الدَّين العام في اليمن تركة ثقيلة تهدد التنمية
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
أسهمت الظروف التي أحاطت باليمن على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي وما نتج عنها منذ 2014م، من صراع ونزاع وتوقف للبرامج الاستثمارية الحكومية؛ جراء تعليق تمويلات المانحين، في حدوث نتائج كارثية على الاقتصاد.
تقرير البنك الدولي يؤكد أنَّ الصراع النشط الذي دخل عامه الثامن، سوف يستمر في إرهاق المانحين، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، إلى جانب الظروف المناخية المعاكسة في تشكيل تهديد خطير للظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية.
وفي ذات التقرير “مؤشر آفاق الاقتصاد الكلي والفقر – اليمن أبريل 2022م” ورد أنَّ الاقتصاد اليمني استمر في الانكماش عام 2021م، متأثرًا بعدم استقرار الاقتصاد الكلي، وتصاعد الأعمال العدائية.
وأشار التقرير إلى أنَّ النشاط الاقتصادي ظل يعاني من الصراع، وتوقف الخدمات الأساسية والنقص في المدخلات، وهو ما تفاقم بسبب الازدواج الضريبي والتشوهات الناجمة عن قرارات السياسة غير المتسقة من قبل أطراف الصراع.
وأكد تقرير البنك الدولي أنَّ الماليات العامة ما تزال تتعرض لضغوط شديدة، موضحًا أنَّ تعليق خدمة الدين العام الخارجي ظل قائمًا باستثناء مدفوعات المؤسسة الدولية للتنمية وصندوق النقد الدولي.
وذكرت بيانات الحسابات القومية 2019م، الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، أنَّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سجل انكماشًا تراكميًا من 30.5% عام 2015م إلى 47.2% عام 2018م وتراجعًا قليلاً ليصل إلى 46.4% عام 2019م عن حجمه في عام 2014م.
وامتد الصراع بشكل متزايد إلى المجال الاقتصادي، مما أدى إلى تجزئة وتدهور القطاع المالي، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، ووفقًا للتصنيف الدولي للبراءات ـــ بشأن انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2020م ــ دفع الصراع في اليمن 13 مليون شخص إلى انعدام الأمن الغذائي.
على مدى سبع سنوات من الصراع في اليمن، تضاعفت أسعار السلع الأساسية أكثر من الضعف، وفقاً لمسح أجرته لجنة الإنقاذ الدولية خلال العام 2021م.
فيما ارتفعت نسبة البطالة إلى الضعف خلال الفترة 2014 – 2019م، من 13.5% في عام 2014م إلى ما يقدر بنحو 34 بالمائة عام 2020م، وفقًا لدراسة “اليافعون والشباب وسبل تمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا” فبراير 2021م.
ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء “بيانات الحسابات القومية 2019م” فقد تراجع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 1193 دولارًا عام 2014م إلى 364 دولارًا بسعر الصرف الموازي عام 2019م، وبمعدل تغير تراكمي بلغ – 69.5 %.
دوافع التدهور الاقتصادي
دخل الاقتصاد اليمني مرحلة الانكماش منذ عام 2014م، وبلغت ذروته في عام 2015م، وأرجعت وزارة التخطيط والتعاون الدولي تراجع الاقتصاد إلى توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، بما فيها الممولة خارجيًا؛ نتيجة تعليق تمويلات المانحين.
فيما انخفضت الإيرادات الحكومية بنسبة تصل إلى 53% في عام 2015م، وبنسبة 60% عام 2016م، بعد انقطاع إنتاج النفط، وتعليق دعم المانحين، وانخفاض الإيرادات الضريبية وسط الصراع المتصاعد، وفقاً لتقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي “الاقتصاد اليمني.. إلى أين؟” ديسمبر 2017م.
وفي المقابل ارتفع عجز الموازنة ونسبة الدَّين المحلي؛ جراء تراجع الإيرادات العامة بكافة مصادرها، الضريبية وغير الضريبية والنفطية وفائض أرباح المؤسسات العامة.
وأكد تقرير “آفاق الاقتصاد اليمني 2019: الصادر عن البنك الدولي” أنَّ التراجع في النشاط الاقتصادي؛ أدى إلى انخفاض كبير في تحصيل الإيرادات العامة وزيادة الديون، مشيرًا إلى أنَّه مع انخفاض الإيرادات، تقلص الإنفاق العام بنسبة 36% من 2014 إلى 2016م.
وبحسب بيانات وزارة المالية، نشرت مالية الحكومة العدد 69 الربع الرابع 2019م “ارتفع عجز الميزانية العامة للدولة ـــ كونها نسبة مئويةـــ من الناتج المحلي الإجمالي من 4% عام 2014م إلى 15% عام 2016م، قبل أن ينخفض تدريجياً إلى 9.9% في 2019م”.
زيادة أعباء الدين العام
في ظل تفاقم العجز ووجود صعوبة في تمويل عجز الموازنة من موارد حقيقية؛ بسبب فقدان أغلب الإيرادات العامة للدولة، فقد لجأت الحكومة إلى الدين العام الداخلي؛ بسبب تعليق التمويل الأجنبي لتمويل العجز المتفاقم.
وقفزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 44% عام 2014م، إلى 91% عام 2016م، إلى 100.4% ابتداءً من 2019م، وبمتوسط سنوي بلغ 93% للفترة ما بين 2015 – 2019م، وفقاً لبيانات وزارة المالية للعام 2019م.
تشير بيانات وزارة المالية إلى أنَّ ارتفاع نسبة الاقتراض من البنك المركزي إلى إجمالي الدين العام الداخلي تضخم من 21% عام 2014م إلى 43.6% عام 2019م من إجمالي الدين العام الداخلي وبمتوسط سنوي بلغ 42.2 % خلال الفترة ذاتها.
وبحسب تقرير “الدين العام في اليمن” الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في يونيو 2016م، فقد انخفض الرصيد القائم للدين الخارجي من 7.26 مليار دولار عام 2014م إلى 6.88 مليار دولار عام 2015م؛ بسبب تعليق القروض الخارجية، وتسديد البنك المركزي لخدمة الدين الخارجي.
وتتوزع الديون الخارجية المستحقَّة على اليمن بنسبة 22% على دول نادي باريس، و29 % على دول غير نادي باريس، و49 % على مؤسسات دولية.
وأوضح التقرير ذاته أنَّ خدمة الدين العام شكلت 64.2% من إجمالي الإيرادات العامة و34.6% من إجمالي النفقات العامة للدولة عام 2015م، ما يعني أنَّ عبء الدين العام تجاوز الحدود الآمنة بنسبة 25%.
مؤكدًا أنَّ مدفوعات الفائدة استحوذت على أكثر مما يصرف على النفقات الاجتماعية: التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمياه، ولم تترك مساحة للإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية والبرامج الاستثمارية، وأصبح الدين العام في وضع غير مستدام.
وأوصى التقرير بإعادة هيكلة الدين المحلي من خلال الدخول في حوار ودي مع الدائنين المحليين؛ لإطالة فترة استحقاق الدين سواء كان أذون خزانة أو سندات حكومية.
وبيّن التقرير أنَّ هذا الإجراء سيكون مفيدًا؛ لتخفيف الضغوط على الموازنة العامة في المدى القصير، بعدما ارتفع إجمالي الدين العام من 22.1 مليار دولار عام 2014م إلى 25.9 مليار دولار عام 2015م، بنسبة زيادة بلغت 17.3%.
يرى عبد الحميد المساجدي (الباحث الاقتصادي) أنَّ تعليق الدعم من طرف المانحين الإقليميين والدوليين قد فاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ويذكر المساجدي أنَّ استئناف دعم المانحين لليمن بات ضرورة ملحة وعاجلة، -خاصة- تمويل الإعانات النقدية للفقراء وتمويل مشاريع الخدمات الأساسية الضرورية للسكان.
وتابع “على المانحين الدوليين والمؤسسات المالية أن تقدم مستويات أعلى في المساعدة المتمثلة في ضخ أموال جديدة بالعملات الأجنبية، من الالتزامات السابقة؛ كونها وسيلة للمساعدة في استقرار سعر الصرف في اليمن”.
ويؤكد الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي أنَّ وقف العنف والأمل في المصالحة السياسية، وإعادة دمج مؤسسات الدولة الحيوية من شأنه تحسين البيئة التشغيلية للقطاع الخاص، وتسهيل إعادة بناء الاقتصاد وإعادة بناء النسيج الاجتماعي للبلاد.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…