بعد أن كانت الأولى في الوطن العربي.. الموسيقى في اليمن مقتصرة على الأعراس
صوت الأمل – رجاء مكرد
الفن في اليمن يقتصر -في معظم الأوقات- على المناسبات الوطنية أو الاحتفالية وليس لنشر ثقافة اليمن، والحفاظ على موروثنا الغنائي الغني جدًا
منذُ الستينيات، لم تكن توجد فرق موسيقية في المناطق الشمالية نهائيًا، كان العزف بشكل انفرادي؛ الفنان يشتري آلة موسيقية ويعزف وحده بدون فرقة، مثل: الفنان الحارثي، العنتري، أما في المناطق الجنوبية، مثل لحج وعدن، فكانت توجد فرق موسيقية، بالتالي كانت الموسيقى متقدمة في جنوب اليمن أكثر من شماله.
بعد الثورة كان المصريون يأتون إلى اليمن -وخاصة تعز وصنعاء- للعزف، وكفرقة موسيقية حديثة كانت في عام 1975م، عندما أعلن في الإذاعة بأمر من الرئيس إبراهيم الحمدي، فتقدم 160 شابًا وشابة ليلتحقوا بالفرقة ونجح حوالي 16 من المتقدمين.
من ضمن الـ16 المقبولين (الأستاذ عبد الله الدُبعي: مدير عام معهد الدراسات الموسيقية)، الذي يواصل حديثه لـ «صوت الأمل» عن تأسيس أول فرقة موسيقية: «كان لدينا خمسة خبراء كوريين من عام 1975 -1984م، في حدود خمس سنوات تكونت فرقة موسيقية ظهرت لتعزف على المسرح خلال خمسة أشهر، في حفل 13 يونيو في أيام الرئيس الحمدي.
مضيفًا: «في تلك الفترة زارنا الفنان محمد عبده، وغنّى معنا أغنية (جلّ من نفس الصباح)، كان يُطلق على الفرقة اسم (بيبي ميوزيك)؛ لأنّ أعمارنا بحدود 13- 14 سنة، هذه الفرقة طبعًا كانت تضم 16 فردًا، بعدها أضافوا إليها فرقة أخرى نحاسية، تكونت الفرقة بحدود 34 موسيقيًا، في عام 1976 وما فوق كانت تُعتبر هذه الفرقة الأولى في الوطن العربي، وتضم كل الآلات الموسيقية الموجودة في العالم النحاسية والنفخ والأورجات، حتى أنه في إحدى الصحف الخليجية قالت عنا فرقة عربية تضم كل الآلات الموجودة في العالم ولم تذكر أنّها الفرقة يمنية.
ويؤكد الأستاذ الدُبعي: «من بعد الفرقة اليمنية التي تُعد الأولى في الوطن العربي، بعض الدول المجاورة أخذت الفكرة وكونت فرقها الموسيقية، وبعد أن أصبحت الفرقة اليمنية عالمية ومثلت اليمن في المحافل الدولية والمحلية، بدأت الفرقة تضمحل؛ إذ لا يوجد معهد موسيقى يستقبل المقبلين على دراسة الموسيقى، كان (معهد المجود) يستقبل من ثلاثة إلى أربعة متدربين فقط، بعدها جاءوا المصريين ليدربوا ولكنهم لم يكونوا كالمدربين الكوريين.
الفرقة التي بعدها شاركت في المحافل الدولية، لكن -بحسب الأستاذ عبد الله- مع مطلع نهاية الثمانينيات منهم من ترك الموسيقى؛ لأنّه لا يوجد اهتمام بها من الدولة نهائيًا، والجماعات الدينية كانت تحارب الموسيقى، ولا أحد يحمي الموسيقى والموسيقيين. وهذه الفرقة –الثانية- سجلت أعمالًا لإذاعة صنعاء وفي عدن وفي القنوات المحلية وأعمالها لا تزال إلى الآن تُعرض، فرقة موسيقية لم تعوض نهائيًا».
ويضيف مدير عام معهد الدراسات الموسيقية أنّ ما شجع الموسيقى في تلك الفترة وجعلها رائدة في الوطن العربي، أنّ الرئيس الحمدي ميّز الكادر الفني، كان يعطي المرأة المنظمة لمجال الموسيقى 20% زيادة على الرجل في حال قسمته 10%، كان الكادر الفني متميزًا عن غيره من الكوادر الإدارية الموجودة، ففي آخر 1988م، ألغي هذا النظام مما سبب عزوف أغلب الموسيقيين (تركوا الموسيقى)؛ لأنّ الموسيقي بات يضيع عمره في الموسيقى ويتم مساواته بأبسط موظف، وانحدر تقدير الموسيقيين أكثر وأكثر، فصار الموسيقي يشغر أدنى سُلم الوظيفة الحكومية، مثلًا: خريج شريعة وقانون، وإعلام وموسيقى كان القانون ينص على أنّه إذا تخرج الطالب وعنده شهادة موسيقية أو هواية موسيقية يٌعطى منصب مدير عام.
معقبًا: «هذه الميّز كلها أُلغيت، في عام 1990م أُصدر قرارا تعينهُ مديرًا عامًا لمعهد الدراسات الموسيقية، حاولت أن أفتتح المعهد ولم تسمح لي الجماعات الدينية بذلك، ولسان حالهم يقول: «لا نريد موسيقى»، دولة لا تهتم بالفن، بينما الخريجون الذين لم يرتبطوا بالموسيقى، تطوروا أفضل من الموسيقيين وأصبحوا عازفين. ولا يزال الفنان غير مُرحب به في المجتمع اليمني حتى الآن، ويتلقى أبشع الألفاظ في الطرقات وغيرها؛ فكل من يرى الموسيقي يقول له: «أنت لجهنم»، بل وسبق أن تعرضت لاعتداء وكُسرت آلتي الموسيقية في الشارع.
وبأسف يكشف الدُبعي: «ذقنا المُر في الفرقة الموسيقية». هذه الفرقة اضمحلت حتى أصبحت في عام 2004م حوالي ثمانية عازفًا، إلى عام 2011 أصبحوا خمسة أو أربعة عازفين، الآن انتهوا كلهم حاليًا، فقط الفرقة الموسيقية التي ندربها (الوطنية الشبابية)، أنا والأستاذ عبد الله أحمد الكبسي، وزير الثقافة الذي أولى الموسيقى اهتمامًا -حد قوله-، وهي الوحيدة حاليًا، تحوي عازفين فنانين وفنانات أغلبهم من العنصر النسائي، مرت ثلاث سنوات تدريب، لكن الفرقة تتعرض للمضايقة دائمًا.
حقائق عن الموسيقى في اليمن
بحسب المركز الثقافي – بلسان مدير عام الدراسات الموسيقية في اليمن- فهذه أبرز حقائق الموسيقى في اليمن:
في عام 1975م تكونت أول فرقة موسيقية في اليمن.
أول عدد للملتحقين بالموسيقى 160 متدربًا، تم قبول 16 منهم، وتدريبهم على يد خمسة خبراء كوريين.
في عام 1976م وما فوق تكونت فرقة موسيقية يمنية، أعمار العازفين ما بين 13 – 14سنة، عزفت على المسرح خلال خمسة أشهر من التدريب، وأطلق عليهم (بيبي ميوزيك)؛ لصغر سنهم، عددهم 34 موسيقيًا، وكانت الأولى في الوطن العربي، وتضم جميع الآلات الموسيقية الموجودة في العالم، النحاسية والنفخ وغيرها، (ذكرت إحدى الصُحف أنها تضم كل الآلات الموجودة في العالم).
في الثمانينيات كانت الموسيقى تحظى باهتمام، وكان هناك قانون بإعطاء أي خريج لديه شهادة موسيقية منصب مدير عام، وكانت المرأة المنظمة للموسيقى حصتها أكبر من حصة الرجل، وأُلغي هذا النظام نهاية 1988م.
مشاكل رافقت الفن والموسيقى
يستدرك مدير معهد الدراسات الموسيقية الأستاذ عبد الله الدُبعي حديثه عن الموسيقى بتخصيص الحديث حول أبرز المشاكل التي تواجه الفن والموسيقى حاليًا، بأن كل الجهود ذاتية؛ إذ لا توجد مرتبات. أكثر من سبع سنوات بدون راتب للمدرب الموسيقي. ثلاث سنوات منذ افتتاح المعهد وهو يخرج طلابًا، عددهم 63 شخصًا في كل الآلات الموسيقية (الجيتار، العود، الكمان، الأورج، وغيرها) لكنهم أصبحوا عازفين بدون عمل، فشغلوا وظائف أخرى غير تخصصهم الموسيقي. وفي حال عدم حصول دعم من أي منظمة أو من أي دولة فمن المحتمل ألا ينظموا إلى معاهد الفن؛ لأنّ الموسيقى إذا لم تحصل على تشجيع من الداخل ومن رجال العمل فلا أحد سيستمر.
مضيفًا أنّ من المشاكل التي تواجه الموسيقى، الجماعات الدينية التي لا تريد موسيقى، من عام 1975 خاصة-بعد عهد الرئيس الحمدي- حرّمت الفن. والآلات الموسيقية لا تكفي، فلدى المتدربين حاليًا ثماني آلات موسيقية منه شخصيًا، ومن الوزارة ثمان آلات ولا تكفي المتدربين؛ لأنّ عددهم 34 طالبًا، فضلًا عن القادمين من غير المسجلين، مؤكدًا: «سبق أن تم الاعتداء علي وكُسرت أربع آلات موسيقية في الشارع، من كرههم العقائدي للموسيقى».
وعن المنهج الذي يقوم بتدريسه لطلاب الموسيقى يقول الأستاذ عبد الله، أنّ المنهج مقر من المجلس الأعلى للفنون في الوطن العربي، من أقدم المناهج ويوجد منهج فرنسي، ومنهج كوري، ومنهج غربي، ندرب على المنهج العالمي في كل العالم، حصلت عليه في عام 1975 من السفارة المصرية أول ما دخلت معهد الموسيقى واستفدت منه أنا والزملاء.
مما لا شك فيه أن الذهاب يوميًا إلى معهد الموسيقى بالمركز الثقافي يتطلّب على الأقل -في ظل انقطاع الراتب- بدل مواصلات، لكن الأستاذ الدُبعي لا يوجد لديه دخل آخر، وهو يمارس التدريب بدون راتب، ولأجل لقمة العيش يعمل خياطًا، متأسفًا على الوضع الذي وصلت إليه الموسيقى في ظل استمرار الصراع: «ماذا أفعل! أبيع الآلات لأجل أن أعيش؟!»، مشيرًا إلى أنّ الطلاب ليسوا بأفضل حالٍ منه وأنّ حالتهم المادية صعبة قائلًا: «لا يأتي إلى الموسيقى إلا الموهوب ومن يملك الإبداع، والذي أنهكه الوضع والصراع أما أولاد المترفين فلا يأتون».
ما أسباب تراجع الفن والموسيقى؟
(رانيا الشوكاني: كاتبة وقاصة وسكرتارية التحرير والمشرفة الفنية لمجلة (إل مقه) وطالبة في المعهد الموسيقي)، ترى أنّ من أسباب ضعف الفن أنّ المعظم ينظر للفن بنظرة انتقاص، وأنّ الفنانين ينتمون للفئات الأكثر تهميشًا وإن بدأت النظرة تختلف حاليًا، أيضًا الفن في اليمن يقتصر في معظم الأوقات على المناسبات الوطنية أو الاحتفالية وليس لنشر ثقافة اليمن، والحفاظ على موروثنا الغنائي الغني جدًا.
وتضيف الشوكاني «من ناحية أخرى، كوني فتاة تعزف على آلة الكمان، تعرضتُ للكثير من المضايقات في الطرقات مما جعلني أخفي آلتي وقت خروجي؛ وبسبب ذلك تتخذ الكثير من الفتيات قرار الابتعاد عن المجال الفني تجنبًا للمضايقة، أما أهم الأسباب -وإن تحدى الكثير هذه العوائق- يكون عدم وجود الدعم الكافي لدراسة الموسيقى».
من جانبها (شروق الكبسي: متدربة في مجال الفن الموسيقي) تقول إنّ أول سبب لتراجع الفن ثقافة اليمنيين أنفسهم، واصفة ثقافتهم بـ (المحدودة) والمقتصرة على العادات والتقاليد، بالأخص على الفتيات تكون نظرتهم للملتحقة بالفن كمن تتجاوز حدود الأدب، مؤكدة: «يعجز الإنسان وهو يحاول تعديل الفكر الخاطئ الذي يعتقده الأغلبية تجاه الفن».
تحسينات لإنعاش الفن
إن إدخال تحسينات على الموسيقى يبدأ من نشر الثقافة الفنية داخل المجتمع اليمني، اهتمام الدولة والمسؤولين بهذا المجال بـالموهوبين وبالمجال الفني ودعمهم، توفير البيئة والمكان الملائم لمن يريدون تطوير مهاراتهم الفنية والموسيقية، أخذ الخبرات والتجارب من السبّاقين في المجال الفني، توفير وسائل النقل للمعهد بسبب بُعد مقره عن كثير من الطلاب، وفقًا لـ(أكرم الحداد، متدرب آلة الكمان).
من جانبها (ياسمين محمد: متدربة جيتار) تقول: «إنّ من التحسينات، توفير المكان المناسب للفنانين والمبدعين والعازفين، توفير الآلات الموسيقية المتنوعة كالعود، والجيتار، والكمان.. إلخ، وقبل كل شيء توفير أكثر من مدرس للمتدربين».
وتضيف محمد أنّه من الضروري تشجيع الشباب والفتيات على العزف والموسيقى بعيدًا عن العادات والتقاليد؛ لأنّ هناك مواهب لا بُد من استثمارها وتنميتها –خاصة- لدى الفتيات.
التوعية حــل
«الوعي بالشيء هو أعلى مراتب إدراكه وفهمه، وهو يأتي بعد المعرفة والتعلم والتطبيق، وهذا ما نحتاج الوصول إليه في شتى مجالات الحياة بالعموم، وفيما يخص الفنون على وجه الخصوص، لم يخلق الله شيء على وجه الأرض وفي هذا الكون إلا وله حكمة قد يجهلها العقل البشري، ولا يصل إلى عمق وعيها إلا القليل من المتنورين»، وفقًا لـ (الدكتورة فيروز ضيف الله: متدربة صوت في المركز الثقافي).
وتضيف الدكتورة ضيف الله، أنّ الفنون تتيح للإنسان الغوص في العالم الداخلي للمشاعر والأحاسيس التي هي هبة ربانية والوعي بها لا يعني _فقط_ معرفتها وتعلمها وتطبيقها، بل إدراكها وفهمها في العمق يتيح للإنسان الوصول إلى الرقي والسمو في الحياة، وبالتركيز على ذلك يتذوق الجمال والبهجة والشغف والهدوء والسكينة، والفنون أيضًا من ضمن ما سخره الله للإنسان في هذا الكون، وبالوعي بذلك له أن يبتعد عن الصراع والمعاناة والمرض وله أن يختار.
مردفة، «إنّ ريشة الرسام، ورنة وتر العازف، و اهتزاز صوت الفنان؛ لإصدار نغم عذب، ماهي إلا صور مختلفة للتعبير عن مشاعر وأحاسيس من صنع الخالق وطرق للوعي بها، ومن خلق الله لنا نأخذ الأسوة والعبر.. خلق الله الطير يملأ هذه الحياة بالنغم، خلق الشجر والحجر، الزهور والورود لتملأ هذه الحياة ألوانًا وعبيرًا، خلق الأنهار والبحار والمحيطات، خلق الجبال والوديان، خلق الهواء والرياح والنسيم العليل، خلق الكواكب والنجوم.. ألا نرى ونعي كل هذا الفن والإبداع، ألا تلهم أرواحنا وتؤسر للفن، للإبداع، للإحساس والسلام؟!»
الفن في اليمن شبه متوقف ومقتصر على الأعراس فقط.
كما يدعو الأستاذ (عبد الله الدُبعي مدير عام معهد الدراسات الموسيقية)، يرى ضرورة أن تقدم الدولة والجهات والمنظمات دعمًا للفن، وتوفر للمتدربين والمدربين رواتب وآلات، لأن الفن مهم وممكن أن يحقق التنمية الاقتصادية للدولة، بعد انهيار الاقتصاد، ففي أوروبا وتونس، في كل الدول العربية والنفطية أصبح للموسيقى والفن لها دور كبير في الإنتاج الفني، شُغل الفن في اليمن شبه متوقف ومقتصر على الأعراس فقط.
مضيفًا، «في المعهد والمركز الثقافي موسيقيون وعازفات، نريد أن نسجل للناس لكن لا أحد يريد أن يسجل أعمالًا فنية، الفرقة جاهزة لدينا شباب كُثر لم تتاح لهم الفرصة ليعملوا، المتدربين بدأوا يتركون الموسيقى؛ كون ظروفهم المادية صعبة، لا بُد من الوقوف إلى جانب الفن والموسيقيين والفنانين، إذا استمر الصراع وظل إهمال الفن على هذا الوضع لا يمكن أن تتقدم الموسيقى في اليمن».
مردفًا، «الموسيقى رسالة أصالة وتواصل بين كل شعوب العالم، تدعو للسلام، وهي الحياة، ومن لم يعرف الموسيقى فهو لا يعرف الحياة، كل كائن حي في الأرض يرتاح حين يسمع الموسيقى، الدول تتقدم بتقدم الموسيقى».
43% : الصراع أبرز العوائق امام عمل القطاع الخاص في اليمن
صوت الأمل قالت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر لصالح صحيفة صوت الأمل، في ش…