاصل في البلاد في الجانب الصحي، ربما لا تعيشه البلدان الأخرى؛ فقد ساهم الصراع في تفاقمه فوق ما كان عليه.
الطبيب منير بشر (أخصائي طب أسنان) يبين لـ”صوت الأمل” أن صور الاتجار بالمرضى تتم بين الطبيب والصيدلي وهي الأشهر، وأن وصفة الطبيب نوع من أنواع التجارة المهربة، أو بين الطبيب أو بين الصيدلي وشركات الأدوية من أجل الحصول على النسبة وتبادل الفائدة.
يرى بشر أن سبب الاتجار بالبشر (الاتجار بالمرضى) هو غياب الوازع الديني موضحًا أن الطبيب يقسم أيمانًا أنه سيصون المرضى ويؤدي مهمته على أكمل وجه وغيرها من الأمور التي يقسم أنه سيلتزم بها في مهنته، وفي نهاية الأمر ينقض هذا اليمين ويحدث العكس، مبررًا عما يفعله بما يخدم الطب، وهو يدرك أن ما يفعله تجارة وتنسيق بينه وبين الصيدلي أو بينه وبين الشركة.
يشير بشر في حديثه أن بعض الأطباء عندما يأتيه مريض سبق وتعالج عند طبيب آخر ولم يجدِ علاجه أي منفعة فسيحاول استعراض كفاءته وتمكنه على حساب المريض الذي يضطر إلى تنفيذ ما يطلبه الطبيب من تحاليل وشراء أدوية دون مراعاة ظروف المريض نفسه.
فيما تقول الناشطة في المجال الصحي أمة الله عبدالله لـ”صوت الأمل” تعد مشكله الاتجار بالمرضى من أهم المشكلات في اليمن، ومكاتب الصحة بعيدة كل البعد عن ما يحصل وكأنها لا ترى أو تسمع أو تعلم؛ فالكل يساهم بالاتجار بالمرضى من مدير مستشفى وطبيب وصيدلي وغيرهم من العابثين بحياة المرضى.
وفي حديثها عن الوضع الصحي في البلاد والاتجار بحق المرضى تقول أمة الله: “بعض المنظمات تقدم خدمات طبية مجانية، مثل إجراء عمليات جراحية مجانية، وبعض المتقدمين من الأسر الفقيرة، يجدون مماطلة في التعاملات وتأخيرًا، وبعد هذا كله تجبر على دفع مبلغ مقابل إجراء العملية رغم أنها مجانية دون دفع أي مال، ناهيك عن تأخير إجرائها في أحايين كثيرة الذي يؤدي إلى مضاعفات وضرر على المريض”.
تقول أمة الله: ” بعض الأطباء في بلادنا يقوم بتحويل المريض إلى عيادات خاصة لعمل فحوصات ويكون سعرها مرتفعًا عن السعر الحكومي مما يثقل كاهل المواطن، هذا كله يكون بغرض الحصول على نسبة بعد كل مريض”.
ترى أمة الله أن بعض الأطباء يرفضون استقبال الحالة في المستشفى الحكومي ويطلب من المريض الذهاب إلى عيادته، مبررًا أن العلاج فيها سيتم بطريقة أفضل ومستوى عالٍ في الحصول على نتيجة إيجابية، وهناك يكون فارق السعر كبيرًا جدًا مقارنة بالمستشفى؛ فتجد الحالة معاناة دفع تكاليف العلاج وإجراء التحاليل.
تقول أمة الله الطبيب يساهم بالاتجار بالمرضى من خلال فرضه على المريض شراء الأدوية اللازمة من مكان محدد؛ وهو ما يكون مرتفع مقارنة بالأماكن الأخرى التي تبيع الأدوية، وهذا كله من أجل الحصول على العمولة، من الشركة أو الصيدلية.
تضيف أمة الله أن بعض العاملين في الصيدليات يروجون لأدوية بعض الشركات، ويشرحون للمرضى مزايا أدويته، وأنه علاج فعال ويعطي مفعولًا بشكل أسرع، وبفضله يتحسن المريض، لأغرائهم رغم أن سعره يكون مرتفعًا ولا يوجد اختلاف بين علاج تلك الشركة والشركة الأخرى، من أجل الحصول على نسبة من الشركة، يضطر المريض إلى شراء العلاج رغم تكلفته الباهضة مقابل أن يتحسن، ما يدفع البعض إلى بيع مجوهرات أو التدين أو رهن أشياء ثمينة أو توفير قيمة العلاج على حساب احتياجات أسرته الضرورية.
ترى أمة الله أن الحل لمحاربة الاتجار بالمرضى تكون بالرقابة على الأداء، والعمل في المستشفيات الحكومية والخاصة. إضافة إلى تكثيف الجهود من مكاتب الصحة لتوزيع الخدمات للمواطن بشكل عادل ومحاسبة مرتكبي العبث الحاصل في المنشآت الطبية، وعمل آليات محددة والسير عليها.
(د، ع) شابة تعمل في قسم التمريض في إحدى المستشفيات، تقول لـ”صوت الأمل” إن الإيجار بالمرضى يتعدى حدود الإنسانية، يكون للطبيب نسبة من الأدوية مع الصيدلية إحدى الصيدليات؛ فيقوم بتسجيلها للمريض، أو يكون الفحص موجود داخل مشفىً حكوميٍ ويحولها لمختبر آخر يأخذ منه نسبة مالية، وحجة الطبيب في ذلك أن نتائج الفحوصات في ذاك المختبر أدق وأفضل.
وتشير (د، ع) إلى صورة أخرى من الاتجار بالمرضى في المستشفيات بقولها: “الاتجار بالمرضى عن طريق السماسرة، على سبيل المثال يأتي مريض من خارج المدينة سواء للمستشفيات الحكومية أو الخاصة؛ فيقوم بعض الموظفين وأحيانًا من خارجها وهم معروفين لدى المستشفى، يرافقون المريض بداية من المعاينة إلى الفحوصات وبقية الإجراءات، وإذا معه عملية يخلص للمريض معاملة العملية بأقل التكاليف، خصوصًا إذا كان في مشفىً حكومي أحيان توصل للمجان وهو ينصب على المريض مبلغ”.
تنص المادة (6) من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، على مساعدة ضحايا الاتجار بالأشخاص وحمايتهم كما يلي: “تحرص كل دولة طرف، في الحالات التي تقتضي ذلك وبقدر ما يتيحه قانونها الداخلي، على صون الحرمة الشخصية لضحايا الاتجار بالأشخاص وهويتهم، بوسائل منها جعل الإجراءات القانونية المتعلقة بذلك الاتجار سرية”.
أيضًا: “تكفل كل دولة طرف احتواء نظامها القانوني أو الإداري الداخلي على تدابير توفر لضحايا الاتجار بالأشخاص، في الحالات التي تقتضي ذلك، ما يلي: معلومات عن الإجراءات القضائية والإدارية ذات الصلة، مساعدات لتمكينهم من عرض آرائهم وشواغلهم وأخذها بعين الاعتبار في المراحل المناسبة من الإجراءات الجنائية ضد الجناة، بما لا يمس بحقوق الدفاع”.
وتضيف المادة (6) من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص أنه: “تنظر كل دولة طرف في تنفيذ تدابير تتيح التعافي الجسدي والنفساني والاجتماعي لضحايا الاتجار بالأشخاص، بما يشمل، في الحالات التي تقتضي ذلك، التعاون مع المنظمات غير الحكومية وسائر المنظمات ذات الصلة وغيرها من عناصر المجتمع المدني، خصوصًا توفير ما يلي: السكن اللائق، المشورة والمعلومات، خصوصًا فيما يتعلق بحقوقهم القانونية، بلغة يمكن لضحايا الاتجار بالأشخاص فهمها، والمساعدة الطبية والنفسانية والمادية، وفرص العمل والتعليم والتدريب”.
وبحسب البرتكول ذاته: “تأخذ كل دولة طرف بعين الاعتبار، لدى تطبيق أحكام هذه المادة، سن ونوع جنس ضحايا الاتجار بالأشخاص واحتياجاتهم الخاصة، ولا سيما احتياجات الأطفال الخاصة، بما في ذلك السكن اللائق والتعليم والرعاية، تحرص كل دولة طرف على توفير السلامة البدنية لضحايا الاتجار بالأشخاص أثناء وجودهم داخل إقليمها. تكفل كل دولة طرف احتواء نظامها القانوني الداخلي على تدابير تتيح لضحايا الاتجار بالأشخاص إمكانية الحصول على تعويض عن الأضرار التي تكون قد لحقت بهم”.
استطلاع .. (37.7%) أغلب ضحايا الاتجار بالبشر من الأطفال!
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه مركز يمن انفورميشن سنتر للبحوث و…