أول صحيفة في شبه الجزيرة العربية صدرت في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
مرت وسائل الإعلام اليمنية المختلفة بمراحل عديدة منذ نشأتها حتى الوقت الحاضر وواجهت العديد من التحديات والصعوبات الكثيرة ولا زالت، ولعبت دوراً تاريخياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً وبرزت الكثير من الأسماء الإعلاميين والصحفيين والإذاعيين الذين حققوا انجازات عظيمة سواء من خلال إدارة المؤسسات الإعلامية أو من خلال أعمالهم المختلفة.
البداية التاريخية للوسائل الإعلامية اليمنية
اعتمد اليمنيون في القدم على وسائل اتصال عديدة أشهرها الوسائل الصوتية والضوئية منها المساجد والطبول والنار، ووسائل إعلام مكتوبة منها الرسائل الشخصية والمنشورات الخطية والتأليف ونسخ الكتب، حتى بدأت تظهر العديد من الوسائل الإعلامية الحديثة.
الصحافة من وسائل الإعلام التي مرت بالعديد من المراحل في تطورها ابتداء من العام 1853م حين أدخل البريطانيون أول مطبعة رسمية إلى عدن لتغطية احتياجات إدارتهم، وبعثوا عدداً من المحكوم عليهم بالسجن إلى الهند للتدريب على عملية الصف اليدوي وذلك لتشغيل المطبعة والتي كانت تطبع باللغتين العربية والإنجليزية، إلى أن أدخل العثمانيون عند حكمهم لشمال اليمن أول مطبعة إلى صنعاء في العام 1872م التي كانت تطبع باللغتين العربية والتركية وكانت تطبع مطبوعات رسمية وأُطلق عليها (مطبعة الولاية)، كما أنَّها أصدرت أول صحيفة مطبوعة ظهرت على شكل نشرة وهي (يمن) التي أصدرها الوالي العثماني مختار باشا باللغة التركية في أربع صفحات.
ثم صدرت صحيفة صنعاء في العام 1878م بتوجيه من السلطان عبد الحميد الثاني الذي وجه بأن يكون لولاية اليمن صحيفة أسوة ببقية الولايات التابعة للإمبراطورية العثمانية وكانت تصدر باللغة التركية وتعد أول صحيفة صدرت في شبه الجزيرة العربية بصفة أسبوعية.
وفي عام 1938م صدرت صحيفة (الإيمان) ومجلة (الحكمة) في عهد الإمام يحيى حميد الدين، كما أصدر الأمام أحمد في تعز صحيفة رسمية باسم (النصر) عام1950م، وبعد قيام 26 سبتمبر 1962م صدرت صحيفة (الثورة) في مدينة تعز بوصفها صوتاً معبراً عن الوضع الثوري الجديد ثم توالى بعد ذلك صدور الصحف والمجلات المختلفة.
تعد صحيفة عدن أول صحيفة صدرت في عدن 1900م كما ظهرت في هذه الفترة العديد من الصحف والمطابع ومنها صحيفة البورة عام 1915م والمجلة الشهرية الكواكب عام1925م، إضافة إلى صحيفة صوت الجزيرة 1939م ومحمية عدن عام 1939م.
ويعد العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين بداية صدور الصحافة اليمنية من الداخل منها صحيفة حضرموت في تريم عام 1917م، كما صدرت مجلة عكاظ عام 1925م تلتها صحيفة التهذيب في سيئون عام 1930م.
وتعد صحيفة فتاة الجزيرة من أشهر وأهم الصحف صدر العدد الأول منها عام 1940م وبعد تأسيس الجمعية العدنية عام 1949م أصبحت أول صحيفة لمواطن عدني بعد حصولها على الترخيص الحكومي آنذاك
وتعد الإذاعة من الوسائل الإعلامية التي شهدت هي الأخرى مراحل ومنعطفات تاريخية حيث كانت بدايتها من العام 1946م حين تلقى الجيش اليمني هدية من الجيش الأمريكي وهي عبارة عن محطة لاسلكية حملتها بعثة عسكرية إلى اليمن والتي حُوِّلت إلى محطة إذاعية لاسلكية للمملكة المتوكلية في اليمن حيث اقتصر إرسالها على يوم واحد في الأسبوع (الجمعة) وبواقع 1.15 ساعة فقط.
حينها زاد إقبال المواطنين على امتلاك أجهزة المذياع واستماعهم للإذاعات المختلفة حتى أصبحت الاذاعة تشكل منبراً للمواطنين في البلاد وحلقة وصل بينهم وبين الآخر. وفي عام 1955م تم افتتاح محطة إرسال جديدة والتي تعد مرحلة مهمة في مسيرة تطوير الإذاعة من حيث ارتفاع حجم البرامج وبداية تشكيل العمل البرامجي وظهور البرامج الثقافية والأدبية والسياسية والاجتماعية.
في عام 1964م تأسست إذاعة صنعاء (البرنامج العام) وتوقف بثها بعد عامين من تأسيسها وأعيد فتحها عام 1955م وامتدت ساعات بثها على مدار اليوم، تخصص منها ساعتين باللغة الإنجليزية، بدأت تبث برامجها اعتباراً من مايو 2001م على موقعها في شبكة الإنترنت، فيما تأسست في 17 أغسطس 1954م إذاعة عدن( البرنامج الثاني) وبلغ عدد ساعات بثها في الأيام العادية (15)ساعة، إلى جانب تأسيس العديد من الإذاعات في كثير من المحافظات اليمنية مثل إذاعة الشباب وإذاعة تعز وإذاعة الحديدة وإذاعة سيئون وأبين وحجة والمهرة، كما شهدت الفترة الأخيرة ظهور العديد من الإذاعات الخاصة.
عرفت مدينة عدن الإرسال الإذاعي المنتظم عام 1940م باسم إذاعة صوت الجزيرة وكان مقرها في مدينة التواهي، واستمر بثها حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية وتوقف حتى افتتاح إذاعة عدن في عام 1954م.
امتازت إذاعة عدن بوجود كوادر إعلامية ذات كفاءة منهم أحمد محمد زوقري -أول مدير يمني للإذاعة-، وحسين الصافي -أول مذيع معين رسمياً للإذاعة-، وغيرهما من العاملين في إذاعة عدن، منهم علوي السقاف وأبو بكر العطاس، وكان للكادر النسائي حضور كبير في الإذاعة حيث وصل عدد العاملات في الإذاعة في منتصف الستينيات إلى خمس عشرة فتاة منهن صفية عثمان وماهية نجيب وسعيدة باشراحيل وعديلة بيومي وغيرهن.
عرفت اليمن البث التلفزيوني لأول مرة عام 1964م عندما أنشأ البريطانيون في عدن محطة للبث التلفزيوني وبدأ إرسالها في 11 سبتمبر من نفس العام، وكان بثها محدوداً ومقتصراً على مدينة عدن وبعض المناطق المجاورة وانتقلت إلى البث الملون في 8 مارس1981م وكان إرساله يستمر لثمان ساعات يومياً ويمتد الإرسال إلى بعض أراضي الجمهورية وتزداد ساعات البث في أيام العطل والإجازات الرسمية.
أما في شمال الوطن، فقد عرف البث التلفزيوني في عام 1975م عندما تم افتتاح محطة في صنعاء في24 سبتمبر1975م. وبعد إعلان قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م سميت محطة صنعاء القناة الأولى فيما سميت محطة عدن القناة الثانية، وبدأ البث الفضائي لبرامج تلفزيون الجمهورية اليمنية في20 ديسمبر 1995م عبر القمر الصناعي الأمريكي (أنتلسات 702) وانتقل البث اعتباراً من 15 ديسمبر 1996م إلى القمر (عربسات A2)، واعتباراً من 6 مارس 2003م انتقل البث الفضائي اليمني إلى القمر الصناعي (عربساتA2)، وبدأت تزداد عدد القنوات اليمنية حتى وقتنا الحاضر بين حكومية وخاصة.
برامج يمنية في الذاكرة
انتجت الوسائل الإعلامية اليمنية منذ نشأتها سلسلة من الأعمال، أحدثت تأثيراً كبيراً في الناس وتخلدت في أذهانهم بين برامج تلفزيونية وإذاعية في مختلف الجوانب الثقافية والدينية والإخبارية والسياسية والدرامية والمسابقاتية والغنائية، كما احتلت البرامج الرمضانية في الوسائل الإعلامية اليمنية اهتماماً كبيراً من إدارة المؤسسات الإعلامية نظراً لأهميتها في خلق الأجواء الرمضانية لدى المواطن الذي يترقب الإعلان عنها وبثها قبيل الشهر الفضيل.
يعد برنامج «فرسان الميدان» من أهم البرامج التلفزيونية اليمنية، وهو برنامج جماهيري رمضاني انطلق من قناة اليمن عام 1994م ثم بثته قناة السعيدة موسمي 2008 – 2009م كان من إعداد وتقديم المذيع الراحل يحيى علي علاو حتى عام 2009م، كان برنامج فرسان الميدان من أروع البرامج وأشهرها وكان له الكثير من المتابعين، وأسهم كثيراً في إثراء المعلومات الثقافية واللغوية والدينية والسياحية، وكان المذيع الراحل يحيى علي علاو يجوب مناطق اليمن شرقها وغربها وشمالها وجنوبها لتصوير البرنامج، وكان عادة يستغرق من 9 إلى 10 أشهر في التصوير.
ويعد برنامج «صور من بلادي» هو البرنامج الشعبي والثقافي الأول في اليمن، الذي كان من إعداد وتقديم محسن الجبري، أنتج في العام 1977م في التلفزيون اليمني الرسمي واستمر البرنامج لأكثر من ثلاثين عاماً، تناول البرنامج العادات والتقاليد والطقوس الثقافية في المدن اليمنية، كان يبث كلَّ خميس في تمام الساعة السابعة والذي كان يتابعه اليمنيين بشغف، كذلك البرنامج الرياضي (استديو الرياضة) للمذيع الرياضي اليمني علي العصري والبرنامج الرمضاني (مسابقة القرآن الكريم) (برنامج الزراعة والفلاح) و(برنامج طوف وشوف) و(برنامج نادي السينما) في قناة اليمن، و(برنامج ظلال ساخنة) للمذيع الراحل نجيب الشرعبي و(برنامج على الماشي) في قناة السعيدة، وغيرهم من البرامج اليمنية التي اجتذبت شريحة كبير من المشاهدين في اليمن في قنوات مختلفة.
الإعلامية إشراق العطاب علَّقت عن أهمية بعض هذه البرامج بقولها: «شكلت وسائل الإعلام اليمنية قديماً مرجعاً تاريخياً ومعرفياً وثقافياً كبيراً؛ حيث لم تكن هناك وسائل لنقل المعرفة عن المحافظات اليمنية والحضارة والإرث اليمني إلا عبر هذه البرامج التي تبث على التلفاز فكانت هي التاريخ وهي الثقافة».
أضافت إشراق أنَّ خلال هذه البرامج» استقينا منذ صغرنا العديد من المعلومات عبر مسابقات الإعلامي الكبير الراحل يحيى علاو بأسلوبه الشيق والمحفز وحتى الألعاب التي كانت ضمن فقرات برنامجه كانت تروي لنا إرث وحضارة كل منطقة يمنية ريفية».
وأكدت «أنَّ برنامج صور من بلادي ساهم في نقل واختزال آلاف الصور عن مناطق لم نكن لنعرفها لو لم نسافر إلى هناك»، وزادت «باعتقادي قدمت تلك البرامج الكثير والكثير في عهد لم يكن فيه إلا التلفاز سيد الصورة».
ومن أهم البرامج الإذاعية القديمة (برنامج واحة اليوم) الذي بث في إذاعة صنعاء للمذيعة عائدة الشرجبي إضافة لبرنامج (فتاوى) للراحل عز الدين تقي وبرنامج (مسعد ومسعدة)، وبرنامج (معكم في الهواء) الذي تم بثه في إذاعة المكلا فور نشأتها وبرنامج (صوت الجنوب الثائر) في إذاعة تعز، وبرنامج (وجه مختلف) وبرنامج (نقطة تحول) وبرنامج (عيادة أف أم) وبرنامج (عشان بلدنا) وجميعها برامج بثتها إذاعات خاصة تعمل على موجة الـ FM.
الواقع الحالي للوسائل الإعلامية
يرى الكاتب الصحفي مصعب عفيف أنَّ وسائل الإعلام اليمنية قبل الصراع كانت تتركز غالبيتها في العاصمة صنعاء، وبعد أحداث 2011 شهدت اليمن ثورة في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ظهرت الكثير من القنوات الخاصة والصحف والإذاعات في صنعاء، كانت تركز على الوضع السياسي والمعيشي والاقتصادي وتدفع نحو الحوار الوطني ومخرجاته وكان فيها مساحة كافية لتناول القضايا الإنسانية.
ويذكر العفيف «أنَّ بعد اندلاع فترة الصراع شهدت وسائل الإعلام أوضاعاً كارثية على مستوى المؤسسات التي تعرضت للاقتحام والمصادرة أو تضررت بشكل مباشر نتيجة المعارك والمواجهات المسلحة، وعلى مستوى الأشخاص تعرض الكثير من الصحفيين للاعتقال والملاحقة والقتل والكثير فقدوا وظائفهم وانتقلوا للعمل في مجالات أخرى غير الصحافة والإعلام».
ويرى العفيف أنَّ وسائل الإعلام شهدت حالة من الانقسام الشديد وتحولت لوسائل إعلام حربية وباتت تخدم الأجندة السياسية والعسكرية لأطراف محلية أو إقليمية، طغت لغة التخوين والهجوم السياسي على النقد والأخبار أو التقارير الإنسانية، كما تكاثرت وسائل الإعلام بشكل أكبر أيضاً ودون ضوابط أخلاقية ومهنية.
ويشير العفيف أنَّ المؤسسات الإعلامية الإنسانية والمستقلة فقدت الدعم المالي والحماية، وبات كامل الدعم يذهب لوسائل إعلام تابعة أو موالية لكل طرف.
وكشفت دراسة صادرة عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في العام 2017م عن وجود 44 إذاعة في اليمن منها 15 إذاعة حكومية، و21 إذاعة خاصة، إضافة إلى ثمان إذاعات مجتمعية، وأثبتت الدراسة أنَّ البرامج الترفيهية والغنائية والرياضية والسياسية استحوذت على نسبة 80% من برامج 44 إذاعة في اليمن.
وكشفت الدراسة عن ندرة البرامج الخاصة بالمرأة حيث تشكل نسبة 2.2% من أوقات البث الخاص بالإذاعة في الأسبوع.
أوضحت الدراسة بأنَّ هذه الإذاعات غابت قضايا هامة عن برامجها منها الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية الأضرار التي تعرض لها القطاع الزراعي بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، البطالة وغياب فرص العمل، انقطاع الرواتب و أثرها على الأسر محدودة الدخل، توقف المرافق الصحية والتعليمية في الريف، التلاعب في معايير القبول في الكليات، التفكك الأسري، غياب الحقوق والحريات في ظل الأوضاع القائمة في اليمن، القضايا الأمنية المتمثلة بانتشار السرقة والنهب والقتل والتقطعات والثأر والاختطافات، إضافة إلى الانقطاع المستمر لشبكة الكهرباء.
الأديب والباحث علي مغربي الأهدل علق حول دور وسائل الإعلام في اليمن في الوقت الحالي بقوله: «إنَّها ساهمت في إبراز الجوانب التاريخية والسياسية والثقافية غير أنَّها لا تزال مقصرةً في أداء دورها لإبراز وتغطية هذه القضايا كما يجب، ويرى أنَّ الإعلام اليمني لم يغوص كثيراً في معظم القضايا التاريخية والثقافية المتعلقة بتاريخ اليمن ولم يتناولها كما يجب على الرغم من محاولته في تناول بعض الجوانب، خصوصاً الإعلام الرسمي».
يقول الأهدل: «إنَّ هناك الكثير من القضايا التي تتعلق باليمن وتاريخه الثقافي والسياسي والتاريخي تحتاج إلى منابر إعلامية حرة ومتخصصة وأكثر مهنية لسبر أغوار مجمل قضاياه».
ويرى الأهدل أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والمواقع والقنوات المنشرة على الشبكة العنكبوتية لعبت دوراً أكبر من دور الإعلام التقليدي في تناول مثل هذه القضايا وإبرازها، ومع ذلك يظل دور الإعلام اليمني هاماً في إعطاء هذه الجوانب حقها في التناول الإعلامي.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…