القطاع الخاص تعايش مع الضغوط ومصالح النفوذ
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
يعمل في بيئة تسودها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والاختلالات الأمنية
يواجه المستثمرون المحليون والأجانب في اليمن العديد من التحديات اليوم، على رأسها صعوبة إقامة الأعمال الخاصة، وتدهور بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار بشكل عام، حيث تسير من سيء إلى أسوأ منذ مطلع هذا العقد، وقد شهدت تدهوراً متسارعاً منذ اندلاع الصراع القائم بشكل أكثر وضوحاً وتأثيراً.
وبرزت جملة من المشكلات والتحديات العميقة أمام القطاع الخاص في اليمن؛ حيث تعرض لضربات موجعة، لم تقتصر على أزمة الطاقة والخسائر المالية أو إغلاق أبواب الشركات والمؤسسات فحسب؛ بل أيضاً تعرضت حوالي ربع منشآته للدمار المادي، وفقدان مئات الآلاف من العاملين لفرص العمل والدخل.
منذ أن اندلع الصراع، أصبحت البيئة التشغيلية أكثر تضييقاً، نظراً لعدم التمكن من الوصول إلى أسواق المدخلات: الطاقة، العمالة، السلع الوسيطة، الخدمات، والأسواق المالية والتصديرية المتدهورة.
وخلصت دراسة «القطاع الخاص اليمني بين المسؤولية الاجتماعية وإمكانية المساءلة» إلى أنّ القطاع الخاص يعمل في بيئة تسودها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والاختلالات الأمنية، وأصبح يتسم بالهشاشة، في ظل التعايش مع ممارسات الفساد، ويتكيف ويتعايش مع الضغوط المختلفة ومع مصالح مراكز النفوذ.
وأشارت الدراسة الصادرة عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، إبريل 2021، إلى أنَّ العديد من الاستثمارات إما توقفت أو هاجرت إلى بلدان أخرى، إلى جانب اقتحام فئات قبلية- مسنودة بمراكز النفوذ المسيطرة- في مجالات استثمارية، أبرزها النشاطات التجارية والعقارية وشركات الصرافة وتحويل الأموال.
يذهب معظم المحللين وأصحاب المشاريع إلى أنّ مشكلة القطاع الخاص الرئيسة من قبل عام 2011م، كانت تتمثل في نظام المحسوبية.
يُعاني القطاع الخاص من زيادة الضرائب والإتاوات والدفع المزدوج للجمارك، ومن تضرر البنية التحتية في أجزاء واسعة من البلاد، وتدني تغطية الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة، وضعف خدمات النقل والاتصالات.
وبرز تحدي الكهرباء كأحد التحديات الكبيرة التي تُعيق أنشطة أعمال القطاع الخاص في ظل التقلبات السياسية، إذ تُعاني شركات القطاع الخاص من أزمة انقطاع الكهرباء، ويؤدي ذلك إلى خسارة ما يزيد عن 16 % من مبيعاتها السنوية، وفقاً لتقرير أصدره بنك الاستثمار الأوروبي، نهاية 2016.
وذكر التقرير أنّ شركات القطاع الخاص اضطرت إلى الاعتماد على خدمات كهربائية مكلفة توفرها مولدات خاصة تتأثر هي الأخرى بأزمات انقطاع الوقود الواسعة التي تعصف بالبلاد بصورة مستمرة، والتي تعطل المولدات وتقيد شبكات النقل والتوزيع.
ولفت تقرير بنك الاستثمار الأوروبي إلى أنّ استيراد معدات الطاقة الشمسية كانت إحدى الاستراتيجيات التي لجأ إليها القطاع الخاص للتكيف مع مشكلة الكهرباء، وفي تلبية الاحتياجات المنزلية العاجلة ودعم عمليات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
فاقم الصراع الوضع حيث تعرضت المطارات والموانئ والطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه للدمار، وزيادة رسوم التأمين على النقل إلى اليمن، وخروج أصحاب الكفاءات العالية من العمالة الأجنبية وبعض اليمنيين إلى خارج البلاد.
فيما حددت دارسة «القطاع الخاص في اليمن يبحث عن طوق النجاة» أبرز التحديات التي تواجه القطاع الخاص في: ضعف الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع أسعار الفائدة، ومزاحمة الإنفاق الحكومي للاستثمارات الخاصة، وغياب السوق المالية، وضعف الاستقرار السياسي والأمني ونظام العدالة.
وأكّدت الدراسة أنّ العقبات الأمنية والمالية والتقلبات في أسعار الصرف، وتدهور قيمة العملة المحلية، وزيادة كلفة المدخلات، والفاقد في الطلب، وفقدان قاعدة المستهلكين، مثلت أيضاً الأسباب الرئيسة للخسائر التي لحقت بمنشآت القطاع الخاص وانكماش نشاط الكثير من شركاته ومؤسساته.
وذكرت الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أنّ القطاع الخاص خفض نشاطه التجاري (الواردات والإنتاج) وجمد الأنشطة الاستثمارية التي كانت تحت التنفيذ أو مخطط تنفيذها؛ تجنباً للمخاطر، نتيجة صعوبة التمويل، والضمانات الكبيرة التي تطلبها البنوك على الائتمان.
واحتلت اليمن المرتبة 187 من أصل 190 دولة في العالم في مؤشر بيئة أداء الأعمال الصادر عن مجموعة البنك الدولي لعام 2020، وهذا يضع اليمن ضمن أسوء خمس دول على خارطة بيئة أداء الأعمال في العالم.
وترسم المؤشرات العالمية الأخرى نفس الصورة القاتمة لبيئة الأعمال العامة ومناخ الاستثمار في اليمن، وفي عام 2018، احتلت اليمن المرتبة الثانية بعد الأخيرة في مؤشر التنافسية العالمية، من بين ما مجموعه 140 اقتصادٍ.
وفي مؤشر الحرية الاقتصادية، وفقاً لآخر تصنيف أشركت اليمن فيه عام 2015 بداية الصراع، كان ترتيبها 133 من بين 178 اقتصادًا، بدرجة «55.5 – أي
أنها غير حرة إلى حد كبير».
توقفت الاستثمارات الأجنبية في 2015، نتيجة الصراع والاختلالات الأمنية، والتي كانت حتى عام 2010 تمثل 33% أي ثلث إجمالي الاستثمارات، حيث تركزت في المشاريع الصغيرة الصناعية والخدمية وفي مجال الاستثمار السمكي، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للاستثمار.
كما نشأت العديد من العوائق القاهرة بفعل النزاع تمثلت في غياب الاستقرار السياسي، وتردي الوضع الأمني، واختلال التوازن المالي والنقدي، وشيوع اقتصاديات الحرب والجهات التجارية غير الرسمية التي هيمنت على السوق.
وطبقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، يقدر الانكماش التراكمي المحلي الحقيقي بنحو 46% للفترة ما بين 2014-2019، ومن المتوقع أن تصل الخسائر التراكمية في الناتج المحلي إلى 181 مليار دولار في نهاية 2022، على امتداد سنوت الصراع.
وقال رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بعدن، أبو بكر سالم باعبيد لـ»صوت الأمل»: «نعمل على مساندة المستثمرين والتجار في مواجهة التحديات والصعوبات الناتجة عن الصراع».
وأضاف: «نتطلع من الحكومة أن تولي القطاع الخاص الاهتمام اللازم وسنكون عوناً لها في تحسين بيئة الأعمال ووضع السياسات المشجعة للاستثمار».
ودعا باعبيد إلى إشراك القطاع الخاص في صياغة رؤية وأولويات المرحلة القادمة لتحديد الإصلاحات المطلوبة لتحسين بيئة الاستثمار، بما يمكن قطاع الأعمال من الإسهام الفاعل في البناء والتنمية.
وطالب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بعدن، الحكومة وكل القوى الفاعلة على الساحة، بتوفير الحماية للشركات والأمن اللازم لتحسين بيئة الاستثمار، وإنشاء بنك للإعمار.
وبحسب تقرير البنك الدولي «الآفاق المستقبلية للاقتصاد اليمني 2019» تسبب الصراع في توقف الأنشطة الاقتصادية على نطاق واسع، نظراً للانخفاض في الوظائف وعمليات القطاع الخاص وفرص الأعمال التجارية.
وأوضح أنّ تكاليف التشغيل ارتفعت بشدة نتيجة انعدام الأمن ونقص الإمدادات والمستلزمات، مما أدى إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين في القطاعين الرسمي وغير الرسمي.
ومن مظاهر الأضرار أيضاً- بحسب اتحاد الغرف التجارية والصناعية- تأخر وصول البضائع ومدخلات الإنتاج، وارتفاع تكاليف النقل إلى اليمن ورسوم الشركات الملاحية وتكاليف التأمين، إضافة إلى الازدواج الضريبي والجمركي المستحدث من قِبل أطراف الصراع.
إلى جانب توقف تصدير المنتجات الزراعية والسمكية ووقف البنوك فتح اعتمادات التصدير، أدى تفاقم أزمة الطاقة والمشتقات النفطية بين الحين والآخر-على مدى سنوات- إلى تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي وارتفاع تكاليف النقل الداخلي.
وقالت دراسة «ما وراء الأعمال التجارية كالنهج المعتاد» للباحثة أمل ناصر، إنّه مع كل هذه المتغيرات، تكيف القطاع الخاص مع الوضع، وما زال يقدم دوره في النشاط الاقتصادي، رغم انكماشه في قطاعات أخرى، كما حل محل الدولة في عديد من القطاعات، منها تجارة الوقود، والطاقة.
وأشارت الدراسة الصادرة عن مشروع «إعادة تصور اقتصاد اليمن» إلى أنّ القطاع الخاص يُقدم أكثر من نصف الخدمات في قطاعات، كالرعاية الصحية والتعليم.
ومع تجزئة مؤسسات الدولة -مثل وزارة المالية والبنك المركزي- أصبح القطاع الخاص لاعباً حيوياً على الأرض، مما ساعد على ملء الفراغ في تقديم الخدمات الأساسية.
كما كشف مسح تم إجراؤه في منتصف عام 2017 تناول قطاع الأعمال في اليمن لقياس مساهمته في الاستجابة الإنسانية، أنّ أربعة… من أصل خمسة أعمال لها يد في جهود الإغاثة الإنسانية من طعام، ورعاية صحية، ومساعدات غذائية.
43% : الصراع أبرز العوائق امام عمل القطاع الخاص في اليمن
صوت الأمل قالت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر لصالح صحيفة صوت الأمل، في ش…